|
فرح نادر: بين غيبوبة العاطفة وصحوة العقل
رياض خليل
الحوار المتمدن-العدد: 3530 - 2011 / 10 / 29 - 08:35
المحور:
الادب والفن
في نصها " كن بيتي" تضع فرح نادر إصبعها على الجرح ، وتضع قلبها البريء براءة الوردة على لسانها ، الذي ينقل أحاسيسها ، ويعبر بها الخطوط الحمراء دون تردد أو خوف . أستطيع أن أصف النص بالشاعرية والشعرية النثرية ، لأنه بالفعل يحمل شحنات فنية شعرية شفيفة وموحية ، إنه أشبه بلوحة تشكيلية ، تعبر عن نفسها من خلال تناسق الألوان والخطوط ، وببساطة غير مصطنعة ، تؤهلها الدخول بدون إذن إلى المتابع المتلقي ، وتختطفه بإشراقات معانيها وجمالياتها التعبيرية ، وغنى إيحاءاتها ، وحساسية أطروحاتها . إنها تجذبك بقوة من المقطع الأول ، الذي يضعك مباشرة وجها لوجه أمام حالة عامة ، ومعاناة حقيقية ، قلما ينجو منها أي شخص . إنها حالة الزوبعة العاطفية العمياء المنفلتة من سلطة المنطق والعقل والواقع ، والتي تسير وفق بوصلتها الخاصة ، لتتحول إلى سلطة مضادة متمردة ، لاترى ولاتسمع غير نفسها ،فتقع في فخ الحب الصوفي ، الذي يتحول إلى مايشبه العبودية المتبادلة أو الأسر المتبادل مع من تحب ، وتلك حالة تجتاح أيا منا في لحظة ما ، لتحرك سطح البحيرة الساكن في أعماقنا . إن الخط المستقيم هو أقصر مسافة بين نقطتين ، هكذا جاء نص فرح الشعري ، أقصر مسافة بين فرح والمتلقي ، لأنها وبتلقائية موهوبة أوصلت ماتريده بما قل ودل من الكلام ، وبثوب أدبي فني جمالي أنيق ، وتلك هي ذروة البلاغة والفصاحة والإبداع . فكانت المقاطع أشبه بمشاهد تعبيرية منسجمة القوام ، تشع بالأفكار ، وتبوح بالمشاعر الصادقة ، والمكنونات المتقوقعة ، التي من الصعب إطلاق سراحها ، مالم يكن صاحبها منحازا للحقيقة ومؤمنا بالحرية ، والحرية أولا ، وفوق كل شيء أو اعتبار . وهنا نجد أنفسنا إزاء المضمون الفلسفي الساطع كالشمس ، والتي لم تستطع ولن تستطيع فرح نادر إخفاءه بعد أن أفلت النص من يدها كمهر جامح انطلق وامتلك زمامه ومضى . النص يعرض لنا شخصية ، لها نظائر واقعية ، شخصية تستسلم لصراخها الداخلي ( العاطفي ) ، وتندفع نحو غايتها دون تخطيط مسبق ، ودون تبصر ، وتلك طبيعة العواطف ( العمياء) التي لاتعترف بسلطة العقل والمنطق ، ولا بتزمت الشكل المفروض ، الذي يحدد لنا سلفا نظام القيم الأخلاقية والسلوكية التي بدورها تحدد الممنوع والمسموح . وكل منا يقع في مطب تلك المغامرة ، مغامرة العاطفة ، ولايستفيد أو يعتبر بتجربة الغير ، فيرتمي في نفس الحفرة بمتعة وشغف وحماس ، لدرجة أن الآخرين من حوله يعتبرونه نوعا من الجنون ، وكم في التاريخ من أمثلة على ذلك ، ومنها ماذكرته فرح :" شبهتك بروميو وقيس" . إذن نحن أمام حالة من سكرة الجنون كتعبير مجازي ، وهو مابرز قويا من المقاطع الآولى للنص ، ولكن مالذي حصل ويحصل حينما تزول السكرة وتتجلى الفكرة ؟ ! ماذا بعد أن ننتقل من غفوة العاطفة إلى صحوة العقل ؟ ! هذا ماتجيب عليه فرح بنفسها وعلى لسان شخصية نصها الأدبي : " سعدت في البداية " طبعا هي القصة نفسها تتكرر : الحب أوله عسل ، إنها السكرة إذن .. الاستسلام لاجتياح العاطفة .. لنوع من مازوخية الحب ، ثم وبعد تحقيق الهدف بالحصول على الغاية ، ربما نصل إلى التخمة العاطفية التي تنقلنا من الرؤية العاطفية النسبية للحالة إلى الرؤية الواقعية الحادة ، ولا غرابة في هذا ، وطالما كان ثمة بون ومسافة بين رؤية القلب ورؤية العقل للأشياء من حولنا : " شيئا فشيئا بدأت تخنقني " هكذا تخاطب حبيبها ، ثم " لاأدري إن كنت سجيني ، أو كنت أنا حبيستك ، كلانا يكبل الآخر بقيوده " ، إنها لحظة التعري والانكشاف ومواجهة الوجه الآخر للحقيقة والواقع المختلف عن الواقع الذاتي المقدس والذي كان لايقبل النقاش ولا المساومة ولا المنطق ، هاهو العقل يصحو على واقع صارخ لايرحم ، واقع الدائرة الأوسع من مجر لحظة عاطفية تم إشباعها حتى التخمة ، والحياة ليست تلك اللحظة وحسب ، بل هي أوسع وأكبر منها بكثير ، وهو ما يتطلب استحقاقات مختلفة . نعم الحياة ليست كلها حب وفقط حب . وخوض التجربة وحده يعلمنا ويمكننا من رؤية وفهم الحقيقة العارية الموضوعية . الصحوة إذن تتجلى برفض حالة الذوبان بين الأنا والآخر ، والتي قد تبدو في لحظة العاطفة نوعا من الحرية الذتية الممتزجة بحرية الآخر عبر الاندماج والعبودية المتبادلة ، كحالة الصوفيين نسبيا ، وبينما لايصحو الصوفي ، فإن الإنسان العادي يصحو لأنه ببساطة يستحوذ على معبوده حسيا وفيزيائيا ، وتنطفئ جذوة العاطفة بعد الاشباع ، بينما لاتنطفئ جذوة العاطفة الصوفية لأنها عاجزة عن الاستحواذ على المعبود المطلق المتعالي ، وتستمر الحالة التي يعبر عنها الصوفي شعرا مذهلا مثل : " أنا من أهوى ومن أهوى أنا ....... نحن روحان حللنا بدنا فإذا أبصرتني أبصرته وإذا أبصرته أبصرتنا فرح إذن وعبر شخصية نصها تصحو ، وتنصاح لسلطة العقل ، وتكتشف أن الأولوية هي للحرية ،" كيف للفراشة أن ترفرف بجناحيها إن أمسكنا بها ؟ " وأن شعارها : الحرية أولا ، وأن الحرية هي قاعدة الثقة والحب والوحدة والتعايش والسعادة والتوافق والانسجام بين طرفي الثنائية : الأنا والآخر ، وليكن العاشق والمعشوق ، حيث لاتعني الفاعل والمفعول ، بل تعني أو يجب أن تعني في قاموس فرح – وكثيرون يؤيدونها – أن يكون كلا من طرفي الثنائية فاعلا لامفعولا ، وبذلك تكون فرح كمن بطالب بدمقرطة العلاقة بين المرآة والرجل ، رافضة ديكتاتورية أحدهما على الآخر ، وساعية إلى بناء شركة وشراكة ندية وعادلة بين الاثنين ، وبذلك وحسب تترسخ المحبة المعقلنة وتدوم وتثمر . تقول فرح : " إن مشاعري تنمو وتموت كل يوم آلاف المرات إلى أن تتحجر " وتؤكد أن المشاعر لاتحيا في ظل التملك " ، إنها إذن ترفض واقع التملك في العلاقة بين المرآة والرجل ، وهو من الصعب تحقيقه بالنسبة لأغلبية النساء ، وتختار أن تكون داعية لفلسفة جديدة أساسها الحرية والمساواة والاحترام المتبادل مع الرجل ، وهي حاجات ملحة وأساسية ومحقة من أجل علاقات أكثر توازنا وعدالة وعقلانية بين الأنثى والرجل . وهو ماينسجم مع المدنية والعلمانية والتحضر . ومايحقق البيئة الصحية للاستقرار العاطفي .:" أحببني بأسلوبي " ,و" اجعل من قلبك بيتا أسكن فيه " هوذا الحب عند فرح ، أن يفهم كل خصوصية الآخر ، ويسعى لإسعاده بعيدا عن الشك وضعف الثقة " كلما هربت من رجل غيور يأتيني سواه بوجه آخر " ، فللغيرة منطقها الخاص ونسبيتها ، وهي شئيا أم أبينا نوع من الخوف وضعف الثقة بالنفس قبل الآخر ، إنها تعبير عن غريزة التملك : تملك المحبوب ، الذي يصل إلى حد لايحتمله الآخر ، لأنه ببساطة محاولة لاستععماره واستباحة هويته واستقلاليته ودوره في ثنائية الحب التي يجب إلا يختل توازنها بسبب الغيرة ، الغيرة كفعل انفعالي أكثرمنه عقلاني ، فعل يرتكز على التوهم أكثر مما يرتكز على الحقائق . وهذا يبرهن على أن " لاأدرية" فرح هي قمة ال" أدرية " والوعي . هكذا تقدم لنا فرح منهجا ومنطلقا لبناء علاقة قابلة للحياة بين الرجل والمرآة ، أساسه رفض الحب الأعرج ، والبحث عن الحب المتوازن الذي تتكامل فيه العاطفة والعقل في رحلة العمر القصيرة ، وقد نجحت فرح في توصيل الأفكار بزي أدبي عصري وأنيق وخفيف الدم ، وهو مالانستطيع تحقيقه بسهولة دائما .
#رياض_خليل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
من قصائد الثورة : (6)
-
مساهمة نقدية
-
الشبح : شعر
-
عن المؤسسة الزوجية
-
من قصائد الثورة (5)
-
من قصئد الثورة (4)
-
ذلك اليوم الجميل: شعر
-
من قصائد الثورة : شعر
-
من قصائد الثورة (2) : شعر
-
من قصائد الثورة (1)
-
رحلة جليفر الجديدة : قصة قصيرة
-
أنور سالم سلوم
-
الروائي والناقد نبيل سليمان في:
-
النظام السوري: الحل هو المشكلة !
-
شهادات ...
-
قصائد قصيرة جدا: الجزء الثاني(6-7-8)
-
رياض درويش في :
-
لقاء مع رياض خليل
-
نصر علي السعيد في:
-
والمطر ينهمر: قصة قصيرة
المزيد.....
-
في شهر الاحتفاء بثقافة الضاد.. الكتاب العربي يزهر في كندا
-
-يوم أعطاني غابرييل غارسيا ماركيز قائمة بخط يده لكلاسيكيات ا
...
-
“أفلام العرض الأول” عبر تردد قناة Osm cinema 2024 القمر الصن
...
-
“أقوى أفلام هوليوود” استقبل الآن تردد قناة mbc2 المجاني على
...
-
افتتاح أنشطة عام -ستراسبورغ عاصمة عالمية للكتاب-
-
بايدن: العالم سيفقد قائده إذا غادرت الولايات المتحدة المسرح
...
-
سامسونج تقدّم معرض -التوازن المستحدث- ضمن فعاليات أسبوع ميلا
...
-
جعجع يتحدث عن اللاجئين السوريين و-مسرحية وحدة الساحات-
-
“العيال هتطير من الفرحة” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024
...
-
مسابقة جديدة للسينما التجريبية بمهرجان كان في دورته الـ77
المزيد.....
-
صغار لكن..
/ سليمان جبران
-
لا ميّةُ العراق
/ نزار ماضي
-
تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي
/ لمى محمد
-
علي السوري -الحب بالأزرق-
/ لمى محمد
-
صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ
...
/ عبد الحسين شعبان
-
غابة ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
اسبوع الآلام "عشر روايات قصار
/ محمود شاهين
-
أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي
/ بدري حسون فريد
-
أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية
/ علي ماجد شبو
المزيد.....
|