أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الصحافة والاعلام - عدنان حسين أحمد - المبالغة والغرور














المزيد.....

المبالغة والغرور


عدنان حسين أحمد

الحوار المتمدن-العدد: 3496 - 2011 / 9 / 24 - 12:48
المحور: الصحافة والاعلام
    


لا أستطيع أن أحدِّد السبب الرئيس الذي يدعو العراقيين خاصة والعرب بشكل عام إلى المبالغة والغرور لأن هذا التحديد الذي يُفترَض أن يكون علمياً يحتاج إلى استبيانات ومختبرات ومراكز أبحاث دقيقة تتصدى لهاتين الخِصلتين المقيتتين اللتين تتوفران عند شرائح واسعة من العراقيين تحديداً. وللإجابة على هذا السؤال الإشكالي لابد لنا من العودة إلى البيئتين الرئيسيتين وهما المنزل والمدرسة بوصفهما الحاضنتين الأوليتين اللتين تزقّان العلم والمعرفة ومنظومة القيم والأعراف والاجتماعية إلى ذهنية الطفل العراقي الذي ينمو مع تقادم السنوات.
كلنا يعرف بأن البيئة المنزلية للطفل العراقي ليست سليمة وصحيّة تماماً لأسبابٍ كثيرة لعل أبرزها من وجهة نظري المتواضعة أن المجتمع العراقي لايزال يراوح حتى الآن بين نمطين حياتيين مُهمين وهما النمط البدوي والريفي، أما النمط المديني أو الحضري الموجود هو الآخر ضمن مساحات محددة، لكنه يتعرّض بين أوانْ وآخر إلى هزّاتٍ اجتماعيةً تكاد أن تطمسه أو تضيّق عليه الخناق في الأقل، وتدفعه في نهاية المطاف إلى زاوية شبه ميتة لا يُحسَد عليها. وقد برزت إلى السطح ظاهرة تريّيف المدينة العراقية خلال سنوات الحكم السابق، ثم تفاقمت خلال الأعوام التي أعقبت التغيّير. وهذا التريّيف، سواء أكان مقصوداً أم غير مقصود، هو الذي يؤسس لمنظومة القيم الثقافية والمعرفية والاجتماعية والنفسية وما إلى ذلك.
لا شك في أن القيم البدوية والريفية هي أكثر خشونة وفظاظة من القيم المدنية المتحضرة التي تتلاءم مع روح العصر. وهذه الخشونة هي التي تفضي إلى تقبّل نوع من القناعات الشاذة التي لا تنسجم مع المنطق العقلاني الذي يُقنع غالبية الناس تقريباً مع الإقرار سلفاً بوجود حالات شاذة دائماً تحاول أن تكرِّس هذا الشذوذ غير المُستحَب. سأسوق في هذا الصدد بعض الأمثلة "المنزلية والمدرسيّة" التي تعزِّز صحة ما نذهب إليه.
يطبع الأبوان في الأسرة العراقية صورة "مفبركة" في أذهان أطفالهم بأنهم الأذكى والأفضل والأقوى والأشجع من غيرهم من الأطفال، فيتوهم هؤلاء الضحايا بدرجة "التفضيل"، الثالثة وهي الأعلى طبعا،ً التي تميّزهم عن بقية أقرانهم الذين يحتلون بالضرورة الدرجة الثابتة كأن نقول: "هذا طفل ذكي أو قوي أو جميل"، لكن أي أمٍ عراقية تحاول أن تكرِّس في ذهن طفلها بأنه "الأذكى والأقوى والأجمل" من بقية الأطفال. هكذا تتخلّق الأنا وتتضخم لتصبح عقدة حقيقية تنمو مع الأعوام ثم تغدو مرضاً عضالاً لا يمكن اجتثاثه أو القضاء عليه ما لم يتم محو هذه القيم الفكرية الخاطئة التي أوهمت الطفل بعبقرية زائفة، وقوة غير موجودة، وشجاعة لا أساس لها من الصحة إلا في أوهام الأب المتطوّس أو في المخيلة المريضة للأم المتبجِّحة. فلا غرابة أن ينشأ الطفل على المفردات التي تعزّز الغرور والمبالغة لأنه يستمدها من المعطيات الثقافية الرائجة من قبيل "الإمام الأعظم" و " الزعيم الأوحد" و " الشاعر الأكبر" وهلّم جرا حتى تغدو هذه الصيغ المتضخمة مرضاً قاتلاً يفضي بصاحبها إلى الغطرسة والعجرفة والجنون. وهذه الصيغ الزائفة لا أساس لها من الصحة إلا في الأذهان المريضة والعقول المبالِغة المؤوفة التي لا تخجل من مبالغاتها حينما تقول على لسان عمرو بن كلثوم الذي هو أنموذج مصغّر لأمة كبيرة لم تكلّف نفسها عناء وضع هذه المبالغات في المختبرات العلمية التي ترى الأشياء بحجمها الطبيعي الذي يمنع المبالغة الفضفاضة، ويحرِّم الغلوّ الزائف. يقول عمرو بن كلثوم: " إذا بلغَ الرضيعُ لنا فطاماً / تخرُّ له الجبابر ساجدينا". كيف لنا، إذاً، أن نُقنِع الآخرين بهذا الغلوّ الكلامي الفارغ الذي رشَحَ إلينا من ذاكرة مريضة مشوهة ترى الأشياء أكبر من حجمها الطبيعي بآلاف المرات؟



#عدنان_حسين_أحمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تحيّة لدار الشؤون الثقافية العامة
- الروائي زهير الجزائري في أمسية ثقافية بلندن (3)
- إلى السيد نوري المالكي، رئيس مجلس الوزراء المحترم
- شركة الناصر للطيران
- الأحزاب الدينية والسينما العراقية
- الشخصية المنشطرة وتعزيز الأمكنة الافتراضية
- الحقوق المائية
- رواتب البرلمانيين العراقيين
- القرصنة والابتزاز
- مُحفِّزات أعمال الشغب والعنف في بريطانيا
- الجادرجي في أمسية ثقافية بلندن يتحدث عن تأثير ثورة 14 تموز ع ...
- صلاح نيازي يرصد التغييرات التي طرأت على الأدب والفن بعد ثورة ...
- عبد المنعم الأعسم يتحدث عن ثقافة التسامح
- تحديات الإعلام العراقي في الداخل والخارج
- الصدمات و الكراهية في السياق العراقي
- قاسم حول: -المغني- فيلم متميز في مضمونه وشكله وقيمه الجمالية
- خالد القشطيني يقرأ بعض حكاياته ويوقّع كتابه الجديد -أيام عرا ...
- الواقعية الجديدة في -زهرة- بارني بلاتس
- -حديث الكمأة- لصبري هاشم أنموذج للرواية الشعرية
- أسرار فرقة الدونمه ودورها في المجتمع التركي الحديث (3-3)


المزيد.....




- إزالة واتساب وثريدز من متجر التطبيقات في الصين.. وأبل توضح ل ...
- -التصعيد الإسرائيلي الإيراني يُظهر أن البلدين لا يقرآن بعضهم ...
- أسطول الحرية يستعد لاختراق الحصار الإسرائيلي على غزة
- ما مصير الحج السنوي لكنيس الغريبة في تونس في ظل حرب غزة؟
- -حزب الله- يكشف تفاصيل جديدة حول العملية المزدوجة في عرب الع ...
- زاخاروفا: عسكرة الاتحاد الأوروبي ستضعف موقعه في عالم متعدد ا ...
- تفكيك شبكة إجرامية ومصادرة كميات من المخدرات غرب الجزائر
- ماكرون يؤكد سعيه -لتجنب التصعيد بين لبنان واسرائيل-
- زيلينسكي يلوم أعضاء حلف -الناتو- ويوجز تذمره بخمس نقاط
- -بلومبيرغ-: برلين تقدم شكوى بعد تسريب تقرير الخلاف بين رئيس ...


المزيد.....

- السوق المريضة: الصحافة في العصر الرقمي / كرم نعمة
- سلاح غير مرخص: دونالد ترامب قوة إعلامية بلا مسؤولية / كرم نعمة
- مجلة سماء الأمير / أسماء محمد مصطفى
- إنتخابات الكنيست 25 / محمد السهلي
- المسؤولية الاجتماعية لوسائل الإعلام التقليدية في المجتمع. / غادة محمود عبد الحميد
- داخل الكليبتوقراطية العراقية / يونس الخشاب
- تقنيات وطرق حديثة في سرد القصص الصحفية / حسني رفعت حسني
- فنّ السخريّة السياسيّة في الوطن العربي: الوظيفة التصحيحيّة ل ... / عصام بن الشيخ
- ‏ / زياد بوزيان
- الإعلام و الوساطة : أدوار و معايير و فخ تمثيل الجماهير / مريم الحسن


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الصحافة والاعلام - عدنان حسين أحمد - المبالغة والغرور