أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسيب شحادة - الكاليفالا ملحمة الشعب الفنلندي















المزيد.....


الكاليفالا ملحمة الشعب الفنلندي


حسيب شحادة

الحوار المتمدن-العدد: 3528 - 2011 / 10 / 27 - 20:30
المحور: الادب والفن
    


لا يعرف المواطن العربيّ العاديُّ في الأقطار العربية والتي يبلُغ عددُ سكّانِها حوالي الأربعمائة مليون نسمة شيئاً عن ملحمة الشعب الفنلندي، "الكاليڤالا". ذلك الانسان العادي قد يذكر في أحسن الأحوال عند ذكر الاسم "فنلندا" وقد يُخلط باسم هولندا بعضاً من الأسماء التالية: يَرِي لِتْمانِن (Jari Litmanen)، ميكا هَكِّنِن Mika) (Häkkinen لَسِّي ڤِرين (Lasse Viren)، هلسنكي، الساونا، سانتا كلاوس، سِلاسڤو (Selasvou) سيبليوس (Sibelius). أضف إلى هذه القائمة القصيرة اسم تاريا هَلونِنْ (T. Halonen) الرئيسة الجديدة للجمهورية أو بالأحرى المعلومة بأن امرأة تترأّس فنلندا. لا غرابةَ كبيرة في الأمر ففنلندا بلاد نائية تقع في أقاصي الشمال بالنسبة لبلدان العالم العربي والمكتبة العربية تكاد تخلو من أية مؤلفات عن هذه الدولة الصغيرة من حيثُ عددُ سكانها لا من حيث المساحةُ.

يحُدّ فنلندا من الجنوب الغربي ومن الغرب بحرُ البلطيق ومن الشرق روسيا ومن الشمال النرويج والسويد. يبلغ عدد سكان فنلندا خمسة ملايين ومائتي ألف نسمة أمّا مساحتها فهي ٣٣٧ ألف كم٢. قد حصلت هذه الدولة على الاستقلال عام ١٩١٧ وفي عام ١٩١٩ أعلنت الجمهورية. يقع حوالي ٣٠٪ من أراضي فنلندا فوق الدائرة القطبية الشمالية و٧٠٪ من أراضيها هي غابات وحوالي ١٠٪ من المساحة الكلية تغطيها بحيرات يصل عددُها إلى ٢٠٠٠ بحيرة تقريباً. يعيش الآن أكثر من ٦٠٪ من السكان في المدن في حين أن النسبة في عام ١٨٨٠ كانت ٩٪ فقط.
يعيش في شمال فنلندا شعب صغيرٌ يصل تعدادُه إلى حوالي ١٥٠٠ نسمة يُدعى باللاپ يعتاش على تربية حيوان الرَّنّة (نوع من الأيائل) والصيد والأخشاب والزراعة. معظم هذا الشعب حوالي ٣٠ ألف نسمة يعيش في شمال النرويج ويبدو أنه يتحدّر من آسيا المركزية. تنتمي لغة اللاپ إلى الفصيلة الفِنّو-أوچْرية كالفنلندية. ويعتقد الفنلنديون بأن اللاپيين يشتهرون بالشعوذة والسحر.
ساهمت فنلندا في الثقافة الأوروبية في موسيقى جان سيبيليوس (Jean Sibelius 1865-1957) المتأثرة بالكاليڤالا والفن المعماري المتمثل بأعمال ألڤَر آلْتو وإيليل سارنن (Alvar Aalto, Eliel Saarinen). تكمن الأهمية الأساسية للكاليڤالا بأنها الدليل القاطع على أن هناك ثقافةً باللغة الفنلندية كما وأنها عزّزت من الثقة بالنفس لدى الشعب الفنلندي. الملحمة عبارة عن ينبوع لرموز الثقافة الفنلندية ومصدر إيحاء لا ينضب لجميع الفنون والآداب.

في القرن التاسع للميلاد كانت فنلندا مقسّمة إلى ثلاث ولايات قَبليّة هي كريليا وتڤستنلاند وسومي (Karelia, Tavastenland, Suomi). استعمرت السويد المنطقةَ تدريجيا وبعد القرن الرابع عشر أصبحت فنلندا دوقية سويدية حتى العام ١٨٠٩. إثر ذلك العام غدت فنلندا دوقية روسية في عهد القيصر ألكسندر الأول. وفي القرن التاسع عشر كانت السويدية لغة الثقافة في فنلندا والروسية سادت طبقة الموظفين أما الفنلندية فكانت لغة الفلاحين. شهدت هذه الفترة نهضة قومية إذ احتلتِ اللغة الفنلندية مكان اللغة السويدية لا سيما بعد صدور الملحمة الشعبية القومية، الكاليڤالا، الشعر والتاريخ والاسطورة عام ١٨٣٥. ومما يجدر ذكره أن جمعية الأدب الفنلندي قد تأسست عام ١٨٢١ وقد سعت جادّة بغية إعلاء شأن اللغة الفنلندية لتصبح لغة الثقافة والفكر.

"الكاليڤالا" (Kalevala) لغةً اسم مكان يعني كما يقول إلياس لونروت، الأب الثاني للغة الفنلندية، "مسكن كاليڤا" (Kaleva) ذلك الجدّ الأعلى العملاق الأسطوري. يمكن تشبيه كاليڤا بالإغريقي تِتَنْس (Titans). كما أنّ لفظة Kalevala قد أطلقها الروس عام ١٨٣٤ على قرية Uhtua الواقعة في شمال كريليا. اللغة الفنلندية التي لا تعرف ما يقابل أل التعريف العربية لا تفرّق في الواقع بين اسم المكان واسم الملحمة في حين أن الكثير من اللغات كالعربية والانجليزية والألمانية والفرنسية تُضيف أداة التعريف. في اللغة الفنلندية تدلّ اللاحقة -لا (-la) على المكانية فلفظة (Tapiola) معناها "مأوى تَپْيو" سيّد الغابات و (Kahvila) مكان القهوة أي "المقهى" و (Tuonela) مسكن (Tuoni) "سيّد الأموات" و (Lampola) "مكان الخِراف" و (Sikala) "زريبة الخنازير" الخ.
الجدير بالذكر أيضاً أن الموسيقار الفنلندي، جان سيبليوس، ذائع الصيت، كان قد أطلق على منزله اسم (Ainola) نسبة إلى اسم زوجته Aino التي تسمّت باسم تلك الفتاة المذكورة في النشيد الخامس من الملحمة الفنلندية.
ملحمة الكاليڤالا عبارة عن نصوص شعرية شعبية فولكلورية تناقلتها الأجيال شفاهيا بالغناء منذ القِدم وحتى جمعها في الثلث الأول من القرن التاسع عشر. ترتكز الملحمة على نزاع بين قبيلتين، إلا أن جوّها العام هادىء ويرنو إلى المحبة والسلام. جامِعُ تلك النصوص ومدوّنها ومبوّبها ومعدّلها وصائغُ بنيتها هو الباحث والطبيب، إلياس لونروت، Elias Lönnrot، ١٨٠٢-١٨٨٤، الذي أعدّ الطبعة الأولى التي صدرت عام ١٨٣٥ وتضمّنت اثنين وثلاثين نشيدا. لقد ظنّ لونروت ان الكاليڤالا كانت أصلا ملحمة متكاملة إلا أنها تناثرت أجزاؤها وحاول هو إعادة تركيبها من جديد إلا أن الحقيقة لم تكن كذلك. يمكن القول إن الكاليفالا المليئة بالشخصيات والصراعات والحياة والحركة الدرامية ما هي في معظمها إلا نتاج عمل لونروت. تتمثل العقدة الرئيسية في الملحمة بصراع كاليڤا وپوهْيولا على امتلاك سامپو، الطاحونة السحرية.
الأناشيد مستقلة تحكي قصة بطلين وهناك القديم جدا بجانب الحديث نسبياً. من الشخصيات الرئيسية ڤاينَمويْنِن (Väinämöinen) البطل البحري العظيم والعرّاف الأزلي حامل الحكمة والحضارة والشامان الذي يحاول حلّ المشاكل بالكلمة وشفاء المرضى بالسحر والشعوذة. تنمّ تلك الأناشيد عن قوة الكلمة والروح وفي مقدور الألفاظ السحرية دحر غطرسة السلاح وجبروته. هناك إيقاع خاص لأناشيد الكاليڤالا ويتلى كل شيء تقريباً مرتين بألفاظ مختلفة وهنا يتجلى ثراء اللغة الفنلندية. في هذه الأناشيد أمثلة لا حصرَ لها للجناس الاستهلالي أي كلمات متتالية تبدأ بنفس الحرف أو المقطع مثل ura uusi urkenevi وبالعربية مثل صدر بيت امرء القيس:
مِكَرٍّ مِفَرٍّ مُقْبِلٍ مُدْبِرٍ معاً كجلمود صخر حطّه السيلُ من عَلِ

إن ألحان آلة "الكانْتِلي" التي صاحبت غناء أناشيد الكاليڤالا روتينية إلى حدّ بعيد.
لقد قام لونروت (صورته شاباً كانت على فئة الخمسمائة ماركة) بهذا العمل الميداني الفريد من نوعه في العصر الحديث في إحدى عشرة رحلةً لشرق فنلندا وخصوصا منطقة كاريليا التابعة لروسيا في الوقت الراهن وجمع خمسةً وستين ألف بيت من الشعر الشعبي. تمّت تلك الرحلات ما بين ١٨٢٨ و-١٨٤٥ وفي رحلته الخامسة عام ١٨٣٤ تمكّن لونروت من جمع ١٣ ألف بيت من الشعر خلالَ أسبوعين فقط. صدرت ملحمة الكاليڤالا بشكلها النهائي عام ١٨٤٩ وضمّت ٧٩٥،٢٢ بيتا وهي المسماة عادة بالكاليڤالا الجديدة. هذه الملحمة كانت هامة لنهضة الشعب الفنلندي القومية لا سيّما في الفترات العصيبة والأزمات على اختلافها. في هذه الملحمة ذكر للآلة الموسيقية القومية الفنلندية كانتلي (kantele) البلطيقية الأصل وذات الأوتار الخمسة إنها للفنلنديين بمثابة العود لدى بني قحطان.

ممّا ورد في مقدمة هذه الطبعة عن المكان (Vuokkiniemi) قول لونروت بأنه "أحسن وأغنى بيت للأناشيد". رأى لونروت، ابن الخياط الفقير من قرية Sammatti بالقرب من هلسنكي، في هذا التراث الشعري الشفوي تعبيراً عن الهُوية القومية. من تلك المقتطفات الشعرية الشعبية المتباينة نسَج لونروت ملحمة يطغى فيها الشعر الغنائي على الشعر الملحمي. كما وأن لونروت مثل هوميروس الشاعر الإغريقي الملحمي (القرن الثامن ق.م.) في الالياذة والاوديسا قد وحّد اللهجات في لهجة قومية شعبية. يمكن مقارنة الكاليڤالا الفنلندية بالملاحم إدّا (Idda) الاسكندناڤية القديمة وبيوولف (Beowulf) الأنچلوسكسونية ومهابهارتا (Mahabharata) الهندية والشاهنامه للفردوسي وسيرة بني هلال العربية.
تَعتبر فنلندا الكاليڤالا ملحمتَها القومية وتحتفل منذ عام ١٩٤٩ بيوم الكاليڤالا وهو يوم الثقافة الفنلندي الموافق في الثامن والعشرين من شباط-فبراير من كل عام وهو تاريخ كتابة لونروت لمقدمة الطبعة الأولى لكاليڤالا عام ١٨٣٥ وهو ما يُعرف عادة باسم "الكاليڤالا القديمة".

لا بدَّ من التنويه بأن "الكاليڤالا" قد تُرجمت إلى سبع وأربعين لغةً (مثل الإسبانية خمس ترجمات منذ العام ١٩٤٤ وحتى ١٩٩٢؛ العبرية عام ١٩٣٠ وعام ١٩٦٤؛ الصينية ١٩٦٢ و١٩٨٥؛ التركية ١٩٦٥، ١٩٦٦، ١٩٨٢؛ الفارسية ١٩٩٩؛ إسپرنتو ١٩٦٤، ١٩٨٥) حتى يوم الناس هذا منها العربية. إنها تتصدّر، دون منازع، قائمةَ الأعمال الأدبية الفنلندية التي تُرجمت إلى أكبر عدد من اللغات. تعتبر الترجمتان للسويدية عام ١٨٤١ وللفرنسية عام ١٨٤٥ من أقدم الترجمات. وفي بعض الحالات يجد المرء أكثرَ من ترجمة في نفس اللغة ففي اللغة الڤيتنامية ثلات ترجمات صدرت في الأعوام ١٩٨٦، ١٩٩١، ١٩٩٤ وفي اللغة اليابانية خمس ترجمات صدرت في السنين ١٩٣٧، ١٩٤٠، ١٩٦١، ١٩٧٤، ١٩٧٦ وأعيد طبعُها عام ١٩٨٥ ونفس عدد الترجمات متوفّر في الانجليزية. قام بالترجمة العربية الأديب سحبان أحمد مروة اللبناني الأصل والمقيم في فنلندا منذ السبعينيات وصدرت الترجمة في دار دانا في بيروت عام ١٩٩١ في ٤١٩ صفحة. تعود أصول شعر الكاليڤالا القديم إلى الألف الأول من حقبة الڤايكنچ حيث سادت المجتمع عقائدُ بالأرواح وكان الكهنة يمارسون الشعوذة والسحر مع العالم الآخر.

من هم الفنلنديون؟ قدِم السكّان الأوائل إلى فنلندا إثر العصر الجليدي في القرن التاسع ق.م إلا أن السلف الأول للشعب الفنلندي كان قد وطىء أرض البلاد حوالي القرن الرابع ق.م. ذلك السلف تكلم بلغة فنلندية - أوچرية واعتاش على الصيد في البر وفي البحيرات. وفي القرن الثالث ق.م. بدأ الاستيطان البلطيقي في الجنوب الغربي من البلاد بالقرب من مصادر المياه. وفي منتصف القرن الثاني ق.م. بدأ العصر البرونزي واستوطنت جماعات جرمانية على السواحل الغربية في فنلندا وشرع بالزراعة وتربية المواشي. أما السكّان من السويد فقد وصلوا إلى فنلندا في حوالي القرن السادس للميلاد وبعد ذلك وفي الفترة الواقعة ما بين ٨٠٠-١٠٥٠م حلّ عصر الڤايكنچ وازدهرت التجارة البحرية. وفي منتصف القرن الثاني عشر م. بدأ السويديون بنشر الديانة المسيحية في جنوب غرب فنلندا. في بداية العقد الثاني من القرن السادس عشر م. جرى ما يدعى بالإصلاح الديني أي اعتناق اللوثرية بدلاً من الكاثوليكية وفي عام ١٥٤٨ ظهرت الترجمة الفنلندية الأولى للعهد الجديد بقلم أب اللغة الفنلندية ميخائيل أچريكولا (Mikael Agricola) أما الترجمة للعهد القديم فقد صدرت عام ١٦٤٢م. ومما يذكر أن الصحيفة الفنلندية الأولى كانت قد صدرت في توركو عام ١٧٧٦. أما النشيد الوطني الفنلندي "أنشودة بلادي" (Maammelaulu) من كلمات رونيبيرچ (J. L. Runeberg) فقد عرض عام ١٨٤٨ وحصلت فنلندا على عملتها الوطنية الماركة عام ١٨٦٠ وعلى مسرحها القومي عام ١٨٦٩ حيث عرضت تمثيلية أليكسس كيڤي (Aleksis Kivi) "لئة".
وفي بداية القرن الثالث عشر م. تأسست المدينة الأولى في فنلندا، توركو أما هلسنكي فقد تأسست عام ١٥٥٠م وأصبحت عاصمة البلاد عام ١٨١٢ وأقيمت الجامعة الأولى في توركو ما بين ١٦٣٧-١٦٤٠م.

اللغة الفنلندية تنتمي إلى العائلة الأورالية (Uralic group) المشتملة على الفنو-أُوچرية والسامويِد (Finno-Ugrian and Samoyed) ولا تمتّ بصلة إلى لغة الجيران الروس والإسكندناڤيين. قبل حوالي خمسة آلاف سنة عاشت قبائل متعددة ذات لغات غير هندو-أوروبية فيما بين نهر الڤولچا وجبال الأورال. معظم تلك القبائل هاجرت نحو الغرب واستقرت قبل ثلاثة آلاف أو ألفي سنة في المناطق التي يعيش فيها الأن نسلُهم. يُقدّر ناطقو اللغات الأورالية وعددُها أكثرُ من عشرين لغةً بعشرين مليونا. ثُلثا هذا العدد من البَشر يتكلم اللغة الهنغارية. من اللغات الأورالية الموردڤية المستعملة في جنوب چوركي في روسيا والإستونية في جمهورية إستونيا والفنلندية. على كل حال، إنّ أقدمَ نصّ تاريخي للفنلنديين يعود إلى عام ١١٥٥ عندما أصبحت فنلندا ولاية سويدية. كما أشار الكاتب الفنلندي ڤييو مِري (Veijo Meri) إلى أن أول فنلندي معروف في التاريخ هو لَلّي (Lalli) الفلاح قاتل المطران الانجليزي الأصل، هنري من مدينة أوپسالا السويدية عام ١١٥٦. في منتصف القرن الثالث عشر كان معظم سكان كاريليا من الأورتوذكس واعتبروا ألكسندز نِڤْسكي (Alexander Nevsky) قدّيسا. في غضون القرن السادس عشر اعتنقت فنلندا المذهب اللوثري وظهرت اللغة الفنلندية للمرة الأولى من نتاج المطران والمصلح ميخائيل أچريكولا (Mikael Agricola, c. 1510-1557) المعروف بأبي اللغة الفنلندية المكتوبة وذلك في ترجمته للعهد الجديد التي صدرت عام ١٥٤٨ أما العهد القديم من الكتاب المقدس فقد تُرجم للمرة الأولى إلى الفنلندية عام ١٦٤٢.
تبدأ الملحمة الفنلندية بموضوع الخليقة كما في التوراة إلا أن المادة هنا ليست من التراب بل من بيض مكسور وتنتهي بتفسير غريب لولادة البتول. بين هذين الطرفين وصف لطريقة معيشة الشعب الشمالي في محيطه المميز وإدارة قضاياه وذلك بأسلوب ملحمي وسحري وغنائي وطقسي. تتطرق الملحمة إلى العديد من المواضيع ذات الطابع الانساني العام مثل الغناء والشجاعة والزواج والمأساة والخير والشر والسحر والصيد. تتمحور العديد من الأحداث في الملحمة حول شخصية البطل ڤاينموينن (Väinämöinen) الذي ينشىء أرض كاليڤا وجاره الذي يهدده پوهْيولا (Pohjala) من الشمال. في البداية سادت علاقات ودّ ومحبة بين هذين الإقليمين إلا أنها سرعان ما تحولت إلى عداوة وبغضاء. ڤاينموينن يبحث عن شريكة حياته في پوهيولا وكذلك سِپو إلْمرنن (Seppo Ilmarinen) الحدّاد باني السماء وسامپو وينم اسمه على انه المسيطر على رياح الشمال وعواصفه. أمّا لمّنكاينن (Lemminkäinen) فهو مغامرمولع بالمصارعة وشرّيب وزير (دنجوان) كاليڤالا. وهناك أيضاً شاب مختال اسمه يوكاهايْنِن (Joukahainen) يودّ منافسة ڤاينموينن. وفي هذا السياق لا مندوحة من الإشارة إلى كُلِّرْڤو شديد البأس الذي أرغم أن يصبح عبدا وبيع لإلمارنن ليرعى قطيعه وقد عومل معاملة سيّئة. ذات يوم يعثر هذا العبد على حجر كبير في خبز زاده فينتقم من إلمارنن إذ قضى على القطيع وقتل زوجة سيّده ثم طعن صدره بالسيف فلقي حتفه.
تدور أجزاء كبيرة من الملحمة حول تلك المساعي الحثيثة والمحفوفة بالمخاطر بغية الحصول على الزوجات. تلك الطاحونة أوِ الآلة السحرية "سامپو" التي تغدق على صاحبها بثروة لا نهاية لها تشكّل بؤرة الصراع بين أراضي كاليڤا وأراضي پوهيولا. سامپو تتحطم إرباً إرباً على الشاطىء إثر حرب بحرية ضارية. هناك الكثير من الأناشيد المرتلة لتنويم الأطفال ما زالت تُسمع حتى يومنا هذا. قد يكون لنشيد واحد أكثر من مائتي رواية مختلفة في شتى أنحاء البلاد. أغنى المناطق للشعر الشعبي الفنلندي المذكور كانت أورثوذكسية وهي إنچريا (Ingria) إلى الجنوب وإلى الشمال من مدينة سانت بطرسبورغ ولادوچا كريليا (Ladoga Karelia) وأولونيتس كريليا (Olonets Karelia) وآرشأنچل كريليا (Archangel Karelia).
من الرواة المشهورين الذين أمدّوا لونروت بمادة شعرية هامة نذكر أرْهِبّا پِرتُنِن ١٧٦٩-١٨٤٠ (Arhippa Perttunen) وابنه بلند ميهكلي ١٨١٥-١٨٩٩ (Blind Miihkali) ولارن پارسكي (Larin Paraske) ١٨٣٤-١٩٠٤ التي حفظت أكثر من ٠٠٠،١١ بيت من الشعر. علينا أن ننوّه بأن الملحّن الشاب جان سيبليوس قد استمع اليها عام ١٨٩١ وتأثّر كثيرا بذلك وقد أنجز القصيدة السيمفونية كُلِّرڤو (Kullervo) عام ١٨٩٢. من المادة المجموعة قد نشر في خلال المدة ما بين ١٩٠٨-١٩٤٨ ثلاثة وثلاثون مجلدا في إطار "أشعار قديمة للشعب الفنلندي" شملت حوالي مليون وربع المليون من الأبيات. هناك حوالي نصف هذا المقدار ما زال قابعا في أرشيف جمعية الأدب الفنلندي في هلسنكي لم يُنشر بعد. زد على ذلك مجموعاتٍ كبيرةً من كريليا الروسية وإستونيا.
لا بد من الإشارة إلى أن الفولكلور يلعب دورا هاما في الثقافة الفنلندية كما وأن الملحمة الفنلندية كانت منبعَ إيحاء لا ينضُب بالنسبة للفنّانين والملحّنين والرسّامين أمثال أكْسلي چلن-كللا (Akseli Gallen-Kallela) وألبرت إدلفلت (Albert Edelfeld) وإلييل سارنن (Eliel Saarinen) وجان سيبليوس. يُطلق الفنلنديون أسماء الشخصيات في الكاليڤالا على أبنائهم وعلى الشوارع والأماكن والمتاجر والشركات والسفن والمسارح والصحف الخ مثل سامپو وآيْنو وإلْمَري وپوهيولا وكاليڤالا كورو وَتَپْيولا وكاليڤا ولِمِّنْكايْنِن (Sampo, Aino, Ilmari, Pohjola, Kalevala koru, Tapiola, Kaleva, Lemminkainen). كما واستمدّ القوميون الفنلنديون في منتصف القرن التاسع عشر الثقةَ بالنفس من ملحمتهم إزاء لغتهم وثقافتهم وفي الستينيات من نفس القرن غدت الفنلندية متساويةً مع السويدية في الحكومة والإدارة والتربية.

حول أهمية الكاليڤالا قال الشاعر الفنلندي المعروف إينو لينو Eino Leino) (1878-1926 ما معناه، ماذا كان سيكون وضع الأمة الفنلندية بدون الكاليڤالا؟ شجرة بلا جذور ولكان الفن الفنلندي زهرةً من صنع اليد، الملحمة الفنلندية أعطت الشعر الفنلندي ما تحتاجه كل أمّة في العالم من أجل التألّق والازدهار باستقلالية، أساطير إلاهية وأبطال حياة شعبيين وكلّ شيء.
وفي الختام عيّنة من الكاليڤالا بالعربية وفق ترجمة الأديب سحبان أحمد مروة وهي من الفاتحة ص. ١٣.

"يخطر لي
وفي ذهني أفكّر
بالذهاب لأنشد
بالذهاب لأغنّي
لأقرأ صلات الرحم
لأغنّي الأنساب
الكلمات تذوب في حلقي
والعبارات تسقط
إلى لساني تأتي
على أسناني تنفجر
أخي أيها الغالي يا أخي
يا من لم يتصل برحم لي أيها الوسيم
تعال معي لننشد
هلمّ معي لنغنّي
بعد أن تعارفنا
إثر قدومنا من مكانين مختلفين
فمن النادر أن نلتقي
أن يأتي واحدنا حيث الآخر
في تلك الحدود التعسة
في بوهيولا البائسة



#حسيب_شحادة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نافذة على السامريين
- حول المختصرات العربية
- مستقبل تدريس اللغة العربية وآدابها في جامعة هلسنكي في خطر حق ...
- من نوادر الجاحظ وطُرفه
- الزوج المفقود جذل
- نظرة على ”مجمع اللغة العربية في إسرائيل-
- العُرس المقدسيّ‏ ‬قبل قرن ونصف
- شخصيات لا تنسى،‏ ‬خليل السكاكيني‏ ‬المربّي‏ R ...
- عندما يكون اللسان أسرع من العقل
- كلمات وعبارات عامّية في أوائل القرن السابع عشر
- الحيّة وهي حيّة
- حول مخطوط: كتاب الخُلْف لفنحاس (خضر) بن إسحق الحفتاوي
- الإسكافي ليس حافيا
- رسالة الكاهن يعقوب بن عزّي إلى إسحاق بن تصڤي عام £ ...
- كلمة في‏ ‬الذكرى الثمانين لرحيل جبران خليل جبران، فخر ...
- خواطر إضافية لربّي نحمان البراتسلاڤي
- ’’عام الأرنب البريّ‘‘ للكاتب الفنلندي أرْطو پاسيلِنّا
- بضع فقرات للتأمّل من “قصّة عن الغرام والظلام” لعاموس عوز
- كلمة عن اللاسامية وأخرى عن الأغيار/ الچوييم
- وصية راضي أبي الأمين صدقة


المزيد.....




- كونشيرتو الكَمان لمَندِلسون الذي ألهَم الرَحابِنة
- التهافت على الضلال
- -أشقر وشعره كيرلي وحلو-..مشهد من مسلسل مصري يثير الغضب بمواق ...
- الإيطالي جوسيبي كونتي يدعو إلى وقف إطلاق النار في كل مكان في ...
- جوامع العراق ومساجده التاريخية.. صروح علمية ومراكز إشعاع حضا ...
- مصر.. الفنان أحمد حلمي يكشف معلومات عن الراحل علاء ولي الدين ...
- -أشقر وشعره كيرلي وحلو-..مشهد من مسلسل مصري يثير الغضب بمواق ...
- شجرة غير مورقة في لندن يبعث فيها الفنان بانكسي -الحياة- من خ ...
- عارف حجاوي: الصحافة العربية ينقصها القارئ والفتح الإسلامي كا ...
- رواية -خاتم سليمى- لريما بالي.. فصول متقلبة عن الحب وحلب


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسيب شحادة - الكاليفالا ملحمة الشعب الفنلندي