أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - عبد الحسين شعبان - الحق في الماء















المزيد.....

الحق في الماء


عبد الحسين شعبان

الحوار المتمدن-العدد: 3512 - 2011 / 10 / 10 - 18:19
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر
    



لم تعد مشكلة المياه في منطقة الشرق الأوسط تجري بصمت، لاسيما خلال العقود الأربعة ونيّف الأخيرة، فقد احتدمت على نحو شديد، وبرزت إلى العلن، حتى طفت على السطح، وتفاقمت على مرّ السنين، ولم تحجبها أية معركة أخرى . وعلى الرغم من أن أزمة الخليج الثانية التي نجمت عن احتلال القوات العراقية للكويت في 2 أغسطس/آب 1990 وحرب “تحرير الكويت” التي تبعتها في 17 يناير/كانون الثاني 1991 والتي امتدّت إلى “تدمير العراق”، وفرض عقوبات وحصار دولي عليه، طغت على الاهتمامات السياسية الأخرى في الشرق الأوسط، إلاّ أن مشكلة المياه أو ما يطلق عليه “الأمن المائي والغذائي”، ظلّت إحدى الهواجس الكبرى المعلّقة، وليست ثمة مبالغة إذا اعتبرت إحدى المعارك المؤجلة، التي قد تنفجر في أية لحظة، ليس لاحتمال بلوغها مرحلة الصدام العسكري المسلح فحسب، بل لأهميتها الاقتصادية وأبعادها السياسية والقانونية الخطيرة وانعكاساتها على الأمن القومي العربي عموماً، والأمن المائي والغذائي خصوصاً .

وتشمل مشكلة المياه، الأنهار الرئيسية التالية: دجلة والفرات والنيل وبانياس والليطاني ونهر الأردن، إضافة إلى شط العرب وملحقاته والمياه الجوفية في الأراضي الفلسطينية المحتلة ويدخل في نطاقها سبع دول عربية هي: العراق وسوريا ولبنان والأردن وفلسطين ومصر والسودان، وذلك ارتباطاً مع الدول المحيطة، لاسيما تركيا وإثيوبيا وإيران، إضافة إلى “إسرائيل” .

إن التفكير بكون مشكلة المياه إحدى الصراعات الموازية التي يمكن أن تنشب بأية لحظة، باعتبارها لغماً غير موقوت، يمكن أن ينفجر حتى من دون إنذار، هو تقدير سليم، وربما يمتد ليصل إلى جوهر الصراع في المنطقة ونعني به الصراع العربي- الصهيوني ولبّه القضية الفلسطينية . وقد تعاظم الأمر منذ أوائل السبعينيات بين تركيا وسوريا والعراق، خصوصاً بعد الشروع بتنفيذ مشروع الغاب وبناء 21 سداً على حوضي دجلة والفرات، وكذلك بين العراق وإيران، بخصوص شط العرب والنزاع الحدودي الذي تطوّر إلى حرب دامت ثماني سنوات بالكمال والتمام (1980-1988)، ومؤخراً إقدام إيران على تحويل مياه نهر قارون وعدد آخر من فروع شط العرب إلى داخل الأراضي الإيرانية، فضلاً عن مستقبل الاتفاقية العراقية - الإيرانية لعام 1975 (المعروفة باسم اتفاقية الجزائر)، إضافة إلى التعاقدات “الإسرائيلية” - الإثيوبية لبناء سدود على نهر النيل، واستمرار “إسرائيل” في الهيمنة على الجولان ومحاولتها استغلال مياه نهر الأردن وشفط مياه الأرض المحتلة، وأخيراً وليس آخراً محاولة بعض الدول الإفريقية المستفيدة من منبع ومرور نهر النيل استغلاله دون مراعاة مصالح السودان وجنوبه بعد تأسيس جمهورية جنوب السودان ومصر، بما يلحق ضرراً بالأمن المائي للدول العربية المتضررة، فضلاً عن الأمن المائي على المستوى العربي .

إن مناسبة الحديث هذا هو انعقاد ملتقى متخصص شارك فيه خبراء دوليون وعرب التأم في باريس بدعوة من مركز الدراسات العربي- الأوروبي ومساهمة الغرفة التجارية العربية الفرنسية، والمجلس العربي للمياه وجائزة الأمير سلطان بن عبد العزيز العالمية للمياه، تحت عنوان مثير وحيوي وفي إطار سؤال ملح “المياه: منبع للحياة أم مصدر للنزاعات في الشرق الأوسط؟” .

جدير بالذكر أن المركز الذي يستعد لإقامة احتفالية كبرى لمناسبة مرور عشرين عاماً على تأسيسه سبق له أن انشغل بموضوع المياه منذ نحو عقدين من الزمان، وقد نظّم مؤتمراً موسعاً في المغرب عام 1996 بعنوان “الأمن العربي: التحديات الراهنة والتطلعات المستقبلية”، كما أصدر كتاباً ضم العديد من الأبحاث والدراسات الأكاديمية في العام ذاته بعنوان “الأطماع “الإسرائيلية” في المياه العربية”، وعاد وناقش موضوع المياه في مؤتمر دولي نظمه في القاهرة في عام 2000 بعنوان “الأمن المائي العربي” .

ولعل ملتقى باريس الراهن هو استمرار لذات التوجه، لاسيما أن المنطقة تشهد ثورات شعبية تتوخى تكريس مناخ جدي من الديمقراطية وحرية الرأي والتعبير، الأمر الذي يعيد طرح مسألة المياه على بساط البحث، وهو ما أشار إليه رئيس المركز الباحث والمستشار القانوني الدكتور صالح بكر الطيار في كلمته الترحيبية عند افتتاح الملتقى، مؤكداً أن الجميع تابع تاريخ الصراع في منطقة الشرق الأوسط منذ أكثر من 60 عاماً، وما له من انعكاسات سياسية واقتصادية وعسكرية، مشيراً إلى أن مسألة المياه تنذر بالتحوّل إلى حروب أكثر دموية .

لم تقتصر مشكلة المياه على المنطقة العربية ومحيطها من الدول التي تشتبك معها في مسألة المياه أو تتشاطأ معها في الأنهار، بل أصبحت المشكلة عالمية، وأخذت تزداد تعقيداً بفعل ندرتها، ومن ثم زيادة نسبة التصحّر والتلوث والتغييرات المناخية والبيئية، فضلاً عن محاولات تسييسها واستغلالها اقتصادياً، ناهيكم عن الاستقواء بها على حساب الآخرين، ولهذا عمدت الأمم المتحدة إلى إيلاء اهتمام كبير بها، وقد حددت منذ عام 1993 يوم 22 مارس/آذار من كل عام باعتباره اليوم العالمي للمياه، خصوصاً وقد أدركت يوماً بعد يوم شحّ المياه على المستوى العالمي، حيث تفيد دراسات معتمدة من جانبها إلى أن 5 .1 مليار نسمة يعانون من عدم وجود مياه صالحة للشرب، وأن نحو 3 مليارات نسمة آخرين ليس لديهم نظام صرف صحي، وأن ما يزيد على 35 ألف شخص يموتون يومياً نتيجة النقص الفادح في موضوع المياه أو استخدامهم لمياه ملوثة أو غير صالحة للشرب .

باختصار يعتبر الماء السلعة الجارية والنادرة، ولعل هذا ينطوي على مخاطر شديدة على الصحة والأمن والمستقبل، فضلاً عن انعكاساته على التنمية، حيث أن نسبة 5 .2% من كميات المياه في العالم هي المياه الصالحة للشرب فقط وهي نسبة ضئيلة جداً، تشحّ باستمرار، بسبب تناقصها المستمر منذ قرن من الزمان، على الرغم من بناء السدود والخزانات والتقدم العلمي والتكنولوجي ووجود اتفاقيات دولية لتنظيم استخداماته، من دول المنبع وصولاً إلى دول المصب أو على الصعيد الداخلي .

ولعل الحق في المياه هو حق من حقوق الإنسان، وهو حق جماعي وحق فردي في الآن ذاته، أي حق كل فرد في الحصول على مياه نقية وبكمية مناسبة، أضف إلى ذلك حقه في الصرف الصحي، الذي لا يمكن الاستغناء عنه، الأمر الذي يحتاج إلى تنسيق أفضل على مستوى الموارد الخاصة بالطاقة مثل النفط والغاز والكهرباء وغيرها، فضلاً عن الحكامة الرشيدة، وبهذا المعنى فإن الحق في الماء، هو حق للمجتمع أيضاً لإدامة الحياة واستمراريتها على نحو كريم وبشكل يتناسب مع تطوّر حاجات الإنسان ذاته .

وإذا كان قد قيل عشية الحرب العالمية الأولى وخلالها: إن من يملك النفط يستطيع السيطرة على العالم، فقد يبدو صحيحاً القول: إن من يضع يده على منابع المياه ويتحكم بمساره وأسعاره ونقله وتوزيعه ورسومه، يستطيع أن يهيمن على العالم، وذلك لأن لا تنمية من دون مياه، ولا حياة صحية من دون الماء .

وجاء في القرآن الكريم: “وجعلنا من الماء كل شيء حي” (سورة الأنبياء- الآية 30). (صدق الله العظيم)، فالماء هو مهد الحياة والحضارة الإنسانية، وهو مكوّن لا غنى عنه لجميع الكائنات الحيّة، وهو في الوقت نفسه منتج الثروات ومطهّر الأجسام وملهم الإنسان، لاسيما بالعلوم والفنون والآداب، ودائماً ما تقام الحضارات والمدن على ضفاف الأنهار وبالقرب من سواحل البحار والبحيرات، وتقوم على تنظيمه قوانين وأعراف وتفصل في نزاعاته محاكم وقضاء، وهكذا يصبح الحق في الحصول على الماء ، وبكميات مناسبة ومياه صالحة للشرب والاستعمال حق أصيل للفرد والجماعة ، وهو حق لابدّ من الدفاع عنه وحمايته بالوسائل المشروعة والقانونية، مثلما هو واجب على الدولة، وبمشاركة من المجتمع المدني، أن تصونه وتؤمّنه بشكل سليم ومستمر ودائم لهذا الجيل وللأجيال الآتية .

باحث ومفكر عربي



#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سورية :هل لا يزال طريق التسوية التاريخية سالكاً!؟
- العقدة اليمنية وما السبيل لحلها؟
- في رحيل عبد الرحمن النعيمي
- بالمر جولدستون.. أَيُّ مفارقة وأَيُّ قانون؟
- أسئلة الثقافة والسلطة: اختلاط الزيت بالماء
- ثروات العراق: عقود ملتبسة ومستقبل غامض!!
- إرهابيون أشرار وإرهابيون أخيار!
- في وداع عبد الرحمن النعيمي : حين يجتمع العقل والحكمة والصدق
- الدبلوماسية العالمية: مفارقات وحيرة
- ليبيا: احتلال بالتعاقد أم الأمن الناعم؟
- مصر التي في خاطري
- البوعزيزي وسيدي بوزيد وبحر الزيتون
- التزوير «القانوني» وكاتم الصوت العراقي
- ما بعد كركوك.. هل جنوب السودان نموذج؟!
- صالح جبر وسعد صالح : التاريخ وصداقة الأضداد
- دولة فلسطين واعتراف الأمم المتحدة
- الربيع العربي واستنساخ التجارب!
- القوى المخلوعة والمحافظة تهدد الثورة .. وحذار من التصدع!
- في نظرية التفكيك العراقية!
- سياسيون بلا سياسة في العراق!


المزيد.....




- بتدوينة عن حال العالم العربي.. رغد صدام حسين: رؤية والدي سبق ...
- وزير الخارجية السعودي: الجهود الدولية لوقف إطلاق النار في غز ...
- صواريخ صدام ومسيرات إيران: ما الفرق بين هجمات 1991 و2024 ضد ...
- وزير الطاقة الإسرائيلي من دبي: أثبتت أحداث الأسابيع الماضية ...
- -بعضها مخيف للغاية-.. مسؤول أمريكي: أي تطور جديد بين إسرائيل ...
- السفارة الروسية في باريس: لم نتلق دعوة لحضور الاحتفال بذكرى ...
- أردوغان يحمل نتنياهو المسؤولية عن تصعيد التوتر في الشرق الأو ...
- سلطنة عمان.. مشاهد تحبس الأنفاس لإنقاذ عالقين وسط السيول وار ...
- -سي إن إن-: الولايات المتحدة قد تختلف مع إسرائيل إذا قررت ال ...
- مجلة -نيوزويك- تكشف عن مصير المحتمل لـ-عاصمة أوكرانيا الثاني ...


المزيد.....

- النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف ... / زهير الخويلدي
- قضايا جيوستراتيجية / مرزوق الحلالي
- ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال ... / حسين عجيب
- الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر ) / حسين عجيب
- التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي ... / محمود الصباغ
- هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل / حسين عجيب
- الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر / أيمن زهري
- المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع / عادل عبدالله
- الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية / زهير الخويلدي
- ما المقصود بفلسفة الذهن؟ / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - عبد الحسين شعبان - الحق في الماء