أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - حسن محسن رمضان - الآراء الاستشراقية في نقد النصوص المقدسة الإسلامية















المزيد.....



الآراء الاستشراقية في نقد النصوص المقدسة الإسلامية


حسن محسن رمضان

الحوار المتمدن-العدد: 3496 - 2011 / 9 / 24 - 12:48
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


في العاشر من هذا الشهر الجاري دُعيت إلى إلقاء محاضرة في الصالون الثقافي الكويتي تحت عنوان (الآراء الاستشراقية في نقد النصوص المقدسة الإسلامية). أدناه هو محتوى هذه المحاضرة التي استمرت، مع النقاش الذي دار حولها، حوالي ثلاث ساعات.



يتميز السياق الثقافي الإسلامي بخاصية التطرف في ردود الأفعال بكل ما يتعلق بالدين الإسلامي. تلك الذهنية وما يصاحبها من حساسية مفرطة تفترض أن أي نقد للدين الإسلامي ونصوصه سوف يؤدي بالضرورة إلى "التشكيك" بالدين وهدم العقيدة. إلا أن ما يدل على بطلان تلك الفرضية أن أكثر دين تعرض إلى النقد المنظم مع نصوصه ورموزه المقدسة منذ حوالي الأربعمئة سنة ولا يزال هو الدين المسيحي، ومع ذلك هذا الدين لا يزال عدد أتباعه يفوق بكثير عدد أتباع الدين الإسلامي ولا تزال حركات التبشير المسيحي أنشط وأنجح بمراحل متعددة من باقي الأديان مجتمعة. فالنقد العقلاني من المفترض أن يزيد البنيان الصلب صلابة في نفس الوقت يهدم الأوهام والخيالات التي بُنيت حول هذا الدين على مر القرون من خلال تعدد الظروف السياسية والفكرية والعقائدية. فلا خوف إذن من نقد النصوص الإسلامية المقدسة (قرآن وحديث) لأن النقد سوف يؤدي إلى تنشيط الحركة الفكرية والنقدية عند المسلمين أنفسهم لينظروا إلى نصوص الحديث المنسوبة للنبي على أنها تحتمل الخطأ الذي نتج من تناقل الرواية الشفهية من الرواة أو حتى الوضع والتزوير وإنْ كانت موجودة في ما يُسمى بكتب (الصحاح)، ولينظروا إلى نصوص القرآن ودلالاتها من خلال تفاسير أكثر واقعية ودقة مما هو موجود بين أيدينا اليوم. وكل ما هو مطلوب من المسلمين هو (الهدوء) قليلاً والتفكير في تلك الانتقادات بدلاً من تبني التطرف في ردود الأفعال والمظاهرات والحرق والتدمير، فـ (الهدوء) يقود إلى نتيجة عقلانية، بينما الحساسية المفرطة تؤدي إلى قناعة راسخة عند المنتقدين بأن انتقادهم قد أصاب كبد الحقيقة، لا أكثر من هذا ولا أقل.

قبل الدخول في بعض الآراء الاستشراقية في نقد النصوص الإسلامية لابد لنا من مقدمة في تاريخ نقد النصوص المقدسة عند المسلمين أنفسهم وعند غيرهم حتى نعرف أن عملية النقد هذه ليست شيئاً طارئاً حديثاً يتولاه المستشرقون فقط ضد الدين الإسلامي بالتحديد.

أحد أهم التحديات التي تواجهها النصوص المقدسة بوجه عام هي مسألة التعارض بين ما تطرحه هذه النصوص كحقيقة تاريخية أو علمية وبين الواقع التاريخي والمُشاهد أو نتائج التجربة العلمية أو استنتاج العقل أو حتى تغير مضمون القيم الأخلاقية بين الأزمان والعصور. ولا يوجد أي نص اتصف بصفة القداسة إلا وواجه هذا التحدي كما أشار عبد الرحمن بدوي في كتابه (مذاهب الإسلاميين). فقد لاحظ هناك أن أشعار هوميروس عندما تحولت إلى نص ذي سلطة، اضطر المفكرون اليونانيون في القرن الخامس قبل الميلاد إلى تأويله والتفريق في بين (الظن) و (الحقيقة) في هذه النصوص لإزالة أوجه التعارض أو التوفيق بين مضامين "المعايير" الجديدة ومعايير النص القديمة. وأشار عبد الرحمن بدوي في كتابه أيضاً بأن الديانات التوحيدية ونصوصها لم تكن بمعزل عن هذه الإشكالية، فنجد أحد أقدم المحاولات التي وصلت إلينا لفض هذا التعارض قد قام بها (فيلون اليهودي) في القرن الأول الميلادي، مع الأخذ بعين الاعتبار أنه قد سبقه الكثيرون هو أشار إليهم ولكن لم تصلنا كتاباتهم. وكان الدافع الأساسي لكتابات (فيلون) هو الحملة التي قام بها المفكرون اليونانيون على نصوص التوراة وكتب اليهود المقدسة وما تحتويه من قصص وأساطير ساذجة أو غير معقولة مثل برج بابل و الحية التي أغرت حواء في الجنة وأحلام يوسف. هذا النقد اضطر فيلون إلى الدفاع عن التوراة بواسطة تأويل هذه المواضع الاسطورية أو غير المعقولة تأويل رمزي أو باطن.

بالطبع لم تكن المسيحية ونصوصها المقدسة بمعزل عن هذا النقد الذي قام به أيضاً أتباع الفلسفة وذوي الثقافة اليونانية. إذ أشار أيضاً عبد الرحمن بدوي إلى أن هذا النقد كان من الشدة بحيث اضطر المدافعون عن هذه النصوص المقدسة إلى التطرف في التأويلات دفاعاً عن هذه النصوص وعن العقيدة المسيحية كما استقرت عليها لاحقاً. وأحد أشهر الممثلين لهذا الغلو في التأويل هو القديس جستين الشهيد (St. Justin the Martyr). ولكن من جهة ثانية كان هناك من الآباء المسيحيين المدافعين عن هذه النصوص المقدسة ممن اضطروا في النهاية أمام هذا النقد اليوناني إلى الإقرار بأن هناك استحالات غير قابلة للتصور أو الحدوث في التوراة، فلا يمكن، مثلاً، أن يكون هناك صباح ومساء وأيام قبل خلق النجوم والشمس والقمر في اليوم الرابع كما تقول التوراة، ولا يمكن أن يكون الله مثل مزارع يزرع بستاناً (جنة) ثم يتنزه فيه، ولا يمكن أن يتكلم أحد عن "وجه" الله استتر منه قابيل. وأشار عبد الرحمن بدوي أيضاً أن هؤلاء الآباء المسيحييون اضطروا أيضاً للإقرار بأن بعض المعايير الأخلاقية الواردة في الأناجيل غير قابلة للتطبيق على مثال (لوقا 10:4): (لا تحملوا كيساً ولا مزوداً ولا أحذية ولا تسلموا على أحد في الطريق)، أو الآية الأشهر في الأناجيل (متى 5:39): (أما أنا فأقول لكم لا تقاوموا الشر، بل من لطمك على خدك الأيمن فحول له الآخر أيضاً).

ثم نصل إلى النقد الأشهر للكتب المقدسة المسيحية واليهودية معاً (العهد القديم على الخصوص) في كتاب (سبينوزا) الشهير (رسالة في اللاهوت والسياسة). هذا النقد كان من الصرامة بحيث كانت هناك محاولات لاغتيال سبينوزا بسببه. سبينوزا استخدم منهج (ديكارت) العقلي التي تلخصها مقولته الشهيرة (ينبغي قبل كل شيء أن نتمسك بقاعدة تعصمنا من الزلل وهي أن ما أوحاه الله هو اليقين الذي لا يعدله يقين أي شيء آخر، فإذا بدا أن ومضة من ومضات العقل تشير إلينا بشيء يخالف ذلك وجب أن نخضع حكمنا لما يجيء من عند الله) سبينوزا استخدم هذه المقولة ولكن لصالح العقل وليس النص المقدس كما توحي به ألفاظ مقولة ديكارت المباشرة. إلا أن ديكارت أنار الطريق لسبينوزا بسبب قناعة أخرى تلخصها مقولته (لا يمنع أن نعتقد فيما أوحاه الله كما نعتقد في معرفة أكثر يقيناً، لأن الإيمان الذي يتضمن دائماً أشياء غامضة ليس نعلاً للعقل بل فعل للإرادة). سبينوزا جعل العقل وحده هو الحَكَم على النص المقدس، وما هو غير قابل للبرهان العقلي بوضوح فهو غير "ثابت" عنده. فهو يعتقد أنه إذا غاب العقل ظهرت الخرافة، وإذا سادت الخرافة ضاع العقل تماماً. [للمزيد حول هذه النقطة على القارئ الكريم الرجوع لمقدمة مترجمي رسالة اللاهوت والسياسة إلى اللغة العربية].

لم تسلم النصوص الإسلامية المقدسة (قرآن وحديث نبوي) من النقد قديماً وحديثاً. بل الحقيقة هي أن نصوص القرآن قد تم نقدها عند أول تجليها على لسان النبي محمد في محاولة إما للتعجيز أو لإثبات الاستحالة المنطقية للآيات القرآنية. تنقل لنا السيرة النبوية أحد أشهر الأمثلة في رفض قريش لفكرة شجرة الزقوم، فهي (شجرة تخرج في أصل الجحيم) كما ورد في القرآن، وكان رفضهم على أساس كيف لشجرة أن تنبت في النار؟ وأيضاً، عندما نزلت الآية من سورة الأنبياء (إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون)، قال عبدالله بن الزعبري السهمي: "سلوا محمداً، أكل ما نعبد من دون الله حصب جهنم؟ فنحن نعبد الملائكة والنصارى تعبد عيسى"، فنزلت عندها آية أخرى تُكمل الآية السابقة وتستثني مَنْ ذكرهم كفار قريش: (إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون). وهنا بالذات ملاحظة جديرة بالتنويه عليها وهي أن الوحي في الإسلام ليس بالضرورة وحياً آنياً لحظياً، بمعنى أن الوحي لا يكون دائماً فورياً في تدخله، ولكنه يتأخر بفترات زمنية قد تطول أو تقصر. فقد ناقش كاتب هذه المقالة في كتابه (نقد نص الحديث – جهيمان العتيبي واحتلال الحرم المكي كمدخل) باسهاب هذه الملاحظة للتدليل على عدم دقة رواية وردت في صحيح مسلم. فبعد معركة بدر أخذ المسلمون عدداً من الأسرى، وكان أما النبي خيارين، إما قتلهم أو أخذ الفدية ثم إطلاقهم. واستقر النبي على الخيار الثاني، خيار قبول الفدية وإطلاق الأسرى. بعد هذا القرار، نقرأ في السيرة أن قريش في مكة تواصت على أن يتمهلوا ويتأخروا في طلب فكاك أسراهم حتى لا يُشدِّدَ عليهم النبي في قيمة الفداء، ثم بعد ذلك التأخير أتى المدينة من مكة مكرز بن حفص مدشناً بذلك عملية الفداء. ونجد النبي يقول لأصحابه عن أحد الأسرى (إن له بمكة ابناً كيِّساً تاجراً ذا مال، وكأنكم به قد جاءكم في طلب فداء أبيه). ونجد الصحابي مصعب بن عمير يقول لآسر أخيه أبو عزيز بن عمير: "شُدَّ يدك به، فإنه أمه ذات متاع لعلها تفديه منك"، ثم بعد ذلك نجد أمه في مكة تسأل عن "أغلى ما فُديَ به قرشي"، فلما قيل لها المبلغ، فدت به ابنها وفكّته من أسره. ونجد أيضاً ابنة النبي زينب تبعث من مكة في فداء زوجها أبي العاص بن الربيع مالاً وقلادة كانت للسيدة خديجة، فرد النبي عليها فداءها وقلادتها عليها وأطلق زوجها. ونقرأ أيضاً أن أبو سفيان رفض رفضاً قاطعاً أن يفدي ابنه عمرو، وأبقاه أسيراً بأيدي المسلمين حتى أسر أبو سفيان سعد بن النعمان وبادله بابنه عمرو، رأساً برأس. ويُحدّثنا ابن عباس فيقول: "كان ناس من الأسرى يوم بدر لم يكن لهم فِداء، فجعل رسول الله (ص) فداءَهم أن يُعلِّموا أولاد الأنصار الكتابة". كل هذه الأحداث، ضمن أخرى غيرها، والرحلات بين مكة والمدينة في فداء الأسرى قد استغرقت أسابيع على أقل تقدير إن لم تكن أكثر، سكت فيها الوحي تماماً عن مسألة قبول الفداء في الأسرى. حتى إذا تم إطلاق آخر أسير، نرى الوحي يتنزلُ بعتاب الله جلّ شأنه للنبي: ﴿ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يُثخِنَ في الأرض، تريدون عَرَض الدنيا والله يريد الآخرة والله عزيز حكيم. لولا كتابٌ من الله سبقَ لَمَسَّكم فيما أخذتم عذابٌ عظيم﴾. ولا تصمد هنا أمام النقد أبداً تلك الرواية التي جاءت في صحيح مسلم والتي تجعل النبي يأخذ برأي أبي بكر الصديق في أخذ الفدية، ويرفض رأي عمر بن الخطاب في قتلهم، ثم نرى عمر يقول: "فلما كان من الغد جئت إلى رسول الله (ص) فإذا هو وأبو بكر قاعدان يبكيان"، أي يبكيان بسبب نزول آية العتاب السابقة التي ترفض أخذ الفدية. إذ أن مسألة إطلاق الأسرى بالتأكيد لم تأخذ ليلة وضحاها بسبب المسافة بين مكة والمدينة من جهة، وبسبب أيضاً أن مسألة الفداء لم تتولاها مؤسسة (دولة) بحيث يكون جماعياً، وإنما كان متروكاً لكل عائلة قرشية أمر فداء أسيرها، وهذا بطبيعة الحال يستغرق وقتاً طويلاً بلا شك، هذا إذا غضضنا النظر تماماً عن غياب أية رواية في أي مصدر تاريخي أو فقهي تقول بأن الفداء كان جماعياً، بل على العكس، كلها تصر على أن الفداء كان فردياً متفرقاً. بل التجربة تدل أن تعليم الصبيان الكتابة، كما اشترط النبي على من لا يملك فداءاً من أسرى بدر، يتطلب وقتاً لا يُقاس بالأسابيع، ولكن بالشهر والشهرين والثلاثة على أقل تقدير. والسؤال الذي يُلح هنا هو: لماذا يترك الوحيُ النبي (ص) كل هذه المدة الطويلة في أمر سوف يعاتبه عليه لاحقاً؟ لكن الشيء المؤكد أن رواية صحيح مسلم لا تصمد أمام النقد. [للمزيد من التفاصيل حول هذه النقطة راجع: نقد نص الحديث - جهيمان العتيبي واحتلال الحرم المكي كمدخل، حسن محسن رمضان، الطبعة الأولى، دار الحصاد، دمشق].

لكن النقد أيضاً طال الحديث النبوي عند انتشار تداوله إلى حد أنه اشتهر، سواء أكان حقاً أو باطلاً، أن الإمام أبي حنيفة النعمان يرد الكثير من نصوص الحديث من رواية الآحاد إذا تعارضت مع القرآن. يقول ابن عبد البر القرطبي: أن "كثير من أهل الحديث استجازوا الطعن على أبي حنيفة لرده كثيراً من أخبار الآحاد العدول، لأنه كان يذهب في ذلك إلى عرضها على ما اجتُمع عليه من الأحاديث ومعاني القرآن، فما شذّ عن ذلك رده وسماه شاذاً". إلا أن المعتزلة لهم نقد أكثر صراحة وأشد قسوة لنصوص الحديث. أشهر من نقد الحديث المنسوب للنبي مع كون نصه محكوماً بصحته عند بعض المذاهب هو إبراهيم بن سيار النظام. فهو، مثلاً، يرد حديثاً ورد في صحيح البخاري بواسطة منطق عقلي بسيط. فعند تطرقه لحديث الصحابي عبدالله بن مسعود عن أن أهل مكة سألوا النبي (ص) أن يريهم معجزة، فانشق القمر إلى (فرقتين، فرقة فوق الجبل، وفرقة دونه)، اعترض إبراهيم النظّام على صحة هذه الرواية وعلى راوي الحديث الصحابي ابن مسعود أيضاً بقوله: "إن الله تعالى ما شقّ القمر له وحده، وإنما يشقه آية للعالمين. فكيف لم يعرف ذلك غيره؟ ولم يؤرخ الناس به؟ ولم يذكره شاعر؟ ولم يُسلم عنده كافر؟ ولم يحتجَّ به مسلم على كافر؟".

ثم يستمر إبراهيم النظام في نقد الرواية المنسوبة للنبي والرواة أيضاً على أساس تناقض مضمون التشريع أو الحُكم واستحالة صدور هذا التناقض عن النبي، فيقول: "الذين رووا منهم أن النبي قال: (لا عدوى ولا طيرة)، وأنه قال: (فمن أعدى الأول؟)، هم الذين رووا أن النبي قال: (فر من المجذوم فرارك من الأسد) (؟!). وأتاه رجل مجذوم ليبايعه بيعة الأسلام فأرسل إليه من بايعه مخافة أعدائه (...) والذين يروون أن النبي قال: (خير أمتي القرن الذي بُعثتُ فيه)، هم الذين رووا أن النبي قال: (مَثَل أمتي مثل المطر لا يدري أوله خير أم آخره). والذين رووا منهم أن الصعب بن جثامة قال: "يا رسول الله ذراري المشركين تطؤهم خيلنا في ظُلَم الليل عند الغارة؟"، قال: (اقتلوهم فإنهم مع آبائهم)، وأنه حين أغزى أسامة بن زيد إلى ناحية الشام، أمر أن يُحرَق المشركين بالنار وذراريهم، هم الذين يروون أن النبي بعث سرية فقتلوا النساء والصبيان، فأنكر النبي (ص) ذلك إنكاراً شديداً، فقالوا: "يا رسول الله، إنهم ذراري المشركين"، وإن خالد بن الوليد لما قتل بالغمصا الأطفال، رفع النبي يديه حتى رأى المسلمون بياض أبطيه، وقال: (اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد)".

أما فيما يتعلق بالحديث المنسوب للنبي: (خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يجيء قوم تسبق شهادة أحدهم يمينه ويمينه شهادته) نقل لنا ابن أبي الحديد المعتزلي الآتي في نقد مضمون هذا الحديث: "القول في الحديث الأخر، وهو قوله (ص): (القرن الذي أنا فيه). ومما يدل على بطلانه أن القرن الذي جاء بعده بخمسين سنة شرُّ قرون الدنيا، وهو أحد القرون التي ذكرها في النص. وكان ذلك القرن هو القرن الذي قُتِل فيه الحسين، و أُوقع بالمدينة، وحوصرت مكة، ونقضت الكعبة، وشربت خلفاؤه والقائمون مقامه والمنتصبون في منصب النبوة الخمور، وارتكبوا الفجور، كما جرى ليزيد بن معاوية وليزيد بن عاتكة وللوليد بن يزيد. أريقت الدماء الحرام، وقُتِل المسلمون، وسُبيَ الحريم، واستُعبد أبناء المهاجرين والأنصار، ونقش على أيديهم كما ينقش على أيدي الروم، وذلك في خلافة عبد الملك [بن مروان] وإمرة الحجاج. وإذا تأملت كُتب التواريخ وجدت الخمسين الثانية شراً كلها لا خير فيها، ولا في رؤسائها وأمرائها، والناس برؤسائهم وأمرائهم. والقرن خمسون سنة، فكيف يصح هذا الخبر؟!" .

أما أبو الريحان البيروني، صاحب كتاب الآثار الباقية عن القرون الخالية، فيستعمل الحساب الفلكي في مقارنة التقويم اليهودي مع الأشهر العربية وقت هجرة النبي (ص) إلى المدينة ليجزم ببطلان حديث منسوب للنبي ورد في كتب الصحاح قائلاً: "وهذه الرواية غير صحيحة لأن الإمتحان يشهد عليها"، أي حساب التقويم اليهودي لا يتطابق مع مضمون تلك الرواية التي يُدّعى صحتها. البيروني هنا يقصد حديثاً ورد في صحيح البخاري عن ابن عباس منطوقه: (قدم النبي (ص) المدينة فرأى اليهود تصوم يوم عاشوراء، فقال ما هذا. قالوا هذا يوم صالح، هذا يومٌ نجىّ الله بني إسرائيل من عدوهم...الخ). بل إن البيروني يرفض صحة الحديث لأن القول بأن "الله أغرق فرعون فيه فقد نطقت التوراة بخلافه"، ومعلوم بالبداهة أن اليهود لن يقولوا شيئاً أو يدّعوه خلافاً للتوراة التي بين أيديهم عن هذا اليوم حتى وإن قال المسلمون أنها محرفة.

إلا أن المشكلة تتفاقم عندما نعرف أن معيار الجرح والتعديل لرجال الحديث النبوي تملك إشكالات متعددة وخطيرة تطرق لها مستشرقون وكتّاب مسلمون على حد سواء. فمثلاً، يُعتبَر كتاب (ميزان الإعتدال في نقد الرجال) للإمام الذهبي (توفي 748 هـ) أحد مصادر الجرح والتعديل لرجال الحديث. جاء في هذا الكتاب الجرح الآتي للإمام أبي حنيفة النعمان: "النعمان بن ثابت بن زوطى، أبو حنيفة الكوفي، إمام أهل الرأي. ضعّفه النسائي من جهة حفظه، وابن عدي وآخرون. وترجم له الخطيب في فصلين من تاريخه، واستوفى كلام الفريقين، مُعدِّليه ومُضعِّفيه". هذا ما ورد في ميزان الاعتدال، وإلى هنا والأمر يبدو طبيعياً إذا أخذنا بعين الاعتبار أن الإمام الذهبي هو على رأي أهل الحديث في الإمام أبي حنيفة. ولكن الحقيقة هي أن الذهبي لم يكتب حرفاً واحداً في كتابه هذا عن الإمام أبي حنيفة، وأن ما قرأناه هو محض تزوير في الكتاب أتى لاحقاً بعد وفاة الذهبي. أول من لاحظ ذلك هو أبو الحسنات اللكنوي الهندي، وأشار إليه الأستاذ عبد الفتاح أبو غدة عند تحقيقه لكتاب (الرفع والتكميل في الجرح والتعديل) للإمام الهندي. فبعد إشارة اللكنوي الهندي في هامش كتابه عن الإمام أبي حنيفة إلى أن "في بعض النُسخ لا أثر لترجمته في (الميزان)، ويؤيده قول العراقي: إنه لم يذكر الذهبي أحداً من الأئمة المتبوعين" ، تتبع الأستاذ أبو غدة ما كتبه الإمام الهندي في كتاب آخر له بعنوان (غيث الغمام على حواشي إمام الكلام) حاكياً تتبعه لمخطوطات متعددة لكتاب الميزان، ليخرج بالنتيجة التالية:

"إن هذه العبارة ليست لها أثر في بعض النسخ المعتبرة على ما رأيتها بعيني (...) ويؤيده قول السخاوي في شرح الألفية (مع أنه، أي الذهبي، تبع ابن عدي في إيراد كل من تُكلِّم فيه ولو كان ثقة، لكنه التزم أن لا يذكر أحداً من الصحابة ولا الأئمة)، وقول السيوطي في تدريب الراوي شرح تقريب النواوي (إلا أنه، أي الذهبي، لم يذكر أحداً من الصحابة ولا الأئمة المتبوعين). فهذه العبارات من هؤلاء الثقات الذين قد مرَّت أنظارهم على نسخ الميزان الصحيحة مرات، تنادي بأعلى النداء على أنه ليس في حرف النون من الميزان أثرٌ لترجمة أبي حنيفة النعمان" .

بعد هذا، يضيف الأستاذ عبد الفتاح أبو غدة جهده الشخصي في تحري النُسَخ المخطوطة لكتاب ميزان الإعتدال، فيقول:

"وقد رجعتُ إلى المجلد الثالث من (ميزان الإعتدال) المحفوظ في ظاهرية دمشق تحت الرقم (368 حديث)، وهو جزء نفيس جداً، يبتدئ بحرف الميم وينتهي بآخر الكتاب، وكله بخط العلّامة الحافظ شرف الدين عبدالله بن محمد الواني الدمشقي، المتوفى سنة 749 هـ، تلميذ مؤلفه الذهبي (توفي سنة 748 هـ) رحمهما الله، وقد قرأه عليه ثلاث مرات مع المقابلة بأصل الذهبي، كما صرّح بذلك في ظهر الورقة 109 وظهر الورقة 159، وفي غير موطن منه تصريحات كثيرة له بالقراءة والمقابلة أيضاً، فلم أجد فيه ترجمة للإمام أبي حنيفة النعمان في حرف النون ولا في الكنى. وكذلك لم أجد له ترجمة في النسخة المحفوظة في المكتبة الأحمدية بحلب، تحت الرقم 337، وهي نسخة جيدة كُتبت سنة 1160 هـ بخط علي بن محمد الشهير بابن مشمشان، في مجلد واحد كبير، وقد كتبها عن نسخة كُتبت سنة 777 هـ (...) وقد سنحت لي في أوائل رمضان المبارك من سنة 1382 هـ زيارة المغرب، فرأيتُ في مدينة الرباط، في (الخزانة العامة) نصف نسخة المؤلف (ميزان الإعتدال) في مجلد واحد رقمها (129 ق) (...) وقد كُتب على الورقة الأخيرة من أصل النسخة قراءات كثيرة، وتواريخ لها ولنسخها، فكان من ذلك أن النسخة قُرئت على مؤلفها عدة مرات". ثم يذكر الأستاذ أبو غدة قراءات ونَسخ تتسلسلُ التواريخ فيها من سنة 729 هـ إلى سنة 747 هـ، أي سنة واحدة قبل وفاة المؤلف، وكلها قراءات على الإمام الذهبي مؤلف الكتاب. ثم يقول: "رجعتُ أيضاً إلى هذه النسخة العظيمة النادرة المثال في عالم المخطوطات، فلم أجد فيها ترجمة للإمام أبي حنيفة رضي الله عنه، وهذا مما يَقْطَعُ معه المرء بأن الترجمة المذكورة في بعض نسخ (الميزان) ليست من قلم الذهبي، وإنما هي دخيلة على الكتاب بيد بعض الحانقين على الإمام أبي حنيفة (...) وكتاب (الميزان) هذا، مرتعٌ واسعٌ لإلحاق تراجم فيه للنيل من أصحابها، وقد امتدَّ إليه قلمُ غير الذهبي في مواطن" .

ولا يقف الأمر عند كتاب (ميزان الإعتدال) للذهبي وحده، فقد عقد الخطيب البغدادي في كتابه (تاريخ بغداد) فصلاً طويلاً أورد فيه كل طعن، ولو كان مكذوباً موضوعاً، في الإمام أبي حنيفة. ولكن الدكتور محمود الطحان تولى البحث في أصول هذا الكتاب، كتاب (تاريخ بغداد)، بعد أن لاحظ في ترجمة أبي حنيفة أمراً مشبوهاً. فقد تساءل الدكتور الطحان: "كيف يصف الخطيب البغدادي المثالب بـ (المحفوظ) وفي أسانيد تلك الروايات رجالٌ تكلم الخطيب نفسه عليهم بالجرح والتضعيف؟!". وأداه بحثه إلى أن "بين النسخ المخطوطة لتاريخ بغداد اختلافاً كبيراً في كمية المثالب الواردة في ترجمة أبي حنيفة". وبعد مقابلة النسخة المخطوطة المحفوظة في كوبريلي (تركيا) مع النسخة المخطوطة المصرية، تبين له: "أن الموجود من المثالب في النسخة الثانية يزيد ست مرات أو أكثر على ما في النسخة الأولى من المثالب. وهو فرق كبير جداً، فليس الفرق بين النسختين زيادة سطر أو سطرين، أو إيراد خبر أو خبرين، وإنما الفرق بشكل يدعو للاستغراب". ويخلص الدكتور الطحان إلى "أن التاريخ [يقصد كتاب تاريخ بغداد] قد زيد فيه أشياء بعد وفاة الخطيب"، وأن الزيادة هي من "بعض النساخ المغرضين دسَّه على لسان الخطيب" .

بعد هذا الاستعراض السريع نأتي إلى الجهود الاستشراقية في نقد النصوص المقدسة الإسلامية، وسوف نركز الجهد على بعض أوجه النقد القرآني الذي قام به هؤلاء. وسوف نقتصر على الانتقادات المباشرة لأن المقصود من هذه المقدمة هو المدخل دون التفاصيل. يتركز أغلب النقد الاستشراقي على محورين أساسيين الأول هو ما يُعرف بـ (مصادر) القرآن والثاني ما يعتقده هؤلاء بأنه خطأ في التصور أو المفهوم.


أولاً: المصادر القرآنية من وجهة النظر الاستشراقية:

يرى المستشرقون أن بعض الكلمات المستخدمة في القرآن لا تعكس حقيقة معناها الأصلي، ولذلك من المحتمل، من وجهة نظرهم، أنها مقتبسة من مصادر أخرى ولكن من دون تبحر في معناها الأصلي. هم يدللون على ذلك، مثلاً، بكلمة (جهنم). هذه الكلمة ذات منشأ يهودي وهي تشير في المصادر اليهودية إلى اسم مكان بالتحديد، ولكنها تحتل مركزاً ثانوياً جداً في تلك العقيدة. وادي (جهنّا) ليس أكثر من مكان كان مخصصاً لعبادة الأصنام وتقديم القرابين (وهناك مصادر تشير إلى أنها قرابين بشرية) إلى صنم أو مجموعة من الأصنام بالقرب من مدينة القدس. حوّل هذا الوادي اليهود إلى مكب لنفايات هذه المدينة لاحقاً. لكن هذا الرعب المتمثل في تقديم القرابين وما ينتج عنها من مظاهر، بالإضافة إلى مظاهر الإهانة التي تعمدها اليهود في تحويل هذا الموقع إلى مكب للنفايات، تطورت في بعض المصادر اليهودية إلى نوع من الاحتقار المرتبط بمكان لرمي النفايات بالإضافة إلى ربط القرابين البشرية بتصور للعذاب الذي سوف يتعرض له الكافر في الآخر مما جعل اسم (جهنم) في التلمود ملاصقاً لاسم مكان عذاب الكفار في الآخرة. ومن التلمود جاء الاسم في العهد الجديد المسيحي على هذا المعنى مع التأكيد على أصل الاسم، ولا يُقصد به حقيقة أن اسم هذا الأخروي هو (جهنم). من وجهة نظر المستشرقين فإن القرآن لا يبدو واعياً لأصل هذا الاسم ولا يبدو أنه يملك مرادفاً إسلامياً للنار خارج إطار المصدر اليهودي.

كلمة (السكينة) التي يستخدمها النص القرآني في مثل هذه الآية (ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ) هي مصطلح يهودي خالص، وعلى نفس اللفظ القرآني تماماً، لم تعرفه اللغة العربية على هذا المعنى اللاهوتي إطلاقـاً. هذا المصطلح اليهودي يعني حرفياً "الحضور الإلهي". وسبب تطوير هذا المصطلح في الفقه اليهودي هو أن نصوص التوراة تتكلم، مثلاً، عن أن الرب سوف "يسكن في وسطهم" (خروج 25 : 8)، وأن (حبيب الرب يسكن لديه) (تثنية 33 : 12)، وأن الرب (ساكن في العُلّيقة) (تثنية 33 : 16)، وهذه أمثلة على تجسيم الرب وتشبيهه بالإنسان. وللرغبة الملحة عند اليهود للخروج من هذا التشبيه الإنساني تم تطوير مصطلح (سكينة) للتعبير عن الحضور الإلهي دون تجسيمه مع ما يستلزمه هذا الحضور من التأثير. من وجهة نظر المستشرقين فإن القرآن لا يبدو، لهم على الأقل، واعياً لأصل هذا الاسم العبري قلباً وقالباً والذي لا شأن له بـ "الوحي" التوراتي كلفظ.

بعض نصوص القرآن تبدو وكأنها تنقل نقلاً مباشراً من التلمود، الشرح اليهودي للتوراة، ولا تقدم جديداً خارج اطار هذا الكتاب الذي في بعض نواحيه وشروحه يعتبره حتى اليهود أنفسهم اسطوري. فمثلاً، التصور عن الشياطين (الجن)، التلمود يذكر صراحة بأن في مقدورهم أن يعرفوا المستقبل بواسطة طيرانهم واستماعهم لأخبار السماء من خلف "حجاب" أو "ستارة" كما هو في التعبير التلمودي، كما أنهم يستطيعون أن يطيروا بسرعات خارقة من أقصى الأرض إلى أقصاها. هذه الفكرة انعكست تماماً في بعض آيات القرآن مما أوحى للمستشرقين بأن مصدر هذه الفكرة هو التلمود. وأيضاً، فإن التلمود يتكلم عن أن (السماوات تلتف بيد الرب وسوف تختفي كالدخان) والقرآن يقول (والسماواتُ مطوياتٌ بيمينه) ويقول (فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ). والتلمود يتكلم بصراحة عن أن جميع أعضاء الإنسان سوف تشهد أمام الرب بأفعال هذا الإنسان يوم حسابه، والقرآن يقول (يوم تَشْهدُ علَيهم أَلْسنَتُهم وأَيْدِيهِم وأَرجُلُهُم بما كانوا يعملون). والمثال التلمودي الذي يقارن البعث بعد الموت بالمطر وخروج النبات، وهو مثال تلمودي يُستخدم لتقريب المفاهيم للدارسين لنصوص العهد القديم وليس لإقرارها كما هي، بينما القرآن يؤكد عليها بقوله (والذي نزل من السماء ماء بقدر فأنشرنا به بلدة ميتاً كذلك تخرجون). هذه الأمثلة، من وجهة نظر المستشرقين، توحي لهم بأن المصدر هو التلمود اليهودي دون غيره.

إلا أن المشكلة الاستشراقية مع نصوص القرآن تتطور وتأخذ بُعداً آخر حينما يدلل هؤلاء على أن "الفلوكلور" اليهودي والمسيحي وقصصهما (غير المقدسة) يبدو القرآن وكأنه ينقل نقلاً مباشراً منها. هذه بعض أمثلة يضربها المستشرقون عادة:

• تعليم الأسماء لآدم كما في القرآن (وعلم آدم الأسماء كلها)، هو مشابه لما هو موجود في (مدراش رابان).
• مسألة الأكل والشرب في الجنة وسقوط الطيور مشوية هو مشابه لما هو في المصدر المسيحي (سانهدرن) (Sanherdin).
• الغراب الذي علم قابيل دفن أخيه، وهو مشابه لما هو موجود في الشروح الرابانية إلا أن الغراب رآه آدم وليس قابيل. وهي موجودة في كتاب اسمه (Pirke Rabbi Eleazer).
• قصة إبراهيم وتكسيره للأصنام وإلقاءه في النار التي لم تحرقه القصة مشابهة تماماً لما هو موجود في (مدراش ربّا) (Rabba).
• قصة يوسف والآية القرآنية (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَن رَّأَىٰ بُرْهَانَ رَبِّهِ)، هو رأي لراباي يهودي واحد اسمه (يوهانان) ذكره في شروحه على التوراة.
• قصة سليمان فيما يتعلق، بالتحديد، بالجن ولغة الطير وعرش بلقيس وما شابهها إنما هي في كتابات قصصية يهودية لا تملك صفة القداسة تحت اسم (Targum) في تعليقه على سفر استر.
• قصة أهل الكهف، أو ما يُعرف في الفلوكلور المسيحي بـ (قصة النائمون السبعة) أصل القصة في الكتابات المسيحية الفلوكلورية غير المقدسة كتبها رجل اسمه (Gregory of Tours) عن عصر الإمبراطور ديسيوس (حوالي سنة 250 ميلادية).




ثانياً: ما يعتبره المستشرقون كخطأ في المفهوم الأصلي



• الآية القرآنية (من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا)، المصدر لهذه الآية هي الشروح الرابانية وذلك تعليقاً على قصة سفر التكوين المتعلقة بقتل قابيل لهابيل. إلا أن الآية القرآنية، من وجهة النظر الاستشراقية، لا تُفصل في المعنى الحقيقي لهذه الشروح وإنما تبدو وكأنها ترتكز على المعنى الحرفي لهذه الشروح اليهودية. فمن وجهة نظر الشروح اليهودية فإن الدماء التي سالت من هابيل لم تقتله وحده ولكن قتلت أيضاً بذرته (نطفته بالتحديد) ونسله ولذلك فإن القاتل، أي قابيل، كأنه قتل كل الناس الذي كانوا سوف يخرجون من نسله أيضاً.

• الآية القرآنية في سورة يوسف عن حالة القحط المصرية في زمن يوسف وفرعون: (ثم يأتي من بعد ذلك عام فيه يغاث الناس وفيه يعصرون)، يبدو القرآن هنا وكأنه يفترض بأن الزراعة في مصر تعتمد على المطر (الغيث)، لكن الزراعة في مصر لا تعتمد إطلاقاً على المطر ولكن على نهر النيل بالتحديد دون غيره من مصادر المياه.

• الآية القرآنية (يا أخت هارون ما كان أبوك امرأ سوء). المشكلة هنا من وجهة النظر الاستشراقية أن النبي موسى كان عنده أخ وأخت هما هارون ومريم. أما مريم أم عيسى فلا يوجد مصدر واحد يقول بأنها تملك أخ تحت هذا الاسم. فالقرآن من وجهة نظر هؤلاء يبدو وكأنه لا يفرق بين مريم أخت موسى وهارون ومريم أم عيسى ويبدو وكأنه، من وجهة نظر هؤلاء، وكأنه يضعهم في زمن واحد أو متقارب.

• سليمان وداود ليسوا أنبياء من وجهة نظر اليهود، ولكنهم ملوك فقط.

• الآية القرآنية التي تجعل عزير (عزرا) على أنه ابن الله عند اليهود (وقالت اليهود عزير ابن الله)، لا يوجد إطلاقـاً أي مصدر يهود، ولم توجد إطلاقـاً أي فرقة يهودية (معروفة على الأقل ضمن نصوص التاريخ) قد قالت أو اعتقدت بأن عزير (عزرا) هو ابن الله.



الخلاصة هي أن الدين، أي دين، يجب أن يتقبل مثل هذه الانتقادات لنصوصه وعقائده ويبذل جهداً فكراً في إعادة صياغة تفاسيره، وربما أيضاً النظر بجد في التاريخ الحقيقي لبروز بعض عقائده المتداولة والتي ربما لا تمت بصلة لزمن التجلي الأول لنصوصه المقدسة. هذه الانتقادات، على عكس ما يبدو للوهلة الأولى بأنها "تشكيك" في النصوص المقدسة، هي مفيدة جداً لصلابة وتماسك أي دين يريد أن يستمر بقوة وتأثير على الضمير وربما الفكر الإنسانيين. كل ما هو مطلوب هو عدم المبالغة في ردود الأفعال تجاهها، وعدم تعمد إلغائها وتجاهلها لأن لن تختفي من التداول الثقافي على الأقل، ثم محاولة التفكير في مسارات فكرية جديدة تأخذ هذه الانتقادات بعين الاعتبار.



#حسن_محسن_رمضان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مقالة في أن الحرية لا بدّ لها من قانون يقننها
- أن الحرية ذات المنشأ الديني هي حرية أنانية بالضرورة
- المنهج الليبرالي وضرورات الإيمان والإلحاد
- الرأي العام في السياسية المذهبية والدينية
- في أوهام الشعار الإسلامي (صالح لكل زمان ومكان)
- المشكلة العرقية في المجتمع الكويتي
- المشكلة السياسية في الكويت
- الخطاب التمجيدي الإسلامي
- ضرورة إعادة قراءة وصياغة الفقه الإسلامي
- والشعب أيضاً كان يريد إسقاط النظام أيام عثمان بن عفان
- الحرية التي نريد


المزيد.....




- “خليهم يتعلموا ويغنوا ” نزل تردد قناة طيور الجنة للأطفال وأم ...
- فيديو خاص عيد الفصح العبري واقتحامات اليهود للمسجد الأقصى
- “ثبتها الآن” تردد قناة طيور الجنة 2024 Toyor Aljanah لمشاهدة ...
- بعد اقتحامات الأقصى بسببه.. ماذا نعرف عن عيد الفصح اليهودي ا ...
- ما جدية واشنطن في معاقبة كتيبة -نيتسح يهودا- الإسرائيلية؟
- بالفيديو.. مستوطنون يقتحمون الأقصى بثاني أيام الفصح اليهودي ...
- مصر.. شائعة تتسبب في معركة دامية وحرق منازل للأقباط والأمن ي ...
- مسئول فلسطيني: القوات الإسرائيلية تغلق الحرم الإبراهيمي بحجة ...
- بينهم طلاب يهود.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين تهز جامعات أمري ...
- أسعدي ودلعي طفلك بأغاني البيبي..تردد قناة طيور الجنة بيبي عل ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - حسن محسن رمضان - الآراء الاستشراقية في نقد النصوص المقدسة الإسلامية