أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - أحمد عليان - ذكريات من عمق البداوة في التعليم .















المزيد.....

ذكريات من عمق البداوة في التعليم .


أحمد عليان

الحوار المتمدن-العدد: 3517 - 2011 / 10 / 15 - 00:34
المحور: كتابات ساخرة
    


لما أعجبت بتحفة الأخ عبد القادر انيس في ذكرياته مع الأسماء راحت تراودني فكرة المشاركة ببعض ما لدي من ذكريات تتعلق بنفس المناخ الفكري واللون الشعبي تقريبا .
اولى الذكريات هي حدث وقع لي في الطفولة بعد ترددي على معلم قرآن مدة قصيرة حيث حفظت ثلاثة او أربع سور قصيرة ، و في هذه الاثناء زارنا قريب مراهق .
وبعد تناول الغداء راح الزائر يسالني أمام والدي الأميين قائلا ؛ أين وصلت في حفظ "القرعان" ؟ ( هكذا " القرعان" و هو اللفظ المستعمل بدل لفظ " القرآن" ( الذي ما دخل في قاموسي اللغوي الا بعد الاقتراب من سن المراهقة ..) و كان جوابي على سؤال الشاب ؛" وصلت الى" قولو والله " هكذا بدل " قل هو الله" "، فابتسم ساخرا من مستواي مصرحا بمستواه المتقدم قائلا بافتخار ؛ أنا وصلت الى " قول و حية " و كان يقصد " قل اوحي الي .." و لكني ( و مع والدي بدون شك ) بقيت مدة معتقدا أن في القرآن سورة أسمها " قول و حية "
و" القول" اسم محرف لاسم الغول الكائن المرعب المخيف ، أما الحية فهي اسم الزاحف المخيف أيضا باعتباره ثعبانا أو افعى أو ماشابه ذلك .
و لاشك أن سبب هذا االتلفظ الأعوج الذي انتج فهما أعوج يعود الى شيوع استعمال حرف القاف مكان حرف الغين في لغتي البدوية التي مازالت مستعملة لدى شريحة معتبرة من سكان البادية لاسيما كبار السن .

و ذكرى أخرى متصلة بنفس الظاهرة اللغوية ، حيث كنت أحضر جلسات حول شيخ أمي كان يفتخر بمجالسته للمتعلمين الذين مكنوه من حفظ الكثير من الحكم و الأمثال ..و من جملة ما بقي في ذاكرتي ما سمعته منه مرارا عند التعرض لتدهور القيم و غياب العدل قوله ؛ " ملي مات عمر بن الخطاب الحقاب " و لم أكن أفهم المقصود من قوله ، لأنني كنت أرى الجملة مبتورة غير مفيدة ؛ "ملي مات" = "منذ أن مات" عمر بن الخطاب الحقاب ، على أساس لفظ الحقاب نعتا لعمر و الكل مبتدأ من غير خبر .. و ما اتضح لي الأمر الا بعد مدة عندما توصلت الى تفكيك كلمة "الحقاب" التي هي اختزال لكلمتين بعد ادغام حرف القاف " الحق" "قاب " و حينئذ وجدت خبر الجملة الذي اعتبرته مبتورا ، بحيث تصير الجملة ؛ " منذ موت عمر بن الخطاب الحق غاب"
و كانت هذه ثاني لخبطة لغوية عرفتها اثناء الطفولة في محيطي البدوي .

اما ثالثة الذكريات فتتعلق ببعض غرائب التعليم الديني ..ففي حوالي سن التاسعة تعرضت لاختبار ثان بعد اختباري المذكورأعلاه فيما يتعلق بحفظ القرآن .. لكن هذه المرة الاختبار كان من طرف شاب راشد يشتغل مع أبي في مزرعة معمر ، كان ابي قد حدثه بافتخار عن حفظي لبعض سور القرآن ، وبعد أن علم الشاب عدد السور التي حفظتها راح يطرح علي بلهجة الواثق المتمكن السؤال التالي ؛ " في أية سورة توجد الباء تحت الحجرة ؟" "الباء تحت الحجرة" ... "الباء تحت الحجرة" ...؟؟؟ .. فبقيت حائرا مندهشا ، و حزينا لأنني وددت لو أجبت بما أفتخر به أمام أبي ، و أحظى برضاه ..و لما أعلنت عجزي عن الاجابة انبرى الشاب مجيبا بنبرة العارف المالك للحقيقة التي يجهلها الصبية وعامة الناس ؛
"الباء تحت الحجرة " موجودة في "بحجارة " من سورة " ألم تر " .
سورة " ألم تر" هي سورة " الفيل" علما أن معظم سور القرآن كانت تسمى بمطالعها لا بأسمائها الاصطلاحية المعروفة.
و اليوم بعد أكثر من 60 سنة مازلت غير فاهم للعلاقة بين "الباء تحت الحجرة " و "بحجارة من سجيل ".

و رابع الذكريات تتعلق بامتحان جماعي ، حيث كنا ثلاثة أطفال أقارب و جيران في مجموعة اكواخ حديثة الانجاز ، و بمجرد الاقامة بالحي سجلنا أولياؤنا في الجامع لتعلم القراءة و الكتابة و حفظ القرآن ، و بعد أشهر توفي رضيع لأحد الجيران فذهب أولياؤنا لمواساة الأبوين المنكوبين بوفاة الصبي الوحيد بعد ثلاث بنات ، والمشكل اننا وجدنا أنفسنا نحن الثلاثة اطفال مجبرين على مرافقة آبائنا للقراءة على الميت ..
أجبرونا جبرا على الجلوس قرب جثة الرضيع و قراءة ما يجب قراءته ، و لم نكن نعلم ما يجب قراءته ، فالتفتنا لبعضنا مرتبكين محتارين ، ترجينا اعفاءنا من المهمة ، لكن رجاءنا خاب أمام اصرار والدينا على القيام بالواجب الديني الاجتماعي الجواري..الخ..
و امام اصرار أوليائنا رحنا نتشاور في ماذا نسرد عليهم .. ولم نتفق على قراءة سور معينة مما حفظناه من القرآن ، اذ لم تبد لنا مناسبة للوضع الحزين الذي كنا فيه ، و بما أننا كنا نجهل القراءة على الميت شكلا و مضمونا قمنا باجتهاد للخروج من المأزق ، فاهتدينا لسرد محفوظة كنا بصدد حفظها في تلك الأيام ، هي مقطوعة شعر كان الشيخ يتفنن في تلقيننا اياها من غير أن نفهم منها شيئا مثلها مثل ما حفظناه من القرآن ، لكن اهتمام الشيخ و طريقة القائه للمقطوعة بلحن يبعث في النفس احساسا مختلفا عما تعودنا عليه في قراءة القرآن جعلنا نوليها اهنماما خاصا لذا اتفقنا على انشاد القطوعة التي مطلعها " تمر ليالي بنفسي و مالي.. و يا قومي مالي نهار جدال" .
و أظن أن شيخنا كان راغبا في تعليمنا بعض اثار المتصوفين و الزهاد حسب مطلع المقطوعة التي لم أصادفها فيما اطلعت عليه من الشعر المدرسي طيلة حياتي في مهنة التدريس.
المهم استطعنا ارضاء والدينا بسرد المقطوعة عدة مرات ..و مرت دقائق الامتحان العسير الذي ترك فينا أثرا لا ينسى .
و الى اليوم أتذكر "تمر ليالي .." التي كانت فراءتي الأولى و الأخيرة على ميت.

أما خامسة الذكريات فتتمثل في كتابة رسالة . فبعد سنين من التعليم ، طلب مني أحد أخوالي كتابة رسالة لأحد أقاربه ، فكتبت ما يحدد مكان و زمان الآرسال ، و بقيت أنتظر ما يمليه علي خالي صاحب الرسالة ، لكنني لاحظت خالي ينتظر ساكتا ، فطلبت منه الشروع في املاء ما يريد ارساله ، فاستغرب طلبي لأنه كان ينتظر اتمامي لمقدمة الرسالة . و لم اكن أعرف مضمون مقدمة الرسالة قبل كتابة نص الرسالة..فبادر بالقول أن كتابة رسالة يستوجب كتابة بسملة و حمدلة على الأقل.
فكتبت ؛" باسم الله... و الحمد لله....و الصلاة و السلام ...الخ " في حوالي ثلاثة سطور.
و طلبت منه املاء نص الرسالة ..فلاحظت علامات عدم الرضى عن حجم المقدمة بادية على ملامحه و هو يملي علي رسالته التي لم تتجاوز أربعة أسطر. و انتهت المهمة ، و أرسلت الرسالة ..
و بعد مدة جاءني خالي برسالة من قريبه لأقرأها له . و هنا اكتشفت خيبتي في كتابة الرسائل بالأسلوب المتعارف عليه في أدبيات المحيط البدوي.. حيث كانت الصفحة الأولى من الرسالة كلها تقريبا مقدمة ، مضمونها مزيج من حكم ، و آيات ، و أحديث ، و أبيات شعر ، و تعابير المدح للمعني بالرسالة في صياغة مفتعلة واضحة السذاجة و الفجاجة ..
و مازلت أتذكر من تلك المقدمة التعبير التالي ؛ بعد البسملة و الحملة و غيرهما ؛
" الى من قلبه سليم ، و شانه عند الله و عند الناس عظيم . المسمى في كتابنا فلان الفلاني.."
و كم كان خالي معجبا بما سمع منبها اياي بضرورة تعلم كتابة الرسائل على هذا المنوال ..أما أنا فكنت متذمرا من رداءة الخط و تفكك أفكار المضمون وغموض بعض التراكيب و غير ذلك مما جعلني أتحاشى قراءة الرسائل المماثلة مفتعلا ما تيسر لي من حجج ، مثلما كان خالي و أمثاله يتحاشون تكليفي بكتابة رسائلهم الا عند الاضطرار لما يعرفونه عني من عجز عن مجاراة أو تقليد أصحاب المقدمات الطويلة المحشوة بأدبيات عصر الانحطاط ..



#أحمد_عليان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أفكار في أسباب التخوف من العلمانية.
- الثقافة و الخطاب الديني
- ثقافة الخطف.
- التخلف و الثقافة النرجسية.
- -إضاءات حول رواية جنة الجحيم -
- رحلة لم تنته بعد
- وأخيرا وجدت ضالتي
- وأخيرا وجدت ما يستحق القراءة
- سلمان ناطور وأدب الذاكرة الفلسطينية
- شباب غزة حاجة للترفيه والترويح النفسي أكثر من أطفال الإمارات
- دور الاحزاب في تفكيك الترابط الاجتماعي


المزيد.....




- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - أحمد عليان - ذكريات من عمق البداوة في التعليم .