أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طلعت رضوان - محمد البوعزيزى : الإبداع على أجنحة الحرية















المزيد.....

محمد البوعزيزى : الإبداع على أجنحة الحرية


طلعت رضوان

الحوار المتمدن-العدد: 3526 - 2011 / 10 / 25 - 09:37
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


هل كان الشاب محمد البوعزيزى عندما أشعل النارفى جسده ، يُدرك أنه أشعل فتيل الثورة ؟ تلك الثورة التى انتشروهجها فى أكثرمن وطن. وإذا كان الإبداع الأصيل يعى المفارقة أوالمعادلة الصعبة بين الوقوع فى المباشرة وبين عدم تغافل الواقع ، فإنّ الروائى (المصرى) أسامة حبشى قدّم الدليل على وعيه بهذه المفارقة فى روايته (مسيح بلا توراة : محمد البوعزيزى) الصادرة عن بيت الياسمين عام 2011)
ابتكرالمبدع شخصية هدى العرّافة لتكون المدخل لحياة البوعزيزى ، وهى عرّافة غيرتقليدية. فهى مُفعمة بحب قراءة الأدب والتاريخ ، ومولعة بشكل خاص بالشاعرالهندى الأحمرإمبرتوكال الذى افتتح المبدع روايته بأبيات من شعره : (حين وُلدتُ / قطروا دمعًا فى عينىّ / ليكون بصرى بحجم آلام شعبى) لذلك ربطتْ العرّافة بينهما حيث نفس ظروف النشأة والهموم. والعرّافة (تهجر موطنها وتطيرمثل الفراشة وتتبع رائحة الحشائش أورائحة جداريُعانى من الوحدة) وفى مزج بين الموروث والواقع ، فإنّ أول تعارف بينها والطفل محمد كان (حيث الريح تحمل عددًا من النساء مُتشحات بالسواد فى جلباب طويل وبطرف كل جلباب يمسك طفل وبيده برتقالة) وكان محمد أحدهم. وعندما تتأمل (العرّافة) الطفل محمد ترى البرتقال وقد نُصب على شكل صليب وأخذ هيئة رجل كالمسيح. ومن يومها قرّرتْ أنْ تتبع (طفل البرتقال) الذى تنبّأتْ بأنّ (حقول البرتقال ستتبعه) إذْ سيكمن فى البرتقال سرحياته ومأساة وفاته. والعرّافة تؤدى دورالكورس فى المسرح اليونانى ، فهى الكاشفة للواقع المأساوى لأهالى موطن محمد الذى يعيش فى بقعة صغيرة تُشبه (ماكوندو) فى (مائة عام من العزلة) لماركيز. الحى فقيرواسمه (حى النورالغربى) رغم أنّ النور لاوجود له. والعرّافة تُخرج شهرزاد من الحدوتة لتقول (لم تعد هناك حكايات بالشرق أوالغرب ، طفتُ البلاد بلا جدوى : الحكام والملوك سرقوا الحكايات وخبّؤوها فى صناديق ، عليها حراس ببنادق وأسلحة) وينتهى حلم العرّافة بأنْ تتحول شهرزاد لعصفورة لها بقعة حمراء فى رأسها. وتحكى العرّافة (كتمهيد لمأساة محمد) عن الفلاح الذى ذهب ليدرس بالعاصمة ثم تحوّل لفراشة محترقة بأعمدة الإنارة. وهنا حطتْ العصفورة على كتف طفل البرتقال.
محمد البوعزيزى أصبح هوالمسئول عن أسرة من تسعة أفراد بعد وفاة والده. لم يستطع التوفيق بين الدراسة وبيع الخضاروالفاكهة. ووفقا للتقاليد يضطرللزواج من زوجة أخيه بعد وفاته ، ولكنه رغم ذلك يفتح عقله للعصرالحديث ، فيؤسس لنفسه صفحة على الفيسبوك. يكتب فيها همومه وأحلامه. وهويتحدث الإيطالية والفرنسية ولكنه يتساءل : ماجدوى اللغة فى زمن الخَرَسْ الذى نتمنى فيه أنْ نُصبح عاهرات ، لأنهن على الأقل يضمنّ مستقبلا أفضل منا فى بلاد العسكر والدكتاتورية. تساؤلات محمد مابين فلسفية ودنيوية. إذْ تمنى على صفحته الخيرلأسرته ولأهالى الحى وللباعة أمثاله. ولكن بمجرد أنْ يدخل السوق بعربته الصغيرة يكتشف أنّ أمنياته يحول بينها وبين تحقيقها ((باب ضخم كباب قصربن على)) وكان يُحدّث أمه عن (البرتقال الذهبى) فخشيتْ عليه من الجنون ولكنها لاتعرف السبب ، إذْ كان الصراع داخله يقوده خصمان نقيضان : أحلام اليقظة بمستقبل أفضل ، وواقع شديد البشاعة وسلاحه البطش. واقع لخصه منظرالطفل الذى وقف أمام محل (جيلاتى) وأخرج لسانه ليلعق الزجاج متوهمًا أنه يلعق الجيلاتى. ولأنّ البؤس واحد والبطش واحد فى أنظمة الاستبداد ، فإنّ ما ذكره أسامة حبشى ، سبق أنْ حكاه المناضل القديس أحمد نبيل الهلالى عن الطفل الذى رآه يلحس زجاج محل جاتوه فى وسط البلد.
تعمّد المبدع إرجاء مشهد مأساة محمد إلى الصفحات الأخيرة من الرواية. ففى التمهيد نتعرف على أصدقاء محمد ، ومن خلالهم نقترب من الواقع التونسى تحت سعيرحكم العسكرالذى قاده الرئيس القادم من الشرطة (بن على) حيث أسس لفقدان الولاء للوطن ، على قاعدة من خطيْن : نهب موارد الدولة ، وقمع كل صوت حر. لذلك انتشرتْ ظاهرة الهجرة ، وكان مروان (صديق محمد) لايتحدّث إلاّعن باريس ويتمنى لوقابل امرأة فرنسية تُؤهله للعيش فى بلدها حتى ولوكان جزءًا من متاعها الشخصى. انتقل مروان من باريس إلى إيطاليا وهناك قُتل ، فقال محمد لنفسه (هاهى باريس ستظل بعيدة يامروان وستظل فرنسا أكذوبة أبدية) ونتعرّف على الفتاة لطيفة التى داستْ على قلبها وخانتْ حبها وتزوّجتْ من رجل يكبرها بعشرين سنة. وبعد الزواج تنتحرلأنّ زوجها أراد أنْ يجعل منها (مزارًا سياحيًا لأصدقائه من حاشية النظام) أما سعيد المؤمن بماركس وبالعدالة والحرية فهو يخرج من السجن ليعود إليه. ومع التكرارتحوّل من ثائرإلى درويش. وقال البعض أنه اخترع جنونه وصدّقه كى يُنقذ نفسه من التعذيب.
قبل المأساة نتعرّف على شخصية فادية الشُرطية التى تُطارد الباعة وتُصادرعرباتهم. قال محمد أنّ عالم النفس فرويد خسركثيرًا لأنه لم يعرفها قبل وفاته. كانتْ فتاة تزوّجت ملابسها الرسمية ، وظلتْ تُطارد محمد فى أحلامه. محمد يقف فى السوق فى مساحة متريْن مربعيْن. هذه المساحة هى سربقاء عائلته فى الوجود. بعد مصادرة ممتلكات الباعة ، وبعد أداء الغرامة أوتدخل الواسطة والرشوة ، تعود الشرطية فادية للمصادرة من جديد وبحجج أخرى (كالتى تحن لممارسة الحب برغم وجود دورتها الشهرية) لذلك سأل محمد نفسه (هل يُمكن للحكومة أنْ تسأل الأرصفة عن سكانها بدلامن أنْ تُضاعف رسم التراخيص اللازمة للبائع المتجول ؟) البطش يجعله يُغير رأيه فيُفكرفى الهجرة ويطلب من أمه الغفران. ويرى فى أحلامه المُخرج (ناصرخمير) يأتيه طائرًا وبيده أفيش فيلم (بابا عزيز) المدهش أنه رأى ابنته فريدة بالأفيش تتوسط الصورة وبيدها برتقالة تنبع من النار، ولون الناراتحد مع لون صفرة البرتقال.
يهبط محمد من الأحلام إلى الواقع. يذهب إلى السوق. يجرعربته ولكنه لايتخلى عن حلم العثورعلى (برتقاله الذهبى) وفجأة انشقتْ الأرض عن الشرطية فادية. قال : الانتقام لغة يعرفها العسكرأكثرمن الآخرين. ويجلدون الديموقراطية لخشيتهم منها. فالحرية / الكرامة هبات من حكامنا. تقترب فادية مصحوبة برغبة هتلرية فى الإبادة. أخذتْ سلة من البرتقال. حمم طمعها وجبروتها لم تهدأ فأخذتْ سلة ثانية. اعترض محمد بأسلوبه المهذب المُسالم. اعتراض عفوى لمن يرى البرتقال سروجوده ، ولكن من تزوّجتْ ملابسها الرسمية ردّتْ عليه بلطمة على خده. مشكلة الحكام والعسكرأنهم يتناسون أنّ الباعة لهم أسر، والأسريلزمهم الطعام. خرج محمد من ذهول اللطمة قائلا بذات العفوية (ما صنعتُ ولماذا كل هذا ؟ أنا إنسان بسيط يود العمل) لم يُكمل كلامه إذْ انقضتْ فادية عليه بالضرب لتزيد من إهداركرامته. نسيتْ الشُرطية أوتجاهلتْ العُرف فى عشيرة محمد (إذا ضربتْ امرأة رجلا فعليه ارتداء الفستان) محمد لايرى شهود الواقعة. غاص فى نفسه بحثًا عن كرامته. يرى فقره يُحاصره ويخنقه والفستان فى انتظاره . كانتْ شهرزاد التى تقمّصت شكل العصفورة وفى رأسها بقعة الدم تُحاوطه. ووجه العرّافة يُلاصق أفكاره. محمد يُدرك أنّ موطنه (سيدى بوزيد) خارج التاريخ وكأنه بقعة عارعلى البلاد ، لايلتفتْ إليها قائد الانقلاب (بن على) لاهوولا أفراد عصابته. مات محمد قبل أنْ يُقرّرموته المعلن على الملأ. لذا عندما سكب البنزين على جسده كان مثل الغائب عن الوجود تحت تأثيرمُخدرالكلورفورم. ولكن عندما اشتعلتْ النارفى جسده ، عاد من غيبوبته إذْ وقف يهدى العالم أرق كلماته عفوية : ((تُصبحون على وطن أجمل))
بعد زيارة بن على له زارته شهرزاد متجسدة فى عصفورة. دخلتْ أسفل الأربطة. سألته عن العرّافة فقال إنه يذكرها ويذكروجه ابنته ووجه أمه. سألها عن صديقه سعيد ، قالت إنه يقود التظاهرات فى سيدى بوزيد. قال : الجنون قناع الفقراء دومًا. وذكرجملة ساراماجو(المتشائمون مهتمون بتغييرالعالم. والمتفائلون سعداء بما يملكون) وأضاف إنّ ساراماجويقصد الفقراء لا المتشائمين. وسألته العرّافة عن فادية فقال بصوت حنون : مسكينة تلك الشُرطية. بداخلى جزء يتعاطف معها. وطلب منها أنْ تُخبرأسرته أنه سيسكن حقول البرتقال. بكتْ العصفورة (شهرزاد) مُتأثرة بكلامه. احتضنها محمد قبل أنْ يلفظ أنفاسه الأخيرة. قالت العرّافة : طفل البرتقال وضع نهاية حقبة من التاريخ على حافة عربته واخترع أخرى. وقال المخرج ناصر: فيلمى القادم هو (وهج البرتقال) عن طفل حرّرالرمال من سراب طال كثيرًا. اختارالمُبدع لروايته عنوان (مسيح بلا توراة) فكما أنّ المسيح عليه السلام هو رمز(الفداء) كذلك كان محمد البوعزيزى المسيح العصرى ولكن بلا توراة ، كانت توراته التى لم يكتبها ، تفجيرثورة الغضب فى كل أبناء الشعب التونسى العظيم.
تناول أسامة حبشى قضية الشعب الفلسطينى فى روايته البديعة (موسم الفراشات الحزين) فتحسبه فلسطينيًا ، وكتب عن البوعزيزى وفاجعة موته التى كانتْ إلهامًا لكل الأحرار، فتحسبه تونسيًا. فهل هى فلسفة التوحد الإنسانى الشاخصة نحو(الإنسان العالمى) ؟ أم هوالوعى بمفردات الإبداع الروائى (مع مساعدة النت فى الحصول على المعلومات) أم هى كل هذه العناصرالتى جعلته يكتب أدبًا بديعًا يخترق حاجزالمكان ، وقد حملته أجنحة الحرية ؟
******



#طلعت_رضوان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نجران تحت الصفر للكاتب الفلسطينى يحيى يخلف
- المبدعة الليبنانية هدى بركات وجدل العلاقة بين الحياة والموت
- عمارة يعقوبيان : الإبداع بين الأحادية والجدل الدرامى
- اللغة القبطية بين لغة العلم والأيديولوجيا السياسية والعواطف ...
- المبدعة البنانية رشا الأمير وروايتها البدية ( يوم الدين )
- الإيمان بحق الاختلاف هو الحل
- تحالف الديكتاتورية مع العداء للخصوصية الثقافية للشعوب
- أولاد حارتنا بين الكهنوت الدينى والإبداع
- أبو حصيرة : من الضرح إلى المستوطنة
- نبوءات الليبراليين المصريين حول المخطط الصهيونى
- رد على القراء بشأن مقالى عن هيباتيا
- اغتيال الفيلسوفة المصرية هيباتيا والعداء للمعرفة
- استشهاد فرج فوده والدروس المستفادة
- أجيال جديدة ومرجعية قديمة
- علمنة مؤسسات الدولة والسلام الاجتماعى والانتماء الوطنى
- الإسلام السياسى للمستشار العشماوى
- القومية المصرية تُغطيها قشرة رقيقة
- شخصيات فى حياتى : بورتريه للأستاذ أديب
- شخصيات فى حياتى - بورتريه للست أم نعناعة
- النص المؤسس ومجتمعه


المزيد.....




- الأرجنتين تطالب الإنتربول بتوقيف وزير إيراني بتهمة ضلوعه بتف ...
- الأرجنتين تطلب توقيف وزير الداخلية الإيراني بتهمة ضلوعه بتفج ...
- هل أصبحت أميركا أكثر علمانية؟
- اتفرج الآن على حزورة مع الأمورة…استقبل تردد قناة طيور الجنة ...
- خلال اتصال مع نائبة بايدن.. الرئيس الإسرائيلي يشدد على معارض ...
- تونس.. وزير الشؤون الدينية يقرر إطلاق اسم -غزة- على جامع بكل ...
- “toyor al janah” استقبل الآن التردد الجديد لقناة طيور الجنة ...
- فريق سيف الإسلام القذافي السياسي: نستغرب صمت السفارات الغربي ...
- المقاومة الإسلامية في لبنان تستهدف مواقع العدو وتحقق إصابات ...
- “العيال الفرحة مش سايعاهم” .. تردد قناة طيور الجنة الجديد بج ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طلعت رضوان - محمد البوعزيزى : الإبداع على أجنحة الحرية