أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ريمون نجيب شكُّوري - إلتواءاتٌ لغويةٌ في النصوص الدينية















المزيد.....


إلتواءاتٌ لغويةٌ في النصوص الدينية


ريمون نجيب شكُّوري

الحوار المتمدن-العدد: 3511 - 2011 / 10 / 9 - 19:46
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


آراءٌ وأفكـارٌ
2

إلتواءاتٌ لغـويةٌ في النصوصِ الدينيةِ

إن الكتبَ الدينيةَ "المقدسةَ" وما يدورُ حولَها مـن كتبٍ أُخـرى ملآى بِإلتواءاتٍ لغويةٍ وشطحاتٍ فكـريةٍ تقلبُ معانيَها ومضامينَها وربما تجعلُها متناقضةً حتى مع تعاليمِ الديـنِ الذي تدعو اليه أوغيـرمنسجمةٍ معه أو تـتنافـرُ مع أديان أُخـرى مما يضطـرُ بعضُ المؤمنيـن بأن يدلوَ بِدِلائهم كي يبـرروا ما جاءت بِـكتبِهم "المقدسة" مـن تناقضات. وفي أغلبَ الحالاتِ يـزيدُ أولئك المفسرون الأُمورَغموضاً بعد لفٍ ودوران.
تهدفُ هذه المقالةُ الى إعطاءِ جملةٍ مـن إمثلةٍ مـن الأديان المسماةِ التوحيدية *1* تُعــززُ مقولتَـنا أعلاه.
لعـلَ خيـرَ ما نستهـلُ به المقالةَ مثالٌ مـن الديـنِ الإسلامي: َ
" صلى الله على محمدٍ وسلَّـم……" عبارةٌ يكتبُـها ويُرددُها المسلمون بتلك الكثـرةِ بحيث تَوجَبَ إختصارها الى " صلعم ".
لستُ أدري هـل فكَّـر المـرددون لها بتناقضاتِها مع ما هم مؤمنيـن به. إذ يقول القـرآن إن اللهَ نورُ السمواتِ والأرض. كيف يصلي نورُ السموات والأرض؟ أيـركعُ متعبداً ؟ أم يسجدُ خاشعا ً ؟ ولِمـنْ يصلي ؟ أيوجدُ إلاهٌ أعظم منه؟ هنا يأتي دَوْرُ المفسـريـن. فيعملون على لويِ المعنى الأصلي لِـكلمةِ "يصلي" مدعيـيـن أن المقصودَ بِالصلاةِ في العبارة هو البـركةُ وليس العبادة. إذا صحَّ هذا التفسيـر فلماذا إذن اللف والدوران؟ ألم يكـنْ الأجدرَ بِـهم أن يـرددوا منذ البدايةِ قائليـن " باركَ اللهُ محمداً" ؟ حسـناً. كيـف سـلَّـمَ اللهُ عـلى مـحمدٍ ؟ هــل صافـحَه ؟ أم حيّاه بِـقولِه "هلو محمد" أم " هاي محمد" ؟.
تعكسُ هذه التخبطاتُ اللفظيةُ والفكـريةُ لأولئك الذيـن صاغوا تلك العباراتِِ وأمثالَها تذبذبَ تصوراتِهم عـن الله. فتارةً يقولون عنه إنه نورُ السمواتِ والأرض وتارةً يتصورونه كإمبـراطورٍ "يستوي على العـرشِ" ــ كما يصـرِّحُ القـرآن ــ ويُسلم على رعاياه في بعضِ الأحيان.
يعتقدُ كثيـرٌ مـن المسلميـن إعتقداً راسخاً أن القـرآنَ يحوي كـلَ المعـارفِ العـلميةِ، مـنها النـظــرياتُ الحديـثةُ في نـشأةِ الكَون. فيدَّعون أن لفظةَ " دخان " الواردةَ في الآيةِ الآتية: " ثم أستوى الى السماءِ وهي دُخانٌ فقال لها ولِلأرضِ إئتيا طَوعاً أو كُـرهاً قالتا أتينا طائعيـن" تشيـرُ الى ما يدورُ مـن نظـرياتٍ معاصـرةِ عـن نشأةِ الكونِ فيلوي المفسـرون الكلماتِ كعاداتِهم مُضْفيـن عليها معانٍ بعيدةً عـن معناها الأصلي كي تنسجمَ مع ما يـعتقدون به مـن إعجازِ القـرآن لِإحتوائه على كـلِ المكتشفات العلمية الحالية والمستقبلية. ويجـرؤون حتى على تبديـلِ التـركيبِ الكيميائي للدخان مدعيـنَ أنه غازات الهيدروجيـن والهيليوم وبلازما (وهي غازاتٌ مُتأيِنةٌ غيـرُ شفافة) التي كانت موجودةً فقط بُعيدَ نشأةِ الكون، عِلماً أنه لم تكـنْ تتوافـرُ آنذاك الغازاتُ المكَـوِّنةُ للدخان مثـلَ ثاني أوكسيد الـكـربون.
ومَـنْ يدري فقدْ يستمـرُ أولئك المفسـرون في تبـريـراتِهم العنيدةِ قائليـن إن البحوث َالمستقبليةَ سوف تُـثبتُ صحةَ آرائهم .
إذا كان مـن الممكـنِ تغيـيـرَ معنى أو أُسلوبَ إستعمالِ كلمةٍ مثلَ "الدخان" وهو رمادٌ كـربوني لتعنيَ غازاتٍ أساسيةٍ فيمكـنُنا أيضاً تغيـيـرَ أيَ كلمةٍ في أيِ كتابٍ كي نبـرهـنَ على أيِ نظـريةٍ نشاء.
مثالٌ آخـر:
" المسيحُ إبـن الله " عبارةٌ يـرددُّها المؤمنون المسيحيونَ لكنها تقع كالصاعقةِ على غيـرِ المسيحيـيـن مما يدفعُ التبـريـريـيـن والمفسـريـن بِالإسـراعِ الى الإدعاءِ بأن ليس المقصودُ بِها أن اللهَ قد تـزوجَ وأنجب المسيحَ إبناً له. فيقولون متخبطيـن إن الإنجابَ ليس هو المعنى الوحيدَ لكلمةِ "إبـن" إذ أن لها معانٍ مجازية كالقولِ مثلاً " إبـنَ دجلةَ والفـرات" أو " إبـنَ الصحـراء" أو " إبـنَ العشـريـن" أو " إبـنَ الشوارع" أوغيـرها مـن الإستعمالاتِ المجازية. هذا صحيح. غيـر أن مـن الواضحِ أن الإستعمالَ لِـكلمةِ " إبـن " في هذه الإمثلةِ مجازيٌ ولا يدعو الى أيِ إلتباس ولا غموض . لكـن السؤالَ المهمَ الذي على أولئك التبـريـريـيـن الإجابةُ عنه: ماذا يخدمُ إستعمالٌ مجازيٌ لِمفـردةٍ لغويةٍ مُـحمَّـلةٍ بِالدرجة الأُولى بِمفهومِ الإنجابِ وفي سياقِ الإنجابِ في حيـن أن الإنجابَ ليس مقصوداً بِها ؟ أهو عجـزٌ لغوي ؟ أم هو شطحةٌ فكـرية ؟ أم هو تشبهٌ بِآلهةِ السومـريـيـن والبابليـيـن والإغـريـق والـرومان الذيـن كانوا يتـزاوجون وينجبون ؟ أم هو حشـرٌ قسـريٌ لإحدى الغيبيات الثيولوجية المسيحية بأن لم يكـن للمسيحِ أبٌ بشـري؟
مثالٌ آخـر: ” السلام عليكِ يا …مـريـم والدة الله… “ صلاةٌ قصيـرةٌ مختصـرةٌ يُـرددُّها يومياً ملايـيـنٌ مـن البشـرِ منذ القـرنِ الثالثِ الميلادي وهم في غيبوبةٍ فكـريةٍ غيـرُ واعيـن على الأغلب بِأنها حُبـلى بِـمفاهـيمَ ثـيولوجيةِ تتناقضُ مع عقائدَ حتى الذيـن يقولون بها. إذ أنهاَ توحي بأنَ اللهَ ليس أزلياً بـل له بدايةٌ عـند ولادِتِه وهو رأيٌ يـرفضُه المـرددُّون أنفسُهم !! وتوحي كذلك أن مـريمَ موجودة ٌ قبـلَ وجودِ اللهِ وهو ما يـرفـضُه أيـضاً المـرددُّون لهـا أنـفسُهم.
كـيف إذن يُبرَرُ القبولُ بها ؟
تُـفسـرُ الـعبارة ” مـريـمُ والـدةُ اللهَ “ على أنها نتـيجـةُ إستـنـتاجٍ منـطقـيٍ مـن الـعـبارتيـن الآتـيـتـيـن: ” مـريم والدةُ المسيح “ و ” المسيحُ هو الله “ ( اللـتـيـن أرمـزُ اليهما في هذه المقالة للإختصارِ بالحـرفيـن A و B عـلى التـوالي). يـشكِّـلُ هـذا الإدعـاءُ مغالـطةً كـبـرى ويـشيـرُ الى سذاجةٍ فكـريةٍ لِمـنْ يدعيه. صحيحٌ، يمكـنُ بالإستـنتاجِ الـمنطقيِ الـحصولَ علـى عبارةٍ مثـلَ ” لـيلى والـدةُ الـملكِ “ مـن عـبارتيـن شبـيـهـتيـن شكلياً بِالعبارتيـنِ A و B: ” ليلى والدةُ حسـنْ “ و ” حسـنٌ هو الملكُ “ . يـستقيمُ هذا الإستـنتاجُ بـسببِ حقيقةِ وجـودِ والدةٍ للملك. لكـن لا يـستقيمُ إستـنتاجٌ مـناظـرٌ مـن العبارتيـن A و B لعدمِ وجودِ والدةٍ لـِ لله ( حسبَ ما هو مفهومٌ عـن اللِه عندَ المؤمنيـن بِوجودِه في كـلِ الأديان المعاصـرة ). وتؤدي محاولةُ إجـراءِ إستنتاجٍ صُوَريٍ مناظـرٍ ليس فقط الى خلـلٍ منطقيٍ. إنما أيضاً بسبب أن الـعـبارةَ الثـيولوجـية B لا تـنـالُ القـبـولَ الإجــماعيَ بِـصدقِها كنظيـرتِها ” حسـنٍ هو الملك “. إذ أنها مـن أهمِّ الأركانِ الـرئيسيةِ للإيمانِ المسيحيِ لكنها مـن ناحيةٍ أُخـرى تُعتبـرُ كفـراً لدى أديانَ وطوائفَ أُخـرى. وبـناءً عـلى هذا فإنَ إستنتاجَ العبارةِ ”مـريـم والدةُ الله “ مـن A و B ليس فقط فاسداً وغيـرَ مقبولٍ منطقياً إنما أيضاً أن العبارةَ الناتجةَ مـن الإستنتاجِ المـزعومِ تصعقُ المشاعـرَ وتستفـزُ الكـراهيةَ وتثيـرُ التخاصمَ مع معتنقي أديان أُخـرى وتبعثُ على إنشقاقاتٍ طائفية في الديـن المسيحي نفسه.
سؤال: ألا كان مـن الأجدر بواضعي هذه العبارةِ التعبيـرُ عـن المعتقـدِ الديني بإعتمادِ العبارتيـن الإثـنـتـيـن A و B بدلاً مـن إختـزالِهما بِعبارةٍ واحدةٍ إستفـزازيةٍ ؟ ربما يكون الجوابُ أنها صيغتْ خصيصاً للأستفـزازِ وربما أيضاً للإنسجامِ مع معتقداتِ قدامى السومريـيـن والبابليـين والـرومان والإغـريـق وبِآلهتهم الوثـنية.
دعنا نتناول مثالاً آخـر.
ينصُ قانونُ الإيمانِ المسيحي على أن المسيحَ ” صعدَ الى السماءِ وجلسَ عن يميـنِ اللهِ“.
مـن صفاتِ اللهِ في الأديان التوحيديةِ ومَــن يعتقدون بِـوجودِه أنه خالقُ الكونِ وجميعِ ما فيه وهو موجود ٌ منذُ الأزلِ في كـلِ مكان.
تنمٌّ مفـرداتُ النصِ المذكورِعلى إلتواءاتٍ لغويةٍ وتخبطاتٍ فكـريةٍ تجعلُه غيـرَ منسجمٍ حتى مع كثيـرٍ مـن معتقداتِ الديـنِ المسيحيِ نفسِه. وفيما يأتي بعضٌ منها:.
* إذا كانَ اللهُ موجوداً في كـلِ مكانٍ فلماذا قيـلَ ” صعدَ “ ولماذا لم تُستعمـلْ كلمةٌ أُخـرى أكثـر إنسجاماً مع الوجودِ الكلي لله كالكلمة ” إلْتَحَـمَ بـِ الله “ مثلاً ؟
* الصعودُ طبعا الى الأعلى في بقعةٍ صغيـرةٍ مـن الكـرةِ الأرضِيةِ لكـن أيـن يقعُ أعلاها وأيـن يقعُ أسفلُها ؟
* هل السماءُ هي المأوى لـِ اللهِ ؟
* هـل الجلوسُ مـن صفاتِ اللهِ ؟ هـلْ هو جسمٌ مادي يأخذُ حيـزاً محددَّاً في الفـضاءٍ وله يميـنٌ وشمال وله كرسيٌّ أوعـرشٌ يجلسُ عليه ؟
* إذا كانَ المسيحُ هو اللُه ــ كما يَـعتقدُ المؤمنونَ بالمسيحيةِ ــ أيـُعقـلُ صعودُ اللهِ الى نفسِه وجلوسُه الى يميـنِ نفسِه ؟.
إضافة الى ما سبـق فقد قيـل لنا أن أرواحَ الخيِّـريـن مـن البشـرِ ستذهبُ بعد وفاتهم الى السماءِ أو الجنة . لكـن يبدو الآن أن الجنةَلا تحوي الأرواحَ فحسب إنما هي آهلةٌ بِأجسامٍ جسدية. فقد صعدَ اليها المسيح جسمياً وإنتقلتْ والدتُه مـريم بجسمها مـن كوكبِ الأرض الى السماء ــ حسب إعتقادٍ رسمي حديثٍ نسبياً أعلنتْه الكنيسةُ الكاثوليكية سنة 1950 ــ وسبقها هناك النبي التوراتي إيـليا. وبِطبيعةِ الحال لا بُدَّ أن يسكـنَ الجنةَ عددٌ كبيـرٌ مـن الحورياتِ الباكـراتِ كي يستقبلـنَّ ويحتضـنَّ المجاهديـن والإنتحاريـيـن المسلميـن!!! ولهذا فقد غدتْ الجنةُ أو السماءُ ــ والحالةُ هذه ــ مـركبةً فضائية تدورُ حولَ الأرضِ أو حول إحدى الكواكب!!
تعكسُ اللغةُ المستعملةُ فيما يبدو عوَزاً في الحنكةِ اللغويةِ والمنطقية والفلسفيةِ عندَ الذيـن صاغـوا قانونَ الإيمانِ المسيحي مما جعلَهم عاجـزيـنَ عـن تصوّرِِ الله إلا كمَلِكٍ أو كإمبـراطورٍ جالسٍ على عـرشٍ في مكانٍ ناءٍ وعالٍ يصعبُ الوصول اليه إلا بصعودٍ مضـنٍ *2* وهو تصوّر مناقضٌ للمفهوم الثيولوجي لله.
وما دُمنا في موضوع قانون الإيمان المسيحي أودُّ تناولَ موضوعٍ وردَ في كتابٍ للتعليم المسيحي مـن تأليفِ أحدِ الكهنةِ المسيحييـن (الذي مـن المفـروضِ أن يكونَ ملماً بأُصولِ دينِه). يقول فيه عـن قيامةِ المسيح مـن الموت: " إن اللهَ أقامَ المسيحَ مـن بيـن الأموات وبمـساعدةِ روحُ القدس". إن هذا الإدعاءَ إلتواءٌ فكـريٌ يتعارضُ تعارضاًصارخاً مع قانونِ الإيمانِ المسيحي الذي ينصُّ بصـراحةٍ واضحةٍ أن المسيحَ قـــام (نقطة). أي أنه قامَ بنفسِه دون أيِ مساعدة. ولذا تُعتبـر القيامةُ ــ وفـقَ رأيِ المؤمنيـن المسيحيـيـن ــ المعجـزةَ القصوى والبـرهانَ الساطعَ على آلوهية المسيح. لا اودُّ في هذا الصددِ تناولَ موضوع َمصداقيةِ القيامةِ أم عدمِها (ربما آتـركُ هذا الموضوعَ الى مقالةٍ قادمة) إنما أُريدُ فقط أن أُبيّـنََ ضحالةَ إلمامِ ذلك الكاهـنِ بدينه المُـؤسـسِ أصلاً على قيامةِ المسيحِ بنفسِه. ولعـلَ الكاهـنُ كان يتصورُ وكأن اللهَ وروحَ القدس أتيا بـرافعةٍ لنجدةِ المسيح كي يقيماه مـن موتِه، إذا صحَّ هذا التصورُ فلـن تكونَ هنالك معجـزةٌ قامَ بها المسيح. إذ أن اللهَ يستطيعُ إن شاءَ (وفقَ ما يعتقدُ المؤمنون بوجودِه وبقدرتِه على كـلِ شيء ) أن يقيمَ مـن الموتِ ذلك الكاهـنَ بعد عمـرٍ طويـل، ويستطيعُ أيضاً أن يقيمَ حتى أسامةَ بـن لادن مـن الأمواتِ لكنه قد يحتاجُ الى غوَّاصةٍ يأتي بها روحُ القدس !!!!

أمثلةٌ من العهدِ القديمِ :
المفـروضُ أن اللهَ( لِمَـنْ يؤمـنُ بوجوده) مسالمٌ ، عادلٌ ، محبٌ ، غفورٌ ، رحيمٌ ،عليمٌ . إلا أن أساطيـرَ العهدِ القديمِ تُصَوِرُهُ في أكثـرَ مـن مئةٍ وخمسيـنَ موقعٍ ككائـنٍ مختلفٍ تماماً ذي صفاتٍ ذميمةٍ وكـريهةٍ مـن أمثال ماكـرٍ وساديٍ ومـراهـنٍ وقاسٍ.
لِـنضربَ قليلاً من الأمثلة:
سمحَ اللهُ للحيةِ بخداعِ آدمَ وحواءَ ليأكـلا مـن ” شجـرةِ معـرفةِ الخيـرِ والشـرِ“. فطـردَهما اللهُ مـن الجنةِ شـرَّ طـردةٍ وحـرمَهما ومعهما الجنسُ البشـريُ بأجمعِه مـن الخلودِ وجعـلَ معصيتَهما خطيئةً يتوارثـُها جمـيعُ الـبشـرِ (باستـثناءِ مـريـم والـدةَ الـمسيحِ حـسبَ ما يعتقدُ الكاثوليك المعاصـرون ) ولعـلَ اللهُ أدخـلَ المعصيةَ كجـزيءٍ في ال DNA البشـري !!!.
كيف مـن الممكـنِ أن يكونَ اللهُ عادلاً وهو يعاقبُ أحفادَ آدمَ لجـريمةٍ لم يـرتكبوها ولا لِذنْبٍ إقتـرفوه ؟ هنا يدلو التبـريـريـون بِدلائِهم مفسـريـن بمثالٍ ساذج قائليـن إذا ما عصى إبـنٌ والدَه فيُحـرمُ ليس فقط الإبـنُ لوحدِه مـن الميـراث إنما أيضاً جميعُ المنحدريـن منه. سؤالٌ مُـوَّجه الى أولئك المفسـريـن التبسيطيـيـن: مَـنْ يقتدي بِـمَـن ؟ الله بالبشـر ؟ أم البشـرُ بـِ الله ؟!!
ويقولُ العهدُ القديم مضيفاً إن اللهَ منعَ إستعادةَ آدم وحواء الحياةَ الأبديةَ بـوضعِه حـراسـةً حـولَ ” شـجـرةِ الـحياةِ الأبـديـةِ “. سـؤالٌ: ألـمْ يـكـنْ فـي مـقدرةِ اللهِ ( وهو مـن المفـروضِ إمتلاكَه القدرة على كـلِِ شيءٍ والعليمُ بالماضي والمستقبـل ) وضْعَ حـراسةٍ مماثلةٍ منذ البدايةِ حولَ تلك الشجـرة. إذ لو فعـلَ لمئعَ سقوطَ الإنسانِ وضـرورةَ الخلاصِ وصلـْبَ يسوع المسيح والى آخـرِ ما هنالك مـن أمورٍ. لكنه لم يفعـلْ. لماذا أغَفِـلَ ذلك ؟ أهو نسيان ؟ أم هو مكـرٌ ؟ ألـيس ــ كـما يُـوصفُ اللهُ فـي الـقـرآنِ ــ بأنه أمكـرَ الماكـريـن !!!. ( أو بالأصحَ كما يُـدَّعى في القـرآنِ أنه يصفُ نفسَه !!!).
ليس اللهُ ــ كما يظهـرفي العهد القديم ــ ماكـراً فقط إنما أيضاًمـراهـناً ومع مَـنْ ؟ مع الشيطان !!
أيُعقـلُ أن اللَه بعظمتِـهِ يجالسُ الشيطانَ اللعيـن ويتـراهـنُ معه حولَ إنسانٍ معيـنٍ إسمُـه أيوب ويتـركُ اللهُ للشيطان اليدَ الطولى لإيذاءِ أيوب ؟
يبدأُ سفـرُ أيوب في العهدِ القديمِ بوصفِ أيوبَ بأنه إنسانٌ كامـلٌ ومستقيمٌ ومتـقٍ وثـريٌ ووجيهٌ يساعدُ الفقـراءَ. وفي ذاتَ يومٍ (وهنا أنقـلُ نصاً حرفياً مـن سَفـْـرِأيوب) :
" جـاءَ بـنو اللهِ لِـيَـمْـثِـلـوا أمامَ الـربِ وجاءَ الشيطانُ
أيضاً في وسطِـهم فـقـالَ الــربُ للشيطان من أيـن أتـيتَ
فـأجـابَ الــشيـطـانُ الــربَ وقــالَ مِـن الـجَـوَلانِ فـي
الأرضِ ومـن التَـمَشِي فيها. فقالَ الـربُ للشيطان هـلْ
جـعـلتَ لا تـمدَّ قـلـبكَ على عبـدي أيـوب لأن ليس مثـلُهُ
في الأرض رجـلٌ كامـلٌ ومستقيمٌ يتقي الله ويحـيـدُ عـن
الـشــرِ. فـأجـابَ الشيـطانُ الـربَ وقـالَ هـل مجاناً يتـقي
أيـوبُ اللهَ. ألـيسَ أنـكَ سَـيـَّـجْتَ حولَـه وحَـولَ بـيتِه
وحـول كــلِ مـا لـه مـن كــلِ نـاحـيةٍ بـاركتَ أعـمالَ يديهِ
فـانـتـشـرتْ مـواشـيـهِ فـي الأرضِ ولـكــن إبــسِـطْ يـدكَ
الآن ومَسّ كـلَ مـا لـه فإنـه بـوجهِـكَ مُجَـدِّفٌ عليكَ.
فقالَ الـربُ للشيطانِ ها أنا أجعـلُ كـلّ شيءٍ له في قبضةِ
يدِكَ ولكـن إليه لا تمدَّ يَدكَ. ثم خرجَ الشيطانُ من أمام
وجهِ الـرب."
(هنا ينتهي الإقتباس)
فتتابعتْ المصائبُ على أيوب. سُـرِقَتْ أبقارُهُ ومواشيهُ وجِمالُهُ ثم جاءتْ ريحٌ عاتيةٌ ضـربتْ البيتَ الذي كان فيه أبناؤهُ وبناتُه فسقط عليهم وقـُـتِلوا جميعاَ. جـنَّ جنونُ أيوب ومـزَّقَ ملابسَه لكنه بقى صامداَ إيمانياً ولم يجدِّفْ.
وعندَ مواجهةٍ ثانيةٍ للشيطان مع اللهِ مشابهةٍ للأُولى سمحَ الـربُ للشيطان على أثـرِها بإجـراءِ مـزيدٍ من التعذيبِ الشخصي والجسدي على المسكيـنِ أيوب. فأُصيبَ المسكيـنُ بشتى أنواع الأمـراض. لكنه بقى صابـراً ولم يكفـرْ باللِه وصمدَ الى الأخيـرِ على تقواه.
أيمكـنُ تصَوُرُ أن اللَه ( الذي من المفـروضِ فيه أن يكونَ محباً رؤوفاً متسامحاً حسبما يعتقـدُ المؤمنونَ بوجودِهِ) يُوعِـزَ الى الشيطان كي يلهوَ بإنسانٍ لهواً سادياً نتيجةَ رهانٍ ؟ !!!
وكيف يمكـنُ وَصْفَ ذلك الإله الذي يختبـرُ إيمانَ النبيِ إبـراهيم بأن يذبحَ إبنَه كي يقدمَهُ ذبيحةً للـرب.؟ وكيف يمكـن موافقةُ النبيِ إبـراهيم على الشـروعِ بالذبحِ ؟ هـل القساوةُ السادية الإجـراميةُ غيـرُ المنتهية سمةٌ مـن سماتِ اللِه وسماتِ النـبوةِ ؟
رُبَ قائـلٍ يدَّعي إن هذه أساطيـرٌ قديمةٌ وقد عفى عليها الـزمـنُ. صحيحٌ أنها أساطيـرٌ قديمة لكـن لم يعفِ عنها الـزمـنُ. فما زلـنا نـسمعُ صدىً مدوياً لهذه النـزعةِ في الصلاةِ الـربيةِ التي يـرددُها يومياً ملايـيـنٌ مـن المسيحيـيـن:
” أبانا الذي في … لا تدخلنا في التجـربة ... “
لماذا يميـلُ اللهُ الى إدخالِ البشـرِ في تجاربَ وإختباراتٍ وهو عليم بالمستقبـل ؟ هـل فقدَ قابليتَه بمعـرفةِ المستقبـل؟ أم أنه لا يـزال يـراهـنُ الشيطانَ ؟ تُذَكَّـرُني هذه الصلاة بقصةِ زوجةٍ تـريد إختبارَ مدى إخلاصِ زوجِها لها فإستأجـرتْ حسناواتٍ لِيغازلـنَه ويغـريـنَه. أعتقد أنه بِالـرغم مـن أن عمـلَ هذه الـزوجة مقيتٌ إلا أنه أفضـلَ مـن إدخال البشـرِ في تجارب، فهي ليستْ عليمةً بالمستقبـلِ كما يُدْعى أن اللهَ عليم به.
ويحاولُ التفسيـريون التبـريـر بأن اللهَ منحَ الإنسانَ حـريةَ الإختيار بيـن الخيـرِ والشـر. وبناءً عليه يُـحاسبُ المـرءُ على أفعاله. وهنا يقعُ المؤمنون التفسيـريون بمطبٍ منطقيٍ فلسفي. إذ لا يمكنُهم إمتلاكَ الدربِ بإتجاهيه. إما أن يكونَ الإنسانُ حـراً والله ليس بعليمٍ وإما أن يكونَ اللهُ عليماً والإنسان ليس بِـحُـرٍ.
ويـروي سفـرُ التكويـنِ في العهدِ القديمِ أن اللهَ غضبَ على البشـرِ بسببِ شـرورِهم وقـررَ أن يصـلحَ الأوضاعَ ( التي مـن المفـروضِ أن يُحاسبَ مَنْ أوجدَها وخلقَها وهو اللهُ نفسه). وكان قـرارُهُ حازماً بإبادةِ جميعِ الحياةِ على وجهِ كوكبِ الأرضِ مـن البشـرِ والحيواناتِ والنباتاتِ بإستثناءِ عائلةِ نوحٍ وأزواجَ مـن الحيواناتِ بطوفانٍ هائـلٍ شامـلٍ. وبهذا إستحقَ اللهُ نيْـلَ لقبِ أعظمَ مبيدٍ للحياة إذ لم يـرأفْ لا بجنيـنٍ ولا بطفـلٍ ولا بحيوانٍ ولا بنبات!!!!
ويـروي سفـرُ التكويـن أيضاً قـرارَ اللهِ إبادةَ جميعِ مَنْ يسكـنُ مدينتي سدوم وعمورة بإستثناءِ لُوطٍ وعائلته لأن بعضَ سكانِ تلك المدينتيـن كانوا يمارسونَ الإنحـراف الجنسي. فأمـرَ اللهُ لوطَ وعائلته بالهـربِ مـنها. وفي أثناءِ هـروبِهم حانتْ إلتفاتةٌ مـن زوجةِ لُوط الى الوراءِ نحو المديـنتيـن المدمـرتيـن فحوَّلَها اللهُ بـِ"رحمتِه الواسعةِ وغيـرِ المنتهيةِ" حالًا الى عمودٍ من الملحِ !!!.
طبعاً هذه أساطيـرٌ قديمة. لكـن لها وقعٌ على سلوكِ وأفكار معاصـرينا المؤمنيـن فَهُم يقتدونَ بها في تفسـيـرِهمَ أحداثَ زمانِنا في القـرنِ الحادي والعشـريـن. على سبيـلِ المثالِ أُصيبتْ المدينةُ الجميلةُ نيو أورلينـزالإمـريكية بكارثةٍ فيضانيةٍ سنة َ 2005 سبَّـبَها الإعصارُ المسمى كاتـرينا. طلعَ علينا القسُ پات روبـرتسون المـرشحُ الـرئاسي السابقُ
للولايات المتحدة الأمريكية والمشهورُ جيداً بعظاتِه الإنجيـلـيةِ التلفـزيونيةِ قائلاً إنه يعـزو سببَ الإعصارِ الى أن ممثلةً معـروفةً بانحرافِها الجنسيِ كانتْ تعيشُ في مدينةِ نيوأورلينـز فجاء عقاب الله "العادل" على المدينة بكاملها!!!!
العقابُ الجماعيُ الذي مارسَه اللهُ في كثيـرٍ مـن المواقفِ الواردةِ في العهدِ القديمِ ما زالَ يَقـتـدي به الحكامُ المستبدونَ في دولِ الشـرقِ الأوسطَ ودولٍ أُخـرى عند عقابِهم الشامـلِ لمدنِ معارضي حكمِهم. كيف لا ؟ وهو إقتداءً بِاللهِ "العادلِ الرؤوفِ المتسامح" !!!.










*1*صفةُ التوحيد ينبغي أن تُـمطَّ مطَّآ شديداً كي تشملَ المسيحيةَ تحت مظلتها وهي إذن إحدى الشطحات والإلتواءات اللغوية والفكـرية.
*2*كما صعدَ محمدٌ في إسـرائهِ ومعـراجِه.



#ريمون_نجيب_شكُّوري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ضرورة إعتماد الموضوعية عند الإنتقادات الدينية


المزيد.....




- المقاومة الإسلامية في العراق تعلن استهداف قاعدة -عوفدا- الجو ...
- معرض روسي مصري في دار الإفتاء المصرية
- -مستمرون في عملياتنا-.. -المقاومة الإسلامية في العراق- تعلن ...
- تونس: إلغاء الاحتفال السنوي لليهود في جربة بسبب الحرب في غزة ...
- اليهود الإيرانيون في إسرائيل.. مشاعر مختلطة وسط التوتر
- تونس تلغي الاحتفال السنوي لليهود لهذا العام
- تونس: إلغاء الاحتفالات اليهودية بجزيرة جربة بسبب الحرب على غ ...
- المسلمون.. الغائب الأكبر في الانتخابات الهندية
- نزل قناة mbc3 الجديدة 2024 على النايل سات وعرب سات واستمتع ب ...
- “محتوى إسلامي هادف لأطفالك” إليكم تردد قنوات الأطفال الإسلام ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ريمون نجيب شكُّوري - إلتواءاتٌ لغويةٌ في النصوص الدينية