أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية - عبد الكريم بدرخان - قراءة في تاريخ الموت المقدس














المزيد.....

قراءة في تاريخ الموت المقدس


عبد الكريم بدرخان

الحوار المتمدن-العدد: 3530 - 2011 / 10 / 29 - 08:32
المحور: الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية
    


• ( تتعدّد الأسباب والموتُ واحد) إحدى العبارات التي نردّدها دون أن نتمعّن فيها، إذ كيف يكون الموت واحداً؟ وكيف نفصل بين الموت كنتيجةٍ وبين السبب المفضي إلى هذه النتيجة؟

• الموت المقدّس هو الموت لغايةٍ نبيلة، كالموت دفاعاً عن الوطن أو طلباً للحرية أو... باختصار: الموتُ المقدّس هو الموت من أجل إعلاء قيم الحق والخير والجمال، فهو يقع على النقيض من الموت لغاياتٍ مادية أو مطمعية أو دنيئة، أي على النقيض من الموت إعلاءً لقيم الباطل والشر والقباحة، وبالتالي: تتعدد الأسبابُ وتتحدّد قيمةُ الموت تبعاً للسبب المفضي إليه.

• تعود فكرةُ الموت المقدس إلى أقدم الميثولوجيات (المعتقدات) التي وصلتْ إلينا، فالإلهُ الذكر الذي يموت في الخريف وسطَ مراسم الوداع التراجيدية، يبقى في العالم السفلي نصفَ عام، ليعودَ وينبعثَ في الربيع وسطَ الاحتفالاتِ بأعياد الخصب وتجديد الطبيعة، ومن هنا كان ارتباط الموت بالبعث ارتباطاً وثيقاً، فالموتُ هو الطريق الوحيد لبعث الحياة في
الطبيعة من جديد.

• مع انتشار المسيحية في الشرق الأوسط مطلع الألفية الأولى، ظهرتْ فئةٌ من المتدينين سلكتْ طريقَ الزهد والتقشف، عُرف أصحابها باسم (شهداء عصر السلم)، منهم من اعتزل في الصوامع كالقديس سمعان العمودي، ومنهم من استشهد تحت تعذيب السلطات الحاكمة، ومنهم من كان طبيباً يداوي المرضى والفقراء كالقديس الشهيد مار إليان الحمصي، ومازالت الكنائس السورية تحتفظ برفات هؤلاء الشهداء لليوم، وتضع لهم الأيقونات على جدرانها، ومازال الناس يأتون للتبارك والتشفّع بهم.

• أما الإسلام فقد وضع الشهادة في أعلى المراتب، واعتبرها باباً من أبواب الجنة، أي أن الموت هو بابُ الخلود، وهكذا عمدَ الإسلامُ إلى تقديس صورة الموت في سبيل الله، واعتبر الشهداء أحياءً عند ربهم يرزقون، بشرط أن يكون الموت لغاية نبيلة، وألا يكون انتحاراً لأن كثيرين من الصحابة تمنّوا الشهادة لكنهم لم يحظوا بها، وقد لعبتْ عقيدةُ الشهادة دوراً هاماً في تخفيف آلام الفقد على الإنسان، ودوراً هاماً في الانتصارات التي حققتها الجيوشُ المسلمة في القرون الوسطى.

• كانت الخسائر البشرية في الحرب العالمية الثانية خسائرَ فادحةً ومرعبة، وبما أن الإنسان لا يستطيع شيئاً أمام الموت، فقد عمدتْ معظمُ الشعوب على تجميل صورة الموت وتزيينها، لتخفيف وقعِ هذه الحقيقة الثقيلة، فانتشرتْ في روسيا حكايةٌ شعبية تقول إن الجنود الذين يقضون في الحرب لا يدفنون في التراب، بل يتحوّلون إلى لقالق تطير في السماء، أي أنهم ينالون الخلود لأن موتهم كان لغاية نبيلة. وظهر في اليابان الطيارون الانتحاريون (الكاميكاز) أي الريح الإلهية، وتعود هذه الريح إلى أسطورة مفادها أن الله أرسل عاصفةً شديدة منعتْ المغول من غزو اليابان، وهكذا استلهم اليابانيون الأسطورةَ القديمة ليعطوا لقتلاهم صفةَ القداسة، أي ليصبحوا شهداء.

• برز نوعٌ جديد من الموت المقدّس منتصف القرن العشرين، وذلك مع انتشار حركات التحرّر الوطني في دول العالم الثالث، فقد أضفتْ هذه الثوراتُ على قيم الحرية والعدالة الاجتماعية صفةَ القداسة، وولّدتْ دافعاً نبيلاً داخل كل شابٍ للانخراط فيها، وأصبح الميتُ في سبيل الحرية ينال مرتبة الشهيد، فهو يموتُ كإنسان وينبعث كرمزٍ خالد، أي يبقى حياً في عيون الناس وقلوبهم، ونجد في (تشي غيفارا) خيرَ مثال على شهيد الحرية. وبالتزامن مع هذه الثورات كان المشرق العربي يشهد انتشاراً للفكر القومي السوري، الذي وضعَ الاستشهاد كأحد أهمّ مبادئه وسمّاه (الاستشهاد المضيء) إحياءً لأسطورة طائر الفينيق الذي يحترق ثم ينبعث من الرماد.

• لقد غيّرتْ الثوراتُ العربية التي نشهدها هذا العام كثيراً في الإنسان العربي، غيّرتْ نظرته إلى نفسه.. إلى عقيدته.. إلى الآخر.. إلى الوطن، وغيرتْ موقعَ كلٍّ من هذه المفاهيم بالنسبة إلى العالم، وقد أعادتْ الثوراتُ العربية مفهومَ الموت المقدس إلى أعلى المراتب، وذلك عبرَ تقديسها للحياة، فالتظاهر السلمي تقديسٌ لحياة الإنسان المتظاهر وتقديس لحياة الآخرين، وهو مشروع دينياً وقانونياً، وبالتالي لا شكّ في أن موتَ المتظاهر في سبيل الحرية هو استشهادٌ وفقَ كل العقائد التي نؤمن بها، وها هم شهداء الحرية أصبحوا رموزاً وطنية في كل البلدان العربية. وكم أصبحنا نفرح عند سماع أخبار المظاهرات، وكم كنا ننصعق عند سماع أخبار التفجيرات الانتحارية، التي ترخصُ من قيمة حياة الإنسان، ويختلف توصيفها الديني بين الاستشهاد والانتحار، ويختلف توصيفها القانوني الدولي بين المقاومة والإرهاب، أي أن التظاهر السلمي هو صناعةٌ للحياة، أما التفجيرات الانتحارية فهي صناعة للموت.

• ما أردتُ قوله في هذا المقال، هو أننا غالباً ما نعتقد أن مفهوم الشهادة مرتبطٌ بالإسلام فقط، وربما ارتبط خلال العقد الأخير بالعمليات الانتحارية التي تبنّتها بعضُ المنظمات التي تعاني فقراً سياسياً وإيديولوجياً، لذلك أردتُ تنظيفَ مفهوم الموت المقدس مما علِق به من شوائب، وأردتُ التأكيد على أنه قديمٌ قدمَ الأزل، وباقٍ إلى الأبد، طالما أن الصراع مستمرٌ بين المتناقضات، فإن الموت لغايةٍ نبيلة سوف يبقى موتاً مقدساً.



#عبد_الكريم_بدرخان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- نيويورك.. الناجون من حصار لينينغراد يدينون توجه واشنطن لإحيا ...
- محتجون في كينيا يدعون لاتخاذ إجراءات بشأن تغير المناخ
- التنظيمات الليبراليةَّ على ضوء موقفها من تعديل مدونة الأسرة ...
- غايات الدولة في تعديل مدونة الاسرة بالمغرب
- الرفيق حنا غريب الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني في حوار ...
- يونس سراج ضيف برنامج “شباب في الواجهة” – حلقة 16 أبريل 2024 ...
- مسيرة وطنية للمتصرفين، صباح السبت 20 أبريل 2024 انطلاقا من ب ...
- فاتح ماي 2024 تحت شعار: “تحصين المكتسبات والحقوق والتصدي للم ...
- بلاغ الجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع إثر اجتماع ...
- صدور أسبوعية المناضل-ة عدد 18 أبريل 2024


المزيد.....

- سلام عادل- سيرة مناضل - الجزء الاول / ثمينة ناجي يوسف & نزار خالد
- سلام عادل -سیرة مناضل- / ثمینة یوسف
- سلام عادل- سيرة مناضل / ثمينة ناجي يوسف
- قناديل مندائية / فائز الحيدر
- قناديل شيوعية عراقية / الجزءالثاني / خالد حسين سلطان
- الحرب الأهلية الإسبانية والمصير الغامض للمتطوعين الفلسطينيين ... / نعيم ناصر
- حياة شرارة الثائرة الصامتة / خالد حسين سلطان
- ملف صور الشهداء الجزء الاول 250 صورة لشهداء الحركة اليساري ... / خالد حسين سلطان
- قناديل شيوعية عراقية / الجزء الاول / خالد حسين سلطان
- نظرات حول مفهوم مابعد الامبريالية - هارى ماكدوف / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية - عبد الكريم بدرخان - قراءة في تاريخ الموت المقدس