أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جواد البشيتي - رسالتان متزامنتان!















المزيد.....

رسالتان متزامنتان!


جواد البشيتي

الحوار المتمدن-العدد: 3525 - 2011 / 10 / 24 - 15:24
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


هكذا يَنْتَهون؛ وهكذا نبدأ!

في ليبيا، وفي سرت، مسقط رأسه، أيْ حيث سقط "الرأس" سقوطاً مُدَوَّياً، رأيْنا عميد الحُكَّام العرب كيف ينتهي؛ ومن خلاله رأيْنا النهاية الوشيكة لأمثاله؛ أمَّا في تونس، الشرارة، و"زهرة الربيع"، و"قوَّة المثال"، أو "المثل الأعلى"، في "الهدم من أجل البناء"، وفي "البناء بعد الهدم"، فرَأيْنا (أيْ سنرى) شعوبنا العربية، التي خرجت من الأجداث سِراعاً، كيف تبدأ.

كان قَتْل طاغية ليبيا، والذي ذكَّرني بإعدام الملك لويس السادس عشر وعائلته، "رسالة رُعْبٍ وترويعٍ" لهم، لعلَّهم يَرْعوون ويرتدعون. لقد قَتَلَه روبسبير الليبي، زعيم "اليعاقبة" في ليبيا، والمتعصِّب لفكر جان جاك روسو، فيلسوف الثورة الفرنسية، التي بعد 222 سنة من اندلاعها وَصَلَت إلينا بقيمها ومبادئها ومُثُلها، فانبلج علينا "الربيع العربي".

وسرعان ما جاءت "الرسالة الثانية"، "رسالة الأمل"، أرْسَلَتْها تونس إلى شعوب "الربيع العربي"، أيْ الشعوب العربية التي دَخَلَت، أو توشك أنْ تَدْخُل، في هذا الربيع، قائلةً لهم فيها "إنَّما هذه هي الطريق!".

"الطريق التونسية" إلى هَدْم قلاع الاستبداد، عَرَفْناها، خَبِرْناها واختبرناها، فازددنا ثقةً بأهميتها وجدواها؛ حتى شعوب الغرب شرعت تسير فيها؛ فهذه الطريق "تعرَّبت"، ثمَّ "تَعَوْلَمت".

وفي البناء، كانت تونس أيضاً هي الطريق، أو دَلَّتنا على الطريق، التي إنْ سِرْنا فيها لن نَضِلَّ أبداً.

بـ "الطريق"، وبها فحسب، اهتممت؛ فلم أُعِرْ المُرشَّحين من أفراد وأحزاب ومنظَّمات وجمعيات، ولا برامجهم السياسية، واتِّجاهاتهم الفكرية، أي اهتمام؛ وكأنَّ "الطريق" لا "المكان" الذي نَصِل، أو يمكن أنْ نَصِل إليه، إذا ما سِرنا فيها، هي فحسب ما يستأثر باهتمامي.

في تونس الجديدة، وفي ثورتها، وبين أبناء شعبها، نرى كل ما في العالم من فِكْر وأفكار، وميول واتِّجاهات، وحقائق وأوهام.

نرى "الإسلاميين" باتِّجاهاتهم كافة، و"العلمانيين"؛ نرى "المؤمنين" و"الملاحدة"؛ نرى "أهل اليسار" و"أهل اليمين"، "القوميين" و"الأمميين"، "بقايا الماضي" و"براعم المستقبل"؛ فإنَّ كل الزهور حتى السَّامة منها تتفتَّح في بستان الثورة التونسية العظيمة؛ وإنَّ أحداً لا يلغي، ولا يحقُّ له أنْ يلغي، أحداً.

إنَّهم جميعاً يَذْهبون إلى "صندوق الاقتراع (الشفَّاف فعلاً هذه المرَّة)" وهُمْ يَتْلون على مسامع أشقَّائهم العرب الجُدُد "آية الديمقراطية الكبرى": "إنَّكَ لا تكون، ولا تظلُّ، حُرَّاً إنْ أنتَ سَعَيْت في إلغاء الآخر، وحاربتَ حقُّه في الوجود، وفي التعبير عن هذا الوجود".

اليوم، لا إكراه في الانتخاب والتصويت؛ فالملايين من الناخبين التونسيين، ومن غير عِصِيِّ الطاغية أو جَزَرِه، ومن تلقاء أنفسهم، خرجوا من بيوتهم إلى "صناديق الاقتراع"، لِيُدْلوا بأصواتهم، أيْ بـ "قناعاتهم"، فـ "الجمعية التأسيسية" التي يَنْتَخِبون هي (ليس في تونس فحسب، وإنَّما في سائر الجمهوريات والملكيات العربية) في منزلة "الفَتْق بعد الرَّتق"، وكأنَّها السَّيف في حدِّه الحدُّ بين الماضي بظُلْمه وظلامه وبين المستقبل بعدله وضيائه.

إنَّ "الجمعية التأسيسية" المنتخَبَة هي، بكلام جامع مانع، "الربيع العربي" في اكتماله، فـ "الدساتير القديمة" لا تُعدَّل ولا تُصْلَح؛ وإنَّما يُسْتعاض عنها بـ "دساتير جديدة"؛ لأنَّ "المستقبل" لا يُبْنى بأدوات (ورجال ومفاهيم..) من "الماضي" الذي لم يبقَ فيه نَزْرٌ من صلاحٍ حتى يَصْلُح للبقاء في "المستقبل".

والفَرْق بين "الدستورين" بيِّن؛ فـ "القديم" إنَّما هو "إرادة الحاكم وقد ألْبَسَها اللبوس القانونيِّ الذي خاطه بخيط التزوير لإرادة الشعب"؛ أمَّا "الجديد" فهو الذي يعبِّر، بلغة قانونية جزلة مُبينة، عن الإرادة الحُرَّة للشعب، بصفة كونها، أو كونه، مَصْدَر الشرعية التي لا تعلوها شرعية في دنيا السياسة.

الناخبون، وفي غالبيتهم العظمى، أدلوا بأصواتهم، وكأنَّهم يمتثلون لأمر الله أنْ يؤَدُّوا الأمانات إلى أهلها؛ وانتخبوا "مجلساً"، مُلوَّن بألوان قوس قُزَح جميعاً؛ وهذا "المجلس"، الذي يمثِّل شعب تونس "الآن"، أيْ بميوله واتِّجاهاته المختلفة المتناقضة الآن، سيتوفَّر على إعداد وكتابة نص دستور جديد لتونس؛ وسيُدْعى الشعب، عمَّا قريب، ليُجيب بـ "نَعَمٍ" أو "لا"؛ فإذا أجاب بـ "نَعَم" انتقلت تونس من عهد "الشرعية الثورية" إلى عهد "الشرعية الدستورية"، وأسْبَغَت الثورة، من ثمَّ، على تونس وشعبها نعمة الديمقراطية الحقيقية، وشرع التونسيون يتداولون "النقد الحقيقي" لا "النقد المزوَّر".

ويكفي أنْ يقتنع الناس بأنَّ "النقد" الذي يتداولون هو حقيقي لا مزوَّر حتى يُقْبِلوا على الحياة السياسية، ويَدْخلوا في الأحزاب أفواجاً، ويكتشفوا أهمية وضرورة أنْ يختلفوا؛ لكن بما لا يُقوِّض أساس وحدتهم، وأنْ يتَّحدوا؛ لكن بما لا يطمس اختلافهم وخلافهم؛ فلقد حان لمجتمعاتنا العربية أنْ تنهي، وإلى الأبد، "وحدتها الصخرية الزائفة المصطنعة (والهشَّة من ثمَّ)"، وأنْ تستعيض عنها بـ "وحدة ديمقراطية" كالمنشور الزجاجي يَخْرُج منه الضوء (الواحد) الأبيض، والذي هو كناية عن "المواطَنة"، سبعة ألوان؛ فـ "الأسود"، لون وحدتنا المجتمعية حتى الآن، ليس بلون.

"الفَرْدية" في حياتنا السياسية، أكانت "نائباً" أمْ "حاكماً"، حان لها أنْ تنتهي، فـ "الفَرْد" يحقُّ له أنْ يُرشِّح نفسه في الانتخابات البرلمانية؛ لكن من طريق مجموعة (ولو صغيرة) من المواطنين، لها هوية سياسية، أيْ برنامج سياسي؛ أمَّا "الرئيس"، أو "الحاكم الأعلى"، فلا يملك من السلطات والصلاحيات إلاَّ ما يجعله بالأهمية الرَّمزية للعَلَم؛ فـ "البرلمان" من الشعب يأتي، و"السلطة التنفيذية (كاملةً)" من هذا البرلمان تأتي.

وحتى لا ينفصل البرلمان عن الشعب، والحكومة عن البرلمان؛ وحتى يستمر الشعب حاضِراً (حضوراً قوياً) في الحياة السياسية، لا بدَّ لـ "الدستور الجديد" من أنْ "يُدَسْتِر" الحق في "الحراك الشعبي" الذي ميَّز "الربيع العربي"؛ فالشعب ليس ناخبون فحسب، يُدْلون بأصواتهم في المواسم الانتخابية، لِيَذْهبوا في سُباتٍ عميقٍ حتى حلول الموسم الانتخابي التالي؛ وإنَّما "قوَّة ضغط"، تَظْهَر ما اقتضى الأمر ظهورها.

إنَّ في النظام الديمقراطي للدولة وهيئات الحكم من العيوب والثغرات والخِلال ما يسمح بهذا الانفصال وذاك، وبإفساد كثيرٍ من قِيَم ومبادئ الديمقراطية، برلمانياً وحكومياً؛ ولا بدَّ، من ثمَّ، من أنْ يظل الشعب، وعملاً بحقٍّ دستوري، عيناً تُبْصِر، وأُذناً تسمع، ويداً تَرْفَع وتُسْقِط؛ لكن بما يتوافَق، ولا يتعارض، مع المبادئ الدستورية للحياة الديمقراطية؛ فـ "الضغط الشعبي السلمي المنظَّم" هو الشَّوْك الذي يحرس وردة الديمقراطية.

والدولة العربية الجديدة تُحْسِن صُنْعاً إنْ هي خَصَّصت فِناءً (في العاصمة، وفي كل مدينة) للحراك الشعبي، مزوَّداً كل ما يُكْسبه أهميةً سياسيةً وإعلاميةً، فيرى فيه البرلمان والحكومة والرئيس كل ما ينبغي لهم رؤيته، ويسمعوا كل ما ينبغي لهم سماعه، فيَغَيِّروا ويتغيَّروا، وإلاَّ غُيِّروا.

إنَّني لا أتطرَّف ديمقراطياً؛ فشعوبنا ومجتمعاتنا العربية لديها من الحاجات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي لمْ تُلَبَّ بعد ما يشدِّد لديها الحاجة إلى ديمقراطية استثنائية، ومتطرِّفة في ديمقراطيتها؛ وإنَّ حجم الديمقراطية من حجم المشكلات التي ينبغي لنا حلها.



#جواد_البشيتي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هذا هو جسر الانتقال إلى الديمقراطية!
- وفي القصاص حياة!
- في الأردن.. إصلاحٌ يحتاج إلى إصلاح الحراك!
- -الوسطية- في مناخ -الربيع العربي-
- أوباما الذي -تَغَيَّر- ولم -يُغَيِّر-!
- شعوب الغرب.. إلى اليسار دُرْ!
- د. زغلول النجار يكتشف إشارة قرآنية إلى -النسبية-!
- -11 أيلول ثانٍ- ضدَّ إيران!
- حتى يُزْهِر الربيع العربي الدولة المدنية!
- من اقتحام -السفارة- إلى هدم -الكنيسة-!
- هذا -الخَلْط- بين -الجاذبية- و-التسارُع-!
- -ربيع عربي- يَقْرَع الأجراس في -وول ستريت-!
- الرداءة.. كتابةً وكاتباً!
- هل يفعلها التلفزيون السوري؟!
- -يَسْقُط- الضوء!
- خيار نيويورك!
- دفاعاً عن -مادية- المادة.. في الفيزياء!
- -سؤال الهوية-.. أُردنياً وفلسطينياً!
- كمال أردوغان!
- لو زار غزة مصطحباً معه عباس ومشعل!


المزيد.....




- فيديو كلاب ضالة في مدرج مطار.. الجزائر أم العراق؟
- الناتو يقرر تزويد أوكرانيا بمزيد من أنظمة الدفاع الجوي
- طهران: لا أضرار عقب الهجوم الإسرائيلي
- آبل تسحب تطبيقات من متجرها الافتراضي بناء على طلب من السلطات ...
- RT ترصد الدمار الذي طال مستشفى الأمل
- نجم فرنسا يأفل في إفريقيا
- البيت الأبيض: توريدات الأسلحة لأوكرانيا ستستأنف فورا بعد مصا ...
- إشكال كبير بين لبنانيين وسوريين في بيروت والجيش اللبناني يتد ...
- تونس.. الزيارة السنوية لكنيس الغريبة في جربة ستكون محدودة بس ...
- مصر.. شقيقتان تحتالان على 1000 فتاة والمبالغ تصل إلى 300 ملي ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جواد البشيتي - رسالتان متزامنتان!