أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - هاشم مطر - أصدقائي والخريف















المزيد.....

أصدقائي والخريف


هاشم مطر

الحوار المتمدن-العدد: 3502 - 2011 / 9 / 30 - 21:55
المحور: الادب والفن
    


«منظر رائع في كل الفصول»


كنت قد علقت على مقطع لشاعرة رائعة، صديقة لي بمعنى الصداقة الحقة، كان قد مضى وقت لم نتراسل فيه بسبب الانشغالات الكثيرة, وهدؤء البال الذي لا يريد البقاء كثيرا في حضرة المبتلين بزخم الحياة ومفاجآتها.
من جانبي كنت بزيارة إلى صديقي الدكتور صباح المرعي في لندن الذي اكتشف لديه مؤخرا مرضاً ليس حميداً، وصديق آخر هو الدكتور ناظم اديبس «أبا ذكرى» والمبتلى بنفس الحالة. وجدت الاثنين بأحسن حال، يجابهان الحياة بابتسامة رائعة وبتندر على المرض ادهشني حقا.
مناضلان طيبان تلتف السنون على وجهيهما بالكثير من الحكايا، تدمع عيونهما أحيانا لحكاية أو ذكرى، وتبتهج لخبر آخر.
يفيضان بهجة وهما المبتلان بأكثر من مصاب، لا حاجة لذكرها في هذه الرسالة، إنما ما ادهشني هو لون وجهيهما المتورد رغم خريف العمر وآثار المرض وفعل العلاج.
قلت: ربما هي الصداقة التي تضفي ذلك اللون البهيج على وجوه الأحبة، فقد لاحظت الأمر يزداد روعة مع كل إتصال أو زيارة لصديق، حتى فاجأنا الأخ نادر من السويد بمكالمة عمرها بعمر الذكريات التي ارجعنا إليها، وهو بالمناسبة له ذاكرة اغبطه عليها. لاحظت لون وجه صديقي عصام قد تغير لونه النهري في وقت فيضانه، إلى المزهر كما صباح، حتى أن الدكتور وليد صديق العمر المشاكس منذ زمن الدراسة قبل 35 عاما، وهو لبناني يعشق اصدقاءه العراقيين، هب من إغفاءته وقال «شو صاير فيكن يا جماعة ليش هيك صرتو حلوين؟!».
أعود إلى صديقتي فاطمة، التي وصلتني رسالة منها كرد مختصر على تعليقي لأغنية وشعر من لون آخر نشرته على الفيس بوك، واعجبت بوجهها الآخر. كانت رسالتها مشبعة بالفيض اللوني، فهي تختص بالخريف وألوانه.

كتبت فاطمة: «هاشم أيها المطر الذي ينقر على زجاج الروح، هل مازال الخريف يساقط أوراق شجرة التفاح القديمة أمام مرأى منك ، وتلفح اسماعك أوراقه الصفراء بنكهة فيروز؟».
قلت وقتها كيف سأجاري فتنة كلامها وتلك العذابات التي تتفتق عنها المعاني بسطر واحد، استدركت وقلت: سأعرفكم بها أصدقائي بمناسة قريبة، ستذهلكم صورها المكثفة.
لم يكن سؤالها من وحي الخيال وإنما كنت قد كتبت لها قبل حين شيئا عن ذلك، لم تجبني حينها، ربما انتظرت زيارتي وعودتي ولحظة توحدي مع الخريف ليكون أكثر وقعاً على روح عاشق موهوم يؤلمه الجمال وازدحام معانيه، خصوصاً وسط الريح الخريفية الشغوفة وهي تُقاتل من أجل الوصل إلى ورقة من أوراق شجرة التفاح، تلك التي ذكرتها برسالتي إلى صديقتي:
اقتباس :
«حينما اكملت جميع متعلقات يومي بحلول الثالثة صباحا بتوقيت كوبنهاكن، وحان وقت أختم به فتحضرين لأحييك كما عادتي منذ أيام على سبيل توطيد الصداقة بيننا، خطرت ببالي أم كلثوم، لكني قلت الأغنية طويلة وستفسد عليّ خاطرتي، وبما أن الوقت ليلاً فقد حضر جبران برائعته سكن الليل. لكني وجدتها ثقيلة بعض الشيء، فربما تصلح لمناسبة أخرى، فأخترت دون تردد أغنية فيروز هي - طيري يا طيارة طيري يا ورق وخيطان».
قد اخترت الأغنية لأنها تلامس مفقوداتنا التي ابعدتنا السنين عن تلمس خيط الطائرة الورقية ونعمومة ورقها، التي كتب عنها خالد حسيني -رواية- رائعة أُوصي بقراءتها، لكل من لم تمر من تحت عينيه سطور الصداقة وفتنتها. بالمناسبة اعطيت النسخة العربية لصديقي الأديب الكاتب المبدع محيي الأشيقر ولم يعدها لي، ربما لأنه سافر فجأة إلى كربلاء يحيي طقوس عذاباته الحسينية عن قرب ربما!.-أشك بذلك- أما النسخة الدنماركية التي اهدتها لي صديقة رائعة، فمازلت احتفظ بها. والنسخة الإنجليزية (سرقها) صديقي وليد فضول ولم يرجعها هو الآخر، فقد أنكرها عليّ!.
كنت ارهقه حينما أُجبره على قراءة مقالاً ما باللغة الفرنسية من مجلة اشتريها متعمدا.
أنام واصحو على مسبته وشتيمته لي، لأني نمت وتركته يقرأ ويترجم.
لأعد وإياكم للأغنية، مع هذا المقتطف الرحباني - طيري يا طيارة طيري يا ورق وخيطان- واللمسة الساحرة لفليمون وهبه... قلت: لِمَ لم يلحنها الرحابنة ؟ هل هي صداقة الخريف؟ لا أدري، ربما كانت الصداقة هي من وفرت لهما تلك المحبة، جعلت الطائرة الورقية تطير مع عاشقيها.
«لو فينا نهرب و نطير مع هالورق الطاير
تا نكبر بعد بكير شو صاير شو صاير
يا زهر الرمان ميل بهالبستان
تيتسلوا صغار الأرض و يحلو الزمان
و ينساني الزمان على سطح الجيران»
لكني لم أرسلها إلى فاطمة، لأني تذكرت قد كتبت لها عن الطفولة قبل أيام في كلمة ألقيتها في حفل بمناسبة العيد؛ فاحترت ماذا أُهدي صديقتي فاطمة، التي اهدتني ألبوم فيروز الأخير بوقت سابق، بنفس المعنى الذي يحمل الشجن والأمل معا على جنح الصداقة، الذي تصفه بالزاجل لسرعته وأمانته، وقبل كل شيء وفائه.
خرجت إلى الشرفة.
«ريح خريفية رائعة بلسعة برد يشتاق لها عاشق موهوم بأن الحياة ما زالت تهيئ له مفاجأة، اندفعت يحملها ضباب متكسر بنور آخر الغلس وأول الصبح، كما وأنها تؤدي طقسا ما، تحركت باتجاه شجرة التفاح التي حدثتك عنها فسقطت عنها بعض الأوراق».
ثم تبعت النص بــــ ...
«أوراق صفراء، أتعرفين بماذا ذكرتني؟ أغنية لثلاثة أصدقاء، فيروز، جوزيف حرب وفيلمون وهبه، ترددت أن أضعها على حائطك، فأنا لم أسألك فيما إذا كان بإمكاني ذلك، فوضعتها على حائطك رغم أني قد وضعتها على حائطي».

«ورقو الأصفر شهر أيلول .. تحت الشبابيك
ذكرني وورقو ذهب مشغول ذكرني فيك
رجع أيلول وانت بعيد.. بغيمه حزينة قمرها وحيد
بصير يبكيني شتي أيلول.. تأبكي عليك يا حبيبي
ليالي شتي أيلول تشبه عنيي عنيي
يا ريت الريح إذا انت نسيت حبيبي بأول الخريف وما جيت
ينساها الحور وقمرها يغيب وليلا يطول».

وهي كانت رسالتي إلى صديقتي المبدعة فاطمة. وجوابي لها اوجزه عن اللون، تحسسته بحاستي السمع والنظر. هما المفتاحان اللذان يفضيان إلى جرأة تفحص الأشياء بقدرة عجيبة قال عنها جبران «إعطني عيناً ترى الجمال وخذ كنوزي».
وفاطمة من المبدعات اللاتي يغريهن الصمت، فيكون وقع تساقط ورقة خريفية بمثابة الفتنة، التي تقلق صمت الجنان، فما بالك بألوانها. ..!
تلك المقتطفات الرائعة من ثلاثة أصدقاء، جعلتني أتأمل الخريف من زاوية جمالها النادر برفقة الأصدقاء والأحبة، الذين يضفون أُلفة غريبة على المقتنيات العامة -اقصد طبعاً الخريف الطافح برائحته وألوانه المائجة، نفوتها على الغالب، دونما تأمل، وربما نبغض رياحه، لأنها تعري الأشجار، وتتركنا دون خيار بيد الشتاء الموحش، ولكن للثلج له معناه أيضاً، ربما ستقول بصدده فاطمة شعرا حينما يأتينا هذا العام.
لكن لون صديقايّ لم يك خريفياً، بل كان لون كل الفصول على الرغم من (الفصل) الذي يعيشانه. ألوان الخريف الزاهية المتعاكسة والمتنافرة، أحبها أكثر من ألوان الفصول الأخرى، فهي مصابة بالقلق الذي يصيبنا، تبدو في مكانها وبغيره، وكأنها الجزء الذي نفتقد، ونحن نرتحل داخل أرواحنا، فتكون -المعادلة الرائعة- التي يجفل لها القلب.
نكتشف سحر ضربات فان كوخ وضابية مونيه. وهذا بالضبط سر سؤال صديقتي فاطمة التي سألتني شعرا بلوحة انطباعية اكرره لجماله :
«هل مازال الخريف يساقط أوراق شجرة التفاح القديمة أمام مرأى منك، وتلفح اسماعك أوراقه الصفراء بنكهة فيروز؟».
نعم يافاطمة نعيش الآن أصواتا مذهلة، وألوانا خريفية باهرة. كأن يتصدى صديقايّ لمرضهما بحكمة الصمت، مع نثار الممكن من الكلمات الأنيقة، فيقول صديقي الدكتور صباح: «إن الحياة هي تلك الورقة الخريفية، التي سألت عنها فاطمة، لولا شحوبها لما بدأت أخرى بالإخضرار». وتلك التي حاول «أبا ذكرى» إيجازها وهو يتأبط ذراعي صوب شرفة شقته المطلة على منظر رائع في لندن، ويرى شحوب الشجر قائلا: «إنه منظر رائع في كل الفصول».
لم أرسل الرسالة لكم أصدقائي، ولم انشرها، فلا بد من إرسلها أولاً إلى صديقتي فاطمة فربما كان لها قولاً آخر.
وربما اجابتني....
اجابتني
كانت لمساتها رائعة، فغفت رسالتي بين يديها قطة وديعة
_____________
من أدب الرسائل



#هاشم_مطر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- «كيفك انت» :الرسالة التي تذكرها صاحبي
- مجزرة النرويج وفكرة المواطنة لجيلنا الثاني


المزيد.....




- الإعلان عن وفاة الفنان المصري صلاح السعدني بعد غياب طويل بسب ...
- كأنها من قصة خيالية.. فنانة تغادر أمريكا للعيش في قرية فرنسي ...
- وفاة الفنان المصري الكبير صلاح السعدني
- -نظرة إلى المستقبل-.. مشاركة روسية لافتة في مهرجان -بكين- ال ...
- فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ ...
- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...
- حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال ...
- الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - هاشم مطر - أصدقائي والخريف