جهاد علاونه
الحوار المتمدن-العدد: 3526 - 2011 / 10 / 25 - 19:37
المحور:
حقوق الانسان
أنا رجلٌ فقد الحنان والدفء وأضاعهما من يديه كالذي أضاع خطوات قدميه بين المد وبين الجزر, وأنا عبارة عن طفلٍ فقد أُمه وأبيه,وأنا عبارة عن انسان من الداخل يرتجفُ من البرد صيفاً وشتاءً ولو قام أي إنسان بإطعامي أي شيء مدعياً أنه هو الحنان والدفْ فإنني حتماً سأقوم بتصديقه نظرا لأني لم أذق يوماً في حياتي طعم الحنان ولم أشعر بحياتي يوما بالدفء وبصراحة أنا محتار جدا في عملية الحنان والدفء فمن الذي يلد الآخر هل الحنان يلد الدفء أم الدفء هو الذي يلد الحنان؟!!وعلى كل حال أنا الآن أشعرُ بأن الدفء والحنان ينقصاني جدا فلا يوجد شيء في حياتي اليومية يجعلني أشعر بالدفء وبالحنان, وأنا محتارٌ جداً بين أمرين مهمين كالقائل من الذي يسبق وجوده في داخل الإنسان الدفء أم الحنان؟وأنا كالسائل الذي يسأل عن البيضة والدجاجة من يسبق وجوده أولاً البيضةُ أم الدجاجة؟ الليل أم النهار؟ فصل الشتاء أم فصل الصيف؟الأبيض أم الأسود.. وهل الشعور بالدفء يأت, بمعنى الشعور والإحساس بالحنان؟أم أن الحنان يأتينا أولا ومن ثم يبعثُ الحنانُ الدفء إلى كافة أعضاء الجسد؟أم أنهما خلقا كتوأمين, بمعنى أن الحنان والدفْ ولدا مع بعضهما كما هما الأبيض والأسود والليل والنهار والبيضة والدجاجة, ومن ثم ننتقلُ إلى مسألة أكثر تعقيداً هل كل الناس تحسن التمييز بين الدفء والحرارة؟فالدفء والشعور به ليس له علاقة بالحرارة فمن الممكن أن ينصلي وجهي من حرارة الشمس طوال النهار دون أن أشعر بأنني إنسان دافء وهذا معناه أن الدفء تعبيرا رمزيا عن ملحقات نفسية لها أهمية كبرى في بناء الشخصية السوية الطبيعية , وهل الناس تشعر بالحرارة المرتفعة في فصل الصيف وتعتبرها دفئاً !!وتشعرُ بالبرد القارص في فصل الشتاء باعتباره بردا طبيعياً جراء نقص في الحرارة أو الدفء؟من يستطيع التمييز بينهما؟أنا محتار جدا ولا أكاد أن أرسو على بر في هذه المسألة العويصة !! أم أن جميع من ذكروا يشعرون بالدفء ولا يعانون نقصاً في الحنان ولديهم منه الكثير؟,وأنا مثلي مثل كل الناس مع الاختلاف قليلاً في وجهات النظر ذلك أنني لا أشعرُ لا بالدفء ولا بالحنان لا في فصل الصيف ولا في فصل الشتاء وأنا أفصل بين الموضوعين باعتبارهم مختلفين تماما فالشعور بالحرارة يختلف عندي كلياً عن الشعور بالدفء لذلك أنا أحترق في الصيف من الحرارة الملتهبة ولكن يا حسرتي على حالي لا أكادُ أشعر بالمشاعر الدافئة لا صيفا ولا شتاء رغم أنني ألتصق في الشتاء بالمدفئة .. وكل الناس يخنقون البرد القارص بجلوسهم إلى جانب التدفئة المركزية ومهما كان نوع التدفئة,وفي فصل الصيف يقتلون الحرارة الملتهبة بجلوسهم تحت المراوح أو تحت الكندشنات,إلا أنا لا أستطيع أن أشعر بالدفء حتى وإن جلستُ داخل المدفئة في فصل الشتاء التي تعمل على الكاز أو على الغاز,ولا أشعرُ بالدفء وبالحنان في فصل الصيف حتى وإن جلست عاريا تحت أشعة الشمس.
ومن الممكن أنني رجلٌ بحاجةٍ ماسة للحنان لكي أشعر بالدفء فالحنان يأتي أولا ومن ثم يأتيني الدفء والشعور بالأمان,ولا بدّ أن أشعر بالدفء إذا شعرت بالحنان, ومن أين سيأتينني الحنان الذي لم أشعر به ولا يوما واحداً في حياتيً ومن أين لي أن أعرف طعمه وأنا لم أتذوقه طوال حياتي , ومن أين لي أن أكون رجلا دافئا وأنا لم أذق بعد طعم الحنان رغم أن عمري الآن قارب على دخول الواحد والأربعين سنة, وهل من المعقول أن نجد رجلاً ناهز على الأربعين سنة ولم يذق بعد طعم الحنان؟ كالبنت العربية التي تتجاوز الأربعين سنة ولم تذق طعم الحياة الرومانسية, وتصوروا معي رجلا يبلغ من العمر أربعين عاما وما زال يعاني من نقص شديد في الحنان وفي السلالات العاطفية, فطوال عمري وأنا أبحث عن السعادة من خلال الحنان وطوال عمري لم أشعر بالحنان والمصيبة الكبرى هي أنني أعطي لغيري حنانا يفيض عليه من قلبي في الوقت الذي لا يقدر أحد على إعطائي بعضا من الحنان والدفء,وهنا أشعر بأنني مثل الذي يعطي نوع دمه كافة الأنواع في الوقت الذي لا يحصل هو على الدم إلا من نوعه وهذه صفة تعد كرما ويطلق على هذا النوع من الدم (الدم الكريم) أنا رجل ينقصه الحنان وينقصه الدفء والحب والعاطفة, حتى أنني لا اشعر بتلك العاطفة التي تشع من العيون ومن ملامسة الخدود...وكلُ الناس تغني وترقص وتزغرد في كافة الأعياد والمناسبات الدينية والوطنية وجميعهم يعطون لبعضهم الحنان والدفء إلا أنا لا أحد يعطيني منه حنانا أو دفئاً وبصراحة أنا أستحي أن أطلب من غيري بأن يمدني بالحنان نظرا لأنني جربت هذه المسألة وفشلت فيها بسبب ندرة نوع الدفء والحنان عندي الذي قلما نجده منتشرا بين الناس, وطوال حياتي وأنا أبحث عن أي إنسان يمدني بحنانه مهما كان لونه أو جنسه أو شكله أو دينه ولكن هيهات أن يحل ذلك, كل الناس وكل العالم تشعر بالدفء وبالحنان إلا أنا باردًٌ ولا أشعرُ لا بالدفء ولا بالحنان في كل المناسبات الوطنية والدينية ..وفي فصل الشتاء دائماً ما تكون حياتي معكوسة ومقلوبة رأساً على عقب وكأنني (هيغل من وجهات نظر ماركس),وهنالك فرقٌ شاسع بين الشعور بالدفء وبالحنان الحقيقي وبين الشعور بالحرارة وبالبرودة, فحرارة الشمس تمدني فقط بالحرارة وليس بالدفء لأن الدفء لا يولد عن طريق الشمس أو النار بل عن طريق الشعور بالحنان, ولا أكون رجلاً دافئاً تحت الحرارة المرتفعة التي تغلي غلياناً, فأنا أمام المدفئة أجلس وأقترب منها ويكون جسمي كله محترقاً منها ومع ذلك لا أشعر بالدفء وبالحنان الحقيقي الذي يترافق مع الدفء, فطالما يوجد دفء طالما يوجد معه حناناً , وطالما يوجد حنانا طالما يوجد دفء, وفي مواسم الفرح تكون الناسُ كلها مبتهجة ترقصُ وتغني وتضحك وتلعب إلا أنا أكون حزيناً جداً وبارداً من شدة البرد لا أشعر بالدفء ولا بالحنان أبدا خصوصاً في عيد الحب حين أشتري وردة حمراء تذبلُ وهي في قبضة يدي لعدم وجود محبوبة قريبة مني أهديها إياها مع زجاجة عطر من شغل الصين أو كوريا, وأيضا أشعرُ بالحزن العميق في الأعياد الوطنية التي يشاهدها كل الناس ولا أستطيع أن أرى أمام عيني وطناً له عيد ميلاد مثل العالم والناس ودائما في كل الأعياد الوطنية لا أشعرُ بالدفء كباقي الناس, وهذا ما يحيرني جداً إذ كيف بالناس تشعرُ بالدفء بخلافي أنا الذي لم يشعر يوما بحرارة دم الشباب في ظهري أو في ظهر يديَّ, حتى عيد الأضحى وعيد الفطر السعيد كل الناس تكون فيه مبتهجةً من حولي مثل الأطفال إلا أنا أجلس كرجل بلغ من العمر مائة عام غير مبالٍ وغير مهتم لكلمة(كل عام وأنتم بخير) وأكون معبس الوجه وحزيناً جدا .
وما يؤلمني في أيام الصيف الحارقة هو أنني دائماً ما أبحثُ عن مكانٍ دافء أستدفئ به مع إحساسي بحرارة الطقس غير أن تلك الحرارة لا تجعلُ مني رجلاً دافئاً مثل العالم والناس , فأجلس تحت أشعة الشمس ظناً مني بأنني سأشعرُ بالدفء ويحترق جسمي ووجهي وأنهضُ من مكاني وأنا ما زلتُ من الداخل بارداً وبحاجةٍ ماسة للإحساس بالدفء وغالباً ما ينصلي وجهي وظهري من حرارة الشمس ولكن دون أن أشعر بأن جسمي دافئا أو بأن المكان الذي أجلس فيه دافئاً ,ودائماً ما أتدثرُ بأثوابٍ ثقيلة ظناً مني أنها ستجعلني أشعر بالدفء وبالحنان , وحتى الأثواب التي أرتديها لا يرتديها غيري من الناس إلا في فصل الشتاء حين يكون البرد لاذعاً كلسعة النحل,ودائما ما يتندرُ عليّ أهلي بنوادر مضحكة عن رجل يشعرُ بالبرد رغم حرارة الطقس اللاهبة,أما أنا فلا أعير انتباهي لتلك النوادر التي يتندرونَ فيها عني ودائما ما تجدوني أعلل الموضوع بتفسيرات نفسية وفلسفية فأقول لهم أنا لا أشعر بالبرد لأن الطقسَ بارداً ولكن لأنني أشعر بأن الدفء والحنان ينقصاني حين أصاب بالقلق عليكم أو بالاكتئاب عليكمُ وحين لا أجد إنسانة أو إنسانا يشاركني حياتي اليومية حيث تكون المشاركة عبارة عن سلوكيات متفقٌ عليها بين الطرفين ومن هذا المنطلق أشعر بأنه لا يوجد إنسان مطابق لي أو إنسانة مطابقةً تصرفاتها لتصرفاتي واهتمامها في الحياة نفس اهتماماتي, وهذه النوبات أنتم سببها لأنني أتحسرُ عليكم بحسرات تجعلُ من جسمي شيئا باردا وكأنني موضوعٌ أو نائمٌ أو جالسُ في ثلاجة كبيرة كثلاجة الموتى, أنا أموتُ في حبكم وأنا في نفس الوقت أشعر بعدم الدفء من أجلكم حتى وإن شعرت أحيانا بحرارة شديدة يكون سببها نارٌ تشتعلُ في داخلي من غير أن تعطيني إحساسا بأنني رجلٌ دافئ وأقول مقولتي المشهورة(الحرارة في الشارع طبيعية ولكن النار في قلبي) ومع وجود النار في قلبي غير أني لا أشعر بالدفء إطلاقا فأجد نفسي في فصل الشتاء محترقاً ولكن من غير أن أشعر بالدفء والحنان وفي فصل الصيف بارداً جدا ولكني أبقى بحاجة إلى الإحساس بالدفء وبالحنان,وأضع على جسمي بعض الأغطية في الوقت الذي تجلسُ فيه كل الناس في الظل وتحت المراوح والكوندشنات وكأنها عارية أو كأنها تريد أن تخرج من ملابسها لتبقى عاريةً من شدة الحر رغم وجود المراوح والكوندشنات.
#جهاد_علاونه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟