أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ثامر إبراهيم الجهماني - أين صديقنا حسن















المزيد.....

أين صديقنا حسن


ثامر إبراهيم الجهماني

الحوار المتمدن-العدد: 3527 - 2011 / 10 / 26 - 00:04
المحور: الادب والفن
    


((العدالة المفتعلة أسوأ أشكال الظلم))
أفلاطون
حين يأتي الكلام المستساغ تناح كل صنوف الاستحسان وتلمع الأسنان فرحاً وطيبة،وإن صار الكلام حاد المزاج صريح التقاطيع صار الجو كهربائي اللون،مشحوناً بالانكسار.
هذا ما حدث في القرية ذات يوم.
كانت القرية جميلة تحلم على ظهر التل الكبير،وتشرف على كل الوديان في المنطقة،تحيطها البساتين من الجهات الأربع كالغوطة الغنّاء.صورة شبقية تتلاصف من بعيد مع الضوء المسترسل بحنو كحزمة أرجوانية.
زاد من أهميتها موقعها الحدودي،وكذالك مسارب التهريب إليها.بسبب ذلك خطيت القرية برعاية كبيرة من الملوك،المتعاقبين على الحكم،فكل ملك جديد يبادر لزيارتها،يقدم خدماته المكتوبة،يمتدح أهلها لكسب ودهم ويعدهم بالجديد.
أما الملك "طوغلي"الذي اعتلى العرش مؤخراً فقد خصص يوماً في كل عام لزيارة القرية،والسؤال عن أحوال العباد فيها.وسبر غور نفوسهم في موالاتهم له. يكاد هذا الحدث العظيم يقترب بتؤدة،فراح الأهلون(السعداء)
يهيئون المنصة،التي قضت على ميزانية البلدية عن بكرة أبيها،ويكنسون(الشوارع)بالرغم من أنه ليس هناك سوى شارع واحد وسط القرية توزعت على جنباته البيوت برتابة مملة.كان حسن يحمل في جنباته اصفرار الكلمات والتردد في أن يقدم على ما كان قد خطط له..أم لا ؟.ولم لا ؟. فالكل يمدح الملك ويرفع عقيرته بإطرائه بالكلام المعسول المحمل بعبق الزنبق البري .
لكن حسن كان يشم رائحة الرعب من الأحجار والتراب ومن غسيل الشوارع عفواً الشارع في هذا اليوم بالذات دون أيام السنة الطويلة الرتيبة . ولا شيء يروي صحرائها اليابسة العطشى . لكنه قرر في النهاية وعيناه تبرقان ...وهوة عميقة في نفسه .. تحيطها الهواجس بالخذلان والانكسار ، قرر " جميل أن أكون أو لا أكون " .
تدافعت الأيام بشوق ٍ يشفع القلوب ... ينخر منهم العظام حتى قفل آخر يوم من الانتظار فكان اليوم الموعود .... وراحت مواكب السيارات تدب من كل حدبٍ وصوب . جاء الملك بعرشه المحمول،وصولجانه اللمّاع.علت الهتافات وأهل القرية يتدافعون بأطفالهم ونسوتهم شيبهم وشبابهم .
سرت في أبدانهم عدوى الهرولة في جسدٍ محمول....
والهتافات تدعو بحياة الملك.
تهللت الأسارير...وراحت تتلاحق الخطب والأشعار بكلماتٍ رناه.فجأة وقف الملك.انحنت الرؤوس مطأطئة احتراماً....خوفاً؟لا أحد يعلم،لكن العيون الكسيرة رنت إلى عينيه الواسعتين وشفتاه المطبقتان إلا قليلاً تفترّ عن ابتسامةِ حبٍ وغبطة وحقد.
راح الملك يتحدث عن حبه لأهالي الوطن عامة ، وأهالي القرية خاصة ، وعن الانجازات المحققة والخطط المستقبلية .... ماء ... كهرباء .... مرافق عامة .... حدائق .... مشافي ... برق وهاتف .... الخ .
انبرى الجميع بالتصفيق " غيظاً " عفواً فرحاً ، حتى أدمى أحدهم يديه وهو لا يشعر بكفيه من شدة الخدر . انتهى الخطاب فظهر ( حسن ) كالبدر في ليلة سناه ، شامخاً كالطود . والأرض تئن تحت وقع قدميه ... اعتصر الورقة التي أعدها سلفاً ... اعترته قشعريرة وكادت الدموع تفر من عينيه وجلا ً وشفقة !! وصاح بأعلى صوته أن يصمت الجميع ... فتقدم نحوه أحد الرجال الأشداء بتؤدة وحذر ... حتى تناهت الكلمة إلى أذني الملك فأمره أن يتكلم دون خوف أو وجل .
-فقال حسن ك يا جلالة الملك المعظم إننا لنشعر بالغبن !! فالماء وعدنا به منذ سنوات ، والكهرباء صارت حلم ، ومرضانا يموتون من عناء السفر قبل الوصول لأقرب مستوصف ، وأنت تقول أن كل ذلك سيتحقق فمتى ذلك يا جلالة الملك ؟ .
يا سيدي ابنتي ماتت بالكوليرا !! ، وابن أخي مات بالزائدة الدودية . إنها والله لمهزلة .
نرجو أن يكون كلامكم يا سيدي للمسئولين ومحط أنظارهم وقابلاً للتنفيذ . ولكم الشكر فهذه هي الديمقراطية يا جلالة الملك .
علا صوت التصفيق سماء المكان ، النظرات صارت مخرزية ، هدير الواقع اختلط بتغريد الأحلام . حتى أن الملك الديمقراطي وقف مبتسماً وهو يلوح بيديه حتى ليوحي لمن رآه أنه حضي بحصاد الموقف لنفسه . وصاح فرحاً لشجاعة حسن ، وعقّب على كلامه بأن أعطى أوامره وبالحال سيتم تنفيذ ما أو حي إليه .
بأقصى سرعة غادر الملك القرية ، التي أغلقت عيونها بانكسار ، لثم عنقها وخنق عبراتها في هزيع الليل ، لولى بصيص الأمل .. لعل .. وليت .. وسوف !! .
عادت ( الشوارع ) عفوا الشارع الوحيد وسخاً كعادته ، فلم يعد هناك من داعٍ للنظافة فالملك غادر القرية ، ولم تزل الزائدة الدودية هناك تستطيل .
تعاقبت الأيام والشهور الرتيبة بلا أحداث عظام ، بل بقلق يومي يتصاعد بتقلباته النزقة . لا يعكر صفو الرتابة إلا رجل أو طفل نالت منه يد المنون ، حتى فوجئ الناس بالموعد السنوي قد أزُفَ يقترب بسرعة وصار على الأبواب كعتم الليل ن بل كذئب الليل ، ولدى حاطب الليل تستوي الأشياء جميعاً ، واللحظات تنصرم بجو مشحون بالتربص .
تكاتفت الأيدي والجهود في نظافة الشارع الوحيد وتشييد المنصة التي جاءت على ميزانية البلدية وامتدت إلى جيوب القرويين ، الذين كانوا مكرهين ومجبرين على تزيين الشارع على جانبيه كلاً أمام بيته ، رتابة اليوم المعهود كنت أكثر صرامة بتفاصيلها الدقيقة المملة . فالخطب والقصائد كلها تمدح بإسهاب .
أما رائحة الخوف هذه المرة كانت اكبر واشد ، أكثر أرجوانية ، فهي قد انتشرت في المكان كروائح اللوز المر .
جاءت خطبة الملك مقتضبة ، واكبت نضوجه كملك معاصر فيها موجة من التحولات السائدة ن لكنه لم ينسى الإطراء بشجاعة السكان وحبهم وولائهم له ، وحبه لهم . وزين خطبه بالوعود والعهود والإشادة بالمنجزات .
وهنا نهض رجلٌ في الاربعين ونيف من السنوات . هاتفاً بحياة الملك ، الذي زال عنه غيظه لسماع المديح فسمح له بالكلام .
فقال بشجاعة مؤكداً ما قاله الملك عن شجاعتهم :
- حيث اننا شجعان ، فنحن استطعنا بفضلكم أن نهزم الزائدة الدودية دون مشفى !! فجبان ابن جبان من يمت بالزائدة أو الناقصة ، أما أن يموت المرء بالكوليرا فهو قضاء الله وقدرٌ لا مفر منه ... لا شيء يقف في وجه القدر الهائج ... وفي كل بيت يقبع بئر ينز بما نحتاج من الماء ، ولا حاجة لنا بالكهرباء فقد ألفنا الفوانيس وجلسات السمر خلف الكانون .
- واصل كلامه منفعلاً بعد أن زال عنه غيظه :
نحن يا جلالة الملك نرفع لك أسمى آيات الحب والولاء ، وندعو الله أن يديمك فوق رؤوسنا .... إننا يا سيدي اكتفينا من خدماتكم الجليلة ، وليس لنا حاجة للمشافي ولا محطات للقطار . لا هاتف نرجو لا ماء لا كهرباء .
نحن يا سيدي المعظم فقط نسألك أين صديقنا حسن ؟



#ثامر_إبراهيم_الجهماني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- وفاة الفنان صلاح السعدني عن عمر يناهز الـ 81 عام ….تعرف على ...
- البروفيسور منير السعيداني: واجبنا بناء علوم اجتماعية جديدة ل ...
- الإعلان عن وفاة الفنان المصري صلاح السعدني بعد غياب طويل بسب ...
- كأنها من قصة خيالية.. فنانة تغادر أمريكا للعيش في قرية فرنسي ...
- وفاة الفنان المصري الكبير صلاح السعدني
- -نظرة إلى المستقبل-.. مشاركة روسية لافتة في مهرجان -بكين- ال ...
- فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ ...
- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ثامر إبراهيم الجهماني - أين صديقنا حسن