|
بين الكتاب والشاشة
رياض خليل
الحوار المتمدن-العدد: 3509 - 2011 / 10 / 7 - 09:41
المحور:
الادب والفن
مقال الصفحة الأخيرة لمجلة " فنون " السورية ، الصادرة عن الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون ، العدد (212 ) تاريخ 11/9/1995 يعيش عالمنا اليوم ثورة عاصفة في شتى ميادين الحياة الاجتماعية والإنسانية . كل شيء يتغير ويتطور . تتراجع أشكال وصور ، وتتقدم أخرى بوتائر متسارعة . ينعكس التغير في هذا الجانب على بقية الجوانب . والعكس صحيح . وعلى سبيل المثال .ز كانت الكلمة المقروءة والمسموعة قبل عصر التلفزيون تعتبر وسيلة ا لتواصل الحضاري الأكثر فاعلية وتأثيرا وشيوعا في المجتمع ، بالتالي كان للكتاب دور أكبر . وحظ أوفر في الانتشار والتداول لدى الجمهور ، ولاسيما الكتاب الأدبي .. من شعر وقصة ورواية . ولم يكن التمثيل المسرحي لينافسها إلا بشكل محدود . وكان يمكن أو يكفي أن نقرأ النص المسرحي ، لنعيش جو تجسيده على الخشبة إلى هذا الحد أو ذاك . أما وقد ظهر التلفاز . . فقد تعدلت وظيفة ا لنص الأدبي .. وطرأت عليها تغيرات نسبية . فتراجع دورها من حيث هي مادة للقراءة . وتقدم دورها من حيث هي مادة للتطبيق والتجسيد التلفزيوني . فانشغل الناس بالدور الجديد . بمختلف مستوياتهم الثقافية . واستمرؤوا عملية المشاهدة ، التي تقدم لك عملا أدبيا ضخما ومكثفا ومجسما خلال فترات قياسية ، محققا المتعة والفائدة ، وموفرا علينا التركيز والجهد الذهني – التخييلي . وهذا ينطبق حتى على البرامج الثقافية والإخبارية والرياضية والعلمية . لقد أصبح التلفزيون وسيلة تعليم وتثقيف وإعلام وترفيه ، بل وأداة لممارسة ألعاب الكمبيوتر , ومختلف الاستخدامات الحاسوبية ، وجهازا لعروض ال" فيديو" ، وغير ذلك من الاستخدامات المتزايدة ، التي تطنب الصحف وأجهزة الإعلام والإعلان بالحديث عن تفصيلاتها المذهلة . في أمريكا أصبح التلفاز وسيلة اتصال وإدارة ، ومخزنا للمعلومات والمواد الفنية .. الخ تلك هي ثورة الاتصالات والثورة الإعلامية التي تجتاح عصرنا بقوة متزايدة ومتسارعة . حيال كل هذا التقدم والتطور لدور جهاز التلفزيون . كان لابد من التكيف الثقافي مع ضروراته وشروطه . وبالفعل ظهرت وتظهر فئات من الكتاب الذين كرسوا .. واختاروا اتجاه الكتابة للتلفزيون على تنوعها وغناها .. وقد تشكلت تلك الفئات من مصدرين : الأول : الأدباء والكتاب . والثاني : من أناس لاعلاقة لهم بالكتابة والأدب خارج الشاشة التلفزيونية . وخصوصا الكتابة بالفصحى . وباعتبار أن الكتابة للتلفزيون مجزية ، وبالتالي مغرية ، فقد اجتذبت إليها الأنظار ، وبرزت المحاولات الساعية لدخول ذلك الفردوس الجديد ، ضمن مناخ من التنافس والصراع والمزاجية . لقد وجد الفن لنفسه مساحة كبيرة وهامة على الشاشة التلفزيونية ، لكن ملكية هذه المساحة لاتتوزع بشكل عادل على الفنانين . حيث نجد أن الحصة الأكبر هي لقسم منهم ، ونجد فئة لايطالها شيء يذكر من هذه المساحة . الممثل .. المطرب .. والراقصة مثلا يحتلون حيزا هائلا .. ويشكلون حضورا تلفزيونيا كبيرا إذا قورنوا بزملاء لهم يقفون وراء عملهم ، أو ينشطون في مجالات فنية مختلفة . فالمؤلف للأغنية ، والتمثيلية ، ومصمم الرقصة ، قلما يجري ذكرهم والحديث عنهم وتقديمهم للجمهور كما ينبغي . أما أكثر الغائبين تلفزيونيا فهم الأدباء ، هنالك برامج لكك شرائح المجتمع : رياضة ، شبيبة ، عمال ، فلاحين ، حرفيين ، مهنيين ، الخ .. أما الأدباء من شعراء وروائيين ومن في حكمهم ، فليس لهم مايستحقونه من حصة تلفزيونية ، ويظلون مجرد مشاهدين ومتفرجين ، أما البرامج الثقافية .. فإنها لاتفي بالغرض ، ولاتغطي النشاط الفعلي ، إلا في الجزء اليسير والإخباري منه . الكاتب " قاص وشاعر وروائي ، يسعى لطبع ونشر عمله ، ولو استطاع ، فإنه قد يطبع ألفا أو ألفين أو حتى خمسة آلاف نسخة من عمله الأدبي ، هذا يعني أن الرقم المذكور أو حتى ضعفه هو الحد الأقصى لانتشاره بين القراء ، وهذا حلم نادر في عصر التلفزيون . هكذا لاتتحقق شهرة الكاتب في مجتمع يعد بالملايين من خلال نشر كتبه ، هذا إن اقتناها الناس ، واطلعوا عليها . ماذا يفعل التلفزيون للكاتب ؟ ماذا يقدم له؟ باعتباره يصنف ضمن فئة الفنانين المبدعين ، وباعتباره صاحب الحد الأدنى من النشاط الإعلاني والدعائي والإعلامي ؟ أليس من حق الأديب على أجهزة الإعلام ومؤسساته أن تمنحه حيزا على الشاشة التلفزيونية ؟ ليطل من خلالها على الجمهور العريض ؟ كي تتاح لهذا الأخير فرصة الانتشار والتعرف عليه وعلى نتاجه الإبداعي ؟ هذا مع العلم أن عدد الأدباء يعد بالعشرات ... لا بالمئات ، سواء ممن هم أعضاء أو غير أعضاء في اتحاد الكتاب العرب . مثلا جمعيتا القصة والشعر تضمان نحو المائتين من الأدباء ، أفلا يمكن توفير فرصة تلفزيونية لهؤلاء لبضع دقائق ؟ يجري من خلالها التعريف بالأديب وأعماله وحياته وهمومه ؟ إن عملا كهذا سيهيئ له الشهرة والانتشار لأعماله وسمعته ، لأن الخبر المرئي له وقعه ونفوذه في نفوس المشاهدين ، وكم من الأدباء اشتهروا من خلال ظهورهم مرة أو أكثر في برنامج تلفزيوني . وكم من الناس يعتبر الظهور على الشاشة مقياسا لإبداعية المبدع ، وشاعرية الشاعر ، وأهمية الكاتب ؟ وكم من الأدباء الذين لا يظهرون تلفزيونيا هم أقل شهرة ، ولكنهم أكثر إبداعية ممن أتيحت لهم مثل هذه الفرصة الذهبية !
#رياض_خليل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الأديب خيري عبد ربه يكتب عن رياض خليل
-
إشكالية العلاقة بين الأدب والشاشة الصغيرة
-
هل انتهت الحرب الباردة ؟
-
عن رياض خليل كتب : طلعت سقيرق
-
مقابلة مع رياض خليل
-
عن رياض خليل: قراءة تحليلية
-
بيانكا ماضية : في دراسة عن رياض خليل
-
الكاتب الأردني محمد المشايخ يكتب عن رياض خليل
-
النمرود : شعر
-
الفراشة: شعر
-
طفلة الشمس
-
القانون الاقتصادي العام
-
عن - الكرنفال- يكتب الشاعر فيصل خليل:
-
المحارب: شعر
-
النار: شعر
-
الوحش
-
الغريق: شعر
-
لن أختم القصيدة
-
رحلة إلى الجزيرة
-
البحر-:شعر
المزيد.....
-
وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما
...
-
تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
-
انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
-
الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح
...
-
في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
-
وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز
...
-
موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
-
فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
-
بنتُ السراب
-
مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا
...
المزيد.....
-
صغار لكن..
/ سليمان جبران
-
لا ميّةُ العراق
/ نزار ماضي
-
تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي
/ لمى محمد
-
علي السوري -الحب بالأزرق-
/ لمى محمد
-
صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ
...
/ عبد الحسين شعبان
-
غابة ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
اسبوع الآلام "عشر روايات قصار
/ محمود شاهين
-
أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي
/ بدري حسون فريد
-
أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية
/ علي ماجد شبو
المزيد.....
|