أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - عبد الغفار شكر - تجديد الحركة التقدمية المصرية - الجزء الثانى















المزيد.....



تجديد الحركة التقدمية المصرية - الجزء الثانى


عبد الغفار شكر

الحوار المتمدن-العدد: 1048 - 2004 / 12 / 15 - 22:23
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
    


(2) عالم متغير ومجتمع مختلف

لا نستطيع ونحن نستكشف آفاق المستقبل بالنسبة للحركة التقدمية المصرية وضرورات تجديدها أن نتجاهل ما يحدث حولنا من متغيرات عالمية وإقليمية، وما استجد من تطورات فى بنية المجتمع الانسانى المعاصر، وما ترتب على هذه المتغيرات والتطورات من سمات جديدة مميزة للعالم المعاصر والمجتمع المعاصر.
وإذا كانت النظرة إلى هذه التطورات قد اختلفت فاعتبرها البعض قدراً لإفكاك منه وفرصة للتخلى عن قناعات فكرية سابقة، بينما لا يرى البعض الآخر فيما حدث ما يدعو إلى إعادة النظر ليس فقط بالنسبة للمعتقدات الفكرية بل أيضاً بالنسبة للرؤى ومناهج العمل وأساليب التحرك السياسى، إلا أننا نعتقد أن الموقف الصحيح من هذه التطورات الذى يكفل لنا مواكبتها والتفاعل معها إيجابيا،ً وعدم التخلف عن روح العصر وإيقاعاته يتطلب السعى إلى فهمها ومعرفة طبيعتها وأسبابها وأهم النتائج المترتبة عليها، وأن نركز على التطورات والظواهر العميقة والأكثر جوهرية الممتدة فى المستقبل والتى سيكون لها التأثير الأكبر على مسيرة المجتمع البشرى ومستقبله لفترة طويلة قادمة، ومن ثم يكون باستطاعتنا إعادة النظر فى مناهج وأساليب عملنا وصياغة رؤية جديدة لحركتنا التقدمية تكسبها بحق صفة المستقبلية وتتجاوز بها مرحلة العمل الآنى والنظر تحت الأقدام دون مد البصر إلى أفق يتجاوز اللحظة الراهنة كما هو حالها حالياً، ويكفى أن ننظر إلى حركة كثير من القيادات السياسية التقدمية والتنظيمات التقدمية لنلاحظ أنها تنشط وتعمل يوما بيوم وليس أكثر، فكل ما يشغلها أن تثبت وجودها الآن وفقط دون أن تفكر وتعمل للمستقبل، ولهذا فإننا لا نعجب عندما نلاحظ أن القوى التقدمية تزداد ضعفاً يوما بعد الآخر، وأنها تخسر باستمرار وتفقد جزءاً من رصيدها التاريخى لغياب هذه النظرة المستقبلية ولغياب التفكير والتخطيط الاستراتيجى.أن الفيصل فى تعاملنا مع التطورات الجارية فى العالم من حولنا وما يترتب عليها من متغيرات فى بنية المجتمع المعاصر هو كيف تكون لنا القدرة على تعظيم جوانبها الإيجابية والحد من آثارها السلبية، ولن نتمكن من ذلك بدون نظرة عميقة تنفذ إلى جوهر الأشياء، ونتعرف على أكثر الظواهر تأثيراً على المدى البعيد ومن خلال ذلك نصل إلى الاستنتاجات المناسبة والأسس الضرورية لحركتنا فى المستقبل، فما هى هذه التطورات والمتغيرات ذات التأثير الممتد فى المستقبل؟ وكيف تؤثر فينا؟ وما علاقتها بمستقبل الحركة التقدمية المصرية وضرورات تجديدها؟.

العالم يتشكل من جديد
الحقيقة الكبرى فى عصرنا الراهن التى يتعين أن نتمثلها جيداً ونستوعب نتائجها العميقة هى أن الإنسانية تنتقل الآن عبر عملية معقدة ومركبة صوب صياغة مجتمع عالمى جديد تحت تأثير الثورة العلمية والتكنولوجية المعاصرة التى جعلت العلم –لأول مرة فى تاريخ البشرية- قوة أساسية من قوى الانتاج تضاف إلى الأرض ورأس المال والعمل، من أهم ملامح هذه الثورة التطور الكبير فى مجال ارتياد الفضاء والالكترونيات الدقيقة والحاسبات الآلية والمعلومات والهندسة الوراثية وطاقة الاندماج النووى، ونتيجة لانجازات هذه الثورة تتغير ليس فقط أسس وقواعد العلاقات الدولية والأفق الجيو سياسى للكون، بل يشمل التغيير أيضاً الملامح الأساسية للمجتمع الانسانى حيث تتعرض البنية التحتية للمجتمعات الصناعية المتقدمة لتغييرات جذرية بنفس القدر الذى يحدث فيه التغيير فى أسلوب الحياة فيها، وأنماط التفكير، ونوعية القيم السائدة، والعلاقات الاجتماعية، وأساليب الممارسة السياسية، ويمتد هذا التغيير بالفعل إلى مجتمعات العالم الثالث بحكم الترابط والتفاعل المتزايد بينها وبين المراكز الرأسمالية المتطورة وما يربطها بها من علاقات تبعية وثيقة، وأقسى ما يواجهنا فى مصر والوطن العربى حاليا أن هذا التطور يأتى ونحن نواجه أزمة مجتمعية شاملة وعميقة، ونحن فى اشد درجات التشتت والفرقة، مهددين باضمحلال كياننا القومى تحت وقع ضغوط خارجية شديدة وقيود داخلية قاسية، مما يضعنا فى مأزق حضارى شديد، إننا نواجه هذا التطور العميق فى مسيرة الإنسانية بتركه مثقلة من أعباء الماضى وقيود الحاضر، ولا نملك الا هامشا محدوداً للمناورة فى مواجهته.
تتضح الأبعاد الحقيقية للمتغيرات العالمية والإقليمية وتطور بنية المجتمع الإنسانى المعاصر من خلال ست ظواهر أساسية هى الأكثر تأثيراً فى المستقبل (ومن ضمنه مستقبل مصر والوطن العربى كجزء من العالم المعاصر). تشكل هذه الظواهر فى مجملها الإطار الذى تتفاعل فيه وتتولد منه العلاقات الدولية المعاصرة، والمتغيرات الإقليمية، والتطورات الاجتماعية. هذه الظواهر هى التدويل الاقتصادى، والعولمة الرأسمالية وثورة المعلومات والاتصال، وفشل النموذج الاشتراكى السوفيتى، وسيادة الاتجاه نحو الديمقراطية والحقبة النفطية وسياسة الانفتاح. معظم هذه الظواهر هى –فى التحليل الأخير- من نتائج الثورة العلمية المعاصرة وتفاعلاتها، وربما لا يكون بعضها جديداً تماماً ولكنه يكتسب طابعاً مختلفاً فى ظل إنجازات هذه الثورة.

التدويل الاقتصادى
تتأكد هذه الايام وحدة الوجود البشرى، حيث يتزايد التفاعل فى كل المجتمعات بين الداخل والخارج، ويكتسب العامل الخارجى تأثيراً متزايداً فى الوضع الداخلى. يكمن أساس هذه الظاهرة فى الاقتصاد فنلاحظ اضطراد العمليات التى تؤدى فى النهاية إلى تدويل الحياة الاقتصادية فلم يعد ممكنا بناء الاقتصاد داخل كل بلد على حدة، فالانتاج والتسويق لم يعد أيهما متيسراً إلا على أساس دولى، ورأس المال أصبح دوليا، والبحوث العلمية أصبحت تجرى فى مراكز دولية. أى أن العمليات الأساسية للانتاج وإعادة الانتاج وهى التراكم وتنظيم العمل والتسويق والتوزيع صارت تتم على صعيد دولى. وفى ظل هذا الوضع نشأت البنوك والشركات متعدية الجنسية (متخطية القوميات) لتصبح هى القوى المحركة الجبارة للتركيز المالى والصناعى فى الأسواق التى أصبحت عالمية حقا. وفى إطار التدويل الاقتصادى المتزايد تنمو ظاهرتان ترتبطان مباشرة بأوضاع العالم الثالث ونحن جزء منه وتؤثران على كل جوانب الحياة فيها وهما:
1-نشوء اشكال مختلفة من الاعتماد المتبادل بين مختلف دول العالم بحيث لم يعد باستطاعة أى بلد أن يعزل نفسه عن هذه العملية بل إننا نلاحظ أن سعى جميع الدول للتكتل الاقتصادى والتكامل الاقتصادى هو فى حقيقته تعبير عن ظاهرة التدويل المضطرد للحياة الاقتصادية وضرورة تخطى الحدود القومية من أجل تنمية القوى الانتاجية، ومن المهم أن نميز فى هذه الظاهرة بين شكلين هما الاعتماد المتبادل المتكافىء والاعتماد المتبادل غير المتكافىء نتيجة عدم التكافؤ بين أطرافه، وهو الوضع الذى توجد فيه الأغلبية الساحقة من الأقطار النامية والذى انتج التبعية كسمة مميزة للعلاقات الاقتصادية الدولية المعاصرة.
2-تشكل نمط جديد للتقسيم الدولى للعمل يتلخص فى انتقال الصناعة جنوباً، وإعادة نشر الزراعة شمالاً، وانفراد الشمال بعصر ما بعد الصناعة (المعلوماتية) وهو نمط يكرس تخلف البلدان النامية ونحن منها فيحتفظ لها بدورها الأصيل كمورد للخامات الطبيعية الرخيصة نسبياً، ولكنه يمنحها دوراً جديداً هو دور المورد الثانوى للمنتجات الصناعية (للصناعات الضارة بالبيئة وكثيفة العمالة). وفى نفس الوقت تصر البلدان الرأسمالية المتقدمة على السيطرة على انتاج وتصدير منتجات زراعية غذائية استراتيجية.

العولمة الرأسمالية
تعتبر هذه الظاهرة الوجه الثانى لظاهرة التدويل الاقتصادى أو بمعنى أدق مضمونها، فهذا التدويل يتم فى إطار رأسمالى حيث نجحت الرأسمالية فى تجديد نفسها بالاستفادة من إنجازات الثورة العلمية والتكنولوجية وبدأت مرحلة جديدة من نهوض الرأسمالية وعولمتها، واستكملت الرأسمالية أدواتها للعولمة الرأسمالية والسيطرة على مجمل النشاط الاقتصادى العالمى المالى والصناعى والتجارى والزراعى وهى صندوق النقد الدولى، والبنك الدولى للإنشاء والتعمير ومنظمة التجارة والتعريفة الجمركية (الجات) والشركات والبنوك متعدية الجنسيات.
ونتيجة للعولمة الرأسمالية تزداد البلدان النامية اندماجا فى السوق الرأسمالى وهو اندماج مشوة قائم على أساس دفع ظاهرة التطور غير المتكافىء إلى مداها، مما يكرس انقسام العالم الرأسمالى إلى قطاعين متفاوتين من حيث مستويات النمو لصالح المراكز الرأسمالية المتطورة على حساب الأطراف المتخلفة، وهكذا فإن الاعتماد المتبادل غير المتكافىء يصبح أخطر جوانب الرأسمالية المعاصرة، ينتج التبعية ويعيد انتاجها باستمرار بسبب الاعتماد المتزايد للدول النامية على التجارة الخارجية، وازدياد اندماجها فى السوق الرأسمالية العالمية للسلع والخدمات ورأس المال، بما فى ذلك سوق الاستثمارات الأجنبية والقروض والتسهيلات المصرفية والمعونات والتكنولوجيا. وهناك عدة نتائج خطيرة بالنسبة للدول النامية نتيجة لهذا الوضع منها:
1-تؤدى العلاقات غير المتكافئة إلى نقل اعباء الأزمات الدورية والهيكلية إلى البلدان النامية وذلك من خلال المفعول التلقائى للقوانين الاقتصادية الموضوعية من غير حاجة لاستخدام القوة أو الاكراه.
2-تؤدى العولمة الرأسمالية إلى ظاهرتين متلازمتين بالنسبة لدول العالم الثالث هما الاندماج الخارجى والتفكك الداخلى. ولا تمثل آليات هذه العملية عنصراً مواتيا لقيام دول وطنية جديدة أو استقلال الرأسمالية المحلية بسوقها، بل تربط برباط وثيق أجزاء من هذه الرأسمالية المحلية مع راس المال الدولى فتتكامل معه تحت هيمنة الاحتكارات الدولية فى الوقت الذى يزيد من حدة الاستقطاب الداخلى ويدفع بأجزاء كبيرة من السكان إلى أوضاع هامشية.
3-نتيجة للنمو الرأسمالى غير المتكافىء على الصعيد العالمى يتواجد إلى جانب المراكز الرأسمالية المتقدمة عالم ثان يضم مجموعة الدول التى تتوفر لها إمكانية اللحاق بهذه المراكز مثل روسيا والصين، أما العالم الثالث فسينسلخ منه عالم رابع (مرشح له أفريقيا والوطن العربى) فقير متخلف عاجز عن المنافسة والصمود يموج بالمشكلات الاقتصادية والاجتماعية المدمرة والأمراض، مما يدعو المراكز الرأسمالية إلى تحاشى التداخل معه وسيكون من مصلحتها أن تقيم حوله نوعا من الحجر الصحى يعزله عن العالم الخارجى وتتركه لأمراضه ومشاكله تفتك به، وما يحدث الآن فى رواندا والصومال والسودان والجزائر واليمن وانجولا وموزمبيق وغيرها يؤكد هذا الاحتمال.

ثورة المعلومات والاتصال
مرت الحضارات البشرية بثلاث موجات كانت كل منها أساس تنظيم المجتمع البشرى فى وقتها، بدأت الموجة الأولى باكتشاف الزراعة التى طبعت المجتمع الزراعى بطابعها طوال عصر كامل وبدأت الموجة الثانية باكتشاف الآلة البخارية وما تلاها من إنجازات الثورة الصناعية التى دشنت عصراً جديداً هو عصر الصناعة، وكان لها الدور الأكبر فى تبلور المجتمع الصناعى وفق أسس مختلفة، وها نحن نعيش بدايات الموجة الثالثة التى يبدأ معها عصر جديد هو عصر المعلومات وينتقل المجتمع بفضلها من مجتمع الصناعة إلى مجتمع المعلومات، وذلك أن السمة الاساسية لهذه الموجة أنها فى جوهرها نتاج للثورة العلمية المعاصرة التى ترتبط بمعالجة المعلومات والآلات المبرمجة التى تعمل ذاتيا وتكنولوجيا الأحياء والهندسة الوراثية والذرة. وتعتبر الأوتوماتية لب هذه الثورة وقد أحدثت ثورة فى مجال قوى الانتاج العصرية، محتواها الرئيسى هو الانتقال من توفير العمل العضلى (عصر الصناعة) إلى توفير العمل العقلى نفسه (عصر المعلومات). وسيكون لذلك أثره بالضرورة فى تغيير ظروف الإنتاج وشكل السلع المنتجة. ولن يتوقف هذا التغيير عند حدود الاقتصاد بل يشمل أيضاً كما أوضحنا من قبل أسلوب الحياة وأنماط التفكير ونوعية القيم السائدة والعلاقات الاجتماعية وأساليب الممارسة السياسية هكذا يتبلور تدريجيا مجتمع ما بعد الصناعة، مجتمع المعلومات وتصبح تكنولوجيا المعلومات أساس النشاط الاقتصادى، ونقصد بها ما يتعلق بجمع وتوصيل وتخزين واستعادة ومعالجة وتحليل المعلومات، وهى تقوم على الربط بين التكنولوجيا المبنية على الالكترونيات الدقيقة وصناعة المعلومات. وقد ظهرت تكنولوجيا المعلومات نتيجة الاندماج التدريجى بين تكنولوجيا الاتصالات وتكنولوجيا الحاسبات الآلية فقامت النظم الحديثة للمعلومات بما لها من طاقات هائلة على التخزين والمعاجلة والنقل. وبهذا أصبحت المعلومات مورداً اقتصادياً فى حد ذاتها، بل إنها تمثل الآن فى البلاد الرأسمالية المتطورة أهم مجالات النشاط الاقتصادى، وتقوم بالدور الرئيسى فى التقدم العلمى والتكنولوجى الراهن، وأصبح المعيار الرئيسى لقوة الدولة هو ما تملكه من معلومات كما ونوعا، ومن قدرة على السيطرة عليها وتوجيهها والإفادة منها.
يعزز هذا التطور التاريخى القفزة الكبرى فى تكنولوجيا الاتصال، وبخاصة فى الاقمار الصناعية واستخداماتها الواسعة، وخصوصاً فى مجال البث التليفزيونى الكونى، الذى يتجاوز بحكم آليته الحدود الجغرافية، وينفذ إلى مختلف الأقطار التى تنتمى إلى ثقافات مختلفة مما من شأنه أن يؤثر –خلال الرسائل الإعلامية المتعددة على القيم والاتجاهات والعادات والتقاليد.
لثورة المعلومات والاتصال نتائج اقتصادية واجتماعية بعيدة المدى بالنسبة للعلاقات الدولية والمجتمع المعاصر، تتبلور الآن بوضوح فى المجتمعات الرأسمالية المتقدمة، وهى فى نفس الوقت ليست بعيدة عن مجتمعات العالم الثالث المطروح عليها الآن –من خلال الاندماج فى السوق العالمية- التعامل مع نتائج هذه الثورة فى مجالات التكنولوجيا والاقتصاد والاجتماع مثل:

1-تغير ظروف الإنتاج
حيث تتأكد لامركزية الانتاج فيتم التحول من الصناعات كثيفة العمالة إلى الصناعات كثيفة العلم والتكنولوجيا، وتقلل الاوتوماتية الحديثة من الحاجة إلى تجميع العمال فى مكان واحد، وطرأت تغيرات جوهرية على الشروط الفنية –الاقتصادية للعمليات الإنتاجية والخدمية لها انعكاساتها الكبيرة على الواقع الاجتماعى ونظام القيم والمفاهيم وأشكال الوعى والتنظيم، فقد سمحت التكنولوجيا الحديثة بابتداع عمليات صناعية جديدة لمنتجات متقدمة فى صناعة الالكترونيات الدقيقة، مثلا يجرى تجزئتها إلى عمليات تجميعية بسيطة لا تحتاج مهارات عالية ولا تتمتع بوفورات الحجم أو النطاق وليست فى حاجة إلى صيغة المصنع الكبير الذى يقوم على تجميع آلاف العمال، بل يجرى إنجاز هذه الأنشطة الصناعية فى وحدات صغيرة –لا تحتاج إلى طاقة محركة كبيرة- وبالتالى يمكن انجازها فى المنازل من خلال ما يعرف بالعاملين من منازلهم، وهؤلاء لا يتمتعون بالحقوق التأمينية المعهودة ولا ينتمون إلى تنظيمات نقابية تدافع عن حقوقهم، ويعملون وفق نظام المقاولة من الباطن وما يترتب على ذلك من ضعف تنظيمى وسياسى.

2-تغير تركيب الطبقة العاملة:
مع فك الصناعة تعاد هيكلة قوة العمل فيتجه عدد العمال اليدويين والصناعيين إلى الانخفاض، بينما تتزايد نسبة العمال الذين يمارسون العمل الذهنى، كالمهندسين والعمال العلميين والتكنولوجيين والمحاسبين، وأوضح مثال لهذا التغير فى تركيب الطبقة العاملة أن العمالة المشتغلة فى مجال المعلومات وهو القطاع القائد للاقتصاد فى المستقبل القريب تضم العاملين فى مجالات النشر والإعلام والكومبيوتر ونظم المعلومات والتعليم والتأليف والترجمة والتخطيط وما شابه، وإذا استعرضنا هذه القطاعات فى مصر وكذلك الصناعات الجديدة فى مدينتى العاشر من رمضان و 6 أكتوبر فإننا سندرك على الفور أنا لا نتحدث عن ظواهر جديدة تخص المراكز الرأسمالية المتطورة بل تخصنا أيضاً، وقد بدأت مقدماتها تظهر بالفعل فى مجتمعاتنا، وستفرض نفسها أن عاجلاً أو أجلا علينا جميعاً، والأمر الأساسى هنا أن التطور لا يعنى أن الطبقة العاملة تختفى وإنما يتغير تركيبها وتتعقد بنيتها وتتطور طبيعة عملها وتتحول عقليتها، هذا التطور يوسع صفوف الطبقة العاملة لكنه يزيد الفوارق داخلها ويزيد من عدم التجانس فيما بينها، ولم يعد سليما أن نستمد تناولنا لهذه الطبقة الجديدة من صيغ انقضى عليها اكثر من قرن من الزمان .

3-اتساع الفئات الوسطى:
لم يسر التطور الاجتماعى – كما كانت التحليلات السابقة ترى - نحو التبلور الحاد بين طبقتين متواجهتين هما البروليتاريا والبورجوازية وعلى الطبقات الأخرى أن تختار الانحياز لإحداهما. بل حدث العكس تقريبا، فالطبقة العاملة الصناعية تتراوح الآن بين 10، 15% من مجموع السكان فى الدول الرأسمالية المتطورة، وهى فى وضع هامشى فى الدول المتخلفة وسيقطع نمط الإنتاج والتطورات الاقتصادية الجديدة الطريق على نموها. فى حين أن الفئات الوسطى أصبحت تشكل الأغلبية الساحقة، تحول الإنتاج من اليد إلى الدماغ، وأصبحت المعرفة والمعلومة والفكرة والتصميمات الذهنية هى أداة الإنتاج الأساسية، وهذه تملكها الفئات الوسطى الجديدة التى تتجه لأن تكون المنتجة الأساسية للثروة، ويطرح هذا التطور اشكالية جديدة على القوى التقدمية، ستزداد إلحاحاً فى مصر فى السنوات القادمة، وهى إلى أى حد يمكن التعامل مع هذه الفئات باعتبارها جزءاً أصيلا من الطبقة العاملة الجديدة؟ أو على أقل تقدير بناء تحالف أساسى معها بنفس القدر من الأهمية الذى أعطى فى مطلع القرن العشرين للتحالف بين الطبقة العاملة والفلاحين، وخاصة أنها ليست فئات وسطى بورجوازية طالما أن أفرادها يعيشون من أجورهم وأتعاب أنشطتهم المهنية أكثر مما يعيشون من حيازة الممتلكات أو إدارة الأعمال، إنها فئات اجتماعية جديدة، تستند قوتها إلى المهارات المكتسبة من التعليم الحديث، ظهرت فى الامتدادات الوسطى للبناء الاجتماعى التقليدى، ويقدم افرادها أنفسهم للمجتمع من خلال مهارتهم ومواهبهم المهنية أكثر منه من خلال الثروة أو العلاقات الشخصية. وهم لا يملكون ما يستندون إليه سوى التعليم الحديث والمتخصص الذى يرتبط بالتحديث والتنمية ومما يعزز ضرورة ايجاد حل لهذه الاشكالية فى اتجاه كونها جزءًا من الطبقة العاملة أو حليفا أساسيًا لها أن هذه الفئات تزداد معاناتها من الأزمة المجتمعية الراهنة نظرًا لطبيعة تطلعاتها ونمطها الاستهلاكى ودخولها المحددة.


4 - نحو ثقافة عالمية رأسمالية :
يعتبر مجال الوعى والثقافة من أخطر مجالات النشاط الانسانى تأثرًا بالتطورات التكنولوجية الجديدة، وخاصة ما يتصل بتلاقى التكنولوجيات المختلفة فى مجال الاتصالات كاستخدام الفضاء وتزايد امكانيات البث التليفزيونى المباشر عبر الاقمار الصناعية وتحسين امكانات تخزين البيانات والاصوات والصور بفضل ذاكرات الحسابات الالكترونية واسطوانات الفيديو وتزايد طاقات المعالجة والحساب بمعدلات ضخمة جدًا بفضل أجهزة المعالجة الدقيقة.
وسيؤدى كل ذلك إلى إنشاء شبكات معقدة للمعلومات تتحكم فيها الدول الرأسمالية المتطورة والشركات متعددة الجنسية، وتعتبر شبكة الانترنت (الطريق السريع للمعلومات) أحد التطبيقات الهامة لهذا التطور الهائل فى مجال المعلومات على النطاق الدولى، ومن هنا يصبح الاتصال بمثابة الجهاز العصبى للعالم المعاصر وللمجتمعات المعاصرة، ويصبح لوسائل الاتصال الحديثة السيطرة على ميادين المعرفة كلها مما يعطيها دورًا متزايد الشأن والخطر فى تشكيل الفكر والثقافة العالمية. وإذا كان هذا التطور سيساعد على نشر الثقافة والقيم الانسانية المشتركة لجميع البشر وعلى حل كثير من المشكلات فى مجال التربية والتعليم وتنمية الآفاق الثقافية، فإنه يحمل فى وجهه الاخر ما يثير القلق بالنسبة للدول النامية التى ستتأثر ثقافاتها بشدة وستتعرض لمؤثرات خارجية قوية سوف يترتب عليها تغيير القيم والمعايير وأنماط السلوك فى الاتجاه الذى تريده الدول الرأسمالية المتطورة وبما يخدم عملية استيعاب هذه الشعوب فى إطار المنظومة الرأسمالية العالمية فكريا وثقافيًا ووجدانيًا، وهو أمر يهدد فى الصميم ثقافات عريقة ونامية عديدة الأمر الذى يتطلب مواجهة فعالة، فكيف تستطيع مواجهة هذا الغزو الفكرى والثقافى الرأسمالى عبر البث التليفزيونى المباشر واسطوانات الكومبيوتر والعاب الفيديو وبرامج الكومبيوتر؟ وماذا نستطيع القوى التقدمية أن تفعله بإمكانيات محدودة للمحافظة على هويتنا الثقافية المتميزة؟ وماهى الاشكال والادوات التى نستطيع تنميتها لتحقيق هذا الهدف فى عالم لانملك أدواته الهائلة ولسنا الطرف الأقوى المؤثر فى فكر ووجدان الشعب المصرى الذى يتعرض وسيتعرض فى المستقبل لمؤثرات خارجية فعالة لا يملك أحد أو قوة مهما كانت أن تمنعه من التعرض لها بقرارات إدارية، بل يصبح الاسلوب المناسب هو التفاعل معه مباشرة بما يحميه من نتائجها الضارة.

فشل النموذج الاشتراكى السوفيتى
شهد العقد الأخير من القرن العشرين انقلابًا فى العلاقات الدولية بزوال دولة الاتحاد السوفيتى وتحول دول شرق أوروبا إلى النظام الرأسمالى، فانتهت بذلك حقبة كاملة من الحرب الباردة نتيجة انقسام العالم إلى نظامين ومعسكرين متصارعين، وصحب هذا التحول فى العلاقات الدولية فشل نماذج التنمية المستقلة فى دول العالم الثالث التى تبنتها أنظمة شمولية سلطوية. وغرقت هذه الدول فى الديون الخارجية وتكرست تبعيتها للرأسمالية العالمية. وضعفت حركة التحرر الوطنى العالمية وانهارت قواها وتفككت الروابط فيما بينها خاصة بعد أن فقدت الاتحاد السوفيتى حليفها الدولى الذى طالما ساندها سياسيا ضد محاولات السيطرة الامبريالية وساعدها اقتصاديا وتكنولوجيا. كما صحب هذا التحول نجاح الولايات المتحدة الامريكية فى الانفراد بقيادة العالم. واكتسبت الرأسمالية جاذبية جديدة ونفوذًا ماديًا ومعنويًا هائلاً إلى درجة دفعت البعض إلى التباهى بأنها نهاية التاريخ بمعنى أنها النظام الأرقى والأكمل والأكفأ الذى لا حاجة للبشرية إلى نظام غيره وبالرغم من هذا التفوق الواضح للنظام الرأسمالى إلا أننا لا نستطيع تجاهل حقائق كثيرة فى الواقع الدولى الراهن فى مقدمتها أن المجتمعات الرأسمالية المتطورة تواجه مشاكل حقيقية فى النمو وتعانى من ظواهر سلبية مزمنة كتلازم التضخم والركود، وتواجه منافسة ضارية من بعضها البعض على الأسواق العالمية. وأن المجتمعات الرأسمالية فى الاطراف تواجه مشاكل حادة، وتعانى من الأزمات المستمرة بل وتسير فى طريق مسدود، وخاصة أنها مضطرة لاتباع سياسات التثبيت والتكيف الهيكلى التى تلزمها بها المؤسسات الرأسمالية الدولية فتفرض عليها نتيجة لذلك سياسة انكماشية تؤدى إلى الركود والتضخم والبطالة والافقار، ولا يسمح لها الاندماج فى السوق الرأسمالى العالمى بفرصه متكافئة فى النمو حيث تكرس العلاقات الرأسمالية عالميًا الاعتماد المتبادل غير المتكافئ وتبعية الأطراف للمراكز الرأسمالية، بينما نلاحظ أن دولا اشتراكية كالصين وفيتنام وكوريا الشمالية تحاول تطوير اقتصادها فى إطار ماتسميه بالسوق الاشتراكى، وقد حققت الصين بالفعل نجاحاً ملحوظًا فى تطوير قوى الانتاج وبلغت معدلات النمو السنوى حوالى 10%، ويتحول الناخبون فى دول شرق أوروبا إلى تأييد الاشتراكيين فى الانتخابات العامة (كما حدث فى بولندا والمجر) تعبيرًا عن خيبة أملهم لفشل الوعود الليبرالية فى حل مشاكلهم.
وبالتالى فإننا لا نعتبر الرأسمالية نهاية المطاف وأن فشل النموذج الاشتراكى السوفيتى هو فشل للفكرة الاشتراكية ذاتها بل هو مجرد فشل لنموذج تبلور فى ظروف تاريخية محددة، وحقق فى البداية نجاحات ملحوظة ومعدلات نمو عالية، لكنه عجز عن التطور لأسباب محددة، ومازالت الحاجة قائمة للبحث عن نموذج اشتراكى آخر يتناسب مع التطور المعاصر للمجتمع البشرى وظواهره الجديدة يكون أكثر كفاءة وأكثر ديمقراطية ويستجيب للظروف الملموسة فى كل بلد.

سيادة الاتجاه نحو الديمقراطية
ارتبط نضال الانسانية منذ البداية ضد الاستغلال الاقتصادى بالنضال ضد كافة أشكال القهر السياسى ونظم الحكم الاستبدادية، وحققت الانسانية بالفعل نتائج هامة فى هذا المجال إلى درجة أن زيادة الاتجاه نحو الديموقراطية اصبحت - على امتداد مسيرة الانسانية - ظاهرة مستمرة ومتنامية، ومن خلال الصراعات التى شهدتها المجتمعات الرأسمالية فى مراحلها المبكرة تبلورت الليبرالية السياسية كرديف لليبرالية الاقتصادية وباعتبارها الضمان الاساسى لاستقرار واستمرار المجتمع الرأسمالى باقرار مبدأ تداول السلطة السياسية سلميًا بين مختلف الطبقات الذى توفره المقومات الاساسية التالية :
1 - الاعتراف بمجموعة الحريات العامة وحقوق الانسان وفى مقدمتها حرية تكوين الاحزاب السياسية والمنظمات النقابية وحرية الرأى والاجتماع.
2 - تعميم مبدأ سيادة القانون ودولة المؤسسات ليحل محل السلطة المطلقة للحاكم، ومبدأ الفصل بين السلطات، واحترام السلطة القضائية واستقلالها.
3 - الاعتماد على مبدأ الانتخاب العام لعناصر السلطة التشريعية والتنفيذية.
ومع احتدام الصراع فى حقبة الحرب الباردة بين المعسكرين الرأسمالى والاشتراكى نددت الرأسمالية بالنظم الشمولية وقدمت فى مقابلها الليبرالية السياسية باعتبارها الأساس السليم لقيام نظم حكم ديمقراطية ومع انهيار النظم الشمولية الاشتراكية، وفشل سياسات التنمية المستقلة فى دول العالم الثالث وتأزم أوضاع نظمها الشمولية والسلطوية واتجاهها نحو اقتصاديات السوق، ومع ما أظهرت الرأسمالية من قدرة على التكيف وتجديد نفسها اكتسبت الليبرالية السياسية جاذبية جديدة وأصبحت موضع قبول عام لدى دوائر واسعة فى المجتمعات الاشتراكية السابقة ودول العالم الثالث، يعزز هذا الاتجاه أن التوجه نحو والتطلع إلى الديمقراطية هو عنصر أساسى موجه لمسيرة الانسانية ونضالها من أجل التقدم. وقد صاحب هذه التطورات الأخيرة أن الدول الرأسمالية المتطورة توجه جانبًا هامًا من نشاطها إلى دعم التوجه الليبرالى على الصعيد العالمى لتعميق التوجه الرأسمالى فى دول العالم الثالث والدول الاشتراكية السابقة، وتستخدم فى هذا المجال المنظمات الدولية كالأمم المتحدة حيث نلاحظ تزايد نشاط المنظمات غير الحكومية ومؤسسات المجتمع المدنى فى مجال التنمية كبديل لدور الدولة السابق، كما يجرى الربط بين المساعدات الاقتصادية الدولية لدول العالم الثالث وبين موقف نظمه الحاكمة من حقوق الانسان والحريات الأساسية كما تخصص هذه الدول اعتمادات ضخمة للتغلغل فى مواقع التأثير وصنع القرار ومراكز البحث العلمى فى دول العالم الثالث لدعم الاتجاه نحو قيم واليات الليبرالية السياسية، وتستخدم أجهزة الاعلام فى هذه العملية على نطاق واسع، كما يتزايد دور البث المباشر للارسال التليفزيونى عبر الأقمار الصناعية فى هذا المجال، وبالامكان ملاحظة هذا التوجه بوضوح فى مصر من خلال حركة حقوق الانسان ومراكز البحوث والدراسات ونشاط جمعيات رجال الاعمال، وإن كان الحكم يقاوم نشر أى توجه نحو الليبرالية السياسية يتواكب مع تزايد الاتجاه نحو الليبرالية الاقتصادية، ومن مظاهر هذه المقاومة رفض الحزب الحاكم كافة الاقتراحات لفتح الباب أمام امكانية تداول السلطة سلميًا من خلال الانتخابات العامة. ومن الواضح أن إحدى المعارك الأساسية التى ستدور فى مصر فى الفترة القادمة مع نضج آليات السوق والعلاقات الرأسمالية سيكون ميدانها الأساسى قضايا الحقوق والحريات الأساسية (الاقتصادية والاجتماعية والسياسية) سواء من جانب الفئات الرأسمالية أو الطبقة العاملة أو الفئات الوسطى فلكل منها مصالح أساسية تتضرر من التناقض الناجم عن مواصلة السير نحو الليبرالية الاقتصادية مع استمرار الشمولية والسلطوية السياسية. ولا يعنى اهتمام الدول الرأسمالية المتطورة بدعم المثال الرأسمالى الليبرالى على الصعيد الدولى أن تأخذ القوى التقدمية المصرية موقفًا سلبيًا من هذه المعركة بل يتعين عليها أن تقدم رؤيتها الخاصة لكيفية بلورة مفهوم للديمقراطية الاجتماعية تقوم على المزاوجة بين المضمون الطبقى للديمقراطية واعتبارات العدالة الاجتماعية والمقومات الأساسية لليبرالية السياسية.

الحقبة النفطية وسياسة الانفتاح :
ارتفعت أسعار النفط بشكل كبير بعد حرب أكتوبر 1973 وتدفقت موارد هائلة على دول الخليج استقطبت ملايين المصريين منذ منتصف السبعينيات، وتوافق ذلك مع الأخذ بسياسة الانفتاح فى مصر التى تقوم على الارتباط بالغرب سياسيا واقتصاديا وادماج الاقتصاد المصرى فى السوق الرأسمالى العالمى والغاء القيود التى تحول دون نمو النشاط الرأسمالى فى مصر. وكان للحقبة النقطية أثار ونتائج هامة بالنسبة لمصر والوطن العربى. فقد نتج عن اعادة تدوير الأموال النفطية داخل الاقتصاد المصرى نمو وتوسيع نشاط عناصر جديدة من الرأسمالية التجارية والسمسارية التى تتوسط بين السوق المحلية ومراكز التجارة والمال والصناعة فى الدول الرأسمالية المتطورة ودول الخليج، هذا علاوة على توسيع حجم البورجوازية الصغيرة من خلال تحول أعداد كبيرة من الطبقة العاملة والأجراء عموما إلى عناصر بورجوازية صغيرة تعمل لحسابها الخاص، كما برزت ظاهرة ازدواج التكسب فى صفوف العمال والفلاحين مما يشوه وضعهم الطبقى ويؤثر على ارتباطهم بالقوى الاجتماعية التى نشأوا فى صفوفها، وترجع هذه الظاهرة إلى حالة السيولة الطبقية والاجتماعية العالية الناجمة عن الهجرة واسعة النطاق للعمالة المصرية للعمل فى دول الخليج. ومن الواضح الآن أنه مع معاناة المجتمع المصرى من هذه الظواهر فقد تعمقت الأزمة البنيوية الحادة فى مصر مع انحسار الفورة النفطية ومن أبرز مظاهرها أزمة العمالة المهاجرة العائدة وأزمة بطالة المتعلمين والخريجين، وحالة الاحباط التى يعيشها هؤلاء من حيث صعوبة التحقق الذاتية على مستوى الوظيفة، السكن، الدخل، التكسب، مشروع الزواج، مما يطرح تناقضات اجتماعية وسياسية تزداد حدة عامًا بعد الآخر من أبرز مظاهرها اتساع نطاق الفئات المهمشة فى المجتمع المصرى. وتتفاعل نتائج الحقبة النفطية ومؤثراتها على مصر مع نتائج سياسة الانفتاح والاندماج فى السوق الرأسمالى العالمى لتخلق أزمة مجتمعية شاملة وعميقة سوف تستمر زمنا طويلا وتشكل فى مجملها التحدى الأساسى للقوى التقدمية المصرية فى الفترة القادمة.
وعلى المستوى الاقليمى أدت الحقبة النفطية مع عوامل أخرى إلى تزايد نفوذ دول الخليج وتراجع حركة الثورة العربية وتصاعد نفوذ قوى الاسلام السياسى وتهديدها كثيرًا من نظم الحكم القائمة التى انكفأت داخليًا للدفاع عن وجودها، وتوقف العمل العربى المشترك بعد حرب الخليج، وزاد الاختلال فى علاقات القوى لصالح اسرائيل، ساعد على ذلك توقيع اتفاقيات كامب ديفيد ومعاهدة الصلح المصرية الاسرائيلية، وعلى هذه الأرضية تم توقيع اتفاق الحكم الذاتى بين منظمة التحرير الفلسطينية وحكومة اسرائيل ومعاهدة السلام بين إسرائيل والأردن، وسارعت الدول العربية إلى تطبيع العلاقات مع اسرائيل وطرح إطار جديد للعلاقات الاقليمية يضمن قبول اسرائيل كجزء طبيعى معترف به فى المنطقة على حساب التضامن العربى فى إطار مختلف هو إطار السوق الشرق أوسطية.
هذه هى أهم الظواهر التى تعيد تشكيل العالم المعاصر. وما ترتب عليها من نتائج اجتماعية واقتصادية وسياسية تعيد تشكيل بنية المجتمع المعاصر، فكيف يؤثر ذلك على واقع ومستقبل الحركة التقدمية المصرية؟



#عبد_الغفار_شكر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تجديد الحركة التقدمية المصرية - الجزء الأول
- أثر السلطوية على المجتمع المدنى - الجزء الثانى
- أثر السلطوية على المجتمع المدنى - الجزء الأول
- دور المجتمع المدنى فى بناء الديمقراطية-الجزء الرابع والأخير
- دور المجتمع المدنى فى بناء الديمقراطية- الجزء الثالث
- دور المجتمع المدنى فى بناء الديمقراطية - الجزء الثانى
- دور المجتمع المدنى فى بناء الديمقراطية-الجزء الأول
- نحو ثقافة عربية ديمقراطية
- نشأة وتطور المجتمع المدنى : مكوناته وإطاره التنظيمى
- الانتقال الديمقراطى فى المغرب ومشاكله
- الأحزاب العربية وثقافة حقوق الإنسان
- تحالف الجنوب فى مواجهة أممية رأس المال
- عروبة مصر والصراع العربى الصهيونى
- الأمن العربي والتقدم العلمي
- الطبقة الوسطى والمستقبل العربى
- تطور الفكر الاشتراكى فى مصر1970-2000 الجزء الثالث
- تطور الفكر الاشتراكى فى مصر1970-2000 الجزء الثانى
- العولمة والديمقراطية فى الوطن العربى
- تطور الفكر الاشتراكى فى مصر1970-2000 الجزء الأول


المزيد.....




- ماذا قالت إسرائيل و-حماس-عن الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين ف ...
- صنع في روسيا.. منتدى تحتضنه دبي
- -الاتحاد الأوروبي وسيادة القانون-.. 7 مرشحين يتنافسون في انت ...
- روسيا: تقديم المساعدات الإنسانية لقطاع غزة مستحيل في ظل استم ...
- -بوليتيكو-: البيت الأبيض يشكك بعد تسلم حزمة المساعدات في قدر ...
- -حزب الله- يعرض مشاهد من رمايات صاروخية ضد أهداف إسرائيلية م ...
- تونس.. سجن نائب سابق وآخر نقابي أمني معزول
- البيت الأبيض يزعم أن روسيا تطور قمرا صناعيا قادرا على حمل رأ ...
- -بلومبرغ-: فرنسا تطلب من الاتحاد الأوروبي فرض عقوبات جديدة ض ...
- علماء: 25% من المصابين بعدم انتظام ضربات القلب أعمارهم تقل ع ...


المزيد.....

- كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل ... / حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
- ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان / سيد صديق
- تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ ... / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- المثقف العضوي و الثورة / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- الناصرية فى الثورة المضادة / عادل العمري
- العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967 / عادل العمري
- المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال ... / منى أباظة
- لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية / مزن النّيل
- عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر / مجموعة النداء بالتغيير
- قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال ... / إلهامي الميرغني


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - عبد الغفار شكر - تجديد الحركة التقدمية المصرية - الجزء الثانى