أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خالد جمعة - غزة، المكان الغلطْ في الزمان الغلط














المزيد.....

غزة، المكان الغلطْ في الزمان الغلط


خالد جمعة
شاعر ـ كاتب للأطفال

(Khaled Juma)


الحوار المتمدن-العدد: 3531 - 2011 / 10 / 30 - 16:44
المحور: الادب والفن
    


حينَ نَبَتَتْ غزة كشجرةِ بُرتُقالٍ على ضِلعِ المستحيلْ، قبلَ آلاف السنوات، أتوا بعرّافةٍ مئوية، لتقرأَ لها مستقبَلَ رملِها، وتعطيها أمنيةً لتصبحَ مدينةً مثلَ باقي المُدُنْ، ولأنَّ غزة ولِدَتْ فقيرة، فلم تهتم العرافة بها كثيراً، فلم تلبس ثوبَها الذي تلبسه عادة في ولادة المدن الفخمة والكبيرة، وجهّزَت أدعيتَها ورقياتها، لكنَّ أمراً غير متوقَّع حدث فيما العرافةُ تنحني على وجه الطفلة غزة لتقبّلها، حرّكتْ غزة يدها فجأةً بعنف، فقلعت عين العرافة، فسال دم العين على وجه المدينة التي أخذت تبكي وتبكي، والعرافةُ تحتقن بالغضب، وعرف الجميع ممن حضر المشهد يومها، أن هذه المدينة ستتعبُ للأبد، وحين استطاعت العرافةُ أن تهدأ قليلا من ألم عينها المقلوعة، جففت الدم بجسد المدينة وقالت عبارتها: فلتكوني دائما في المكان الغلط والزمان الغلط، ولا تهدأي إلى يوم يرث الله الأرض، وانصرفت العرافةُ وخيطُ حقدٍ بنفسجيٍّ غامقٍ ينسلُّ من ورائها، ورائحة الغضب تتسرب إلى أنف الصغيرة غزة، فتملؤها بإحساسٍ لم تعرفه المدن الكبيرة ولا الصغيرة إلى اليوم.

كبرت غزة، درجت على البحر، تعلمت الكلام، ودائما كانت في المكان الغلط وفي الزمان الغلط، حكوا لها عن العرافة ونبوتها ودعوتها، فلم تهتم، أخذت تكبر وحدها، وأبناؤها يكثرون هنا وهناك، يتجادلون ويستقبلون الغزاة بسلاحٍ لم يتغير طوال التاريخ: الرفض، أهل غزة يرفضون بأسنانهم، هذا هو سلاحهم، وظلت المدينة تنتقل من مكان غلط إلى مكان أكثر غلطا، ومن زمان غلط إلى زمان أكثر غلطا، وكلما أخذها ملك إلى دائرة مدنه، سرعان ما يكتشف سخونة رملها وعواصف غضبها الذي تسلل إلى دمها من الخيط البنفسجي الذي تركته العرافة وراءها، فيتخلى عنها فالتا بجلده وجلد دولته من هذه المدينة التي لا يصدق أحد أنها مدينة، فقط غزة وحدها تصدق ذلك، أما البقية، فلهم روايات كثيرة عن غزة، أوردتها المدن الأخرى في كتبها، كل المدن تحقد على غزة لسبب تجهله المدن نفسها.

إحدى الروايات تقول إنها زوجة الشيطان، وأن الشيطان نفسه بعد أن تزوجها خاف منها فتركها، وبالطبع حاولت الملائكة بطيبتها المعروفة أن تخفف من وقع فعل الشيطان على المدينة الحزينة إلا أن الملائكة نفسها هربت بعد ساعة واحدة من نزولها، إذ بدأت تحس بتحول في روحها يسوقها إلى البعد عن ملائكيتها فتركوا غزة للريح والكحل وغادروا.

في رواية أخرى، أن غزة ألقاها البحر صدفة على الشاطئ، وأنها خرجت كمدينة رغم إرادة من يصمم المدن، فأصبحت مثل منفى لكل ما هو غريب في صناعة المدن، فكلما صمم مدينة وأراد أن يخلصها من غضب أو حقد أو دم، أخذ هذا من مدينته الجديدة وألقاه في غزة، ومع الوقت، ولأن غزة طيبة ولا تعرف كيف تكون المدن، ظنت أن هذا هو الوضع الطبيعي، وهذه الرواية بالطبع لم يؤكدها أحد.

روايات كثيرة موجودة بأصولها تحت رمل غزة، كل رملة فيها برواية، لم يأت أحد إلى كتب التاريخ إلا عبر مروره بغزة، من الإسكندر إلى نابليون، وغزة تستقبلهم وتعضُّهم من أكتافهم، كعلامةٍ على مرورهم بها، ويتركونها دائما لمصيرها ويرحلون غاضبين ويبدأون بتأليف الروايات عنها.

ما زالت غزة إلى اليوم، تحقق نبوءة العرافة عن غلط الزمان والمكان، أهلها يتكاثرون وهي تضيق، يخبطهم الحزن من جهاتهم كلها، وهم غاضبون على كل شيء، غاضبون على قتل أبنائهم، غاضبون على حصارهم، غاضبون على أبنائهم الذين لم يقتلوا بعد، غاضبون على زوجاتهم، غاضبون من انقطاع الكهرباء، غاضبون من الروايات المفبركة، غاضبون في الأغنيات، غاضبون من الأغنيات، غاضبون من الديانات، غاضبون من أجل الديانات، غاضبون من إسرائيل، غاضبون من رام الله، غاضبون من الأمم المتحدة، غاضبون من القصف، غاضبون من التهدئة، غاضبون من البحر، غاضبون من أجل البحر، غاضبون من غضبهم، غاضبون من الكتابة، غاضبون من المعابر، غاضبون من المستشفيات، غاضبون، وبئر الغضب في غزة ممتلئ ويكفي الجميع حتى أولئك الذين لم يولدوا بعد.

غزة تعيش نبوة العرافة ربما، غزة قلعت عين الغيب ربما، غزة في المكان الغلط والزمان الغلط ربما، لكنها مدينة رغم أنف الجميع، مدينة تستحق الحب لا الشفقة، مدينة تستحق الفخر والاعتزاز، ببساطة لأنني لا أتصور أن مدينة أخرى كان يمكن لها أن تتلقى هذا الكم من الضربات على مدى ثلاثة آلاف عام، وما زالت تملك القدرة على الحياة والغضب والقتال، فالمكان هو الغلط والزمان هو الغلط، أما غزة، فهي الشيء الوحيد الصحيح في هذا الوقت المستعار.

الثلاثون من تشرين أول 2011



#خالد_جمعة (هاشتاغ)       Khaled_Juma#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قُرُنْفُلةٌ بيضاءْ قصة قصيرة
- ما الحبُّ؟
- كلامُ الغريبْ... كلامٌ للغريب
- إنتَظِرِيْنا قصة قصيرة
- سمَّيتُها بلادي ونمتُ
- فِتْنَةُ الرّاوِي الّذي عاشَ أكْثَرَ ممّا يجِبْ
- كبلادٍ مهزومةٍ وجميلةْ
- الحسن والحسين، أخطاء تاريخية بالجملة
- في حضرة الغياب، إنتاج هزيل وغير مدروس
- الوقتُ في الثلاّجة
- آتٍ لا يأتي
- أَشْهَدُ
- عليّْ قصة قصيرة
- رجلٌ بفصولٍ لا تُعَدٌّ
- لم يَعُدْ لي ما كانَ لي
- وفي آخِرِ اللَّيْلْ
- حينَ جَرَحْتَ السُّنْبُلَةْ
- هكذا سيقولُ نايٌ لشهيقِ العازِفِ:
- رفح... أو بعبارةٍ أخرى، عن حبيبتي عليها اللعنةُ
- ساذجون ويحاولون استسذاج الآخرين


المزيد.....




- أحمد عز ومحمد إمام.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وأفضل الأعم ...
- تيلور سويفت تفاجئ الجمهور بألبومها الجديد
- هتستمتع بمسلسلات و أفلام و برامج هتخليك تنبسط من أول ما تشوف ...
- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خالد جمعة - غزة، المكان الغلطْ في الزمان الغلط