أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - كريم كطافة - شيوعيون أصوليون... 2 ـ 2















المزيد.....


شيوعيون أصوليون... 2 ـ 2


كريم كطافة

الحوار المتمدن-العدد: 1045 - 2004 / 12 / 12 - 10:51
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


الموقف من الاحتلال الأمريكي للعراق

قبل تناول معضلة الاحتلال الأمريكي للعراق، دعونا نناقش بعض المفاهيم التي بادرت بطرحها أكثر من إدارة أمريكية، قبل الاحتلال الأمريكي للعراق بمدة طويلة. لنرى كيف تعاملت معها القوى السياسية العربية بأطيافها المختلفة ومنها الشيوعيون.
لأول مرة في تاريخ علاقة أمريكا بمنطقتنا، أنها تبنت مفاهيم مثل: حقوق الإنسان، الديمقراطية، حقوق المرأة، مكافحة الإرهاب، إصلاح مناهج التعليم. على خلاف الموقف الأمريكي التقليدي، الذي كان يعتبر المنطقة خارج العالم، لها خصوصياتها الاستبدادية القمعية القبلية، وبالتالي دعوهم كما هم، موردين للخامات لا غير، فقط نضمن وقوف أنظمة الحكم إلى جانبنا في المحافل الدولية وغير الدولية. خصوصاً أن تلك الحالة أو هذه الحالة لأنها ما زالت مستمرة ، وفرت للغرب عموماً وضمنه إسرائيل الغلبة في كل شيء، وجلبت الضعف والهوان حد العجز لشعوبنا وللأنظمة التي حكمتنا وما زالت تحكمنا بعقلية (أعطوا هذا الشاعر عشرة آلاف درهم...). السؤال يكون: لماذا حصلت تلك الاستدارة الحادة في السياسة الخارجية الأمريكية، وعموم السياسة الخارجية الغربية..؟
بتحليلي الشخصي البسيط، وأنا لا أضع نفسي في صف المحللين الاستراتيجيين الفطاحل، الذين أكثروا من ظهورهم هذه الأيام العجاف، من على شاشات العهر العربي، بطقوم فاخرة وأربطة عنق أفخر أمام مذيعات جميلات وبمكياج يأخذ العقل. عقلي الصغير يقول؛ لقد حصل بالفعل تغيير ملموس في السياسة الخارجية الأمريكية والغربية عموماً، شكل وسيشكل خطورة واضحة على كل أنظمة الاستبداد في منطقتنا، الأنظمة الحليفة تقليدياً لأمريكا وسياساتها العالمية. والسبب هو ذاته، السبب الكامن وراء كل مشروع رأسمالي، الربح. نعم يا سادتي، هذا ما علمتنا إياه الماركسية؛ الربح بكل أشكاله وأنواعه هو ديدن الرأسمالي. أكتشف المحللون الاستراتيجيون هناك، وهم هناك لا يشبهون الذين هنا، أكتشف أولئك وهم يعملون في مراكز بحوث، تشرف عليها وتديرها أجهزة مخابرات ومؤسسات استراتيجية أخرى، لها ثقلها في رسم السياسات القومية، اكتشفوا أن الاستبداد المزمن في منطقة الشرق الأوسط (الكبير) سيضر بمصالحهم على المدى البعيد. تلك الأنظمة البالية باستبدادها المقيت، كانت مفيدة لنا إلى حد اللحظة التي قضينا فيها على تحدي المشروع الشيوعي الشرقي، ومن الآن سيكون دورها معرقلاً وضاراً. لأنها جلبت وتجلب لنا ماردين هذه المرة، بدل المارد الواحد الذي كنا نقاتله الدهر كله. الأول مارد الهجرة، بأسبابها المختلفة، لجوء سياسي، اقتصادي، علمي، ثقافي، إنساني.. في المحصلة هناك شعوب بكاملها لو فتحت لها الحدود ستهاجر إلينا، شعوب لم تعد تجد في بلدانها المفقرة والكئيبة أي سبب يدفعها للبقاء أو التمسك بجذورها. لأن حكومات الاستبداد، وهي تفقر الغالبية من سكانها لتملئ جيوب بطانتها الملكية أو الحزبية، عملت على تفريغ البلدان من أي شكل من أشكال المعارضات كذلك، لقد بنت لها وبمساعدتنا (الكلام للمحللين الذين هناك) أجهزة أمن ومخابرات لعينة، بأساليبها القادرة على جعل الناس لا تخاف من ثقوب الجدران فقط، بل ومن الجدران ذاتها. بنية أمنية شيطانية وضعت معارضيها أمام طريقين لا ثالث لهما، أما الموت أو الهجرة، مثلما للفقير المعدوم المسحوق طريقان لا ثالث لهما، أما الموت مسحوقاً مهاناً العمر كله أو الهجرة، والخيار ذاته للعلماء والاختصاصيين وكل شغيلة الفكر؛ تسخير عصارة عقولهم لخدمة إناس أجلاف جهلة أميين، أو يحترم كل منهم نفسه ويهاجر..!!ّ السؤال الذي علينا الإجابة عليه عاجلاً وليس آجلاً: ماذا سيحدث بعد خمسين أو مائة سنة على هذا المنوال والنزف البشري يصب في أماكن بعينها، بلدان أوروبا الغربية، استراليا، كندا و أمريكا..؟ تلوح في الأفق كارثة ستحل بنا من جراء النزف البشري المرعوب الهابط على رؤوسنا براً وجواً وبحراً. إذن، لا بد من وسيلة لوقف النزف. أفرزت عقولهم هناك، أن لا حل أفضل من جعل تلك البلدان قابلة للعيش فيها، بشروط إنسانية مقبولة، لا بد من وسيلة تجعل تلك البلاد ليست فقط مورداً للخامات والسلع الأولية، بل وموطناً للاستثمار فيها كذلك. وبما أن الاستثمار الباحث عن الربح السريع هذه المرة والهارب من فداحة الضرائب في موطنه الأصلي، هو بطبعه جبان يرتعب من اللااستقرار. إذن، لا بد من توفير الاستقرار أولاً. كيف يتأت الاستقرار..؟ وجدوا الجواب في تلك الوصفة الذهبية: الديمقراطية، التي ستتكفل بتحقيق الباقي: حقوق الإنسان، حقوق المرأة، إصلاح مناهج التعليم، مكافحة الإرهاب. ولأسباب تخص تخلف تلك البلاد وتقهقرها قروناً إلى الوراء، سنكون قادرين على جعل ديمقراطيتهم من نوع المتحكم فيها بالريموند كونترول، كل الخيوط ستكون بأيدينا..!!
المارد الثاني الذي شكل تحدياً للغرب، هو الإرهاب الإسلامي تحديداً وليس الدين الإسلامي، لأن الأخير كأي دين لا يشكل خطورة على أحد، على العكس هو بعد روحي ضروري للإنسان يبني فيه رادع أخلاقي مطلوب. الإرهاب المتلفع بالدين الإسلامي هو المارد المهدد لحضارة ومدنية الغرب، وهذا تغذى ويتغذى من القمع والاستبداد. المنطقة التي أخذوا يطلقون عليها منذ الآن منطقة (الشرق الأوسط الكبير، الممتد من المغرب إلى باكستان، وضمنها إسرائيل بالطبع)، وبفعل وباء الاستبداد المستشري فيها تحولت إلى مفرخة للإرهاب وللإرهابيين. هذا ما قاله (بوش)، لكن أحد من يسارنا وشيوعيينا لم يصدقه، وبالمناسبة ليس (بوش) الغبي الأثول الأهبل كما يصوره الإعلام، بل (بوش) الناطق باسم تلك المؤسسات المسؤولة عن رسم السياسة. هذا الـ(بوش) قال وبوضوح: أننا دأبنا طيلة تأريخنا الحديث على توطيد وتثبيت كل حكومات الاستبداد في المنطقة.. ما حصلنا عليه للأسف هو 11 سبتمبر. نعم هذا ما توصلوا إليه هناك. عاجلاً أو آجلاً ستصبح أوروبا وأمريكا حاوية مثالية تفرغ فيها كل تفاعلات الاستبداد الشرقي.. مشروع حكومات الاستبداد الشرقي، تطور خطوة متقدمة، لكنها خطيرة هذه المرة على حلفائها الغربيين وأمريكا.. ببساطة هم يسعون إلى تنظيف البلاد من كل أنواع المعارضات، أين ستذهب هذه بانفعالاتها وتظلماتها وقهرها..؟ من خلال الهجرة ستغدو أوروبا وأمريكا هي الحاوية التي يتقيئون فيها.. سيغدون مفاتيح تنفيس بأيدي حكومات الإستبداد. المعادلة بسيطة لا تحتاج إلى عناء تفكير: تنظيف الأوطان من المعارضة يعني هجرة المعارضين. كل الحركات السلفية الإرهابية الإسلامية، جاءت من بيئات موبوئة بالفقر والظلم والاضطهاد والقهر والحيف وكل أشكال امتهان كرامة الإنسان.. وحين وصلت إلى أوروبا وأمريكا، جعلت من تلك البلاد قاعدة مثالية للانطلاق بعملياتها، لما توفر لهم هناك من حرية وشروط حياتية مريحة ومؤمنة صحياً واجتماعياً، لكنها بالمقابل (تلك الحركات) كانت معبأة بكم مخيف وهائل من ردود الأفعال التي لم تستطع أن تفرغها في أوطانها. أين ستفرغها؟ بالتأكيد ستفرغها على رؤوس المضيفين هذه المرة، ولديهم مليون سبب لفعل ذلك، ليس أولها الكفر ولا يكون آخرها؛ أنهم سرقوا ثرواتنا طيلة الدهر (هناك مشهد ليس استثنائي، يصور الطريقة التي يسحب بها أحد (المؤمنين) راتب الإعانة الاجتماعية من ماكنة النقود، مع كل ورقة خضراء أو صفراء تخرجها له ماكنة النقود، يصب المؤمن لعنة على الكافرين النصارى الصليبيين.. لماذا..!!!؟). لكن السؤال الأهم يبقى: ماذا بوسع حركات سلفية جهادية رائدها (أبن تيمية) وجوقة فقهاء الظلام أن تفعل لو استلمت مقاليد الأمور في أي بلد من هذه البلدان..؟ ستحدث فوضى قد تُعرف بدايتها.. إنما الشيطان وحده يعرف كيف ستكون نهايتها.. هناك أسلحة الدمار الشامل وسهولة الحصول عليها.. ومعها سهولة استخدامها، قل لا مسؤولية هؤلاء الناس عن أرواح البشر، البشر عندهم صنفان: كافر إلى جهنم ومسلم على شاكلتهم يستعجل الموت للفوز بالجنة الموعود بها. سيكون الموت هو الفيصل بينهم وبين كل الكفرة. كما هو واضح، لم يعد الأمر ألعاب سيف ومنجنيق. ما هو الحل إذن؟ لقد اهتدوا إلى الحل هناك، بضرورة تقليم أظافر هذا الوحش إن لم يكن القضاء عليه تماماً، لكن قبل هذا وذاك، دعونا نعرف أين هو.. من أين ينطلق على وجه التحديد..؟ لذلك تفتقت قريحة أولئك الاستراتيجيين الذي هناك ولا يشبهون الذين هنا، أن لا بد من توفير بيئة آمنة لهذا الوحش، بيئة نستدرجه إليها، لنقاتله فيها بعيداً عن مدننا وشعوبنا وعمراننا.. ولا ضير إن فقدنا أعداداً من رجالنا ونساءنا ثمناً لهذا الهدف.. ومن جانب آخر نجعل هذا الوحش بمواجهة ذات البيئة التي أفرزته، لتجرب تلك الشعوب ماذا سيحصل لها لو تسيد هذا الوحش على منافذ حياتها.. على العموم ستكون خسائرنا أقل بكثير مما لو ترك الوحش سائباً لا ندري أين ستكون ضربته القادمة..
هذه كانت خلفية احتلال العراق يا سادتي، ليس البحث عن خرافة أسلحة الدمار الشامل، لأنهم قضوا عليها بأنفسهم، وليس احتلال منابع النفط، لأنها بأيديهم منذ اكتشفوها، وليس دحر مشروع العروبة، لأن هذا المشروع مدحور من يوم ولادته، وليس القضاء على الإسلام، لأنه دين والمجنون فقط من يصدق أن بأمكانه القضاء على دين. لا شيء أبداً من تلك الحجج والتبريرات والأسباب، التي يجود بها كل يوم محللون تخرجوا من مدارس الهزيمة والنكسة والخنوع والذل وفقدان الكرامة، على يد حكومات لا تسمح للطائر في السماء يطير بسجيته، ما بالك بمحلل يغرد خارج سربهم..
طيب، إذا كانوا هم قد اهتدوا إلى الحل، الذي سيؤمن مصالحهم على المدى البعيد. لكن الكرة الآن هي في ملعبنا، والسؤال الصحيح يجب أن يكون: ما هو موقفنا نحن من حلولهم.. وتالياً ما هي وسائلنا التي نستطيع أن نضمن من خلالها مصالح شعوبنا.. أو على الأقل مواجهة استحقاقات حلولهم على رؤوسنا بأقل الخسائر الممكنة..؟ ألم يكن من المفروض على اليسار عموماً والشيوعيين على وجه الخصوص أن يخضعوا كل تلك التغيرات في السياسة الخارجية الغربية والأمريكية على وجه ا لخصوص، للدراسة والتمحيص وبشكل علمي، لعلنا نخرج بنتيجة لصالح شعوبنا. لأن الإشكالية التي ستواجه كل باحث، أن كل تلك المفاهيم والأهداف التي أعلنتها السياسة الخارجية الأمريكية أهدافاً لحملتها، هي في الواقع أهدافاً وطنية لنا، من المفترض أن تكون على رأس أولوياتنا. هل حصلت مثل تلك الدراسات العلمية..؟ شخصياً أشك في حصول مثل تلك الدراسات. ومبعث شكي، أن الذي حصل بدلها وكان واضحاً، استمرار ذات السياسات الخارجة من مرشح ألوان أعمى لا يعطي غير الأبيض والأسود.. لم نهتد إلى وسيلة تجعلنا نستفيد من أسلحة عدونا، طالما هي ذاتها أسلحتنا. كنا حين نضغط على حكوماتنا بشعار الديمقراطية وملحقاته لا نجد نصيراً لنا، لكن الآن حين ترفع هذا السلاح ستجد إلى جانبك أقوى قوة في العالم.. وهنا سوف لا أجادل من يقول لي: أن ديمقراطيتهم هي غير ديمقراطيتنا.. لأن الديمقراطية هي آلية يعطيها اللون والطعم والرائحة من يكون جزء من نسيجها، وليس ذلك المتفرج الجالس على التل.
المشكلة لم يزل الغرب وأمريكا في الذهن الشيوعي كلهم شر، وإن حملوا رايات الديمقراطية والتحديث، حتى أن الأمر غدا أكثر شذوذاً إذ نجد اليساريين وضمنهم الشيوعيين يرددون ما تردده كل أنظمة القمع ويصطفون مع أحزاب الإسلام السياسي في الشارع العربي، بإعطاء بعد أخلاقي وديني للقضية أكثر من بعدها السياسي المعلن عنه من جانب الأمريكان.. بل أكثر من هذا، وجدنا أن بعض الحكومات القمعية كانت أكثر ذكاءاً وحنكة في التعامل مع الهجمة القادمة عليها، عبر أساليب المناورة والالتفاف، لامتصاص الضربة الأولى على الأقل، لذلك تجدها سارعت إلى التناغم مع تلك المفردات التي كانت هي عنوان الهجمة، مفردات الديمقراطية وحقوق الإنسان والانتخابات وإصلاح مناهج التعليم ومكافحة الإرهاب.. وإلا كيف نفهم أن تحدث في السعودية انتخابات بلدية مثلاً، مع وعود بتطوير الخطوة لاحقاً بإشراك النساء فيها. بينما اليسار العربي والشيوعيون ضمنه بالطبع، أوغل أكثر في تناغمه مع الإسلام السياسي، تحت شعارات المقاومة والتصدي وهلم جرا من ذات اليافطة التي يعتقد أصحابها وبشكل عجيب، أنهم بمجرد رفعها عالياً، سيتصدون وستتكسر كل المؤامرات على صخرة تلك اليافطة المهلهلة أصلاً.. من دون تهيئة مسلتزمات ذلك التصدي والذي على رأسها: مواطن حر. للأسف دأبوا على إخراج المظاهرات والمسيرات التي في كل مرة يريدونها مليونية.. ولا أدري لماذا إلا مليونية لكي تنجح أهدافها، هناك مظاهرات بعشرات الآلاف أسقطت حكومات وبدلت نظم عتيدة.. مظاهرات ومسيرات تصرخ بشعارات ومشاريع تبدو أمامها مشاريع وشعارات الحكومات القمعية أكثر تطوراً بخطوات..
أنا أفهم مواقف وردود أفعال المشروع ا لذي يسمى بالإسلام السياسي، لأن كل تلك المفاهيم والمفردات المرفوعة عالياً فوق لواء الهجمة الأمريكية، ليست لها علاقة بأجندتهم المبنية على استرجاع شكل من دولة الخلافة المنقرضة تاريخياً، دولة يتربع على عرشها أمير مؤمنين إلى يساره قاضي قضاة وإلى يمينه سياف. وهم منسجمون مع أنفسهم ومع مرجعياتهم الفكرية أو الفقهية، مرجعيات ديدنها إيقاف الزمن وإلغاء التغيير والتطور والتبدل في الأحوال وكأن شيئاً لم يحصل، ما زال الزمن عندهم هو زمن الرسالة الأول والفتوحات الأولى والمد الأول الذي تحقق بالسيف وأوجد أمبراطورية حدودها الصين وأسبانيا تحدها البحار الأربعة وما زال المواطن في عرفهم هو فرد من رعية أو قطيع أو عامة أو أي مسمى آخر يمتهن كرامة الإنسان وفردانيته، فرد يُقاد ولا يقود، يتبع أولياء الأمر الذين يعرفون مصلحة الأمة إن كانوا حكاماً أو فقهاء.. هذا كله مفهوم لي، لكن غير المفهوم هو موقف الشيوعيين وعموم اليسار العربي، المتناغم مع هكذا طروحات والساعي بتحالفات معلنة وغير معلنة، كذلك لإيقاف الزمن، وإطالة أمد الاستبداد والقمع تحت ذات اليافطة التي تهرئت بفعل الهزائم الكثيرة التي حلت على رؤوسنا منذ قرون طويلة.. يافطة دحر الاستعمار والمشروع الصهيوني، وكأن الدحر لا يتم إلا بإدامة الاستبداد وتغييب المواطن ومحاصرته من كل حدب وصوب. قديماً كان المواطن يجد في المعارضة متنفساً لحصار الحكومة، الآن حتى هذا المتنفس لم يعد موجوداً، هناك تماهياً عجيباً بين المعارضات والحكومات يحدث لأول مرة في تاريخ هذه المنطقة.. تماهي وصل إلى حد التحالف المعلن، التحالف الذي اتخذ مسمى (المؤتمر القومي الإسلامي) الذي انضوت تحت يافطته تلاوين كثيرة لم يربطها رابط فيما مضى.. وإلا قولوا لي! ما الذي يفعله الشيوعيون مع الأخوان المسلمين مع البعثيين مع حزب الله في ذات المكان).
أردت مما سبق مقدمة لفهم الموقف من الاحتلال الأمريكي بالنسبة للشيوعيين. ودائماً المقدمات غير الصحيحة تقود لنتائج من جنسها. هكذا، بدل دراسة الأسباب الحقيقية التي دفعت أمريكا للاستدارة بسياساتها هذه الاستدارة الحادة. ومحاولة الاستفادة في توظيف تلك المفاهيم والمفردات التي صارت ترددها كل يوم، لخدمة مشروعنا الوطني والضغط على حكومات الاستبداد، نجد العداء القديم قد تحول الآن بالضد من تلك المفردات التي هي في الأصل مطالب لشعوبنا، ولا تقوم لنا قائمة بدونها، لقد غدت مفردات الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان وإصلاح مناهج التعليم ومكافحة الإرهاب مفردات مشبوهة، بل حتى هي تهمة لمن يرددها من المغردين خارج السرب. بل تحول الأمر إلى ما يشبه العناد العشائري.. لا نريد ديمقراطية.. لا نريد أنظمة لحقوق الإنسان.. لا نريد إصلاح مناهجنا التربوية.. لا نريد حقوقاً للنساء.. لا نريد.. لا نريد.. نعم نحن إرهابيون، نريد أنظمتنا وقادتنا وزعمائنا وشيوخنا وفقهائنا.. وعلى عناد أمريكا..!!! أليس هذا هو مضمون مسيرات الشارع العربي الذي يُهيَج في كل حين بأوامر حكومية وعلى يد أحزاب قومية ويسارية ودينية...؟
للأسف، تعامل اليسار عموماً مع تلك المفردات بذهنية المتربص. علماً أن السياسة الأمريكية الجديدة، ولأنها جديدة، ولها أجندتها النابعة من مصالح الكارتلات التي تقف وراءها، ما زالت تتخبط هنا وهناك، وتوفر للمتربصين الكثير من الوقود الذي يديم موقفهم العشائري المتخلف. لذلك نجدهم بدل السعي الجدي لتوظيف الجهد الأمريكي المهيمن في المنطقة، لصالح تحقيق هذه المطاليب والأهداف، والتي هي مطالب وأهداف شعوبنا، قبل أن تكون أهدافاً أمريكية، نجدهم يبحثون ويكدون أعصابهم، للخروج كل مرة على شعوبهم بصيحة مدوية يعلنونها وكأنهم انتصروا على عدوهم الأزلي: انظروا إلى الديمقراطية الأمريكية كيف ضربت عرض الحائط رأي شعبها وشنت الحرب على العراق، ليأتي الشعب الأمريكي بعد أربع سنين ويلطمهم على أفواههم بانتخابه القيادة ذاتها التي زجته في الحرب.. أو.. انظروا إلى فضائح الديمقراطية الأمريكية في أبو غريب.. وكأن السجون العربية جنة عدن للمعارضين.. أو انظروا إلى أمريكا وهي تريد تهميش السنة العرب في العراق.. بينما أحد من هؤلاء لم يتكلم عن تهميش أغلبية الشعب العراقي طيلة الدهر.. وعاشرة.. انظروا أن أمريكا تريد جعل العراء يقيم علاقات مع إسرائيل..!!! المشكلة اليافطة الأخيرة تطلق والتنسيق الحكومي الرسمي العربي مع إسرائيل على أشده. الأمر كما يبدو لي يشبه أي سوق عربي، يصلك صراخ أحدهم: قرب.. قرب.. قرب.. شوف أمريكا بتعمل إيه..!! لم يهملوا شاردة ولا واردة لم يستغلوها للتحريض والتهويش، وكان إلى جانبهم جهاز إعلامي فاعل ومؤثر ندر مثيل له في تاريخ المنطقة، أقصد به القنوات الفضائية العربية التي ولأول مرة في تاريخها تعمل داخل العراق بحرية مطلقة، حرية لم تتوفر لها في أي بلد عربي باستثناء إسرائيل وأراضي الضفة الغربية وقطاع غزة الكائنة تحت الاحتلال الإسرائيلي، وهذا بحد ذاته مفارقة تدعو للسؤال، لماذا الحرية للإعلام لا تتوفر في أي بلد عربي باستثناء البلدان المحتلة.. صاروا يتصرفون ويوزعون التصريحات وكأنهم أوصياء على الشعب العراقي، يتكلمون باسمه وما عليه إلا التنفيذ وإلا سنعتبركم عملاء للاحتلال. لأول مرة في التاريخ نسمع أن شعباً عميلاً. ربما هذه سابقة أتحفنا بها العقل العربي المعاصر.
لقد اتفقوا جميعاً، اليسار بكل تلاوينه شيوعيون وغير شيوعيين مع الإسلاميين من أخوان وسلفيين ووهابيين وغيرهم الكثير؛ على اعتبار المجرمين النازلين في الشعب العراقي ذبحاً يومياً هم الشعب العراقي. بينما العراقيون يعرفون هؤلاء بالاسم والعنوان، ما هم إلا زمر من المجرمين البعثيين من عناصر وضباط المخابرات ومؤسسات الأمن المختلفة، الذين كانوا يحكمون البلد بالحديد والنار آزرتهم عصابات السلفية العربية التكفيرية إلى جانب عصابات الجريمة المنظمة التي أطلق المجرم (صدام حسين) سراح كل رؤوسها قبل سقوطه بشهرين. في النهاية، الشيء الوحيد الذي أُهمل من حسابات الشيوعيين العرب، هو موقف الشعب العراقي الحقيقي مما حصل له. ومرة أخرى أقصد بالشعب العراقي الأغلبية من أطيافه. هؤلاء الساعون إلى التسريع بتحرير بلدهم من الاحتلال واستعادة السيادة الوطنية الكاملة، عبر مشروع يعتمد التفاوض والتفاهم مع الاحتلال الذي غدا واقع حال في البلد الآن. لقناعتهم أن سيناريوهات المقاومة المسلحة ستجلب للبلد مخاطر التجزئة والتقسيم والمزيد من الخراب والدمار والإنهاك، ناهيك عن تحويل البلد إلى لقمة سائغة تتنافس عليها كل دول الجوار الجغرافي بمصالحها المتضاربة، وسيغدو بلدهم لاحقاً ساحة قتال وحرب بين تلك الدول. لهذه الأسباب، تعاملوا بمسؤولية أكبر تجاه مستقبل البلد وشعبه. أنا شخصياً أعتبر كل الأحزاب السياسية العراقية الوطنية بشقيها العلماني والإسلامي، التي تخوض تجربة النضال السلمي، هي المقاومة العراقية الحقيقية وليست تلك التي نزلت في البلد تخريباً وتدميراً، لما تبقى من بناه التحتية وقتلاً عشوائياً للناس في الشوارع والبيوت والمستشفيات ودور العبادة وفي كل مكان طالته أياديهم الملطخة بدماء العراقيين أكثر مما هي ملطخة بدماء الأمريكان.
لكنها ذاتها المقدمات غير الصحيحة تقود إلى نتائج من جنسها. مثلما أخطأ كل العرب ومنهم اليسار العربي والشيوعيون ضمنهم، بحق الشعب العراقي عبر السياسة التي أطلقوا عليها مسمى (التضامن مع الشعب العرقي) أيام النظام الساقط، والتي كانت في الواقع العملي تضامن مع النظام الاستبدادي القمعي الدكتاتوري، وبالضد من الشعب العراقي الضحية لتلك السياسات.. هم الآن يخطئون كذلك، باعتبار فلول البعثيين وعصابات السلفيين التكفيريين الظلاميين وعصابات الجريمة المنظمة هم الشعب العراقي، يدبجون لهم بيانات التضامن ويجمعون لهم التبرعات ويوفرون لهم المجاهدين والمجال الإعلامي المفتوح لقول ما يشاءون، ويا ليت هؤلاء قالوا شيئاً حتى اللحظة، باستثناء مشاهد الذبح والدمار والتخريب وتحويل حياة المواطنين إلى جحيم لا يطاق، التي تسارع كل قنوات العهر العربي على بثها في ذات اللحظة التي تصلها فيها، من باب الدعاية، بالطريقة ذاتها التي يبثون فيها شريطاً يصلهم من داخل (إسرائيل) وفيه صور الضحايا الإسرائيليين يتخبطون بدمائهم في هذا الشارع أو ذاك وكلهم مدنيون، لتوفير فرصة للمواطن العربي المغلوب على أمره وجعله على الأقل يتشفى بعدوه وإن كان الضحية لا علاقة له بعدوه أصلاً..
للأسف كل هذه المواقف غير المفهومة قد تبناها الشيوعيون السوريون.. حين يصلني بيان صادر عن الشيوعيين يمجد المقاومة العراقية في الفلوجة، وأنا أعرف ماذا حل بالفلوجة بعد اختطافها بأهلها من قبل عصابات الجريمة البعثية والسلفية، مثلما أعرف أن أغلب أهلها تركوها وهاجروا بعيداً عن تلك القطعان الهائجة.. لا أملك غير الأسئلة.. حين تصلني بيانات من منظمات حقوق الإنسان السورية عن إعتقالات وتعسف وتعذيب وتغييب أخبار المطالبين بحقوق المواطنة في سوريا، ولا أجد صدىً لكل تلك البلاوي في بيانات الشيوعيين السورييين.. لا أملك غير الأسئلة.. حين لا يستطيع الشيوعيون التمييز بين من يطيل أمد الاحتلال ومن يريد تقصير أمده.. لا أملك غير الأسئلة.. حين يعجز الرفاق عن تقديم مسمى واحد أو واجهة لحزب أو تنظيم أو تحالف، بعيد عن ثلاثي الإجرام المعاصر (البعثيون، السلفيون، عصابات الجريمة) ليقدموه للعالم على أنه هو المقاومة الوطنية الشريفة التي يتضامنون معها.. لا أملك غير الأسئلة.. حين يواصل الرفاق التعامل مع المفاهيم المجردة عن إمبريالية وصهيونية ومؤامرات وعدوان ويهربون من وقائع الأمور على الأرض.. لا أملك غير الأسئلة.. حين يحرضون مع المحرضين على مقاومة المحتل في العراق ولا يفعلون الشيء نفسه في الجولان.. لا أملك غير الأسئلة.. حين يدافعون عن وجود جيشهم في لبنان ويضفون عليه هالة الوطنية والقومية.. ولا يريدون لنا أن نتعامل مع الاحتلال الأمريكي بطريقتنا النابعة من مصالحنا الوطنية.. لا أملك غير الأسئلة.. حين يصفون شرطتنا الجديدة وجيشنا الجديد عملاء وشرطة صدام وجيشه القديم وطنيون.. لا أملك غير الأسئلة.. حين يكون سعي البعثيين للعودة إلى السلطة من جديد مشروع وطني.. والشعب ما زال لم يضمد جراحه بعد من جرائمهم المهولة بحقه.. لا أملك غير الأسئلة.. أخيراً حين تعتبرون (أبو مازن) وكل الذين وراءه قادة وطنيون وهم يريدون التفاوض والتفاهم مع الاحتلال الإسرائيلي بالطرق السلمية، لضمان مستقبل شعبهم ودولتهم المستقبلية، وتسمون المعارضة العراقية السلمية للاحتلال والساعية إلى التخلص من الاحتلال عبر ذات الوسائل معارضة عميلة.. لا أملك غير الأسئلة
أسئلة كثيرة للأسف لم يصل من الرفاق الشيوعيين سوريين وغير سوريين، عليها غير إجابات غامضة مشوشة مغلفة بمفاهيم لم تثبت يوماً صحتها..

9/12/2004



#كريم_كطافة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شيوعيون أصوليون
- العراقيون والضحك والسيارات المفخخة
- حين يترك فقهاء القطيع الباب موارباً
- لكي لا يضيع نداء حمد في لجة الصراخ.. إلى حمد الشريدة
- قنوات الواقع الافتراضي العربية
- لماذا قناة العربية دون الجزيرة..!!؟
- بورترية لوأد النساء في زمن الصحوة
- أدعية على الهواء للإله المخطوف
- لماذا يكون الزرقاوي أشعل منك يا شعلان..؟
- خرائط تبحث عن من يرسم ملامحها
- الموقف الفرنسي من وحلٍ إلى وحل
- عيون وآذان جهاد الخازن وأخطاء علاوي
- بماذا أرد على صديقي المتشائل..؟
- مرة أخرى.. عن الشعب الكردي وقضيته
- حلم امرأة
- شارع القدور
- ماذا تبقى من مشروع لجنة اجتثاث البعث..؟
- كرسافة
- صلح الحديبية الثاني..!!
- تغيير اسم حزب البعث


المزيد.....




- ما هي صفقة الصواريخ التي أرسلتها أمريكا لأوكرانيا سرا بعد أش ...
- الرئيس الموريتاني يترشح لولاية رئاسية ثانية وأخيرة -تلبية لن ...
- واشنطن تستأنف مساعداتها العسكرية لأوكرانيا بعد شهور من التوق ...
- شهداء بقصف إسرائيلي 3 منازل في رفح واحتدام المعارك وسط غزة
- إعلام إسرائيلي: مجلسا الحرب والكابينت يناقشان اليوم بنود صفق ...
- روسيا تعلن عن اتفاق مع أوكرانيا لتبادل أطفال
- قائد الجيش الأمريكي في أوروبا: مناورات -الناتو- موجهة عمليا ...
- أوكرانيا منطقة منزوعة السلاح.. مستشار سابق في البنتاغون يتوق ...
- الولايات المتحدة تنفي إصابة أي سفن جراء هجوم الحوثيين في خلي ...
- موقع عبري: سجن عسكري إسرائيلي أرسل صورا للقبة الحديدية ومواق ...


المزيد.....

- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح
- حزب العمل الشيوعي في سوريا: تاريخ سياسي حافل (1 من 2) / جوزيف ضاهر
- بوصلة الصراع في سورية السلطة- الشارع- المعارضة القسم الأول / محمد شيخ أحمد


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - كريم كطافة - شيوعيون أصوليون... 2 ـ 2