أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سنان أحمد حقّي - مسافرٌ زادهُ الخيالُ















المزيد.....

مسافرٌ زادهُ الخيالُ


سنان أحمد حقّي

الحوار المتمدن-العدد: 3533 - 2011 / 11 / 1 - 16:17
المحور: الادب والفن
    


مسافرٌ زادهُ الخيالُ
يُحكى أن العالم آينشتاين قال أنه عندما كان صغيرا لم يشغله شئ قدر ما شغلته حركة البندول وأنه قد قضى ليالٍ طويلة يتأمّل تلك الحركة ويتفكّر بكيفيّة حصولها .
أمّا أنا فقد شُغلتُ ليالٍ طوالٍ في التفكّر بالخيال، ما هو الخيال وكيف يحصل ومن أين يأتي ومن أين تأتي كل تلك الأفكار بل حتّى الإبداعات وعندما قرأنا ونحن صغارا عن أرخميدس وكيف أنه قال وجدتها وخرج عاريا في الشارع يصرخ وجدتها وجدتها فكم أخذ منّي ذلك الهاجس البعيد ومكان انطلاق تلك الفكرة وكيف واتاه العقل بها ، وهكذا تأمّلت إبداع الشعراء وكم استغربت انسيابيّة الكلمات والأوزان بل القوافي السلسة والمعبّرة ! من أين يأتون بها؟ قالوا من وادي عبقر ولكن هذه ربما تكون خرافات تثير الضحك ولكنني مع ذلك لم أتمالك نفسي وبحثت في المنجد عن عبقر وفي بعض الموسوعات التي تيسّرت أمامي أو في المكتبة العامّة التي لا تبعد عن دارنا كثيرا ومع أنني لم أكن حينذاك أحسن شيئا مفيدا من الإنكليزيّة سوى Bat Bate وRat Rate وهكذا لكنّني ورّطت نفسي في البحث عن شئ يمتّ بصلة إلى عبقر ولم أقتنع بما عثرت فعدت بخفّي حنين كما يقولون ولكن فكرة البحث عن الخيال لا زمتني طويلا وإلى هذه الساعة فكم طالعت من مقالات تستعرض من هذا الأمرشيئا ما . وكان مفيدا جدا أن اطلعت على بعض كتابات العالم العراقي الراحل عمرجعفر عن العقل وعن وظائف الدماغ العلياوكيف انه أوجزها بخمسة وظائف عليا وهي: الذاكرة ، التفكير، الإنتباه، اللغة والخيال.
وكم كنت سعيدا عندما قرأت عن الخيال مع أنه أي ما قرأت لم يكن شافيا لأنه كان مقالا موجزا في صحيفة وبالطبع لا يمكن أن يسهب الكاتب في عمق الموضوع ، وكم تأسّفت لأنه لم يسترسل كثيرا .
عندما يريد اي شخص أن يوصل أيّة معلومة إلى الآخرين فإنه يحتاج إلى قدر من الخيال في وصفها وفي التعبير عنهاوهكذا هو أمر كلّ الفنون والآداب ، فقد صاح صديقُ لي عندما سمع أغنية قديمة جميلة لعبد الوهاب " يا الله.. من أين يأتي عبد الوهاب بهذه الأنغام الرائعة؟ " نعم فعلا من أين؟ وعندما تطرأ فكرة لأحد علماء أو دارسي الرياضيات لا أنفكّ أتسائل من أين جاء بها؟
ليس الخيال عمليّة عضويّة أو ربما هو ناجم عن شئ من ذلك ولكن عندما نتحدّث عن الذاكرة فإننا نعي اننا كنّا قد اختزنّا تلك المعلومات والآن نسترجعها وهذا معقول وإن يكن غير مفهوم تمام الفهم وعندما نتحدّث عن اللغة فإننا تعلّمناها وبعدئذٍ نستذكرها أو نستدعي مكوناتها وصيغها وكذلك الأمر في التفكير إذ هو ليس إلاّ معلومات نعالجها مع بعضها مثل حلّ المسائل الرياضيّة لنستخرج حاصلها على أساس من عمليات تعلمناها سابقا وعند الحاجة نستدعيها أيضا بهدف استخدامها في العمل والإنتباه هو كفاءة عناصر العمل من سرعة ودقّة وحسن ردود الأفعال وسوى ذلك ولكن كيف هو الأمر مع الخيال؟ إننا كثيرا ما نعثر عليه وكأنه شئٌ خارجٌ عن إرادتنا ننتظره لكي يحصل وقد يطول الوقت أو يقصر ولكن ليس بيدنا فعل شئ لاستنزاله أو لاستهباط مادّته فالشاعر يقول قد أنتظر قافية ما أو سطرا طيلة أيام أو حتّى أسابيع ولا أجدها ولكنها في أحيانٍ كثيرة تأتي بلحظة وأنا على يقين من أنه لم تكن لي يد في العثور عليها والموسيقي يقول مثل ذلك والعالم والمفكّر وكلّهم هكذا يقولون إذاٌ من أين أتت كل تلك الأفكار؟
عندما قرأت أول مقال عن فرويد وعلم النفس قبلت فكرة العقل الباطن وأن كل ما نتعلمه ونستنتجه قد يكون أساسه العقل الباطن وبالرغم من أن الفكرة أثارت عندي كثيرا من التساؤلات الأخرى ولكن هل العقل الباطن هو تكوين مشترك بين بني البشر وربما أوسع من ذلك أيضا ؟ إذ كيف يشترك عدد من الناس بنتائج متشابهة أو مشتركة؟ هل العقل الباطن يمكن أن يكون كشبكة المعلومات العالميّة ( الإنترنيت) ونحن نستخدمها جميعا ونعمل (Download ) من برامجها ومعلوماتها بل حتّى أحداثها عبر ( YouTube ) ؟
من يقرأ حكايات ألف ليلة وليلة يجد أن كاتبها قد كان خصب الخيال فعلا فقد تحدّث عن تخيّل البلّورة المسحورة التي شغلت أخيلة الناس وتمنياتهم وها هي البلّورة المسحورة( التلفزيون أو شاشة الكومبيوتر تُرينا كل شئ وفي أي مكان خصوصا بعد أن استطعنا أن نتّصل مع بعضنا عبربرنامج سكايب وعندما كان يتحدّث عن البساط السحري ويضحكون منه ويقولون حكايات وخرافات ها نحن اليوم نفترش البساط السحري في مختلف الطائرات والمركبات الجوّيّة والفضائيّة أمّا الذي كان يأتي بالخبر بلمح البصر فها أنا اليوم أتحدّث وأتحاور مع مواقع مقراتها الرئيسة تقع في القارّة الأستراليّة !
وعندما وقفتُ يوما أمام الثور المجنّح قال قريبي الذي صحبني ذلك اليوم ألا ترى أن هذا الثور بجناحيه وزفيره وخواره وقوّته وضخامته يمكن أن يرمز للطائرة التي هي ضخمة كالثور ولكنها تطير وتنفث الهواء من أنفها ؟ ؟ إذا كل ما حاولوا التعبير عنه في الماضي لم يكن سوى صور وأخبار استطاعوا التوصّل إليها عن طريق الخيال!
والخيال عجيب جدا فهو لا يستند إلى الواقع بل هو طليق وحرّ تماما وليس هناك خيال علمي وخيال فنطازي أي غير علمي إذ أنه جميعه يُفضي إلى أمور عجيبة أو غريبة أو لم تحدث بعد أو حدثت ولا أحد علم شيئا عنها
والخيال هذا ليس أكثر من إشارة (Signal )وبهذا فهناك كثير من المشتركات بينه وبين الألكترونيات ولا سيما ال(Digital Electronics )وهي عمليّة تشبه عمليّة الخلق في البشر ومتواصلة معها فإن الأنثى مثلا لا تّخصّب إلاّ بإشارات وبتفاصيل لا تأتيها إلاّ عن طريق إشارات يحملها الكميت الذكري ومع أنه تكوين مادّي ولكنّه يتواصل كثيرا وعميقا مع إشارات الخيال التي بها صنعنا الطائرات والغواصات والتلفزيونات وكافّة المكونات الماديّة لحضارتنا الحديثة أمّا المواد التي صنعنا منها تلك الإنجازات فلم تكن سوى معلومات أو بيانات تمت معالجتها بواسطة برامج ( إشارات) .محددة أتت من مكان رفيع
بالمناسبة هل تتذكرون قصيدة الفيلسوف والمعلّم الثاني إبن سينا:
هبطت عليك من المكان الأرفــع ........... ورقـاء ذات تعــزُّزٍ وتـمنـعِ

محجوبةٍ عن كلِّ مقـلـة ناظـــــٍر ............ وهي التي سفرت ولم تتبرقــعِ

وصـلت على كـرهٍ إليك وربـمــا .............. كرهت فراقك وهي ذات توجُّـع

أنـفت وماأنسـت ولما واصـلـت ........... ألفت مجــاورة الخـراب البلقـــع

وأظنهـا نسيت عهـودا بالحمـى ............. ومـنـازلا بفراقهــــا لم تقـنـع

حتى إذا حصلـت بهــاء ثبوتهـا ........... في ميـم مركزهــا بذات الأجـرع

علقت بهــا ثاء الثقيل فـأصبـحـت .......... بيـن المنـازل والطلـوع الخضَّـع

تـبكي إذا ذكرت عهودا بالحمـى ............ بمدامـعٍ تهــمــي ولمـا تقلـــع

وتظلُّ ساجعـة على الدمـن التـي ............ درست بتكـرار الريـاح الأربـــع

إذ عاقـها الشكل الكثيف وصدها ........... نقـصٌ عن الأوج الفسيح الأرفـع

وغــدت مفـارقـِـةٌ لكل مخلِّـفٍ ........... عنهـا خليـف الـترب غير مشيِّـع

حتـى إذا قـرب المسير إلى الحمى .......... ودنا الرحيل إلى العطاء الأوسع

سجعت وقد كُشف الغطاء فأبصرت .......... ماليس يدرك بالعــيون الهجَّـــع

وغـدت تـغرِّد فـوق ذروة شاهـــقِ ........ والعلـم يرفـع قــدر من لم يرفع

فلأي أمـرٍ ُأُهـبـطـت من شاهـــقٍ .......... سامٍ إلى قصر الحضيض الأوضـع

إن كان أهبطهـــا الإلـه لحـكمـــةٍ ..... طويـت عـن الغــزِّ اللبـيب الأروع

فهبــوطهـــا لاشـكَّ ضـربـة لازبٍ ............. لتعــود سامعـــةً لمـا لم تسـمـع

وتكــون عالمــةً بـكلِّ خفـيَّــــــةٍ .............. في العـالمين وخرقهــا لم يرقـع

وهي التي قطع الزمان طريقهــا ............. حتى لقـد غربت بعـين المطلـــع

فكأنهـــا برقٌ تألـَّـــق بـالحمــى ............... ثمَّ انطـــوى فكأنــه لـم يلمـع

حسنا إلى ماذا تهدف هذه القصيدة؟
قد لا تكون الإنترنيت (شبكة المعلومات الدوليّة) إلاّ محاكاة بسيطة لشبكة معلومات ربّانيّة ! وقد لا تكون وآنذاك لن تكون إلاّ وادي عبقر نفسه!
ومع كل ما استعرضنا يبقى السؤال من أين يأتي الخيال والأفكار وخصوصا الأفكار التي تبهر البشر ويظلون يتفكّرون فيها قرونا ويظل العجب العجاب في كيفيّة حصول كل هذا؟ حتّى إن لم يكن وراء الخيال كل تلك الإستنتاجات يبقى أن نتسائل: طيب ولكن من أطلق أوائل الأفكار الخياليّة مثل البلّورة المسحورة وغيرها كيف استطاع أن يجعل من فنطازياته حلما يسعى البشر لتحقيقه ثم يتواصل العمل هكذا حتّى يتحقّق فعلا ؟ هل أننا لو أطلقنا خيالنا من عقاله فهل يا ترى ستكون منتجاته مما يشغل الناس حتّى يجعلوا منه أمرا واقعا ؟
وإذا كان الأمر كذلك بقي لدينا اليوم شئ مهم ننتظر تحقيقه وهو طاقيّة الإخفاء فلا بدّ أن وراء الأكمة ما ورائها
ويبدو أن الخيال هذا بحر متلاطم لا جرف له ومهما رحلنا معه أو به فإننا لن نبلغ إلاّ بعض الجزر الصغيرة هنا وهناك نستريح فيها لنواصل السفر مع الخيال الذي لم ندرك منه إلاّ الشئ القليل والنزر البسيط.



#سنان_أحمد_حقّي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الذائقة العروضيّة وبحور بلا حدود!
- أفارسيٌّ أم عربيٌّ هو ؟ أم هو خليج البصرة!
- في الوجود والعدم..فكرة!
- نداء! (في ضوء انعقاد مؤتمر قوى وشخصيات التيار الديمقراطي الع ...
- ردٌّ على ردّ بشان موضوعنا بحور بلا حدود المنشور في الحوار ال ...
- هزّة دهوك الأرضيّة ووصايا وقائيّة مطلوبة!
- أزمة فكريّة أم نضوب فلسفي
- بورتريت سريع للشاعرالراحل عبد الخالق محمود!
- مصالح أوسع الشرائح الإجتماعيّة لها الأولويّة
- غزة ووحدة نضال الشعب الفلسطينيّ!
- قصائد مترجمة عن لغة مجهولة!
- جامعاتنا بين أفكار وخواطرسريعة!
- أي قانون؟
- دكتور جرح الأوّلي عوفه..جرح الجديد عيونك تشوفه!
- غزّة..وخيار السلام!
- وفاءٌ كسر قلوبنا جميعا!
- زها حديد..عبقريّة متعاظمة!
- بلادٌ بظفائر سوداء ..وشرائط حمراء ..وياقات بيضاء منشاة!
- وطني الغالي ..ما أحوجك إلى تعاطف وتعاون العالم أجمع!
- ليلة أن هجمت قبائل التوتسي!


المزيد.....




- سامسونج تقدّم معرض -التوازن المستحدث- ضمن فعاليات أسبوع ميلا ...
- جعجع يتحدث عن اللاجئين السوريين و-مسرحية وحدة الساحات-
- “العيال هتطير من الفرحة” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- مسابقة جديدة للسينما التجريبية بمهرجان كان في دورته الـ77
- المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي: إسرائيل تعامل الفنانين كإرهاب ...
- نيويورك: الممثل الأمريكي أليك بالدوين يضرب الهاتف من يد ناشط ...
- تواصل فعاليات مهرجان بريكس للأفلام
- السعودية تتصدر جوائز مهرجان هوليوود للفيلم العربي
- فنانون أيرلنديون يطالبون مواطنتهم بمقاطعة -يوروفيجن- والوقوف ...
- بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سنان أحمد حقّي - مسافرٌ زادهُ الخيالُ