أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - وليد يوسف عطو - ترييف بغداد و تصحرها














المزيد.....

ترييف بغداد و تصحرها


وليد يوسف عطو

الحوار المتمدن-العدد: 3501 - 2011 / 9 / 29 - 10:46
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


عندما بنى أبو جعفر المنصور مدينة بغداد , كانت مليئة بالبساتين العامرة بأهلها يحوطها دجلة كحركة ثعبان و من هنا جاءت إحدى تسمياتها بالزوراء . لقد كانت بغداد مدينة العلم و الثقافة و الصناعة و التجارة . جاء إليها البشر من أصقاع الأرض كافة و من مختلف الجنسيات . تميزت بغداد في القرن العشرين بمجالسها الأدبية و الثقافية و مقاهيها و مسارحها و دور السينما . لقد كان لبغداد طراز معماري خاص يعتمد على الشناشيل و على التقارب الشديد للمنازل اتقاء لحر الشمس و بذلك تكون الحياة الاجتماعية منفتحة على الآخر . اتسم المعمار البغدادي بوجود الحوش داخل المنزل و الذي يغطى بالطابوق الفرشي المسامي ليبرد المكان بعد رشه بالماء و تصب فعاليات البيت كافة في هذا الحوش حيث الغرف تطل داخليا على الحوش . و كان هناك طراز البناء بالعقادة و الشيلمان و يعمل البناء بالطابوق على شكل نقشات تسمى البناء الحصيري و كانت تغلف الشناشيل بالخشب . و في عقد الخمسينات ظهر البالكون الأوروبي (الشرفة ) بالإضافة إلى بناء المقرنصات في المنازل و نافورات الماء و التماثيل المنحوتة نصفيا على الطراز البابلي . لقد كانت مسارح بغداد مليئة بروادها من الجمهور المتعطش للفن و كذلك السينمات و التي تحجز أجنحة كاملة منها للعوائل حيث كانت سينما النصر يحضرها غالبية من العوائل و تعرض أحدث الأفلام العربية . في العهد الملكي تم فرض قانون دعاوى العشائر و أصبح لشيخ القبيلة نفوذ مالي و سياسي بحيازته للأراضي الواسعة و تحول من مجرد شيخ إلى إقطاعي همه الوحيد جمع الضرائب من الفلاحين عن طريق وكيله أما هو فانتقل إلى الحياة المرفهة في بغداد هذا ما يحدثنا عنه الدكتور علي الوردي في معظم مؤلفاته . منذ تلك الفترة بدا الفلاحون بالهجرة من الريف إلى المدينة و سكنوا في أطراف بغداد و بنوا بيوت الطين المغلفة من فوق بالحصير و المسماة بالصرائف . و اخذ أهل بغداد يسمون الفلاحين النازحين من الجنوب إلى بغداد بالشراكوة أو الشروكية أو شركو ( بتشديد الواو ) . و بعد قيام ثورة الرابع عشر من تموز عام 1958 و قيام الزعيم الراحل عبد الكريم قاسم بتوزيع الأراضي على الفلاحين , بدأت صفحة أخرى من النزاع بين الإقطاع و الفلاحين و التجأ الإقطاع و شيوخه إلى بقايا الحكم الملكي و الأحزاب القومية من ناصرية و بعثية و قوميين عرب . و ازداد النزوح إلى المدن . و بعد انقلاب 8 شباط الأسود في عام 1963 بدا الانتقام من الفلاحين من قبل كبار شيوخ الإقطاع المتحالفين مع السلطة الحاكمة الجديدة . و هكذا استمر نزيف الهجرة بالتصاعد . لم تعمل الحكومات المتلاحقة على حل مسالة الأرض و إعادة الفلاحين إلى أراضيهم و إعادة توطينهم و مساعدتهم بالقروض و بأشكال أخرى لإعادة زراعة أراضيهم و تحويل الريف إلى مدن ببناء الشوارع المبلطة و عمل شبكات الماء الصافي الصالح للشرب و شبكات الصرف الصحي و توفير المستشفيات و المدارس و بناء ورش حرفية و صناعات تعتمد على الحاصل الزراعي في المنطقة . لقد عمل عبد الكريم قاسم على بناء مدن كاملة كمدينة الثورة و غيرها لإسكان هؤلاء الفلاحين الوافدين من الجنوب . و بذلك تحولوا إلى ما يشبه المعازل في جنوب أفريقيا أو شمال العراق . لقد حافظ هؤلاء على ثقافتهم الريفية و موروثاتهم العشائرية مثل الفصل العشائري و في منع تعليم المرأة و تزويجها بابن العم بالقوة و السيطرة على ارثها و غير ذلك من المخالفات التي تتعارض مع الشرع الإسلامي و مع القانون المدني . لقد سكن هؤلاء في أماكن تنعدم فيها تقريبا الخدمات و وسائل الترفيه . و أصبحوا يشعرون بفارق طبقي كبير بينهم و بين أهل بغداد و فارق ثقافي عشائري يفصل بين المجتمعين . أصبحوا يحسون بالعدائية من سكان بغداد .و كلما سنحت فرصة لهم قاموا بالغزو و الفرهود لسكان العاصمة كما حدث مع فرهود اليهود و كما حصل عند سقوط الحكم الملكي في 14 تموز 1958 حيث قام سكان الصرائف بسرقة القصور الملكية و احدهم و كان حارسا في احد المشاريع التي كنت مشرفا عليها تحدث لي بالتفاصيل عن تلك الحوادث . و نفس الفرهود و الحواسم حدثت بعد الاحتلال الأمريكي عام 2003 . لقد أصبح سكان العراق و الوافدين من الجنوب يصابون بأمراض نفسية و أمراض عصبية و اتجه قسم قليل منهم للسرقة و لشرب حبوب الهلوسة و المهدئات و هي معروفة عندنا بمصطلح ( الكبسلة ) و هي رائجة الآن في بغداد . ابن الجنوب عندما يخرج من منزله في مدينة الثورة للذهاب إلى وسط البلد يقول أنا ذاهب إلى بغداد . أي إن منطقته و مدينته ليست بغداد . و نتيجة الفقر و التهميش و الاضطهاد نشأت حركة يسارية و شيوعية قوية بين أوساط شباب هذه المناطق . لقد دفعوا الثمن غاليا مرة باتهامهم بالشيوعية و اليسارية و مرة أخرى بأخذهم لجبهات الحرب مع إيران و غيرها . و عندما سقط النظام البعثي عام 2003 شعر هؤلاء الشباب المهمشون بالفرصة لفرض نفوذهم السياسي و الديني و العشائري و المذهبي و هكذا سرعان ما شاهدنا استعراضا عسكريا لجيش المهدي ينطلق من هذه المدينة . بعد أن أصبح الحكم في العراق بيد الأحزاب السياسية الاسلاموية من الشيعة اخذ الأغنياء من هؤلاء يشترون الأراضي و المنازل و السكن في المناطق الفاخرة من بغداد . و بدأت حملة نزوح مضادة لسكان بغداد الأصليين إلى خارج العراق و إلى شمال العراق . لقد فرض سكان الحكم الجديد ثقافتهم العشائرية و المذهبية على جميع كل الشارع البغدادي . فأخذت تسمع الرأي الأحادي و الصوت الواحد .و تحولت بغداد إلى مجلس عشائري كبير و مجالس حسينية للعزاء . لقد اختفت دور السينما و المسارح و الكباريهات . أما ضفاف دجلة فتمت مصادرتها من قبل النظام السابق و الحالي . اخذ الموظفون ينادون المدير العام بلقب ( حجي ) و يلقبون مديرتي بلقب ( حجية ) و ينادونني مرة بلقب عم أو خال أو حجي . أما كلمة أستاذ و أستاذة فأصبحت في حكم الماضي . أما إذا أردت تكريم شخص ما فالأفضل أن تطلق عليه لقب ( شيخنا ) أو ( سيدنا ) أو ( مولانا ) و لله في خلقه شؤون .



#وليد_يوسف_عطو (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ثقافة التصحر ام تصحر الثقافة ؟
- اهمية العقل النقدي في تطور المجتمع
- ملحمة جلجامش ج 2
- هل الكتاب المقدس محرف ؟
- ظاهرة طلعت خيري
- صفات يسوع المسيح ( عيسى ) في القرآن
- أدعياء السياسة والثقافة في الشأن السوري
- فوائد تصوف الحداثة في الاسلام
- اقليم كردستان العراق بين المطرقة والسندان
- عولمة التوراة في المسيحية وفي الاسلام
- ( أنى يكون له ولد ولم تكن له صاحبة ) قرآن كريم
- ملحمة جلجامش ج1
- زواج خديجة من محمد
- ( القذافي طار ... طار ... أجاك الدور يابشار )
- مجتمع يثرب
- العبودية في المجتمع العربي القديم
- قناة المستقلة والحديث الناعم في معاداة الشيعة
- موقف المثقفين من الثوراة في البلاد العربية
- النبيذ في الإسلام
- مقارنة بين وضع المرأة العربية في الجاهلية و في الإسلام


المزيد.....




- لماذا تهدد الضربة الإسرائيلية داخل إيران بدفع الشرق الأوسط إ ...
- تحديث مباشر.. إسرائيل تنفذ ضربة ضد إيران
- السعودية.. مدير الهيئة السابق في مكة يذكّر بحديث -لا يصح مرف ...
- توقيت الضربة الإسرائيلية ضد إيران بعد ساعات على تصريحات وزير ...
- بلدات شمال شرق نيجيريا تشكل وحدات حماية من الأهالي ضد العصاب ...
- أنباء عن -هجوم إسرائيلي محدود- على أهداف في العمق الإيراني و ...
- قنوات تلفزيونية تتحدث عن طبيعة دور الولايات المتحدة بالهجوم ...
- مقطع فيديو يوثق حال القاعدة الجوية والمنشأة النووية في أصفها ...
- الدفاع الروسية: تدمير 3 صواريخ ATACMS وعدد من القذائف والمسي ...
- ممثل البيت الأبيض يناقش مع شميغال ضرورة الإصلاحات في أوكراني ...


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - وليد يوسف عطو - ترييف بغداد و تصحرها