أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - زهدي الداوودي - فقهاء المسجد والملا















المزيد.....

فقهاء المسجد والملا


زهدي الداوودي

الحوار المتمدن-العدد: 3497 - 2011 / 9 / 25 - 00:39
المحور: الادب والفن
    



قصة قصيرة

فقهاء المسجد والملا

زهـدي الداوودي


· ف ق ه – (الفقه) الفهم وقد (فقه) الرجل بالكسر (فقها) وفلان لا يفقه ولا ينقه. و(افقهته) الشيء. هذا أصله. ثم خص به علم الشريعة. والعالم به (فقيه). وقد(فقه) من باب ظرف أي صار فقيها. و (فقهه) الله (تفقيها). و(تفقه) إذا تعاطى ذلك. و(فاقهه) باحثه في العلم.

قرأ الملا النص بصوت عال كما لو أنه يخطب في المسجد. ويستمع الفقهاء الخمسة بانتباه كبير كي يتناغموا معه طريقة القراءة وضبط الحركات. وحين قرأه للمرة الثانية والثالثة، بدأ الصف – كالعادة - بترديد القراءة بصوت جماعي وهز رأس موحدين. وحين يتأكد الملا بأن الجميع قد قرأ النص بصورة صحيحة وتم ضبط الحركات، تصدر منه إشارة تشجيع قد تؤدي إلى الاستمتاع بفترة استراحة تستغرق حوالي نصف الساعة. وحين يمنح فترة الاستراحة هذه، يكون قد اقتنع في قرارة نفسه بأنهم حفظوا النص عن ظهر قلب. والويل لمن لم يتمكن من حفظه في هذه الفترة المحدودة.

هذه هي المادة الرئيسة هذا اليوم. وهذا لا يعني أنهم سينتهون من هضم هذه المادة وينتهون منها في يوم واحد. إنهم قبل كل شيء يجب أن يدركوا المعنى الحقيقي الكامن في هذا النص. عليهم أن يعرفوا اسم الكتاب الذي جاء فيه هذا النص. وبعد أن يحفظوه عن ظهر قلب، ينتقلون إلى أسم المؤلف. وتكون الصورة كما يأتي:

مختار الصحاح. تأليف محمد بن أبي بكر بن عبد القادر الرازي المتوفى سنة 666 هجرية. وويل لمن يقول مختار الصحيح بدلا من مختار الصحاح. أو يقول محمد بن أبو بكر، بدلا من محمد بن أبي بكر. عندها تلعب عصا الملا دورها في نقل المعرفة إلى رؤوس هؤلاء الطلاب الذين اجتازوا هذا اليوم الامتحان بنجاح ونالوا لقب الفقيه. ويقول الملا، كشأنه دائما، إن كنت فقيها فيجب عليك أن تعرف جيدا ما معنى الفقيه وما المقصود بالفقه. وماذا يعني أن تكون أنت فقيها وليس حمالة الحطب في جيدها حبل من مسد.
ولكي يثبت لهم الملا أن اللقب لا يغير شيئا في تصرفه تجاههم، أوجد أعذارا وهمية ليلجأ إلى عصاه. يؤشر بعصاه إلى فلان الذي يبدو له مغرورا:
" أنت يا صالح، قم في مكانك"
ويقف هذا في مكانه وهو يرتعد خوفا:
" نعم، ملا "
يسأل الملا باستعلاء:
" لماذا اخترنا هذا اليوم نص (ف ق ه ) لدراستنا؟"
" لأننا أصبحنا هذا اليوم فقهاء"
" إقرأ لنا نص (ف ق ه).
مد الفقيه الجديد يده إلى أوراقه، ينبش فيها.
قال الملا بغضب:
" ماذا تفعل يا هذا؟"
" أبحث عن النص"
" أهكذا بكل صلافة تبحث عن النص أمامي؟ أريده حفظا عن ظهر قلب"
وقبل أن يفتح الطالب فمه، يضيف الملا مبالغا:
" ألا يكفي إننا قرأنا النص ألف مرة؟"
قال الطالب الذي أصبح هذا اليوم فقيها بحدة غير مقصودة:
" لا أستطيع الحفظ بهذه السرعة يا ملاي ثم إنني لست ببغاء والنص لم نقرأه ألف مرة كما تفضلت، بل مرتين فقط"
كادت شرايين الملا تنفجر لهذا الكلام الذي يسمعه لأول مرة في حياته. قال وهو يتنفس بالكاد:
" عقابك اليوم الفلقة لا غيرها يا صالح. هيأ نفسك ولا تفكر في الهرب. إنك في الحقيقة طالح وليس صالحا"
وللفلقة حديثها الخاص بها، إذ أنها عقاب شديد وقد سبق لطلبة الفقه الخمسة أن عوقبوا بها على يدي الملا بهذا القدر أو ذاك، عدا هذا الفقيه صالح الذي وقف هذا اليوم بوجه الملا، حيث جرت عدة محاولات من أجل طرحه على الأرض فشد رجليه، ولكن عبثا. كان هو أسرع منهم وأقوى ويطلق ساقيه للريح ويختفي في أحد بيوت القرية. ولا يعود إلى الدراسة إلا بعد أيام، حيث يهدأ الملا وينسى القضية.
وأما (أحد بيوت القرية) هذا، فتحول إلى فردوس، إذ أن البيت يعود إلى أرملة جميلة تسكن فيه وحدها. وقع صالح في غرامها منذ اللحظة الأولى للقائهما وكان أن تزوجا في مسجد قرية أخرى.
كان الفقهاء الخمسة يسكنون في غرفة ملاصقة للجامع ويعيشون من التبرعات التي يجود بها أهل القرية، بيد أن الشيء الذي كان يعكر عليهم صفو حياتهم، هو خشونة الملا واعتداءاته غير المبررة. قال صالح ذات يوم عن الملا، إن الله قد خلقه كي يكون رئيسا لعصابة قتلة وليس رجل دين لا يحمل ذرة من العاطفة في قلبه.

ذات يوم تمرض الملا واضطر أن يلزم الفراش. كان ذلك قبل أن يتوزع الفقهاء على المساجد الشاغرة بفترة قصيرة جدا. عرف الملا أن نهايته قد اقتربت وأن الموت قاب قوسين أو أدنى منه. طلب من تلاميذه أن يجلسوا على مقربة منه. وراح يعتذر منهم واحدا بعد آخر لتصرفاته الخشنة تجاههم ويلتمس منهم الصفح والغفران. ثم الزمهم، على أن يؤدوا اليمين أمامه بتحقيق وصيته، التي تكفر عن ذنوبه الكثيرة أمام الله وهي:أن يربطوا جثته العارية بحبل ويسحلونها عدة مرات حول المسجد وينهالون عليها ضربا إلى أن تكل أيديهم.
بعد أيام قليلة من هذا اللقاء، فارق الملا الحياة. وجاء موعد تنفيذ الوصية. الوصية هي وصية مهما كانت، يجب أن تنفذ، قال أحدهم. ورغم كل شيء، كان الحزن يخيم عليهم. ولما كان الوقت عصرا، قرروا أن يكون موعد التنفيذ هبوط الظلام الدامس، على أن لا يطلع على السر أي واحد من أبناء القرية. وبعد الانتهاء من السحل والضرب تؤخذ الجنازة إلى المسجد ويجري تكفين الميت. وبعد ذلك يتم تبليغ أهل القرية بخبر الوفاة ويجري الدفن في نفس الليلة.
انتظروا في المسجد وانشغلوا بشرب الشاي والتدخين إلى أن هبط الظلام الدامس على الكون. آنذاك شدوا الجثة بحبل وسحلوها حول الجامع وهم يلعنونها ويضربونها بالعصي بكل ما أوتوا من قوة وكأنهم ينتقمون لسنوات الظلم الذي عانوه على يديه. وما أن وصلوا إلى الدورة الثالثة حول المسجد، إلا وسلط عليهم ضوءا كشافا قويا من سيارة مسلحة تابعة لمفرزة من شرطة مراقبة المخدرات والطرق والأرياف. وقفت السيارة وترجل منها عدد من أفراد الشرطة بقرقعات أسلحتهم الاوتوماتيكية وتم تطويقهم من كل الجهات. وراحت الأوامر تصدر من النقيب العسكري:
" قفوا في أماكنكم.. ارفعوا أيديكم.. ارموا أسلحتكم. أي حركة من جانبكم، تعقبها صلية.."
وسرعان ما القي عليهم القبض ووضعت القيود على معاصمهم واقتيدوا إلى السيارة بغية نقلهم إلى مركز ناحية المنطقة لاستجوابهم. قال صالح بألم وهو يبصق على الجثة:
" لعنة الله عليك يا ملا، لم نتخلص من شرورك حتى بعد موتك"



#زهدي_الداوودي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- دولتى عليئه ى عثمانية
- الأواني المستطرقة
- الحاج طرشي و الفأرة
- قسم
- معطف الشقيق الأكبر
- إلى روح الشهيد جالاك سعيد مجيد
- رجاء، أوجدوا هذا المخطوف
- ذكريات مع مظفر النواب
- أسطورة أسمها عرفة
- تحولات من نوع آخر
- حركة الشباب: قوة محركة جديدة
- الزمن الرديء
- إلى الصديق ييلماز جاويد
- بين الديمقراطية والفوضى يسقط الظل
- صديقي العزيز كاظم حبيب
- زهرة الثلج
- نخب الشعب المصري العظيم
- المثقف المصري والانتفاضة
- ثورة أهل الكهف
- لمحة عن تطور الكورد منذ أقدم العصور


المزيد.....




- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - زهدي الداوودي - فقهاء المسجد والملا