أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد الحسين شعبان - الأردوغانية: زواج كاثوليكي بين الإسلام والعلمانية















المزيد.....

الأردوغانية: زواج كاثوليكي بين الإسلام والعلمانية


عبد الحسين شعبان

الحوار المتمدن-العدد: 3527 - 2011 / 10 / 26 - 19:12
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


على هامش فوز حزب العدالة والتنمية في الانتخابات البرلمانية العام 2002 تساءل كثيرون بقلق: هل عاد الإسلام إلى تركيا أم عادت تركيا الى حظيرة الإسلام وربما الإسلاموية بعد غياب دام عقوداً من الزمان؟ والسؤال يُطرح اليوم على نحو جديد: كيف يمكن التوفيق بين «دولة علمانية» وتوجهات بخلفية إسلامية؟!
قرأت قبل فترة أن مجموعة متنفّذة في الدولة التركية وبمناسبة مرور عشر سنوات على تأسيسها، جمعت بعض المصاحف والكتب الدينية ووضعتها على ظهور الجمال ليقودها رجل يرتدي «الزي العربي» وقد علّقت على رقابها لافتة تقول: «جاءت من الصحراء، ولتعدْ إليها، وجاءت من العرب فلتذهب إليهم». ولعل مثل هذا الفهم المغلوط لا يزال مستمراً حول علاقة الدين بالتخلف، منظوراً إليه استشراقياً أو انعكاساً لرؤية التيارات الدينية المتشددة.
لقد اعتقدت بعض النخب الفكرية والثقافية أن تركيا التي ارتبطت بعلاقة خاصة مع الغرب، وحاولت تقليده في بعض المظاهر، وشهدت بعض الممارسات لإضعاف دور الدين والتديّن، حيث بنى رجال الدولة الأوائل كل مجدهم على علمنة الدولة وعصرنتها وتحديثها بالقوة أو بغيرها، وكان المهم لديهم أن تتخلص تركيا من آثار الدولة العثمانية وأن تتجه صوب أوروبا قد أدارت ظهرها للإسلام، لكن الاسلام عاد بحلّة جديدة، وإذا بنا أمام مفارقة أخرى حين يدافع «إسلاميون» عن العلمانية.
استعـدتُ ذلك وأنا أتابـع تصريحات رجـب طـيب أردوغـان رئيس الوزراء التـركي المثـيرة في مـصر، وبعـد ذلك في تونس وليبـيا، والتي أثارت موجة عاصـفة من الجـدل، حول عـلاقة الدولـة بالدين، وحـول مفهوم الدولة العلمانية والمدنية، وعلاقة العلم بالدين وغيرها من الأسئلة الساخنة على مستوى العالم الإسلامي عامة، وهي مقاربة لأسئلة مشتبكة منذ عقود من الزمان حول علاقة العروبة بالاسلام، وعلاقة الماركسية والاشتراكية بالدين، وهل كان من الممكن «أسلمة» الماركسية، أو «مركسة» الإسلام؟ ثم علاقة الإسلام بالديموقراطية وحقوق الانسان وغير ذلك، من التداخل والتفاعل والتناحر في الكثير من الأحيان.
في مصر، هتف الاسلاميون، لا سيما قيادات حركة الاخوان المسلمين بحرارة لدى استقبال أردوغان مطالبين إيّاه بالخلافة الاسلامية «أردوغان يا زعيم وحّد صف المسلمين»، ففجأهم هو بدعوته للعلمانية، مفسّراً العلمانية بأنها لا تعني اللادينية، معتبراً أن الدولة العلمانية هي التي تضع مسافة واحدة من جميع الأديان، وهو ما ذهب اليه دستور تركيا العلماني العام 1982.
وعلى الرغم من إشارته الى أنه رجل مسلم، وهو في الوقت نفسه رئيس وزراء دولة علمانية تقف على مسافـة واحـدة من جمـيع الأديان، ولكنــها تتـعامل مع الأقليات الدينية - وأقول مع «التنوّع الديني» المسيحي واليهودي على أساس المساواة - على الرغم من أن 99% من سكانها من المسلمين، وهذا يعني أن المسافة واحدة من الجميع، وهو لا يجد تناقضاً في ذلك، فهو مسلم، وغير علماني، لكنه رئيس دولة علمانية، فالدولة بهذا المعنى لا دين لها (حتى عندما نقول مثلاً الاسلام: دين الدولة) فالدين سواءً كان الإسلام أو المسيحية أو اليهودية، هو دين المسلمين أو دين المسيحيين أو دين اليهود، أما الدولة فهي محايدة ويمكن أن يكون فيها من لا دين له، أو من أتباع الديانات غير السماوية.
الحفاوة البالغة التي استقبل بها أردوغان لم تكن ذاتها التي وُدِّع بها، لا سيما بعد حواره مع الاعلامية المصرية منى الشاذلي في برنامج العاشـرة مسـاءً لمحطة تلفزيون قناة دريم. وعلى الرغم من أن هذا البرنامج قد سُجّل في اسطنبول قبل زيارته، إلاّ أن بثّه خلال زيارته أحدث نوعاً من الاصطفاف في الشارع المصري بين جماعات الاسلام السياسي والقوى الأخرى، العلمانية، ففي حين انخفض رصيده لدى التيار الاسلامي، تعزّز موقعه لدى التيار العلماني، والأمر ليس في مصر حسب، بل في تونس وليبيا وفي العالمين العربي والاسلامي.
ولكي يظهر أردوغان «الاسلامي» بأطروحاته المتقدمة على التيارات الاسلامية، لا سيما الإخوان والسلفيين وغيرهم من القوى الاسلامية، وجّه دعواته من دار الأوبرا وليس من جامعة الأزهر، ولعلّ اخـتيار المـكان وحـده له أكـثر من دلالـة، وهو يذكّرنـا بالرئيس الأمـيركي بـاراك أوباما الذي اخـتار جامعة القاهـرة ليوجـّه خـطابه الى المجتمع العـربي والاسـلامي، في رسالة تطمينية، لا سيما باحترام الخصوصيات والعقائـد والدعـوة للحوار بين الثقافات والحضارات، الأمر الذي ترك انـطباعات إيجـابية، لكنها سرعان ما تبخّرت بالدعم اللامحدود لـ«إسرائيل». والتواطؤ في حرب غزة المفتوحة وحصارها المستمر منذ نحو أربع سنوات، وأخيراً موقف واشنطن السلبي من قبول الدولة الفلسطينية في الأمم المتحدة، خصوصاً وقد بلغ عدد الدول التي اعترفت بها 126 دولة منذ إعلان الاستقلال في مؤتمر الجزائر العام 1988.
لا شكّ بأن لتركيا مشروعاً كونياً أساسه دور اقليمي متميّز سواءً بالتوازن مع إيران، حيث كان ما يقلقها هو المشروع النووي الإيراني، إضافة الى سياسة التمدّد الإيرانية، لا سيما عربياً، خصوصاً العلاقة المتميّزة مع سوريا وحزب الله اللبناني ووصولاً الى فلسطين حيث العلاقة الوثيقة مع حماس، ناهيكم عن علاقات مع بعض القوى الاسلامية في الخليج، وعلاقة خاصة مع الجماعات الاسلامية الشيعية في العراق، وبالأخص شيعة السلطة. لكن أردوغان يعرف مصادر قوة تركيا، لا سيما أن هناك مخاوف إزاء الإسلام السياسي ليس في الغرب وحده، بل في العالمين العربي والاسلامي، لذلك فإن مقاربته للعلمانية ليست سوى تطمين الغرب كما أن موقفها الجديد من «إسرائيل»، خصوصاً إزاء عدوانها ضد أسطول الحرية وقتلها 9 مواطنين أتراك وامتناعها عن تقديم اعتذار رسمي هو أحد أرصدتها عربياً وإسلامياً، وما زاد الموقف تعقيداً هو صدور قرار دولي باسم لجنة بالمر برّأ المعتدي ولام الضحية، لا سيما سكان غزة المحاصرين ومعهم من يريد أن يرفع عن كاهلهم عبء الحصار، كما حجزت تركيا موقعاً لها في الشارع العربي، بسبب موقفها الايجابي من حركة الاحتجاج الشعبي العربي، بل حاولت أن يكون لها دور مؤثر فيها، حتى وإن لقي بعض الهواجس والشكوك، خصوصاً موافقتها على بناء الدرع الصاروخي وعضويتها في حلف الناتو واستخدام ورقة التدخل العسكري.
هناك سعي دؤوب لإظهار اعتدال الإسلام التركي القابل بالعلمانية، بل الداعي إليها، مقابل إسلام متشدد مثّلته حركات إرهابية مثل تنظيمات القاعدة وحركات سلفية انبعثت خلال السنوات العشرين ونيّف الأخيرة، في دول المنطقة العربية، وإسلام سياسي لا يزال كثير الارتباط بالماضي، وإسلام آخر يرفض الغرب ويعتبره عدوًّا ممالئاً لإسرائيل، بل شراً بالمطلق. ولهذا ليس عبثاً أن يحاول أردوغان الدعوة الى دستور مصري علماني وهو ما تلقّاه الإخوان بانزعاج وقد عبّر عنه محمود غزلان المتحدث باسم الجماعة حين ردّ على أردوغان قائلاً: إن التجارب الأخرى لا تستنسخ، وإن ظروف تركيا تفرض عليها التعامل بمفهوم الدولة العلمانية، معتبراً نصيحته تدخلاً بالشؤون الداخلية.
والسؤال الذي يمكن أن يُطرح: منذ متى كان الفكر والتعبير عن وجهات النظر تدخّلاً بالشؤون الداخلية، لا سيما من جانب قوى شقيقة، إلاّ إذا فهمنا ضيق صدر الإخوان ورفضهم لفكرة العلمانية التي يعتبرونها دعوة للادينية، خصوصاً في ظل احتدام الصراع الداخلي بينهم وبين العلمانيين؟ لقد كان الإخوان يرغبون بصدور تصريحات من أردوغان وحزبه بما يعزز مواقعهم ضد العلمانيين، وإذا به يقوّي أطروحات الطرف الآخر بتأكيده على علمانية الدولة.
لقد أكّد أردوغان على ضمان وقوف الدولة على مســافة واحــدة من جـميع الأديان، واحترامها جميعها ومنح الناس ضمانات لذلك، الأمر الذي سيوفّر أماناً للمسلمين والمسيحيين وغيرهم، بمن فيهم غير المتدينين على حد سواء، فحتى من لا يؤمن بالتديّّن لا بدّ للدولة من احترامه، وتلك مواصفات الدولة العلمانية التي يدعو إليها أردوغان، ولعمري أن تلك المواصفات لا يقول بها أي من دعاة الاسلام السياسي، سواءً كانوا مرنين أو متطرفين، في السلطة أو خارجها، ولعل هذا لا ينطبق على الاسلاميين وحدهم، فهناك علمانيون يريدون الإقصاء والإلغاء والتهميش للتيارات الاسلامية بزعم العلمانية، الأمر الذي بحاجة إلى توافق وطني في إطار عقد اجتماعي جديد يحدد علاقة الحاكم بالمحكوم في إطار مواطنة متساوية دون تمييز أو عزل، وهي الأساس في تعامل الدولة مع الفرد.
جدير بالذكر أن هذه الآراء التـي بشّر بها أردوغان سواءً في مصر أو في تونس أو في ليــبيا، ستــزيد من حدّة الجدل الذي لا يزال مطروحاً بشــدّة في العــديد من البلدان العربيـة، لا سيــما التي نجحت فيها الثـورات الشعبـية. وتأكيداً على الزواج الكاثـوليكي بين علمانيته وإسلاميته قال أردوغان: إن الشعب التركــي الذي منحـني 50% من الأصوات (وبالطـبع فهو شعب مسلم) يعلم أنني أعتبر وجــود دولة علمـانية أساساً للتطور، ولكنه لا يرى تعارضاً بين العلمانية والاسلام، وأن علمانية تركيا تختلف عن علمانية الغرب.
لقد تجاهل أردوغان عن وعي وإدراك وتصميم الدعوات الى الخلافة، لأنه أدرك أن هذه الدعوات عفا عليها الزمن، وأنه لا سبيل لاستعادة مجدها الغابر، فعقل أردوغان يفكّر بالمستقبل، وهو ليس مثل غيره من الإسلاميين أو الإسلامويين الذين يستغرقون في الماضي، بل يستحضرونه في صراعهم اليومي، وتجد أحياناً مفردات التاريخ تدور في حلقة مفرغة حول أحقية هذا الفريق أو ذاك، في مسألة خلافية تمتد لقرون من الزمان ولا يمكن حسمها.

باحث ومفكر عربي


صحيفة السفير اللبنانية العدد رقم 12020 الاثنين 24/10/2011



#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إسرائيل- والمياه
- مشكلة المياه العربية
- سمفونية الرحيل- عبد الرحمن النعيمي الرجل الذي مشى بوجه الريح
- الحق في الماء
- سورية :هل لا يزال طريق التسوية التاريخية سالكاً!؟
- العقدة اليمنية وما السبيل لحلها؟
- في رحيل عبد الرحمن النعيمي
- بالمر جولدستون.. أَيُّ مفارقة وأَيُّ قانون؟
- أسئلة الثقافة والسلطة: اختلاط الزيت بالماء
- ثروات العراق: عقود ملتبسة ومستقبل غامض!!
- إرهابيون أشرار وإرهابيون أخيار!
- في وداع عبد الرحمن النعيمي : حين يجتمع العقل والحكمة والصدق
- الدبلوماسية العالمية: مفارقات وحيرة
- ليبيا: احتلال بالتعاقد أم الأمن الناعم؟
- مصر التي في خاطري
- البوعزيزي وسيدي بوزيد وبحر الزيتون
- التزوير «القانوني» وكاتم الصوت العراقي
- ما بعد كركوك.. هل جنوب السودان نموذج؟!
- صالح جبر وسعد صالح : التاريخ وصداقة الأضداد
- دولة فلسطين واعتراف الأمم المتحدة


المزيد.....




- اخترقت غازاته طبقة الغلاف الجوي.. علماء يراقبون مدى تأثير بر ...
- البنتاغون.. بناء رصيف مؤقت سينفذ قريبا جدا في غزة
- نائب وزير الخارجية الروسي يبحث مع وفد سوري التسوية في البلاد ...
- تونس وليبيا والجزائر في قمة ثلاثية.. لماذا غاب كل من المغرب ...
- بالفيديو.. حصانان طليقان في وسط لندن
- الجيش الإسرائيلي يعلن استعداد لواءي احتياط جديدين للعمل في غ ...
- الخارجية الإيرانية تعلق على أحداث جامعة كولومبيا الأمريكية
- روسيا تخطط لبناء منشآت لإطلاق صواريخ -كورونا- في مطار -فوستو ...
- ما علاقة ضعف البصر بالميول الانتحارية؟
- -صاروخ سري روسي- يدمّر برج التلفزيون في خاركوف الأوكرانية (ف ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد الحسين شعبان - الأردوغانية: زواج كاثوليكي بين الإسلام والعلمانية