أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالله بعنو - السلطان ذو الذراع الواحدة !! (قصة قصيرة)















المزيد.....

السلطان ذو الذراع الواحدة !! (قصة قصيرة)


عبدالله بعنو

الحوار المتمدن-العدد: 3504 - 2011 / 10 / 2 - 20:06
المحور: الادب والفن
    



في المدة الأخيرة، شعر السلطان أن الموت يزحف نحوه، فزميله المرض فعل في الجسد ما فعل، و هو الآن يفسح المجال رويدا رويدا لعدو السلطان الأول و الأخير:الموت. نعم, الأعمار بيد الله؛ لكن إحساسا قويا جعله شبه متأكد أن لم يعد بينه و بين أجله سوى سنوات قليلة، إن لم يكن شهورا.
يدخل السلطان غرفة النوم. ما إن يستلق على فراشه حتى تداهمه الهواجس من كل صوب. يتقلب في الفراش، و ينهض ليجوب أنحاء الغرفة ذهابا و إيابا عل التعب ينال منه فينام. لكن، إن تعب الجسد، فالدماغ لا يتعب، بل يطرح الأسئلة تلو الأسئلة، و يعرض الصور تلو الصور! السؤال الذي يفوز بالنصيب الأكبر بين الأسئلة هو كيف سيلاقي ربه و الجرائم التي اقترفها في حق شعبه جاثمة على صدره؟ ظل السؤال يتردد في كل منطقة من دماغه، و في الأخير، يرسل على شكل موجات إلى القلب، ليوزع الرعشات على الجسد كله.
عندما تأكد السلطان أنه فعلا عاجز عن حل المعضلة التي باتت تؤرقه, ألهمه الله بعد أدائه لصلاة الفجر أن يأمر نفرا من حرسه بإحضار ثلاثة من أكبر فقهاء العاصمة علهم يجدون مخرجا لأزمته. انطلق الحرس كالسهم. طبعا عادوا و الفقهاء بين أيديهم. حين سأل الفقهاء عن سبب استدعاء السلطان لهم، لم يحصلوا على جواب. استعادوا كل ما أتوه من أقوال و أفعال في الأيام الأخيرة؛ خاصة أثناء خطبة الجمعة؛ كما تذكروا الأمكنة التي ارتادوها و الأشخاص الذين مروا بحياتهم علهم يعرفون التهم الموجهة إليهم، و التي ترتبت عليها دعوة السلطان لهم.
عم الصراخ البيوت ذلك اليوم. كان الأطفال يتشبثون بالجلابيب، أما النساء فذرفن دموعا كثيرة، و كثر العناق ووضعت القبل على كل بقعة من رؤوس الفقهاء الثلاثة كأن العائلات تودعهم الوداع الأخير!

لما وصل الفقهاء، وضعوا في غرف انفرادية تحت حراسة مشددة. جهز السلطان نفسه. ارتدى لباسا يليق بالمقابلة أوصى باقتنائه على التو، و وضع بين يديه سبحة اشتغل بتمرير حباتها بين أصابعه، و هو يتمتم دعاوى الاستغفار.
مثل الفقيه الأول بين يديه، و بعد طقوس التمجيد، قال السلطان دون مقدمات:
- كم حسنة تدخل الجنة؟
ارتبك الفقيه، فهو لم يعد نفسه لجدال فقهي ، استرجعت ذاكرته كل الأحكام الشرعية التي تتحدث عن الموضوع، لكنه خشي ألا يرضي أي منها السلطان، و فكر في رقم يميل إليه هذا الأخير و تتداوله القناة الرسمية التي لا يحلو للفقيه أن يشاهد غيرها. قال الفقيه وهو لا يزال تحت تأثير الاكتشاف:
- تدخل الجنة يا مولاي تسع و تسعين حسنة من المائة. هكذا تكون الموازين قد ثقلت فعلا!
كان لابد أن يصبغ كلامه بصبغة دينية ملمحا إلى أنه رجل دين وأن هذه الصفة و لو لوحدها يمكن أن تشفع له أمام ما يدور في خلد السلطان!
أعيد الفقيه إلى غرفته لينتظر!
رافق الحرس الفقيه الثاني إلى باب الغرفة. بعد التحية المعهودة، سئل الفقيه نفس السؤال، و أعطي مهلة خمس دقائق للتفكير. استغرب السؤال، و ذكره بتلك الأسئلة المصيرية في الأساطير القديمة و التي حكت منها جدته عددا غير يسير. هذا إذن لغز ينبغي التعامل معه بذكاء. أول ما توصل إليه الفقيه الثاني أن السؤال لا علاقة له بمجاله. هذه فرصته، و ربما الأخيرة، كي يتخلى قليلا عن جلده. ألم يحدثه صديق في الأيام القليلة الماضية عن أن رجال الدين يجب أن يهتموا أيضا بعلم السياسة، و حدثه عن شيء يسمونه هنا ديمقراطية وفي بلدان أخرى ديمغراطية و ديمكراسي، و أن هذه الديمقراطية غريب أمرها بحيث تمكنك من الحكم بصوت واحد، و ليذهب نصف المجتمع الثاني إلى الجحيم!!
استنتج من خلال تلك التجربة ومن حديث ذلك الصديق أن ما يهم السلطان هو الجنة، ومبدأ الديمقراطية هذا كفيل بأن يدخل السلطان و غير السلطان للجنة! أجاب الفقيه الثاني:
- حسنة واحدة بعد الخمسين يا سيدي تدخل الجنة. المهم أن تكون كفة الحسنات أثقل!
تسرب الخبر إلى الفقيه الثالث، ففكر بالأمر مليا بما تسمح له تلك اللحظات التي تفصله عن ملاقاة السلطان. جاء دوره، وفعل ما فعله الفقيهين في البداية، و في الأخير وضع راحة يده على مقدمة رأس السلطان و كأنه يبارك خطواته السالفة و القادمة. قبل أن يسأل السلطان، بادر الفقيه بسؤال آخر:
- كيف لفخامتكم أن تشكوا في وجوب دخولكم الجنة؟!
استغرب السلطان كيف استطاع الفقيه أن يقرأ أفكاره، لكن هذه البداية راقته إلى حد لن يسمح لنفسه أن تختبر كيف علم الفقيه ما يساوره من شكوك؛ فللفقهاء منطقهم، و هم لا يكتفون باستنطاق البشر، بل يستنطقون أيضا كائنات خيرة و أخرى شريرة، مرئية و غير مرئية!
واصل الفقيه حديثه قائلا:
- هل تصدر سيئات عن خليفة الله في أرضه ؟ بل حسنات في حسنات في حسنات!
هذا كلام جميل يثلج الصدر، لكن الجرائم التي تجثم على صدر السلطان تزن الجبال، و إذا فشل الفقيه في إقناعه بوجوب دخوله الجنة كما ادعى، سيلقى منه أشد العقاب!!
بلع السلطان ريقه قبل أن يقول:
- لقد أعجبني كلامك كثيرا، لكن سأخبرك بأمر لم أخبر به زميليك. فأنا لا أعرف رجل دولة لا في الشرق ولا في الغرب اقترف ما اقترفت من جرائم!
أراد الفقيه أن يقاطع السلطان، لكن هذا الأخير نهره بعنف قائلا:
- اصمت ولا تقاطعني ! قلت لا أظن أن رجل دولة اعتقل و سجن و عذب و قتل و استباح الأعراض كما فعلت. فقد اعتقلت آلاف المتمردين إلى أن قضوا في المعتقلات السرية و العلنية، و سجنت آلاف الجوعى و المساكين ولا زلت؛ و..
لم يتملك الفقيه نفسه فقاطع السلطان من جديد، لكن السلطان هذه المرة لم يمانع، بل إن المقاطعة جنبته الإفشاء بمزيد من الأسرار!
- هذه حسنات تغني سجلك الحافل يا مولاي، فاكتب أيها الملاك و اشهد أمام الخالق الجلال!
أحس السلطان و كأن صخرة أزيحت عن صدره. حاول أن يقاطع الفقيه، لكن هذا الأخير دخل في حالة هستيرية، ارتفع معها صوته و احمرت عيناه، و بدا الزبد يتطاير من فمه:
- سجل أيها الملاك الخير كيف يحمي مولانا الديار من الأشرار. اللهم هون على من كلفته بتدوين حسنات مولانا و يسر عمله! اللهم ف بوعدك و ادخله فسيح جناتك و من الملاك الجاثم على ذراعه الأيسر خلصه!
كانت الكلمات الأخيرة كافية لإزالة ما تبقى من كرب في نفس السلطان.
في مساء ذلك اليوم حكم على الفقيه الأول بالسجن مدى الحياة و أمر بقطع رأس الفقيه الثاني و بترقية الفقيه الثالث إلى مرتبة وزير الشؤون الدينية. و أصبح سيادة الوزير يصطحب سيده أينما رحل و ارتحل, كأنه ظله، إلى أن وافت السلطان المنية.
في ساعاته الأخيرة، أمر السلطان أكبر أطبائه أن يجري له عملية لبتر ذراعه اليسرى و الرمي بها إلى مقبرة ما أسماه "مقبرة الملائكة الأعداء". و قد تبعه في تلك العادة الحميدة الكثير من حاشيته و خاصة كبار أجهزته الأمنية.

من بين ما جاء في وصية السلطان ما يلي: "...... و أوصي من يتولى الحكم بعدي أن يبتر ذراعي الأيسر و يقذف بها إلى "مقبرة الملائكة الأعداء" و يأمر العامة و الخاصة بمطاردة و اعتقال الملاك على ذراع الحكام الأيسر و تسريحه لأنه وضع هناك خطأ!! "

أبو راوي



#عبدالله_بعنو (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فضيحة -أبي برية- : قصة قصيرة
- الممسوس
- استجابات بئيسة


المزيد.....




- الحبس 18 شهرا للمشرفة على الأسلحة في فيلم أليك بالدوين -راست ...
- من هي إيتيل عدنان التي يحتفل بها محرك البحث غوغل؟
- شاهد: فنانون أميركيون يرسمون لوحة في بوتشا الأوكرانية تخليدً ...
- حضور فلسطيني وسوداني في مهرجان أسوان لسينما المرأة
- مهرجان كان: اختيار الفيلم المصري -رفعت عيني للسماء- ضمن مساب ...
- -الوعد الصادق:-بين -المسرحية- والفيلم الأميركي الرديء
- لماذا يحب كثير من الألمان ثقافة الجسد الحر؟
- بينهم فنانة وابنة مليونير شهير.. تعرف على ضحايا هجوم سيدني ا ...
- تركيز أقل على أوروبا وانفتاح على أفريقيا.. رهان متحف -متروبو ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالله بعنو - السلطان ذو الذراع الواحدة !! (قصة قصيرة)