أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - جعفر المظفر - المشي مع السلاحف أم الركض كما الغزلان















المزيد.....

المشي مع السلاحف أم الركض كما الغزلان


جعفر المظفر

الحوار المتمدن-العدد: 3505 - 2011 / 10 / 3 - 20:38
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر
    



ما تزال الثقافات السياسية المتراكمة والموروثة تتحكم بالكثير من الرؤى بما يؤدي إلى تأسيس أحكام خاطئة ومواقف سياسية مرتبكة.. لقد وضعنا نظريات سياسية ربما كانت صائبة في وقتها, وكالعادة فلقد تعاملنا مع المكونات السياسية المتحركة لتلك النظريات كأفكار وقوانين تاريخية لا يجوز المساس بها, وحينما تغير العالم من حولنا, وجدنا أن أفكارنا السابقة صارت عالة علينا, لا لخلل فيها حينما تكونت, وإنما لقصور فينا حينما عجزنا عن تطويرها بما يتناغم مع التطورات, فلقد حولناها من متغير إلى ثابت, ومن مرحلي إلى تاريخي ومن سياسي إلى أيديولوجي ومن دنيوي إنساني إلى مقدس رباني.
في منتصف الستينات من القرن الماضي, حينما كانت الثقافة العراقية تعيش عصور ازدهارها عثرت على كراس صغير لا تتعدى صفحاته العشرات وظل بالفعل من بين أفضل ما قرأته حتى هذه اللحظة. وفي ذلك العقد الزمني والعقد الذي قبله كانت الاشتراكية الماركسية حققت انتشارا واسعا, ليس فقط على مستوى عدد أنظمتها السياسية التي انتشرت في نصف القارة الأوربية وامتدت لتشمل دولا في أمريكا اللاتينية وفي قارة أسيا, وإنما أيضا لأن الفكر الماركسي, على مستوى الثقافة والفكر والسياسة, كان انتشر أيضا في بقية بلدان المعمورة ليبشر بنهاية حتمية للفكر الرأسمالي وبانتصار قدري للحتمية الشيوعية حتى صارت الوطنيات المتفرقة نفسها تخضع إلى تزكيات خاصة من الحركة الشيوعية, كل في بلدها. وكان كل من لا يُطّعِم أفكاره السياسية بأفكار ماركسية عرضة لأن يتهم بموالاة الغرب, بحيث أن حزبا قوميا مثل حزب البعث كان تأسس على أفكار نقيضة للفكرة الشيوعية سرعان ما ألقى مرساته في بحر الماركسية لكي يبحر فيه مستهدفا تطعيم نظريته القومية بأفكار تكفل له القدرة على الصمود في بحر السياسة اليساري المتلاطم.
لقد ضم ذلك الكراس الصغير سؤالا كبيرا: إذا كانت الماركسية في جانبها السياسي قد تأسست على جملة من الحقائق الاقتصادية التي رافقت الثورة الصناعية والتي أسست بدورها لمتغيرات اجتماعية كان من أهمها نمو وتوسع طبقة العمال التي صار بأيديها مفاتيح الإنتاج بما منحها بالنتيجة الدور القيادي لحركة التاريخ, فما الذي سيحث لو أن المسيرة التاريخية التي لا تتوقف قد أنتجت متغيرات علمية وصناعية من شأنها أن تضيق إلى حد كبير من سعة تلك الطبقة ومن دورها أيضا ليضع مفاتيح الإنتاج في أيدي فئات أخرى .. ألا يؤدي ذلك إلى تراجع دورها القيادي وتراجع الدور السياسي للحزب الذي اعتمد تمثيلها.. ألا يبشر ذلك بتراجع خطير للماركسية نفسها ولأنظمتها وبما يعني أيضا سقوط الحتمية التي تبشر بها تلك الأحزاب كون العالم سائر لا محالة نحو الشيوعية.
كانت تلك التساؤلات, الصغيرة الجمل الكبيرة المعنى, مثار تعجبي قبل إعجابي.. فحتى نحن الذين لم نكن نحتفظ مع تلك النظرية بعلاقة ود وعملنا جهدنا من أجل مقاومتها وتأكيد فشلها في معالجة قضايا الأمة وفي
مقدمتها قضية الوحدة واخترنا طريقا آخر غيرها, حتى نحن لم نكن على استعداد لاستيعاب تلك الفكرة التي طرحها ذلك الكراس على الرغم من أنها كانت ستساعدنا آنذاك على الوقوف بصلابة ضد الفكر الشيوعي وتزودنا بحجج فكرية رصينة بدلا من الاكتفاء بالفتوى التي أكدت على أن الشيوعية كفر وإلحاد, فلقد كان صعبا علينا أن نتصور أن بإمكان ذلك أن يحدث وأن بإمكان العالم أن يتطور أكثر مما هو عليه.
في تلك الفترة.. لم يكن ممكنا قراءة الغيب لمعرفة أن هناك في الأفق ملامح ثورة تكنولوجية قادمة سيكون لها شأنا في تحقيق نبوءة ذلك الكراس الصغير. وحينما دخل الكمبيوتر وجاء لنا بالشبكة العنكبوتية وأخذ ينتج متغيراته بسرعة قياسية فقد صار واضحا أن ما تنبأ به ذلك الكراس لم يكن أحلام منجمين أو هرطقة منظرين, ففي خلال سنوات قليلة بدأ الإستغناء عن آلاف من العمال في شركات تصنيع السيارات في أمريكا واليابان وأوربا الغربية لكي يحل محلها الروبوت والآلات والوسائل التي اختصرت كثيرا الحاجة إلى الأيدي العاملة. وبذات الاتجاه لم يسلم معمل كبير أو صغير في مختلف المجالات الصناعية من هذا المتغير العاصف. لقد أدى ذلك ليس إلى تراجع كمي لطبقة العمال وإنما أيضا إلى تراجع خطير في دورها السياسي الذي كان تأسس بدوره على تراجع خطير في مفهوم قيادة العملية الإنتاجية ومن ثم إلى تقهقر كبير وسريع لكل ما يقر بقاء مفاهيم مثل دكتاتورية البروليتاريا وحتى مفهوم الحزب الطليعي.

ليس من الحق تفسير انهيار جدار برلين والعالم الذي خلفه وصولا إلى موسكو ذاتها من خلال هذا السبب وحده, فثمة أمور أخرى من الممكن بسهولة تعدادها هنا. لقد كانت هناك الحرب الباردة وسباق التسلح وغزو الفضاء الذي أرهق الميزانية السوفيتية وعطل برامجها المختلفة, وكان هناك على المستوى الاجتماعي غياب الحريات الفردية وقضايا الديمقراطية وتمكن أمراض السلطة على تطويع الحزب وتحويله إلى بيروقراطية معطلة ومنتفعة, إضافة إلى غير ذلك من العوامل المهمة التي دفعت بغورباتشوف إلى تنكيس راية لينين ذات المنجل والمطرقة لكي ترتفع محلها راية بل غيت المطرزة بالدوت كوم .
لكن ذلك لم يكن بإمكانه أن يختصر من عمر التجربة الماركسية إلى هذا الحد لو لم يتم التراجع على صعيد حجم ودور الطبقة العاملة الصناعية في الغرب لصالح عصر التقنيات والبرامجيات وثورة المواصلات بما أعطى العقل ريادة عملاقة على السواعد والأكتاف التي يتغنى بها الشيوعيون وأدى إلى وجوب إنزال الراية الشيوعية التي يطرزها شعار المنجل والمطرقة, أو على الأقل تبديل ذلك الشعار واستبداله بآخر يتناغم وتطورات العصر ويكون انعكاسا للأدوات والمناهج المتغلبة فيه.
إن انهيار جدار برلين كان قد تم لأنه لم يعد قادرا على أن يعزل ما بين العالمين بعد إن استطاعت ثورة المواصلات القفز من فوقه بسهولة وصولا إلى أبعد نقطة في موسكو, أما الجدار الحديدي فسرعان ما تحول إلى جدار من قش بعد أن داسته جيوش التطور التكنولوجي والمعلوماتي بأقدامها.
وفي السابق كان التطور يجري على طريقة السلحفاة, لذا لم يكن بالمقدور تلمس الفروق بين النظريات المتصارعة إلا بعد عهود طويلة وكان بإمكان الإمبراطوريات أن تعيش قرونا, لكن عصر الالكترونيات وثورة المواصلات وما رافقها من تغيرات أساسية على صعيد اقتصادي واجتماعي كان قد جعل ذلك يحدث بعقود قليلة لأن التطور صار يركض كما الغزلان بعد أن كان يمشي كما السلاحف.
إن تراجع وانهيار الفكر والأنظمة الشمولية يكمن أولا في غياب قدرتها على نقد ذاتها وعلى رفضها لرؤية العالم من خلال عيون متبصرة تكفل لها رؤية المتغيرات الجوهرية التي سرعان ما تفرز تأثيراتها الأساسية على الأشياء من حولها.
لقد مررنا بتجارب مثيلة. كان هناك الشيوعيون والقوميون والبعثيون وبقية التجارب الثورية بما فيها الانقلابات العسكرية. في البدء كانت المرحلة ذاتها قد سمحت أو استدعت تجارب على تلك الشاكلة.
وفي البدء, ربما كانت مبادئنا صحيحة وتصوراتنا منطقية وأفكارنا سليمة وأهدافنا متوازنة وكانت الظروف السياسية من حولنا هي المتغلبة بإتجاه تأسيس تلك الرؤى والأحزاب والأنظمة, أما الآن فإن العالم الذي صار يركض كالغزلان يدعونا لأن نركض معه, غير أننا لن نقدر على ذلك ما لم نترك أفكارنا القدرية ونتخلى عن نظام الحتميات وندخل في المنطقة الحرة حيث الديمقراطية فيها تعني حرية الإرادة والتفكير ونبذ المقدسات السياسية والفكرية والتخلي عن منهج التصنيم.
ويخطأ من يتصور أن جدار برلين كان حائطا على أرض وإنما كان حائطا في عقل, ومشكلتنا نحن العرب والعراقيين أن في عقولنا أكثر من جدار يحجب عنا الرؤى وأكثر من سور علينا أن نقفز من فوقه.
دون ذلك سنبقى نسير كما السلاحف في عالم يركض من حولنا كالغزال لذلك سوف لا ننال من الغزال إلا ما يفضل من خلفه.



#جعفر_المظفر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حسن العلوي والدولة الكردية.. بين قوة الضعف وضعف القوة
- النجفيان الدمشقيان.. الجواهري وجمال الدين
- الأتراك قادمون
- اغتيال المهدي.. حينما يكون الاتهام صحيحا وإن كان خطأ
- أنظمة بالية وخطاب سياسي مستهلك
- بين ليبيا العراق.. مقارنات بائسة
- إيران والعراق...التعويضات وأشياء أخرى
- لا تجعلوا كراهية صدام مفتوحة وبدون شروط
- الفساد في محاربة الفساد
- الهجمة العنصرية الأوروبية.. المهاجرون سبب أم ضحية
- إشكالية التقليد ودولة الفقيه لدى الشيعة الإمامية
- جريمة النرويج.. وإن للحضارة ضحاياها أيضا
- الرابع عشر من تموز.. من بدأ الصراع, الشيوعيون أم البعثيون ؟
- الإسلام السياسي وصراع الحضارات
- تصريح النجيفي.. تهديد أم تحذير
- نوري السعيد.. جدلية القاتل والمقتول
- ثورة الرابع عشر من تموز والعهد الملكي... قراءات خاطئة
- بين أن تكون ديمقراطيا أو أن تكون مالكيا
- حديث حول الطائفية
- النجيفي وأصحاب المناشير الأبرار


المزيد.....




- أحمد الطيبي: حياة الأسير مروان البرغوثي في خطر..(فيديو)
- خلل -كارثي- في بنك تجاري سمح للعملاء بسحب ملايين الدولارات ع ...
- الزعيم الكوري الشمالي يشرف على مناورات مدفعية بالتزامن مع زي ...
- الاحتلال يقتحم مناطق في نابلس والخليل وقلقيلية وبيت لحم
- مقتل 20 فلسطينيا في غارات إسرائيلية على غزة
- بالصور: زعيم كوريا الشمالية يشرف على مناورات -سلاح الإبادة- ...
- ترامب يفشل في إيداع سند كفالة بـ464 مليون دولار في قضية تضخي ...
- سوريا: هجوم إسرائيلي جوي على نقاط عسكرية بريف دمشق
- الجيش الأميركي يعلن تدمير صواريخ ومسيرات تابعة للحوثيين
- مسلسل يثير غضب الشارع الكويتي.. وبيان رسمي من وزارة الإعلام ...


المزيد.....

- النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف ... / زهير الخويلدي
- قضايا جيوستراتيجية / مرزوق الحلالي
- ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال ... / حسين عجيب
- الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر ) / حسين عجيب
- التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي ... / محمود الصباغ
- هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل / حسين عجيب
- الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر / أيمن زهري
- المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع / عادل عبدالله
- الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية / زهير الخويلدي
- ما المقصود بفلسفة الذهن؟ / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - جعفر المظفر - المشي مع السلاحف أم الركض كما الغزلان