أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رياض خليل - رحلة جليفر الجديدة : قصة قصيرة















المزيد.....

رحلة جليفر الجديدة : قصة قصيرة


رياض خليل

الحوار المتمدن-العدد: 3518 - 2011 / 10 / 16 - 15:27
المحور: الادب والفن
    



نشرت في الصفحة العاشرة من جريدة " الأسبوع الأدبي" الأسبوعية السورية الصادرة عن اتحاد الكتاب العرب بدمشق ، العدد ( 435 ) تاريخ الخميس 27/10/1994
أنا البحار جليفر . تعرفون قصتي الشهيرة . لكنكم تجهلون قصتي الحقيقية . قصتي الشهيرة ناقصة ، وسوف أروي لكم أحداثا أخرى لاتقل إثارة وتشويقا .. سيما للفضوليين .
أنا .. جليفر البائس ، من مواليد البحر ، عام ... لاأدري ! كنت أرتكب أرتكب الفواحش والقرصنة .. أخدع الأمواج .. أغوص في الماء .. أتسلل إلى القاع لأسرق الكنوز ، وأتجسس على سكانه .. أعتدي عليهم .. أتسقط أسرارهم وفضائحهم ، ضاق البحر ذرعا بي ، حاول أن يصلحني بلا طائل ، حاول أن يعقمني ويغسلني عبثا ، كنت زنخا .. ويهرب سمك ال" قرش" والحيتان من رائحتي الكريهة النتنة . البحر ضاق ذرعا بحماقاتي . لم يعد يطيق وجودي ، أو يحتمل إزعاجاتي . أنذرني .. هددني .. وأخيرا ثارت ثائرته ، فعصف وكان الطوفان ، وبصقني في وجه الشاطئ ، وأغمي عليّ .
هذه الأحداث لم ترد في قصتي الشهيرة ، ويجهلها كل من قرأ وسمع عني ، ويجهلها أيضا الأقزام الذين هالهم حجمي .. ومقاييس جسدي الأسطورية
كنت فاقدا الوعي ، مرميا على شاطئ جزيرة الأقزام ، وكان الأقزام قد قيدوني ، واتخذوا كل الاحتياطات اللازمة للسيطرة علي ، وقرروا تدجيني وترويضي . وحينما صحوت من إغماءاتي .. سمعتهم يتناقشون .. كانت أصواتهم ناعمة .. خافتة .. كأني بهم يزقزقون كالعصافير ، ونظرت إليهم ، كانوا خائفين متعجبين .. وكنت أكثر منهم خوفا واستغرابا ! وتساءلت عن الفرق بين الحلم والواقع ؟ من هؤلاء ؟ ماتلك الكائنات الضئيلة التي تشبهني ؟ من منا الذي تغيرحجمه ومقاييسه ؟ أنا؟ أم هم ؟ فكرت ولم أعثر على حل أو جواب أو تفسير لتلك المفارقة الخرافية المدهشة ...
وبعد أيام .. اطمأنوا .. ووثقوا بي .. وفكوا قيودي .. وعقدنا اتفاقية صداقة وتعاون .. وقدمت لهم الخدمات التي طلبوها مني ، وأحسوني كنزا بالنسبة لهم ..لكني أحسسب أن حجمي الفعلي أصغر بكثير من حجمي المرئي ، وشعرت أن حجمي الحقيقي يكافئ حجم قزم من هؤلاء الأقزام الشجعان .. أخيرا سمحوا لي بالعودة إلى بلادي . وتذكرت أنني ملعون منها .. من مملكة البحر وجنته المائية الغناء .
أنا جليفر البحار ، الذي يعشق رقصات البحر وموسيقاه .. ولغته الشعرية المتألقة . ماذا أفعل كي يغفر البحر لي خطيئتي ، ويأذن لي بالعودة ؟ مضيت إلى الشاطئ .. لألامس حدود وطني المائي الأزرق ، لوحت للأمواج التي تعرفني جيدا .. ناديتها .. لم تكترث لنداءاتي المتكررة ..صرخت .. بكيت كطفل ، تألمت ، توسلت ، صليت . فرقّ فؤاد البحر وأشفق ، فتقبل توبتي ، كانت عواطفه طاغية مثله ، استطفت استثارة حبه القديم لي ، فنسي نفسه ، وأخذني بين ذراعيه محتضنا معانقا ، ضمني كما تضم الأم طفلها ، وراحت أمواجه تتقاذفني كالكرة ، محتفية بعودتي وتوبتي .
أنا جليفر العملاق ، عدت إلى البحر ، امتطيت خيوله ، ورحت أعدو فق مساحاته الشاسعة كبرغوث ضئيل تافه يكاد لايرى ..كقزم من أقزام الجزيرة التي كنت ضيفها ، وكل هذه المعلومات والأحداث لم ترد في قصتي الشهيرة المجتزأة ...
إليكم جانبا آخر من قصتي ، صورة خلفية ، فيها معادلة معكوسة : بعد أن البحر " فرمانه" بالعفو عني .. وأمضيت فترة من الوقت ملتزما بقوانين البحر ، عدت إلى ماكنت عليه من سجيتي وطبعي .. والطبع يغلب التطبع ، عدت جليفر اللص ، وارتكبت عددا من الجرائم والمحظورات .. ولوحقت .. وسجل اسمي في اللائحة السوداء : لائحة الإرهاب ، وأكثر من هذا سجل اسمي في كتاب " جينس " للأرقام القياسية ، عندما حطمت الرقم القياسي في الشغب والفوضى والفساد .
قررت محكمة البحر بالاجماع طردي من البحر للمرة الثانية ، ونفاني إلى شاطئ مهجور ومجهول ، حملتني الأمواج إليه ، وقذفتني بعيدا .. بعيدا .. فوق الرمال الساخنة ، رمتني كنفاية أو كوسخة خارج فردوس البحر ، وجدتني على بساط من الرمل الحاد السخن والخشن ، وأغمي على .. وبعدها صحوت ، أفقت من إغماءتي ، فتحت عيني ، ذعرت ! يالهول ماأرى ! ياللغرابة ! أهو حلم .. أم واقع ؟ ! رأيت عددا من العمالقة يتحلقون بأجسامهم الهائلة حول جسدي الصغير جدا ! نظرت إليهم . بحثت عن رؤوسهم ووجوههم البعيدة جدا .. المرتفعة كقمم الجبال . كانوا ينظرون إلي بخوف واستغراب .. كانوا كالجبال ، وكانت أصواتهم وهم يتكلمون تهدر كالرعد . ينحون فوقي وهم متوجسون . أحدهم تشجع .. ومد كفه الواسعة بأصابعها الطويلة جدا نحوي ، حاول أن يلمسني . تردد . ثم حسم أمره وتلقفني بأناة ، كأنه يخشى أن يمسني بسوء أو أذى أو ضر . كان حجمي يعادل سلامة إصبع من أصابع كفه الكبيرة جدا . تخيلت نفسي كصرصور تافه بين أصابعه الضخمة . لم أقاوم . لذت بالهدوء والسكينة . كانوا عمالقة لطفاء ، في عيونهم عطف وحنان يذكرني بعطف البحر وحنانه . تناقلتني أصابع أيديهم بعناية وحرص ، وهم يقلبونني ويتفحصونني بنظراتهم الفضولية . ثم حملوني إلى مكان مغلق ، مالبثت أن عرفت أنه مخبر متطور . أجروا لي بعض الفحوصات الطبية وغير الطبية . وبعد تداولهم .. اتفقوا أن يضعوني مؤقتا في متحف الأحياء النادرة . قدموا لي أفضل ماعرفت من خدمات : غذاء .. ملبس .. مشرب .. الخ
ألفوني وألفتهم .. بعد عشرة وحوارات . أعجبوا بي ، وأعجبت بهم . عاملوني بما يشبه التقديس ، كان احترامهم فائقا . عقدنا اتفاقات محبة وتعاون وصداقة ، وشعرت أنني أستطيع أن أفعل الكثير لهم ولنفسي ، وشعرت هذه المرة أن حجمي الفعلي أكبر بكثير من حجمي المرئي ، كان حجمي الفعلي يعادل حجم واحد من هؤلاء العمالقة ، وكان هؤلاء العمالقة يجهلون قصتي الشهيرة مع البحر وجزيرة الأقزام ، ويجهلون كل مالم يرد في هذه القصة من حقائق وأحداث كنت أخفيها دائما عن الآخرين ، وتذكرت البحر والشاطئ الأول والأقزام والعودة ولعنة البحر الأولى والثانية لي ، فتأججت في نفسي مشاعر الشوق والحنين ، وفكرت بالعودة مرة أخرى إلى وطن الماء المالح الأزرق الشفاف ، وجناته المليئة بكل ماأشتهي وأرغب
بعد أن قدمت خدمات جلّى للعمالقة ، وساعدتهم في الحرب ، بالخطط والأدوات والخبرات ، قرروا أن يكافئوني ، وبعد إلحاحي .. وافقوا على قبول عودتي إلى الوطن
كالعادة مضيت إلى الشاطئ المفضي للبحر مباشرة ، وقد تذكرني الشاطئ ، وعرفتني رماله الصفراء المتوهجة . وقفت أتأمل الأمواج العابثة ، وزرقة الماء المتدرجة من الفاتح إلى الغامق الداكن .. غازلت الأمواج ، خدعتها حين استعملت اسما مستعارا ، تنكرت بملامح صياد بائس ، تسللت إلى الماء على ظهر بعض الأمواج الساذجة .. الأليفة ، كحصان أصيل ..
وفيما رحت أتجول راكبا الأمواج .. كانت أفكاري تحاورني حول ماحدث ، ورحت أسرد لها حكاياتي عن الرحلات إلى جزيرة الأقزام ، ثم إلى جزيرة العمالقة .. ورحب أتساءل عن حجمي ومقاييسي .. أقارنها تارة بالأقزام ، وتارة بالعمالقة ، أحسست أنني في عالم خرافي ، يتداخل فيه المعقول باللا معقول ، وأحسست أنني ضيعت مقاييسي الحقيقية ، ورحت أتساءل :
أنا جليفر العملاق ؟ لا .. ! أنا جليفر القزم ؟ لا.. ! أنا جليفر ماذا إذن ؟
أتراني كنت أحلم ؟! أتوهم ؟! .. وتذكرت عاداتي .. وطباعي السيئة التي بدأت تضغط عليّ
وتوسوس لي .. تحرضني .. فعدت إلى ارتكاب أعمال التهريب واللصوصية والقرصنة ومختلف أنواع الشرور .. مخالفا بها شرائع البحر وأخلاقياته . أنزعج البحر وسكانه من تصرفاتي التي لم تعد تحتمل ، وبدأ فضاؤه يحاصرني .. ويحس بالغثيان من وجودي في معدته الواسعة .. كان البحر وأهله لي بالمرصاد .. وهذه المعلومات الاستخباراتية البحرية لم ترد في قصتي الشهيرة مع العمالقة والأقزام والجزر والبحار والشواطئ الصخرية والرملية .. قصتي مع الرحلات والمغامرات في أقاليم البحروالبر وكائناتهما التي ترى والتي لاترى .
اتخذ البحر قراره ، حكم علي بالنفي المؤبد ، حكم علي وحكم أيضا على أحلامي وأوهامي وأمراضي ، حكم علي بالطرد خارج فردوسه المزدحم بالأنس والفرح والملذات والحب ...
حملتني أكف الماء .. قذفتني بكل قوتها خارج البحر ، وبدا وكأنه يتقيأني ، يرميني .. يلفظني من فضائه .. من معدته .. يرميني .. ليس إلى الشاطئ الأول في جزيرة الأقزام ، وليس إلى الشاطئ الثاني في جزيرة العمالقة ، بل إلى مكان ثالث مجهول .. مكان .. لا أثر فيه للرمال .. ولا للأقزام .. ولا للعمالقة .. ولا للأحلام والأوهام .. مكان ليس له شكل أو حدود أو معنى ، لم أجد شيئا سوى الفراغ والصمت والخواء وأشياء لم أعرفها .. لم أفهمها .. وعجزت حتى الآن أن أوردها في متن أو سياق قصتي الشهيرة والغريبة والمستمرة ..
تذكرت وتذكرت .. فبكيت قهرا وندما .. أحسست أنني فقدت كل شيء في غمرة العاصفة وثورة البحر .. ولكني بقيت متمسكا بعقيدتي اللاأخلاقية ،وبطبعي الفاسد ، وعبدا لآثامي ..
أنا جليفر.. أعشق البحر وطقوسه وحكاياته وكائناته ، وأحن إلى الاغتسال بمياهه المالحة ، وللهو مع أمواجه العابثة ، ولكني لازلت أكره أن أذعن لشريعته ، وأحب أن أهرب شريعتي وأمارسها مااستطعت إلى ذلك سبيلا ...
أنا الموقع أدناه .. البحار جليفر .. أقر .. وأعترف وأنا لست بكامل قواي العقلية ، أعترف برحلتي الجديدة .. بل بهجرتي ونفيي .. وبكل ماورد من معلومات كانت قد حذفت من قصتي الشهيرة التي لازلت أكتبها وأنا لست بكامل قواي العقلية والنفسية والعصبية
وعليه أوقع ....... بتاريخه ..... وبدون شهود .... التوقيع: جليفر



#رياض_خليل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أنور سالم سلوم
- الروائي والناقد نبيل سليمان في:
- النظام السوري: الحل هو المشكلة !
- شهادات ...
- قصائد قصيرة جدا: الجزء الثاني(6-7-8)
- رياض درويش في :
- لقاء مع رياض خليل
- نصر علي السعيد في:
- والمطر ينهمر: قصة قصيرة
- عبد الإله الرحيل في :
- قصائد قصيرة جدا : شعر
- النظام السوري يطلق النار على نفسه
- الشيء
- حدث بين الشاطئ والبحر(الربان
- التنمية المتوازنة
- كلمة عن الشعر
- عرس الرماد
- الأفق والراية والنصر
- الدكتور أحمد جاسم الحسين ناقدا
- الشجرة البريّة : قصة قصيرة


المزيد.....




- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رياض خليل - رحلة جليفر الجديدة : قصة قصيرة