أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد السينو - كيف نبني سوريا كدولة ديمقراطية















المزيد.....

كيف نبني سوريا كدولة ديمقراطية


محمد السينو

الحوار المتمدن-العدد: 3497 - 2011 / 9 / 25 - 17:29
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


تتدخل الحكومات العربية غير الديمقراطية في كل مستويات حياة شعوبها: توجه السياسة والاقتصاد والتعليم والفنون. وتجعل من الدين أداة دعاية لها. لقد حجمت هذه الحكومات التعسفية إرادة الجماهير وجعلت منهم قطعانا يمكن تحريكها بسهولة أكبر. أبعدت الحكومات شعوبها عن المساهمة الفعّالة في السياسية منذ أجيال ثيرة. "فبركت " أجيالا من المسيرين المطيعين لتقديس حكامها والرضوخ لهم دون أي مساءلة. عدم ممارسة الديمقراطية أوجد فراغا هائلا في ثقافة المواطن العربي. هناك "أميّة سياسية" في عقل المواطن. تداول السلطة وتشكيل أحزاب سياسية مدنية يعتبر في مفهوم البلد خروج وتحدي لعبقرية الحاكم. حرية التعبير ونقد الحاكم، كل هذا غير متداول في ممالك العرب.
الديمقراطية السياسية تبقى ناقصة بدون ديمقراطية اجتماعية. الأولى تهتم بمصدر السيادة والسلطة وحقوق المواطن السياسية ومساهمته في الانتخابات وتشكيل الأحزاب وإبداء الرأي ونشره... أما الثانية، والتي لها أولوية على الديمقراطية السياسية، فتهتم بتحسين أوضاع المواطن المادية، عن طريق مبدأ العدالة الاجتماعية من حيث توزيع خيرات البلد على كل المواطنين لأن للمواطن حق شرعي بنصيب عادل منها. فالمساواة بين الأفراد في المجتمعات المنظمة تستند بشكل أساسي على هذه العدالة الاجتماعية. فأفراد الشعب المنبوذين والفقراء وقليلي الثقافة، لا يمكن أن يساهموا بشكل جدي في الحياة السياسية التي تتطلب معرفة بأمور الدولة وتسييرها وأمور السلطة ومداخلاتها. أولويات هؤلاء الناس هي لقمة العيش وليست السياسة.
الحقوق الاجتماعية ضرورية لاعتبار الإنسان غاية في ذاته يجب احترامه ومساعدته على العيش الكريم. لأن هدف التنمية والتقدم في الدولة هو حرية المواطن ورفاهيته. الديمقراطية الاجتماعية تسهل مشاركة المواطنين في العمل السياسي بشكل فعّال لأنها تسد حاجاتهم المادية وتعيد لهم اعتبارهم وكرامتهم وبهذا يصبح للديمقراطية بشطريها معنا واقعيا ومتكاملا. في حال تأخر الديمقراطية الاجتماعية، من الضروري رغم ذلك تحريك الديمقراطية السياسية ، لأن أي توعية سياسية، ولو كانت في حدود ضيقة، تساعد الناس على معرفة مصالحهم الاقتصادية والاجتماعية. فإشراك الناس في العمل السياسي يحرك كثيرا من طاقات كامنة فيهم للمطالبة بمجتمع أكثر عدالة.
لا ديمقراطية دون مؤسسات شفافة تعمل تبعا لمبدأ المساءلة في عملها. هذه الشفافية تظهر عن طريق سلسلة من المراجعات الدورية والثابتة مثل التفتيش العام لمصاريف الدولة من هيئة مستقلة عن الحكومة لها كل الحصانة الضرورية لعملها. هذه الهيئة تراقب وتراجع وتنتقد مصاريف الحكومة في كافة المجالات وترفع تقريرا سنويا عن ذلك إلى المجلس النيابي وتنشره للمواطنين. هذه الشفافية ضرورة في كافة مستويات الحكومة من وزارات إلى دوائر المحافظات أو المقاطعات... مراقبة الحاكم من قبل المؤسسات المدنية والهيآت القضائية والهيآت المفوضة قانونيا، كل هذه المراقبة المشددة لازمة لضبط الحكم والابتعاد عن الانتهازية والاستغلال الفردي للدولة.
من الضروري أن تأتي المراقبة أيضا من جهات متعددة للوصول إلى توضيح سياسات الدولة. فالصحفيون والمثقفون والكتاب والمختصون في الشؤون المطروحة للجدال لهم دور أساسي في النقد وطرح أفضل الحلول . كذلك لكل مواطن الحق الشرعي في مراقبة الحكام بشكل دائم واختيارهم بشكل دوري ونقد سياسات الحكومة ورفع مذكرات إلى الجهات المختصة. وحقه بالحصول على جواب جدّي عليها، لأن الشعب هو صاحب السيادة. من الملاحظ أن الشعب يزداد تأثيرا على الحكام كلما ازداد ثقافة سياسية ووعيا بمصالحه. هذه الأصول الديمقراطية لمراقبة الحاكم موجودة في كل الديمقراطيات العريقة, لأنه من المعروف أن السلطة قد تفسد صغار النفوس لذا يجب إيجاد آليات فعّالة وقانونية لإيقاف واقتلاع الفساد المحتمل في حال وجوده.
المواطنة هي العامود الفقري للديمقراطية في العصر الحديث ، على أساسها يمكن البدء بالعمل السياسي المفتوح على كل أفراد البلد. يحصل على المواطنة تلقائيا كل من يولد على أرض الوطن ومن تمنح له من الدولة عن طريق الهجرة. المواطنة تتضمن نفس الحقوق والواجبات لكل المواطنين دون أي تمييز عنصري أو طائفي أو جنسي أو ديني أو مهني أو فكري أو ثقافي أو اجتماعي أو حزبي أو أي تمييز آخر يعطي الأكثر للبعض ويقلل من حقوق الآخرين.
المواطنة "الواقعية" في أكثر الدول العربية غير مضمونة لجميع المواطنين. لأن المرجعية الاجتماعية والفكرية والأخلاقية وحتى السياسية في هذه البلاد ليست مرجعية وطنية وقومية لكنها في المرتبة الأولى مرجعية دينية تعود الى مفاهيم العصور الوسطى، ترفض عمليا المواطنة وترفض حياد الدولة بالنسبة للمعتقدات. إن كنت من دين الأغلبية فلك امتياز على الآخرين، الذين يشار إليهم بأنهم من "الأقليات الدينية". هذا التعبير الأخير المتداول في المجتمع العربي أفضل دليل على هذه العقلية والمرجعية الدينية الرجعية، نسبة لمفاهيم وحقوق الناس في العصر الحديث. .. حتى رئيس الدولة يجب أن يكون من دين معين!
هناك مرجعيات أخرى تعود إليها المجتمعات العربية منها العائلة والعشيرة والفئة والملّة أو الحزب الواحد. مشكلة كل هذه المرجعيات هي في خلق حدود بين المواطنين وإعطاء إمتيازات ما لجماعات ضد جماعات أخرى. يتم كل هذا التمييز بين المواطنين والجماعات رغم توقيع كل الدول العربية على ميثاق حقوق الإنسان وغيرها من المواثيق الدولية الصادرة عن الأمم المتحدة. هذه المواثيق تعتبر في العرف الدولي "معاهدات" ملزمة لكل الأطراف الموقعة عليها. أما في البلاد العربية ، فأغلب هذه المواثيق تبقى حبر على ورق إذا مسّت مصالح الحاكم وإذا لم "تتأقلم" مع معتقداته الدينية والسياسية المتزمتة.
يؤدي الحزب في الأنظمة الديمقراطية وظائف هامة أولها إيجاد مكان ملائم ومشترك للحياة السياسية . ثانيا تعبئة المواطنين حول برنامج سياسي موحد للوصول إلى الحكم في حال الحصول على أغلبية برلمانية أو بالاشتراك مع أحزاب أخرى أو بالتأثير على قرارات السلطة الحاكمة. ثالثا العمل الحزبي يقدم للبلاد قادة ذوي خبرة سياسية لاستلام الحكم.
لكي لا يُحتكر الحكم من حزب واحد فقط، تبين لعديد من الشعوب أن الطريق الأفضل للوصول إلى حكم ديمقراطي هو في التعددية الحزبية. تبدو التعددية الحزبية ضرورة أساسية لتطبيق الديمقراطية بشكل أسلم، لأنها تعطي الحق للمواطنين بالانتساب أو لتأييد الحزب الذي يرونه أصلح للحكم أو للمشاركة فيه. فالتعددية مبدأ عام ملزم للجميع يتيح إمكانية تداول السلطة بين الأحزاب عن طريق انتخابات عامة ونزيهة. لذا لا يمكن قبول الأحزاب التي سوف تستغل التعددية الحزبية للوصول إلى الحكم والقضاء عليه تحت شعارات دينية أو بادعاء دور تاريخي قيادي للأخذ بكل مرافق الدولة والتسلط على ضمائر الناس وتحديد مصيرهم، مخالفة بذلك كل مواثيق الديمقراطية السليمة وحقوق الإنسان.
رأي الحزب الواحد يدور مع التقادم في حلقات مفرغة. يبتعد عن الإبداع والتجديد رغم حسن نية القيادات إن وجدت. لأن الحوار ضعيف في الحزب الواحد الذي يصعب عليه قبول النقد من خارج "جدرانه" وحتى من داخله. لأن أغلب الأفكار والقرارات تأتي من قمة الهرم الحزبي. مع ممارسة السلطة الحزبية الديكتاتورية بهذا الشكل تفسَد النفوس وتتكون "طبقة حاكمة" متمسكة بكراسيها ومناهضة للتغيير والتطور.
الأحزاب الديمقراطية تكون مفتوحة لكل المواطنين. أما الأحزاب الدينية أو الطائفية أو القبلية أو الفئوية فهي تولد إشكالية أساسية لأنها تقوم على الانغلاق والإقصاء وتعمل لصالح قسم من المواطنين. هذا التصرف يطعن بالمبدأ الأساسي للديمقراطية أي المساواة في المواطنة للجميع دون أي تمييز. أما عن تمويل الأحزاب فمن الضروري أن تتم عن طريق التمويل الشعبي وتمويل الدولة بشكل واضح ومحايد تبعا للقانون لإبعاد تسلط رأس المال أو المؤسسات الدينية وغيرها ممن لهم مصلحة خاصة لاستغلال الدولة.
لا ديمقراطية دون صحافة حرة ومستقلة، مكتوبة كانت أو مرئية أو مسموعة. الصحافة الحرة هي مدنية وليست حكومية في تكوينها. تعكس بمختلف اتجاهاتها وجهات نظر الناس وتفكيرهم وتطرح عليهم آراء ومواضيع كثيرة للنقاش وتوضح وتشرح مشاكل المجتمع. كل هذا يؤدي إلى توعية كبيرة للمواطنين. المصدر الأهم للثقافة السياسية لأكثر الناس تأتي غالبا من الصحافة. هذه المدرسة الديمقراطية حيوية لشحذ عقول الناس وضمائرهم للدفاع عن حقوقهم أمام جبروت الحكومة وغيرها من أصحاب السلطات المتنوعة من مالية إلى دينية...
الصحافة الحرة تضع فاصلا واضحا بين الصحافيين ومالكي الصحافة. لا دخل للمالك بما ينشر في الصحيفة. المسؤولية المباشرة تعود بالدرجة الأولى إلى الصحفي الذي يكتب تبعا لقناعته. وبما أنه من الصعب الوصول إلى استقلالية كبيرة لكل الصحافيين، فمن المفضّل أن تكون ملكية الصحيفة للصحافيين أنفسهم كما هو الحال مثلا في الجريدة الفرنسية "لوموند". أو أن تكون لهيئة مستقلة عن الدولة كهيئة الإذاعة البريطانية أو راديو كندا. هذه الإذاعات الوطنية مستقلة عن الحكومة والأحزاب السياسية وتوجهاتها. تعدد مصادر الأخبار والتعليقات والمناقشات ضروري للجصول على معلومات صحيحة وسهلة الفهم. الصعوبة اليوم هو الوصول إلى اقرب مسافة من الحقيقة في بحر من المعلومات المتنوعة من حيث الكمية والنوعية.
للإنسان كل الحق في تحكيم عقله دون خوف أو محاسبة عشوائية من الحاكم أو المجتمع. حرية التفكير جوهر العمل الديمقراطية، الحد منه يفرغ الديمقراطية ويجعل منها شكل دون مضمون. المجتمع الديمقراطي مجتمع مفتوح. تعرض فيه الأفكار وتناقش علنا من المواطنين تحت حماية القانون. هذه الشفافية وعدم رهبة الحاكم هي عناصر حيوية في مجال الديمقراطية. الإنسان المنفتح والمحاور والمدافع عن حقوقه لا يبقي لنفسه حصيلة أفكاره ومواقفه بل يود نقلها إلى الآخرين لاقتناعه بما يفكر فيه وبما يفعله. إذا دخلت هذه العقلية الانفتاحية في مجالات السياسة والنشر والصحافة والفنون وغيرها، تكون هناك صحوة نوعية عند المواطنين يتجاوزون فيها حدود إمكانياتهم الضيقة لإيجاد حلول جماعية أفضل من الحلول "المنزلة" من دماغ السلطان مهما كان قادرا وقديرا. فحصيلة مجموعة الأفكار هائلة بالنسبة لأفكار فرد واحد.
أما السرية وعدم الحوار والانغلاق والصحافة الموجه أو ما يسمى خبثا الصحافة "الملتزمة". واتخاذ القرارات ضمن حدود ضيقة وأقل ما يمكن من النقاش تؤدي إلى سياسات هزيلة لا تخدم المواطنين بل تخدم شلة من الحكام ومن يدور حولهم، كما يحدث غالبا في الأنظمة الديكتاتورية.
الحوار بين أناس أحرار، عامل أساسي لنضوجهم الفكري. الحوار هو نقاش مفتوح بين الأفراد تبعا لبعض الأصول لعرض أفكار المشاركين وتجاربهم لتجاوز الانعزالية الفردية. الدخول في حوار مع الآخرين يغذي أفكار الفرد والجماعة معا وتصبح محصلة النقاش والحوار أكثر وأكبر وأعمق من مجموع الأفكار المطروحة قبل نقاشها ومقارنتها. أثناء الحوار تنمو الأفكار وتتطور بسبب دخولها في مجابهة سلمية ومقصودة مع أفكار مناقضة أو موازية أو متقاربة أو مكملة. هذه الحركة بين الفكرة وغيرها ترفع المحاورين إلى مستوى أرقى من حيث فهم الأمور المطروحة.
لكي يصل المتحاورون إلى نتائج إيجابية، على كل واحد أن يعرض أفكاره بشكل واضح وبكل حرية، دون أن يقاطع. عليه أن يلتزم في البداية بموقفه مما طرحه دون تغيير مفاجئ لألا يتحول الحوار إلى متاهات لا يعرف الأفراد موقف بعضهم البعض. في حال الاقتناع من وجهة نظر ما. يجب إعلان ذلك ليتأقلم الآخرون مع الموقف الجديد. على المحاور عدم استعمال البلاغة الكلامية أو رفع الصوت أو احتكار الوقت للتأثير على الآخرين. عليه أن يلتزم بحدود اللياقة الكلامية بعرض أفكاره بشكل مترابط ومفهوم. عليه سماع الرأي الآخر بكل انتباه. فالسماع أصعب من الكلام. من المفضل للمحاور كتابة بعض النقاط الشخصية لمساعدة الذاكرة في جولة عامة حول الموضوع. حقيقة الفرد الواحد المنعزل هي حقيقة هزيلة في عقل صاحبها. أما الحقيقة المفتوحة للنقاش والحوار في جلسات ديمقراطية يحترم فيها رأي الجميع، فهي تغني صاحبها والمجتمع. كما يحدث غالبا في المؤتمرات العلمية والفكرية والفنية المحضرة جيدا. قد لا يخرج المتحاورون باتجاه واحد ولكنهم يخرجون بوعي أكبر للأمور المطروحة وبوعي أوضح لما يجمعهم ويفرقهم. المهم في الحوار أن يدور حول نقاط محددة دون تشعب كبير كي لا يتحول الحوار إلى متاهة مقصودة أو غير مقصودة تكون أسوأ مما لو لم يبدأ. الأساس في الحوار هو فتح آفاق جديدة لتوضيح الأفكار والتجارب وإغنائها.
الحكم الديني يستند الى عقائدية مطلقة وشمولية. يحاول تفسير كل شيء، بماضيه وحاضره ومستقبله ويرى أن "الدين هو الحل" الأمثل لتسيير شؤون العالم. لذا فلا مكان لغيرها من الأفكار غير المنسجمة معه، مما يؤدي حتما إلى صراع دائم مع "الآخرين" وإلى ديكتاتورية وطغيان واستعباد. فكل خلاف معها يصبح كفرا وخروجا عن الصراط المستقيم. هذا الفكر الديني السياسي والشمولي والمتكبر والمتعجرف، يحرّم كل من لا يسير في رحابه. يستعمل الغلو والتزمت والانغلاق ويأمر بالطاعة الكاملة. فهو غير قادر على قبول التعددية لا بالفكر ولا بالسلوك، لا يقبل تداول السلطة بشكل شرعي بين أحزاب متعددة، إلا إذا كانت مرحلية وفي مصلحة وصوله إلى الحكم، ومن ثم القضاء النهائي على التعددية الديمقراطية. فالتعامل مع غير "المؤمنين" به وباتجاهاته الدينية يصبح بحكم المنطق التيوقراطي تعاملا بمعايير غير التي تعامل بها جماعاتهم. فالقوانين تصبح مجحفة بحق "الملل" والمذاهب الأخرى والأقليات وغير المؤمنين الكفّار ... وتزول نهائيا المساواة بين المواطنين.
التعنت والتعصب الديني ناتج أيضا عن الصراع على السلطة بين التيوقراطيين الذين يتحركون غالبا ما تبعا لطموحاتهم الخاصة بتسخير الدين لغايات سياسية، مما يؤدي إلى شرذمة في الدين الواحد لظهور مذاهب متعددة وشيع وأحزاب دينية مختلفة والتي تصل في أغلب الأحيان، وهذا هو الخطر الأكبر، إلى صراع وحرب معلنة على بعضها البعض. كل فريق يدعي ملكية "الحقيقة الإلهية" الكاملة لتسيير أمور الناس في هذا العالم وفي العالم الآخر. يرى في الآخرين " خوارج" إن لم يكن كفارا يجب محاربتهم أو على الأقل ضبطهم بالقوة ليعوا الحقيقة. ,هم يميلون إلى المزايدات في دعوا تهم لدرجة الخروج عن بديهيات العلاقات الإنسانية والتي تؤدي في بعض الظروف إلى جرائم وحشية. كل هذا تحت شعارات دينية. حركة الطالبان وحركة القاعدة وكثير من الحركات الجهادية الدينية المنتشرة في كثير من البلاد العربية والإسلامية وحتى الغربية أطهرت وجها بشعا للدين. وعراق اليوم بعد الغزو الأمريكي مثلا فاضحا لهذا التعصب الناتج خاصة عن اقحام الدين بالسياسة.
أصبح من الصعب في مجتمع حقوق الإنسان، العمل بمبدأ؛ على الدين أن يسيّر أمور المواطنين في كافة معتقداتهم ونشاطاتهم . الدولة الحديثة أخذت على عاتقها أمور المجتمع لإرضاء حاجات المواطنين المادية والمعنوية. أخذت عن الدين كثيرا من مهام كان يقوم بها رجال الدين من جمع الأموال للمحتاجين إلى رعاية الأطفال والمرضى والتعليم...
للحفاظ على مقومات الدين الأساسية يجب قبوله في مجال الإيمان بالعقيدة وممارسة الشعائر فقط وبشرط ألا يكون إكراها للضمائر. كإكراه الناس على الصلاة أو الصوم كما هو الحال في السعودية مثلا. في الدولة الديمقراطية من الضروري التسامح مع بقية الأديان والمعتقدات وغير المؤمنين بالدين واحترام الاستقلالية الأخلاقية للفرد. الإيمان أو عدم الايمان قناعة فردية يعود إلى حرية ضمير الفرد، لا دخل للسياسة والمجتمع فيه. المجتمع الذي يدفع الإنسان للإيمان قسرا أو عن طريق الدعاية المغرية والمغرضة ينزع قيم الدين ويشوه إيمان الفرد. مثل هذا الإيمان السطحي هو إيمان "خارجي" يرضي الآخرين ويدخل في مجال الطقوس و"التمثيل" والتظاهر الاجتماعي.
اجتماع الناس حول عقيدة دينية واحدة لا يعطيهم الحق بفرض إيمانهم على الآخرين أو توجيه سياسة الدولة والمجتمع حسب معتقداتهم. من الملاحظ تاريخيا أن الغرب نهض نهضة جبّارة عندما فصل الدين عن الدولة وحدد حقوق وواجبات المواطن بعيدا عن أوامر رجال الدين الذين كانوا يتدخلون في مجمل حياة الناس. "الطغيان" الديني يؤدي إلى اضطهاد غير المؤمنين بهذا الدين والى عصبية تضر الدولة والدين معا ويولد انقسامات وعداوات بين المواطنين. بهذا تُصبغ الدولة ككل بصبغة دينية ضيقة الأفق ويصبح "الدين-الدولة" ومؤسساته بؤرة لإرهاب الناس والتعدي على ضمائرهم وحرياتهم العامة وحتى على حياتهم.
الديمقراطية دعوة للعيش المشترك استنادا إلى مفاهيم إنسانية محددة بشكل واضح في المواثيق الدولية لحقوق الإنسان. علاقتنا مع الآخر يجب إخراجها من نطاق الدين الضيق، الشبيه بالعنصرية ،الرافض للآخر، وإدخالها في المجال الإنساني الرحب.
لا ينتظر من الدول الكبرى مساهمة نزيهة في الدفاع عن الديمقراطية في البلاد العربية. أمريكا مثلا، تتحالف مع دول كالمملكة السعودية، البعيدة كل البعد عن الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان. هدف أمريكا هو الهيمنة الامبريالية، العسكرية والاقتصادية والسياسية والثقافية، والسيطرة على خيرات العرب وخاصة البترول والبيترو- دولار؛ أي عائدات البترول التي تنفق في السوق الغربية. الكلام عن شرق أوسطي جديد وديمقراطي، لا علاقة له بالديمقراطية، هو يعني كما نراه ، تخريب البلاد العربية بتقسيمها إلى دويلات طائفية ودينية ضعيفة. هذا المخطط يخدم بشكل واضح مصلحة إسرائيل بهيمنتها العسكرية على الشرق الأوسط وبالتلاحم الكامل مع الولايات الأمريكية وتبرير وجودها العنصري كدولة يهودية. ثورات الشعوب العربية ضد الاستبداد التي بدأت في تونس ومصر وليبي في عام 2011 هو الطريق الصحيح والمستقل لبدء المسيرة الصعبة والشاقة لبناء دول ديمقراطية حديثة سوف تساعد على تقارب وتضامن عربي.



#محمد_السينو (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- خراب الوطن بالاسلام السياسي
- هل الاسلام دين سياسة ؟
- هدية الاتراك و الارهابين هي اختصاب السوريات
- مشاركة الاطفال في المظاهرات في العالم العربي
- انظر الى الخونة العرب
- وصول ال سلول الى الحكم في السعوديا - الجزء الثالث
- تخلف المجتمع العربي
- وصول ال سلول الى الحكم في السعوديا - الجزء الثاني
- وصول ال سلول الى الحكم في السعوديا - الجزء الاول
- الجامعة العربية و العرب خانو سوريا
- اردوغان و الحلم العثماني في المنطقة العربية
- غباء و جهل و تخلف
- المراة السورية و دورها الحضاري في بناء سوريا
- الاخوان المسلمين و جرائمهم
- هذا ما يجري في سوريا اليوم و تحللي له
- الاعراب و تركيا في تغيب العرب
- كيف يصبح الإنسان ارهابي مجرم و لماذا الاسلام يتهم بالارهاب؟
- خطر الاسلام السياسي على العالم
- الاستعمار التركي الحديث و عودة العثمانين
- سبب تاخر المجتمع هو الاسلام السياسي و الفساد و الرشوة المحسو ...


المزيد.....




- -الطلاب على استعداد لوضع حياتهم المهنية على المحكّ من أجل ف ...
- امتداد الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين إلى جامعات أمريكية جدي ...
- توجيه الاتهام إلى خمسة مراهقين في أستراليا إثر عمليات لمكافح ...
- علييف: لن نزود كييف بالسلاح رغم مناشداتها
- بعد 48 ساعة من الحر الشديد.. الأرصاد المصرية تكشف تطورات مهم ...
- مشكلة فنية تؤدي إلى إغلاق المجال الجوي لجنوب النرويج وتأخير ...
- رئيس الأركان البريطاني: الضربات الروسية للأهداف البعيدة في أ ...
- تركيا.. أحكام بالسجن المطوّل على المدانين بالتسبب بحادث قطار ...
- عواصف رملية تضرب عدة مناطق في روسيا (فيديو)
- لوكاشينكو يحذر أوكرانيا من زوالها كدولة إن لم تقدم على التفا ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد السينو - كيف نبني سوريا كدولة ديمقراطية