أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسين علوان حسين - رجع الوجع / رواية بحلقات / 2















المزيد.....

رجع الوجع / رواية بحلقات / 2


حسين علوان حسين
أديب و أستاذ جامعي

(Hussain Alwan Hussain)


الحوار المتمدن-العدد: 3497 - 2011 / 9 / 25 - 00:38
المحور: الادب والفن
    


- إنزل !
تنبّه ميثم حوله ، لقد توقفت السيارة في الباحة الوسطى لبهو البلدية الذي تحول إلى مديرية للأمن . دار بنظره حول البناية التي كان قد زارها قبل خمس سنين للعب كرة المنضدة ، فتعجب من شدة التغييرات الحاصلة عليها . لقد أبيدت كل أشجار الصنوبر الباسقة التي كانت تصطف بنسق بهيج و مهيب بين حديقة البهو و سياجه الخارجي ، و معها غاب النجيل الناعم و براعم الورد من الحديقة التي تحولت إلى صبة ممدة باردة كالبلقع في الليل . و ما عاد يُسمع هديل اليمام ، و لا تغريد العنادل . أين راحت كل تلك الطيور ؟ ثم ما هذه الرائحة الزنخة التي يعط بها الهواء في هذا المكان ؟ من أين تأتي ؟
- إنزل ، بسرعة !
- نعم ، فأنا على عجلة من أمري .
- إنظروا إليه ، هذا الكافر المجرم ! إنه مستعجل على تشريف جهنم !
جمد الدم في عروق ميثم ، و غامت الدنيا عن عينيه لحظة ، ثم ماج عقله ، و لكنه إستعاد رباطة جأشه . نظر بحدة إلى محدثه المتشفّي : أنه مساعد مدير الأمن : الرائد عبد الله الدليمي ، بوجهه الأصفر المقلم بالصدأ الأعوج الأسمر المسود ، و حاجبيه شبه الأصلعين ، و قامته التي يزري بها قوام برميل النفط المبعج ، و عينيه اللتين تشبهان ثقوب منخل البرغل . لماذا لا يرتدي مثل بقية أفراد قوس الرجال المصطفين حوله النظارات السوداء العاكسة ليخفي بها قباحة عينيه ؟ لابد أنه يحسب عينيه الزرزوريتين الكامدتين أجمل من الواحتين الغناءين لعيني صوفيا لورين . و لكنه كان يشد رتبة نقيب قبل أقل من شهر عندما رآه يفرغ مع سائقه و إبنه وليد أكوام السمك اللابط من سيارة الپك-أب في الطسوت القذرة بغية إدخالها للبيت ، و أم وليد تراقبهم واقفة خلف الباب بعينيها المنغوليتين الغارقتين بالكحل ، و أنفها المحْمر ، و شفتيها الضفدعيتين ، و صدرها المتهدل و العامر بالذهب ، و ساقيها الأعوجين المزينين بحجلين ضخمين من الذهب ، و وجهها المتجهم جراء مقتها لأكوام السمك تلك ، فكيف أصبح رائداً الآن ؟ هل صحيح ما يقوله له صديقه عبد العال من أن ضباط الأمن لهم الحق في إختيار الرتبة التي تعجبهم ؟
- إسمع ، أبو وليد ، أنت تعلم جيداً بأنني أتقزز من رائحة السمك ، و لكنك تصر على جلبه بالأطنان للبيت ، و كل ذلك نكاية بي لكوني لا أطيقه أبداً . ما حاجتك لكل هذه الكمية الكبيرة من السمك ؟ ها ؟ إجلب سمكة واحدة ، أو سمكتين ؛ و ليس طناً من الأسماك دفعة واحدة ! صحيح أن السمك يأتيك هدايا بالمجّان ، و لكن الأرواح و الأرياح ليست مجانية ! يومياً لا يجلب للبيت إلا كل أكلة زفرة موجودة في السوق : يوم كَلّه باچه ، يوم كرشة ، يوم كسور جاموس ! أسمع جيداً ، هذا السمك لا يدخل بيتي إلا بعد أن تقوم أنت بتنظيفه بنفسك الآن ، سمكة فسمكة ! و لا تنس إهداء بعضه للجيران و لمرؤوسيك ، مفهوم !
- مفهوم ، مفهوم ! أجلبي لنا السكاكين و السماط !
- السكاكين في مجر كاونتر المطبخ . وليد : أدخل و أجلبها بسرعة فأنا أريد غلق الباب ؛ أما السماط ، فلا أريد توسيخه ! نظف السمك على التراب خارج البيت ، ثم أشطفه جيداً قبل وضعه بالمجمدة ، و لا تنس كنس كل مخلفات السمك جيداً من أمام الدار ، و رميها بعيداً لئلا يتجمع عليها الذباب و الكلاب ! مفهوم !
- مفهوم ، مفهوم ! بلغي المراسل جمال ليأتي و يساعدنا في العمل !
- جمال ليس بالدار . لقد أرسلته للصائغ ليشتري لي طقم الذهب الهندي الجديد ! و إياك وان تجعله يوسخ يديه بالسمك عندما يعود من المشوار ! أريده أن يعمل لي المساج ، فظهري متخشب !
يجلب و ليد رزمة سكاكين جديدة طويلة و لامعة غير متوفرة البتة في كل أسواق العراق ، فيما تغلق أمه باب الدار ، و تقفله بالرتاج .
في يومها ، أنهمك عشرة من أفراد الأمن - جاءوا من المديرية بسيارة باص - في ملحمة تنظيف السمك و إزالة مخلفاته ، وسط تجمهر الأطفال و الذباب و الكلاب و القطط و الدجاج و الطيور حول المشهد الدموي الزافر . و عكس نصيحة زوجته ، فما عنَّت لأريحية مساعد مدير الأمن الهمام أن تغريه بتجشم عناء إهداء و لو حتى ذيل سمكة واحد لأي من الرفاق العاملين على تنظيف وساخة حمله ، و لا للأطفال الذين زرزر مشهد لحم السمك عيونهم ، و أوجع أمعاءهم ، خصوصاً و أن السمك مقطوع من السوق منذ شهور بفضل تسميم الرفاق لمياه دجلة و الفرات . و بعد الفراغ من العمل تماماً ، و تفرّق النظارة ، وعودة أفراد الأمن للمديرية – بعد أن استعاروا الأنبوب المطاطي لتوصيل المياه و معه مسحوق الغسيل "سومر" من بيوت الجيران ، و شطفوا قذارة و زنخ أيديهم و وجوههم في حدائق الجيران أيضاً – بقي معاون مدير الأمن واقفاً يراوح بين ساق وأخرى وهو يطرق باب الدار بين الفينة و الأخرى نصف ساعة ، و ما من مجيب . و عندما فتحت الملكة الباب أخيراً ، و فاح أريج عطرها الموّار ليمس وتراً حساساً في وجدان زوجها ، هرّت به كالنمرة :
- مالك تقرع الباب كالمدفع ؟ ها ؟ و هل نحن طرشان ؟ الله أكبر عليك و على أفعالك النكراء ! ألا يمكنني حتى أخذ مساجي براحة و بلا فرقعات ؟
- أغاتي أم وليد : السمك ، و نظفناه ؛ و الفضلات ، و نقلناها ؛ و أنا أخشى على السمك من التفسخ . أين هو المراسل جمال ؟
- أنه يستحم !
- طيب ، تعال أنت يا وليد ، و ساعدني في إدخال السمك للبيت .
- خذ زجاجة العطر هذه و تعطر بها أنت و وليد ، و رش الباقي كله على التراب الذي نظفتم عليه السمك ، ثم ارم القارورة في البرميل ، و إياك و إعادتها معك للدار ؛ أسكبها كلها ، مفهوم ؟
- مفهوم ، مفهوم !
توجه ميثم حاملاً كتبه نحو الرائد و هو يقول :
- إسمع ، أبو وليد ، أنت تعرف جيداً بأنني لم أفعل شيئاً خطأ حتى تستدعيني للأمن . و لا يحق لك أن تحول المشادة العابرة بيني و بين إبنك – و التي كان فيها هو الطرف المعتدي – إلى كسر رقبة . إن كنت رجلاً بحق وحقيق ، تعال و واجهني رأساً لرأس ، و ليس غدراً . ثم نحن جيران ، و أنا بمثابة إبنك ، مثلما وليد هو إبنك ، و يفترض بك أن ترعى حق الجار على الجار ! و لكنك تصر على تحويل مشادّة بسيطة إلى مشكلة كبيرة ، و لكن لا تتصور أنك بغدرك لي ستفوز بشيء !
- أسكت ، مجرم ! يا عميل المجوس ! كتّفوا هذا المجرم الخطير على أمن الدولة ، و أدخلوه الموقف حالاً . أن دواءك الشافي عندي ! حقير !
يقذف ميثم كتبه بوجه الرائد ، و يطير خلفها ليقبض على زمارتيه ، فيهوي الرائد أرضاً ، و ميثم فوقه يشدد قبضته على عنقيه و هو يفح فحيحاً . يهجم أفراد الأمن على ميثم ، و يوسعونه ضرباً على رأسه و ظهره و ساقيه و قدميه بالكيبلات و العصي و الركلات ، فيما يعض ميثم أنف غريمه الذي يصرخ كالكلبة ، و يواصل عض و لكم كل مكان فيه . و عندما يفلح أفراد الأمن في سحب ميثم أخيرا عن جثة الرائد الفاقد الوعي ، يشاهدون خرائط من الدماء على كل جسده من الحزام إلى أم رأسه ، فيما يغيب ميثم عن الوعي أيضاً ، و قد تحول جسده كله إلى كتلة من اللحم المتورم النازف و المتدفق تدفق الماء من مرشّة النجيل الدوّارة .
عندما يصحو ميثم من غيبوبته ، يجد نفسه راقداً على سرير ضيق في غرفة ضيقة بلا شبابيك . سريره حديد ، و هناك كرسي صغير حديد ، و خزانة صغيرة حديد ، و أصفاد الحديد تمتد من تحت السرير لتلتف حول معصميه المجبّرين بالجبس . يبدو أنه في مستوصف من نوع ما . جسمه كله متيبس ، كما أن رأسه مجبّر ، وصدره ثقيل ، و رجله اليسرى مجبسة حتى أسفل الركبة ، و يرتدي دشداشة صفراء متهرئة . و حدها ساقه اليمنى حرة الحركة . يتراجع بجهد جهيد إلى الخلف قليلاً ليرفع رأسه . ينظر إلى الباب فيشاهد رجلاً بقمصلة سوداء و نظارات طبية بيضاء يجلس غافياً على كرسيه هناك ، و رأسه يتوسد قائم رجل الكرسي ، و بيده الممتدة نحو الأرضية كتاب ضخم . يتعجب ميثم من وجود رجل أمن يقرأ الكتب . يناديه :
- هَيْ ، أخونا ؛ أنت يا من تجلس بالباب ! تعال هنا ! ساعدني ، أرجوك ! عه-عه !
ما من مجيب !
يتلفّت ميثم حوله و هو يكاد يختنق بشيء كأنه لفافة شعر تخنق أنفاسه . ثم يصرخ ، فيخرج الصوت من صدره بوجع شديد كما لو كان صادراً من غياهب بئر عميق :
- حرس ! أنت يا حرس ! عه-عه-عه !
يتحرك الحرس ، و يعدل وضع إغفاءته .
- حرس ، حرس ! أنت يا حرس ! إنهـ عه-عه-ععععه ــض ! عهيييم ، إنهض ! حرس !
يرفع الحارس رأسه ، فيسمع النداء المكبوت القادم من الأعماق :
- حرس ! أنت يا حرس !
يقف الحرس ، فيسقط الكتاب . ينحني و يلتقطه ، ثم يعدل هندامه و مسدسه ، ينظر يمنة و يسرة ، يتفحص ساعة معصمه ، ثم يدخل كرسيه إلى الغرفة و يغلق الباب و راءه ، و هو يبتسم .
- الحمد لله . أذن فقد صحوت أخيراً !
- ساعدني أرجوك ! أين نحن ؟
- في قاطع مديرية الأمن المغلق بمستشفى الحلة الجمهوري !
- كم يوماً مضى عليّ و أنا هنا ؟
- ثلاثة عشر يوماً .
- و لماذا جسدي كله مضبّر ، و رأسي يكاد ينفجر ؟
- لديك كسور مضاعفة في الساعدين ، و الأضلاع ، و تهشم في الجمجمة ، و في عظام مشط القدم اليسرى !
- امتحان درس الأحياء ! لعنة الله عليك يا عبد الله الدليمي !
- أي إمتحان ، أي أحياء ! احمد الله أنك لم تمت .
- جوعان ! نعم ! عهعه . أنا جوعان ، و عطشان !
- الأكل و الشرب ممنوع عليك ، بأمر الأطباء !
- لماذا ؟ و ما هذا السلك الذي في رقبتي ؟
- أنه أنبوبة المغذي !
- و لماذا الأكل و الشرب ممنوع ؟ هل نحن في رمضان ؟ ما لساعة الآن ؟
- الثالثة و النصف فجراً .
- جوعان ! إمتحان الأحياء ! عه–عه-عه !
يضع الحارس كتابه جانباً ، و يتقدم من ميثم ، فيسحب سلسلة الحديد لإطالتها ، ثم يدفع جسد ميثم إلى أعلى قليلاً قليلاً و بتؤدة شديدة حتى يتخذ ميثم وضع الجلوس على السرير بالإستناد على تكية الرأس ، و يضع الوسادة بين ظهره و التكية .
- أنا ممتن لك ، أخي العزيز .
- لا شكر على واجب . ما اسمك ؟
- ميثم .
- و أين تسكن ؟
- حي الجزائر !
- و بأي صف أنت ؟
- الرابع الإعدادي .
- و من أي الأعمام أنت ؟
- خفاجي ، من الزور .
- و من هو أبوك ؟
- أبي هو الأستاذ عبد الجليل حسين .
- مدير مدرسة المحقق ؟
- نعم ! هل تعرف أبي ؟
- نعم ، و حق المعرفة . أذن أنت خفاجي ؟
- نعم صحيح ! و شيخنا هو راضي المنوّخ .
- رحمه الله !
- رحمه الله ؟ متى توفي ؟ عههعه .
- توفي في المستشفى بلندن ! دفنوه قبل أسبوع ، و مجلس فاتحته ينتهي اليوم !
- و هل أنت خفاجي أيضاً ؟
- نعم ، أنا إبن عمك ! أسمع جيداً و تدبَّر كل الكلام الذي أقوله لك الآن ، و لا تقاطعني أبداً . ينبغي لك أن تسمع كل كلامي قبل أن يأتي الحرس المناوب بعد نصف ساعة ، و هو شخص حقير . أولاً : من هو ضابط التحقيق الذي ألقى القبض عليك ؟
- السافل عبد الله زيدان الدليمي . عهعهعهع .
- الرائد عبد الله ؟ مساعد مدير الأمن ؟ و ما لذي ورطك مع هذا المجرم الرهيب ؟ أليس يسكن في نفس حيّكم !
- نعم ، نحن جيران . البارحة – أحم - أية بارحة ؟ أقصد قبل إعتقالي بيوم ، جاء إبنه و تحرش بي و بشقيقتي مريم جهاراً نهاراً و في الشارع ، و لما حاولت دفع شره بالمعروف ، رفع يده عليّ يروم ضربي ، فرفعته و رميته ببركة الطين . في اليوم التالي ، و أنا خارج من البيت للمدرسة ، جاء جلاو- أقصد أفراد - الأمن ، و قالوا لي بأن لديهم استفسار مني بسيط في المديرية .عهعه . قالوا لي : دقيقتان و تعود لأداء إمتحان درس الأحياء . عهعهعه . و لمّا أخذوني لمديرية الأمن ، وجدت الرائد يقف شامتاً بي ، و يسميني مجرماً و كافراً و عميلَ المجوس ، فأدبته في عُقر داره .
- حسناً فعلت ! كل الشرفاء من أفراد الأمن سُعدوا بما فعلته به . سلمت يداك ! و لكنه قبيح الوجه و الروح ، و ليس من طينة الرجال النجباء الذين يستحون من العيب ! لقد دمّر هذا الحاقد شباب أهل الحلة تدميراً ! بلا أدنى ذمة و لا ضمير ! إسمع ، اليوم سأخرج من هنا لأذهب لدار والدك سراً – فأنا أعرفه موقع داره حق المعرفة ، و هو أستاذي ، كما كان صديقاً عزيزاً للمرحوم والدي – و سأجعله يكتب عريضة بإسمه معنونة لمدير الأمن شخصياً ، و يضعها بمغلف معلّم بعبارة "سري و شخصي" ، يشرح فيها الخصومة بينك و بين إبن مساعد الأمن ، و القضية الكيدية التي يريد المساعد تلبيسك بها ظلماً و عدواناً . و سآخذ العريضة أنا بنفسي سراً ، و أودعها صندوق الشكاوي للمديرية رغم جسامة المخاطرة . أسمع : اليوم هو السبت ، و صندوق الشكاوي يفتحه مدير الأمن بنفسه في الساعة التاسعة و النصف من صباح كل يوم أحد أسبوعياً . و لحسن حظك فأن مدير الأمن يكره مساعده و خصيمك كرهاً رهيباً ، لكونه طامعاً بمنصبه . لقد بات مدير الأمن يعلم علم اليقين بأن مساعده هو الذي يدفع بعض مريديه لرفع تقارير خطيرة ضده للقيادة بقصد إزاحته عن طريقه ، و ذلك لأن المعلومات الخطيرة الواردة في تلك التقارير لا يعرفها سوى مدير الأمن و مساعده . و لهذا فقد أصبح واضحاً تماماً لمدير الأمن مَنْ هو الذي يقف وراء رفعها للجهات العليا ضده . و عليه ، فقد أخذ على عاتقه مهمة جمع النقاط ضد مساعده ، و بضمنها التقارير المرفوعة ضده بكون زوجته لديها علاقة غير شرعية مع إبن عمه و مراسله المدعو جمال الدليمي ، كما أن هناك تقارير أخرى عن حالات إغتصاب و دعارة و اختلاس و تلبيس أحكام مرفوعة ضده . و لو لا دخوله للمستشفى مؤخراً بفضلك ، لكان أمر تنزيل رتبته و نقله للديوانية قد صدر و نُفِّذْ .
- و كم بقي راقداً في المستشفى ؟ و هل إصابته بليغة ؟
- أربعة أيام فقط ! لا تخف عليه ! أنه بسبعة أرواح ! لديه كسر بسيط في أحد الأضلاع ، مع بعض الجروح في الوجه و الصدر !
- الحمد لله أنه لم يمت . ما أسمك يا ابن العم ؟ عهعه ، عه !
- أبن عمك : النائب الضابط المضمد : حسن علي حسين ! أنا منقول إستخدام ؛ من الجيش لمديرية أمن الحلة . ساعة السوداء على هذا الإستخدام المنكود ! و كل ذلك بسبب حاجتي لإكمال دراستي الجامعية ، فأنا طالب في الصف الثالث بكلية الحقوق !
- أنعم و أكرم . لقد شرفني التعرف بك ، أخي العزيز ! تمنياتي لك بالنجاح الباهر و التخرج أولاً على الكلية !
- و لي الشرف ، سيد ميثم ! شكراَ .
- سيد حسن ؟ عهعه .
- نعم !
- أشكرك جزيل الشكر ، أخي العزيز ! أنني سعيد و محظوظ جداً بلقياك ! عه-عه . أنت بركة من السماء أرسلها الله لي ! عه-عه .
- العفو !
- سيد حسن ؟
- نعم ، إبن العم ؟
- لماذا يتلذذ البشر بتدمير بعضهم البعض ؟ ها ؟ كيف يمكن أن يسعد الإنسان من الأذى الذي يلحقه بغيره من البشر ؟ عهعهع . حتى ذئاب البادية تخجل من خسة ما يفعله الواحد منّا بالآخر !
- لا حول و لا قوة إلا بالله . أخي : إن الإنسان لكنود ، و أن تعلقه بوسخ الدنيا لشديد . لا يُشبع عين إبن آدم النهمة غير حفنة من التراب المالح . إسمع ، لا تضيّع الوقت علينا بالكلام الكثير ! وضعك حرج ، بل و خطير ! و أنت ما تزال طفلاً ! أريد منك أن تعود لغيبوبتك يوماً و نصف يوم آخر ! واضح ؟
- واضح ! عه-عه .
- و من جانبي ، فسأكتب في تقريري الصحي لوجبتي اليوم بأن حالتك الصحية مستقرة ، ولكنك ما زلت غائباً عن الوعي . يوم و نصف فقط ، و بعدها تخرج طليقاً للبيت ! و بعكسه ، إذا عَلِمَ الرائد عبد الله بصحوتك ، فلن يتسنى لك مغادرة مديرية الأمن إلا و أنت جثة نازلة من المقصلة أو المشنقة . كل ضباط التحقيق في المديرية هم بيادق بجيبه ! أقل تهمة يمكنه تعليبها برأسك هي الإعتداء بالضرب على ضابط أمن خلال أدائه للواجب . إسمع ، في حالة فشل هذه الخطة ، لا سمح الله ، فإياك إياك و التوقع على أي إعتراف بالإنتماء لأي حزب معاد للبعث . كل حزب سياسي في العراق رئيسه ليس صدام حسين هو حزب معادي لصدام حسين ، و الإنتماء إليه حتى في الحلم حكمه الإعدام . واضح ؟
- واضح ! شكراُ ، عزيزي . عهعه .
- أنت تعرف شعار صدام : من ليس معنا ، فهو علينا . و تعرف من هي الأحزاب المعادية : الحزب الشيوعي ، حزب الدعوة ، منظمة العمل الإسلامي ، الحزب الإسلامي ، جماعة علماء المسلمين . و أي إعتراف بالإنتماء إلى أي حزب منها ، أو وجود أدنى علاقة مع أي شخص منتم إليها ، حتى و لو مجرد علاقة عابرة ، سيوصلك للإعدام حتماً حسب الأصول و القوانين البعثية للعدالة . مُتْ تحت التعذيب ، و لا تعترف بشيء ، واضح ؟
- و أنا الغبي الذي كنت أظن أن هؤلاء هم أقوام من البدو الرحل ! شكراً لك على هذه المعلومات القيمة ! عه-عهعه !
ينظر حسن لساعته .
- بقيت عشرة دقائق و أسلمك للبديل . سأستبدل لك زجاجة المغذي و أخرج ، و حالما يأتي بديلي ، سأنقر لك على الباب ثلاثاُ بهدوء ، فتعود ثانية للغيبوبة ! يوم و نصف يوم كامل ، لا تنس ! أي في موعد خفارتي القادمة هنا !
- إجلب لي معك دجاجة مشوية كاملة ، محشوة بالرز و اللوز !
- تؤمر !
- أشكرك ! عهعه . و معها خمسة نفرات كباب !
- تؤمر ! هذه أمرها بسيط و مقدور عليه !
- أشكرك ! و صينية بقلاوة بالدهن الحر ، مع صينية دهين بالمبروش !
- تؤمر !
- أشكرك ! عطشان موت ، أرجوك ! عه-عه !
- لحظة !
يخرج حسن ، و يعود بعد ثوان ، و هو يحمل طاسة ماء كبيرة . يغلق الباب ، و يقفله بالمفتاح . يقرب حافة الطاسة من شفاه ميثم ، و هو يقول :
- إشرب حسوة فحسوة . نعم هكذا ! أحسنت ! لعنة الله على الظالمين !
يحتسي ميثم كل ماء الطاسة رشفات صغيرة .
- أريد طاسة ثانية ! عهعهع
- خادم !
- هوهوووهع هعوووو !
- لا تبكِ ، أرجوك ! كن رجلاً يا إبن العم ! و لا تشمِّت بنا الظالمين !
- رحمة الله على البطن التي حملتك ، و حماك الله ! أنا من هو خادمك ، يا أيها الشريف ! يا إبن الشرفاء !
يتبع / لطفاً !



#حسين_علوان_حسين (هاشتاغ)       Hussain_Alwan_Hussain#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رجع الوجع / رواية بحلقات
- كتاب الدرر البهية في حِكَمْ الإمبريالية الأمريكية
- رسالة من طفل عراقي إلى الرئيس بوش
- ملاحظات شخصية في الترجمة
- الحدّاد و القوّاد
- سيّد خوصة : المناضل سابقاً و المجاهد لاحقاً
- آخر أحكام رب العالمين في أهل العراق
- من أخبار شيخ الشط
- قوانين التاريخ و جرائم الرأسمالية : أجوبة للأستاذ الفاضل رعد ...
- قوانين التاريخ ، و جرائم الرأسمالية وقادة الأحزاب الإشتراكية ...
- دفاعاً عن المفهوم المادي للتاريخ : الأستاذ نعيم إيليا متمنطق ...
- موجز لقوانين التاريخ : جواب محدد لسؤال محدد للأستاذ الفاضل ر ...
- الإمام العباس و أمين الصندوق صالح إبراهيم
- علمية الماركسية و الآيديولوجيا و أشياء أخرى : رد على ملاحظات ...
- علمية الماركسية و الآيديولوجيا و أشياء أخرى : رد على ملاحظات ...
- علمية الماركسية و الآيديولوجيا و أشياء أخرى : رد على ملاحظات ...
- خرافة دحض الماركسية العلمية / رد على الأخ الكبير الأستاذ يعق ...
- الكلبة -سليمة كُرْفَتِچْ- و البغل -خوشْطَرِشْ-
- النص الكامل لمسرحية -عرس واوية- : ذرة من وقائع كل إنتخابات ع ...
- نص مسرحية -معمعة العميان-


المزيد.....




- فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ ...
- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...
- حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال ...
- الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول
- الأسبوع المقبل.. الجامعة العربية تستضيف الجلسة الافتتاحية لم ...
- الأربعاء الأحمر -عودة الروح وبث الحياة
- أرقامًا قياسية.. فيلم شباب البومب يحقق أقوى إفتتاحية لـ فيلم ...
- -جوابي متوقع-.. -المنتدى- يسأل جمال سليمان رأيه في اللهجة ال ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسين علوان حسين - رجع الوجع / رواية بحلقات / 2