أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - خالد أبو شرخ - الصهيونية (26)..الإرهاب الصهيوني من عام 1967م وحتى إعلان المبادئ -أوسلو-















المزيد.....



الصهيونية (26)..الإرهاب الصهيوني من عام 1967م وحتى إعلان المبادئ -أوسلو-


خالد أبو شرخ

الحوار المتمدن-العدد: 3495 - 2011 / 9 / 23 - 21:38
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


كان من الطبيعي أن تنشط آلة الإرهاب الصهيوني مع عدوان 1967م وبعده، الذي أسفر عن ضم المزيد من الأراضي المحتلة (الضفة الغربية وغزة والقطاع الشرقي من القدس) وهي ذات تركيب سكاني عربي خالص.
ولتمهيد الطريق أمام الاستيطان الإحلالي, في الضفة الغربية وقطاع غزة. اختار المخطط الإسرائيلي بعناية نمط القتل الجماعي (المذبحة), بوصفه أكثر أنواع الإرهاب دموية, وأوضحها فجاجة, ولذا فإن الأيام والأسابيع القليلة, التي تلت دخول القوات الإسرائيلية إلى الضفة وغزة, في 5 يونيه 1967م شهدت سلسلة من عمليات القتل الجماعي للمدنيين دون تمييز, كما لابد وأن يذكر مئات الأسرى والجرحى المصريين, الذين تم قتلهم ودفنهم فى مقابر جماعية, وسجل مراقبو الأمم المتحدة وهيئة غوث اللاجئين التابعة لها, في تقارير عديدة جانباً من هذا السلوك الإرهابي الفج, الذي لم يَسلْم منه حتى اللاجئون الفلسطينيون, الذين أخذوا في الفرار عَبْر معبر اللنبي (الملك حسين) على نهر الأردن, وفيما بعد جرى اكتشـاف العـديد من القـبور الجماعية, في قطاع غزة والضفة الغربية, إلا أن القوات الإسرائيلية لم تستطع تكرار ما حدث أعوام 1947م و 1948م و 1949م, بتطهير الضفة والقطاع عرقيا .
واقترنت ممارسات القتل الجماعي (المذابح), بإزالة قرى وأحياء بكاملها, وطَرْد سكانها الفلسطينيين وتشريدهم, بدعوى شق الطرق الأمنية للقوات الغازية, وعلى ذلك فإن المذبحة والطَرْد الجماعي وهَدْم الديار, هو أول ما واجه به جيش الاحتلال الصهيوني الفلسطينيين, في الضفة وغزة, في إطار السعي لتحطيم معنويات شعب بأسره, ودفعه لتقبُّل الهزيمة والإعداد لاقتلاعه من الوطن.
وخلال السنوات العشرين الفاصلة بين يونيه 1967م والانتفاضة في1987م, طوَّرت سلطات الاحتلال آليات ممارسة إرهاب الدولة المنظم, منتهكة كل بنود الاتفاقات الدولية, بمعاملة السكان المدنيين تحت الاحتلال, ولذا فإن المقارنة ظلت حاضرة وبقوة, بين ممارسات الاحتلال الصهيوني الإسرائيلي, والممارسات المنسوبة للاحتلال النازي الألماني.
ويبرز بين هذه الآليات الإرهابية, الاستخدام الواسع والمكثَّف لأساليب العقاب الجماعي, من حظر للتجوال وفرض الحصار الأمني (الإغلاق) وهدم البيوت وغيرها. وعلى سبيل المثال فإن الفترة بين يونيه 1967م ويونيه 1980م, شهدت قيام قوات الاحتلال بهدم 1259 بيتاً فلسطينياً, ولقد خص مدينة القدس العربية اهتمام خاص في سياسة هدم المنازل (525 بيتاً فلسطينياً خلال الفترة المشار إليها)، وهو الأمر الذي يمكن تفسيره بمركزية القدس, في المشروع الاستيطاني الإحلالي الصهيوني.
وتاريخ الأراضي المحتلة عقب 1967م, هو سجل يومي لشتى ممارسات الإرهاب, التي تعتبر ثمرة تراث سلطة احتلال استيطاني، بدءاً من إطلاق النار على المتظاهرين, وسقوط القتلى والجرحى, وضمنهم الأطفال والنساء، والاعتداء على السياسيين والمثقفين وترحيلهم خارج البـلاد, وفرض أوامر الإقامـة الجبرية, والاعتقال والتعذيب بمختلف أنواعه.
ولقد لجأت سلطة الاحتلال الإسرائيلي, إلى قوانين الطوارئ البريطانية الصادرة عام 1945م, وكذلك إلى قانون الأحكام العرفية المشدد (العسكرية), الذي فرضه الاستعمار البريطاني لقمع الثورة الفلسطينية (عام 1936م). ويجيز هذا القانون العسكري سيء السمعة, الاعتقال التعسفي بكل أشكاله, وبعد نحو ثلاث سنوات من احتلال الضفة وغزة, لجأت إسرائيل إلى إصدار الأمر العسكري رقم (378), الذي يمنح سلطات الاحتلال صلاحيات أوسع في ممارسة الاعتقالات، وأصبح أي مواطن فلسطيني معرَّضاً للاعتقال, في أي مكان وأي وقت, بدون أسباب وبدون إذن قضائي, كما بات مسكن أي فلسطيني بالضفة وغزة, عرضة للتفتيش دون سبب ودون إذن مسبق, ومما يلفت النظر, أن سلطات الاحتلال عادت وأدخلت 46 تعديلاً على هذا الأمر, لسد الثغرة تلو الأخرى التي تتيح حماية ضحايا الاعتقال, وتذهب بعض التقديرات, إلى أن واحداً من بين خمسة فلسطينيين, قد تعرَّض للاعتقال أو السجن في الفترة الواقعة بين عامي 1967م ـ 1987م, وهو الأمر الذي يعكس ضراوة الصراع بين سـلطة الاحتـلال الاستيطاني ومقاومة الفلسطينيين له.
ويقترن الاعتقال بممارسة التعذيب, على نطاق واسع في المعتقلات والسجون الإسرائيلية, ولما كانت منظمات حقوق الإنسان الدولية, قد بدأت مع الثمانينيات, تنتبه إلى أن تعذيب الفلسطينيين, يشكل ركناً لا يتجزأ من سياسات الاحتلال الإسرائيلي، وضمنه نظامه القانوني العنصري التمييزي، فقد كلفت الحكومة الإسرائيلية في عام 1987م "مائير شامجر" رئيس المحكمة العليا, بتعيين لجنة قضائية للتحقيق في ممارسات التعذيب, التي يقوم بها جهاز الأمن الداخلي, المسمى "شين بيت", وكان من الواضح أن قرار الحكومة الإسرائيلية, يحصر نطاق التحقيق في جهاز واحد (الشين بيت) ، متجاهلاً عن عمد الممارسات اليومية الواسعة لجنود جيش الاحتلال بصفة عامة, وجاءت أبلغ المفارقات دلالة في أن "شامجر" نفسه كان أحد الإرهابيين, الذين طردتهم سلطات الانتداب البريطاني خارج فلسطين عام 1944م, لتورطه في أنشطة إرهابية, كما عمل فيما بعد مستشاراً قانونياً لوزارة الدفاع الإسرائيلية, في غضون حوادث 1967م, ومن جانبه فإن "شامجر" قام بتعيين الماجور جنرال "إسحق هوفي" بين أعضاء اللجنة الثلاثية المكلفة بالتحقيق, وهو الآخر كان من بين إرهابيي البالماخ, وكان قائد وحدة بالجيش الإسرائيلي, جرى تكليفها بأعمال انتقامية إرهابية في سيناء خلال حرب 1956م, وفيما بعد تولَّى رئاسة جهاز الموساد بين عامي 1974م و1982م.
وبالطبع فإن اللجنة الإسرائيلية, انتهت إلى محاولة إضفاء الشرعية, على انتزاع الاعترافات من المعتقلين الفلسطينيين, تحت وطأة التعذيب بدعوى "اعتبارات أمن إسرائيل", ونتائج لجنة التحقيق الإسرائيلي وتُدعَى "لجنة لاندو", تعترف ضمناً بأن التعذيب ركن أساسي في النظام القانوني العنصري الإسرائيلي، لكن فلسفة ممارسة التعذيب, استناداً إلى آلاف الوقائع الواردة في تقارير المنظمات الدولية, تتجاوز هدف انتزاع الاعترافات بالإكراه إلى غلبة إشاعة "أجواء الرعب" بين أبناء الشعب الفلسطيني بأسره, واستخدام التعذيب كأداة انتقامية, ضد كل أشكال المقاومة, وإثبات رموز الوجود الوطني.
وعلى مستوى نشاط آلة الإرهاب الصهيوني, ضد العرب في البلدان المجاورة، شهدت مرحلة ما بعد 1967م, طفرة جديدة تتناسب مع ما استشـعرته النخبـة الصهيونيـة, من تفوُّق عسـكري وبخاصة في مجال الجو, فاتسع حيز ممارستها جغرافياً، وانتقل تركيز نشاطها الإرهابي, من الأردن إلى لبنان, فقد صعَّدت حجم اعتداءاتها على المحيط العربي المجاور لفلسطين، حتى لو بدا في حالة استسلام تام لواقع وجودها وسيطرتها, ولقد سقط مئات الضحايا من المدنيين العُزَّل, نتيجة الاعتداءات الإرهابية الصهيونية, ويكفي التذكير بضحايا مدرسة بحر البقر, للأطفال في دلتا النيل بمصر، وعمال مصانع أبي زعبل بجوار القاهرة, وذلك خلال عام 1970م، وضرب 15 قرية ومخيماً للاجئين على امتداد نهر الأردن, بقنابل النابالم في فبراير 1968م, أما لبنان فيصعب على المرء انتقاء حادث دون آخر, من سلسلة حافلة من الأعمال الإرهابية, بلغت ذروتها بغزو البلاد عام 1982م، واستخدام الأسلحة المحرَّمة دولياً, ضد مواطنيه ومواطني الشعب الفلسطيني، ومن بينها القنابل الانشطارية والأسلحة الكيماوية.
وقبلها كان عام 1972م ذروة لنشاط الموساد في الاغتيال, على الساحة اللبنانية حيث اغتيل الأديب الفلسطيني "غسان كنفاني" وابنة شقيقه في 8 يوليه 1972م، وأصيب "د. أنيس صايغ", فضلاً عن "د. باسل القبيسي" الأستاذ في الجامعة الأمريكية في بيروت, كما اغتيل ثلاثة من كبار القيادات الفلسطينية في بيروت: "محمد يوسف النجار" و"كمال عدوان" و"كمال نصر", وهو نفس العام, الذي شهد تركيزاً في أعمال الاغتيال الإسرائيلي خارج المنطقة. حيث اغتيل "وليد زعيتر" ممثل منظمة التحرير الفلسطينية في روما و"محمود الهمشري" ممثلها في باريس, وبعدها بأعوام قليلة تم إغتيال القائد الفلسطيني " أبو الحسن سلامه " في بيروت.
ولقد شهدت مرحلة ما بعد 1967م, كذلك مزيداً من جرائم إسرائيل ضد الطائرات المدنية, وكان أشهرها نسف طائرة الركاب الليبية المدنية, في الجو عام 1973م وقتل 106 شخص على متنها، وهو نفس العام, الذي أُجبرت فيه طائرة لبنانية, على الهبوط في إسرائيل.
والأمر الذي يحتاج, إلى الالتفات هو ذلك الطابع التفاخري الإعلاني والفوري, الذي يقترن بهذا النشاط، حيث تسعى إسرائيل لتأكيد بطشها وقدرتها, على مجافاة المنطق وانتهاك الأخلاقيات والأعراف الدولية, ومن اللافت أيضاً ذلك الميل الاستعراضي الفج, لهذه الأعمال الإرهابية الدولية, وما تلقاه من اهتمام وإعجاب, داخل التجمُّع الصهيوني بصفة عامة.
ولا تزال العمليات الإرهابية الإسرائيلية, يجرى الإعلان عنها رسمياً حتى الآن، وقد أصبحت نشاطاً ذا صفة كونية إذ وسَّع دائرة حركته إقليمياً (بغداد ـ تونس ـ عنتيبي.. إلخ), كما يوجد تعاون عسكري إسرائيلي أمريكي, على مستوى النشاط الإرهابي المُعلن, والنشاط الاستخباري بين الموساد والـ سي. آي. آيه, وقد أُعلن في الثمانينيات عن دور إسرائيل بالتعاون مع الولايات المتحدة, في تدريب خبراء الإرهاب والقمع, وتوفير معداته للأنظمة الدكتاتورية والعدوانية, في أمريكا اللاتينية على وجه الخصوص.

المنظمات الإرهابية الصهيونية/الإسرائيلية في ثمانينيات القرن العشرين

من السمات الأساسية للإرهاب الصهيوني في الثمانينيات، عودة المنظمات الإرهابية الصهيونية, التي تتخذ طابعاً تنظيمياً مستقلاً, عن جهاز الدولة, وبخاصة التي تعمل في المناطق المحتلة, بالضفة وغزة والجليل كذلك, وحوادث الإرهاب التي تُنسب إلى هذه الجماعات, تتسم بالوفرة والتتابع, مثل الإضرار بممتلكات المواطنين العرب , ومحاولات الاعتداء على المقدَّسات الدينية الإسلامية والمسيحية, و قتل الأشخاص بصورة منتقاه, أو بأساليب عشوائية, مثل الهجوم على الحافلات الفلسطينية, إلى تسميم الطالبات الفلسطينيات في مدينة جنين, وتدبير مخططات لإفقادهن القدرة على الإنجاب مستقبلاً , والإعتداء المسلح, على الجامعات الفلسطينية, كما حدث في جامعة الخليل, وأعمال الاختطاف.
وإذا كان الهدف الأساسي المُعلن لهذه الجماعات, هو طرد السكان الفلسطينيين بالقوة، فإن جماعة السلام الآن الإسرائيلية, لم تَسلْم في إحدى المرات من إرهاب هذه المنظمات, حين أُلقيت قنبلة على مظاهرة لها, في فبراير 1984, فأودت بحياة أحد أعضائها, إلا أن سلسلة الانفجارات, التي استهدفت حياة مجموعة, من رؤساء بلديات الضفة الفلسطينيين في عام 1980م, هي التي ركَّزت الانتباه على أهمية تلك الظاهرة.
وإذا نظرنا إلى قائمة أسماء هذه المنظمات, التي تقف وراء عمليات الإرهاب في الضفة الغربية بوجه خاص، وجدنا أن من بينها من أعلن مسئوليته عن حوادث بعينها، في حين آثر بعضها, أن يلتزم سرية, شملت حتى الحرص, على إخفاء اسمه أو أهدافه ولو إلى حين, وتضم القائمة أسماء باتت شهيرة مثل: "لفتا" و"رابطة سيوري تسيون" و"الحشمونيون" و"أمانا" ، فضلاً عن مجموعة مسميات أخرى, تتضمن هدف بناء "الهيكل الثالث", على حساب الحرم الأقصى مثل منظمة "التاج الكهنوتي" و"المخلصون لجبل البيت", إلا أن أشهر الجماعات الإرهابية, منهما جماعات "الإرهاب ضد الإرهاب (ت. ن. ت)" ومنظمة "كاخ" التي كان يتزعمها الحاخام مائير كاهانا.
وقد تكون هناك بعض الاختلافات, حول تحديد توقيت بداية بروز, هذه الجماعات الإرهابية الصهيونية الجديدة، من مطلع السبعينيات حتى نهايتها, إلا أن العديد من المصادر, تقدِّم عدة أحداث باعتبارها نقاط انطلاق لتكوين هذه الجماعات, مثل حرب أكتوبر 1973م, وما صاحبها من إحباط وعدم ثقة, في قدرة آلة الإرهاب الرسمية, على الوفاء بمتطلبات المشروع الصهيوني بمفردها, أو بالانسحاب الإسرائيلي من سيناء, وبخاصة مستعمرة "ياميت" في مطلع الثمانينيات, وإذا كان من العبث, تحديد حالة واحدة أو يوم أو شهر أو سنة, للقول بأنها نقطة بدء موجة جديدة, من نشاط الإرهاب الصهيوني المتواصل, فإن حَصْر الجهود بين هذين التاريخيين, ليس بمنأى عن الدوافع والتبريرات الصهيونية, التي تحاول أن تدَّعي وجود "قطيعة" فاصلة, بين ممارسات الدولة الصهيونية من جانب, وهذه الجماعات من جانب آخر.
وإذا أخذنا في اعتبارنا, كل المعطيات التي تصب لصالح القول, بأن تبلور المنظمات الصهيونية الإرهابية, بين منتصف السبعينيات ومطلع الثمانينيات, جاء ليلبي حاجات في جوهر المشروع الاستيطاني اليهودي, فإن "الدولة" بدت, في نظر قطاع من الإسرائيليين, عاجزة عن الوفاء بها على النحو الأمثل والكافي, فإن الأساس الذي تستند إليه هذه المنظمات, يظل هو "المستوطن اليهودي", القادم بقوة ودَعْم الدولة العبرية, إلى الضفة وغزة ليحل محل سكانها "الفلسطينيين".
ولقد قامت هذه المنظمات, على "المستوطن المسلح", بالأسلحة النارية, الذي تلقَّى قدراً من التدريب, في جيش إسرائيل النظامي, ومثلما منحته الدولة العبرية, امتياز حمل السلاح, في مواجهة الفلسطيني, الأعزل فإنها في الوقت نفسه, منحته حصانة قانونية لممارساته الإرهابية, بينما يتعقب القانون العنصري التمييزي, كل أنشطة الفلسطينيين, وضمنها الأنشطة السلمية.
ولذا فإن تقرير لجنة التحقيق الإسرائيلية, برئاسة السيدة "يهوديت كارب" قد انتهى في مايو 1982م, إلى اتهام السلطات الإسرائيلية (جيشاً وشرطة), بالتواطؤ وتجاهُل جرائم المستوطنين, كما أشار التقرير نفسه إلى ازدواج نظام الضبط والمحاكمة, في مواجهة الفلسطينيين من جانب, والمستوطنين اليهود من جانب آخر, ولما كان ما ورد بهذا التقرير, من تشخيص وتوصيات, لم يلق استجابة الحكومة الإسرائيلية, وكل الحكومات اللاحقة وإلى حينه, فإن السيدة "كارب" اضطرت للاستقالة من منصبها (نائب المدعي العام الإسرائيلي).
وبصرف النظر عن تشكيل جماعات إرهابية صهيونية, أو غياب هذه الجماعات, فإن سلطات الاحتلال, تحافظ على ما يمكن وصفه "الاتفاق الضمني المقدَّس", الذي يتحمل المستوطنون المسلحون, بمقتضاه جانباً من مسئولية الأمن, في الضفة وغزة, ولذا فإن تقارير الأمم المتحدة نفسها, تذهب إلى الإقرار بأن المستوطنين, يشكلون الجناح العسكري الخفي لسلطات الاحتلال الإسرائيلي".
وقد تكون مصادر تمويل هذه الجماعات, من الأمور التي لم يتم الكشف عنها نهائياً، إلا أن العديد من الدلائل والاعترافات, تذهب إلى أن السلطات الإسرائيلية نفسها, تسهم في عملية التمويل, هذه بصورة مباشرة أو غير مباشرة, حين تغدق الأموال على منظمات الاستيطان, التي تُعَد المظلة الأساسـية, التي تنمـو أسفلها, العديد من هذه الجماعات الإرهابية، وحين تغدق الرواتب الحكومية, على المستوطنين في الضفة, ويُعَد التمويل الخارجي عنصراً, لا يجب تغافله في سياق طبيعة الكيان الصهيوني العامة, فـ "كاهانا" يقول بنفسه إن حركة "كاخ" تعتمد على تبرعات, تصل من مؤيديه بالولايات المتحدة, بينما يذهب الاعتقاد, بأن المخابرات المركزية الأمريكية, تقوم بدور في تمويل هذه الجماعة, امتداداً لتبنيها لرابطة الدفاع اليهودي من قبل, كما أن لبعض المنظمات ارتباطات واضحة, مع كبار الرأسماليين الصهاينة في الولايات المتحدة.
ولم يُلحَظ أبدا طابع تنافسي أو عدائي, في علاقة هذه المنظمات بعضها ببعض, مثلما كان عليه الأمر في تاريخ "إتسل" و"ليحي" و"الهاجاناه" قبل 1948م, ويمكن تصوُّر علاقة تعاون بين هذه المنظمات، مع الأخذ في الاعتبار, أن العديد من تسميات هذه المنظمات وطبيعتها محل غموض, فمن دلائل علاقات التعاون بين هذه المنظمات, أن أكثر من تسمية, قد تندرج تحت جماعة أم, مثل حركة الاستيلاء على الحرم الإبراهيمي, التي يندرج تحت مظلتها, كل من رابطة "سيوري تسيون" و"حركة إعادة التاج لما كان عليه" و"جمعية صندوق جبل البيت", كما أن العديد من المنظمات, قد تمارس الدعاية, وتعلن استحسانها أفعال منظمات أخرى, كما يمكننا أن نلحظ شخصاً واحداً, يندرج في عضوية أكثر من منظمة, هذا فضلاً عن المنابع والتأثيرات الأيديولوجية المشتركة.
أما عضوية هذه الجماعات, فقد شهدت قدراً من التحول, الذي يثير الإنتباه, فمن قبل جاء الاعتقاد بأن "السفارد" أكثر فئات التجمُّع الصهيوني, استعداداً لممارسة الأعمال الإرهابية, ضد العرب والفلسطينيين, حيث يجري حثهم, على ذلك لتفريغ ما يتولد لديهم, من سخط ضد ظلم النظام الاجتماعي, المتحيز ضدهم لصالح "الإشكناز", إلا أن استقراء تركيب جماعات الإرهاب الجديدة, يدعو إلى إعادة النظر, إلى ما يبدو أنه حلف جديد, بدأ يتشكل من المهاجر الأمريكي, الذي جاء مؤخراً إلى الضفة الغربية والقدس, يحمل معه أوهام "الوستيرن" و"الكاوبوي" وأخلاقياته, وبين "السفارد" المضطهدين أو المغبونين, فضلاً عن أن جيل ما بعد 1967م, من "الصابرا (البهود مواليد فلسطين)" يبرز استعداداً أكبر لممارسة التطرف العنصري, والسلوك الإرهابي الدموي, إزاء العرب والفلسطينيين.
والواقع أن هذه المنظمات, قد أثارت العديد, من التساؤلات المهمة داخل التجمُّع الصهيوني وخارجه, فمما يلفت النظر أن الكتابات الإسرائيلية, تتهم هذه المنظمات بالخروج على شرعية الدولة, والشرعية هنا ذات معنى زائف، لأن ممارسات هذه الجماعات, تصب في مجرى الشرعية العام, للكيان الصهيوني الذي يقوم على الإرهاب.
ومحاولة فهم جماعات الإرهاب الصهيوني الجديدة, بصورة صحيحة, لا يمكن أن تتم دون وضع هذه الجماعات في سياق تراث الإرهاب الصهيوني السابق، وهو تراث تمتلك هذه الجماعات حساً عالياً تجاهه, وقد حملت أكثر من عملية إرهابية, تسميات ذات دلالة تاريخية, بالنسبة لتراث الإرهاب الصهيوني قبل عام 1948م، مثل تسمية إحدى عمليات منظمة "ت. ن. ت." بلقب "شلومو بن يوسف" (الإرهابي الصهيوني عضو "إتسل" الذي أعدمه البريطانيون لارتكاب حادث مماثل في الثلاثينيات), وقد قام كثير من إرهابيي الجماعات الجديدة، ممن جرى التحقيق معهم، بالتأكيد على أن ما يقومون به, متصل تمام الاتصال مع تراث الإرهاب الصهيوني السابق, حيث كانت الإجابات تأتي على النحو التالي: "لقد عملنا كما عمل سابقاً في ‘إتسل‘ و‘الهاجاناه‘ و‘ليحي‘ كل من ‘بن جوريون‘ و‘بيجين‘ و‘شامير‘".
ولقد تسـاءل الإرهابي الصهيوني "أندي جرين"، عضـو منظمة "ت. ن. ت."، في مقابلة منشورة بالصحف الإسرائيلية قائلاً: "لا أستطيع أن أحصي عدد الشوارع التي تحمل اسم «ديفيد رازل» الذي زرع قنبلة في سوق عربي عام 1939م فقتل 20 شخصاً. وإذا كان ما فعله هو الصواب، فكيف يصبح ما أفعله أنا من قبيل الخطأ؟!".
ولا يمكن القول بأن هذه الجماعات "ظاهرة هامشية" أو "دخيلة" على الكيان الصهيوني، ولا جدوى من ادعاء الانزعاج أو الاندهاش أو حتى الجهل، أو عن التفتيش عن تبريرات نفسية خاصة, أو أسباب اجتماعية شاذة لهؤلاء الإرهابيين, فهذه الجماعات مرتبطة تماماً بالاستيطان، ولذا تصاعَد نشاطها مع تصاعُد النشاط الاستيطاني, ولذا فليس غريباً أن نجد أن المستوطنات, هي الأرضية الديموغرافية, لمنظمات الإرهاب الجديدة ولعضويتها, ومما يجدر ذكره أن حركات الاستيطان النشيطة, مثل "جوش أيمونيم" والأحزاب الأعلى صوتاً, في الدعوة السياسية للاستيطان مثل "هتحيا" و"تسوميت" توفر الإطار السياسي لهذه المنظمات.
وتفسر طبيعة الوحدة الجدلية, في علاقة إرهاب الدول بالجماعات الإرهابية الصهيونية, في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي, ذلك الاختفاء الهادئ لغالبية هذه الجماعات, وهو اختفاء أقرب إلى الذوبان في إطار استمرار السمات العامة للإرهاب الصهيوني الإسرائيلي.
ويمكن أن نعزو هذا الاختفاء الهادئ أو "الذوبان", الذي يحدث لهذه الجماعات, إلى أنها تلعب دور الحلقات الوسيطة, المشتعلة بين إرهاب الدولة وبين إرهاب المستوطنين المسلحين.
ولا شك في أن التعين العضوي لقدرات الإرهاب الصهيوني, في مواجهة الانتفاضة, قد أسهم في ذوبان الحلقات الوسيطة والجماعات الإرهابية, في السبعينيات والثمانينيات, إذ باتت العلاقة بين دولة الإرهاب والمستوطنين المسلحين, لا تحتمل وجود واستمرار منظمات وسيطة مستقرة, تبدو في شبهة تنازع مع الحكومات الإسرائيلية.


الإرهاب الصهـيوني/الإسـرائيلي والانتفاضة

مع اندلاع انتفاضة الشعب الفلسطيني, في 9ديسمبر 1987م, أصبحت سلطات الاحتلال الإسرائيلي, في مواجهة يومية مع حركة عصيان مدني, تمتد جغرافياً بمسافة الضفة الغربية وقطاع غزة, وتتخذ من الحجارة والعَلَم الفلسطيني, رموزاً لمقاومة الاستعمار الاستيطاني الإحلالي, الذي استهدف محو الوجود العربي الفلسطيني, وبحكم طبيعته الاستيطانية الإحلالية, لجأ الاستعمار الصهيوني, إلى المزيد من الإرهاب، فدخل حلقة مفرغة, إذ جاء الرد على المزيد, من الإرهاب بالمزيد من الانتفاضة.
ولقد لجأت سلطات الاحتلال, إلى تكثيف آليات العقاب الجماعي, من حظر تجوُّل وحصار أمني للبيوت, فضلاً عن التوسع في الاعتقالات, وأحكام السجن والتعذيب والطَرْد والإبعاد, لكن الجهود الإسرائيلية لتطوير آلة الإرهاب, اتجهت أساساً إلى كيفية قمع حركة الاحتجاج اليومي الجماهيري, في شوارع المدن والقرى ومخيمات اللاجئين, ومن هنا يمكن أن نلحظ مأزق فشل معالجة الإرهاب بالمزيد من الإرهاب, عندما لجأت سلطات الاحتلال للرصاص الحي والرصاص البلاستيكي والرصاص المطاطي, وقد بدأت في أغسطس عام 1988م, في استخدام ذخيرة جديدة تمزج بين المطاط (الغلاف الخارجي للطلقة) والمعدن, وهو ما أسفر عن استشهاد 47 فلسطينياً, في الخمسة شهور الأولى من استخدام هذه الذخيرة, وفي العام نفسه (1988م), لجأت السلطات الإسرائيلية, إلى طائرات الهليكوبتر بتوسُّع لمطاردة المتظاهرين وإطلاق النار علىهم.
ثم توسع جيش الاحتلال, في استخدام قنابل الغاز المسيل للدموع, على نحو غير مسبوق, وهو ما أسفر عن حالات اختناق بين النساء والصبية والأطفال على نحو خاص, ثم استخدمت سلطات الاحتلال قنابل غازية, تدخل في نطاق أدوات الحرب الكيماوية, تحتوي على مكونات كيماوية تفضي إلى الاختناق والموت, وخلال عام 1988م, بدأت في استخدام هذه القنابل (الأمريكية الصنع), في بلدة "حلحول", واستشهد خمسة فلسطينيين, من جرائها في "قباطية" خلال العام نفسه.
ولكن تكنولوجيا الإرهاب, المدعومة أمريكياً, أخفقت في قمع الانتفاضة وصبية الحجارة، فحاول "إسحق رابين" وزير الدفاع, أن يعيد استخدام بربرية القمع البدائي, فأصدر أوامره لقواته "بتكسير عظام الفلسطينيين", وكأنه كان يبحث عن لغة, يفهمها من لا يعبأون بآخر منجزات تكنولوجيا قمع المتظاهرين, ولمعاونة الجنود الإسرائيليين, في مهمة القمع البدائي البربري, تم إنتاج هراوة من ألياف زجاجية ومعدنية, لتحل محل الهراوات الخشبية.
وقد حاول الإسرائيليون اكتشاف سر الحجارة, فقامت ورش الجيش بتطوير مقلاع لقذف الأحجار, لاستخدامه ضد المظاهرات الفلسطينية، وبدأ أولى تجاربه في مخيم بلاطة قرب نابلس.
وقد تعمقت أزمة الإرهاب الصهيوني/الإسرائيلي، فالمواجهات اليومية مكشوفة أمام أعين العالم, فوجهت آلة الإرهاب جانباً, من نشاطها ضد رجال الإعلام, وضمن ذلك وسائل الإعلام الأمريكية والغربية, الحليفة للمشروع الاستيطاني, وتلقى العديد من الصحفيين والمصورين, الضرب على أيدي جنود جيش, يزعم قادته أنهم يمثلون الدولة الديموقراطية الوحيدة في المنطقة, وقد بيَّن أن الجيش الإسرائيلي, قد استورد تكتيكات عصابات الموت في أمريكا اللاتينية، إذ قام جنوده (من فرقة المستعربين) والمتخفون في ملابس عربية بقتل الفلسطينيين.
وقد قامت الدولة الصهيونية, برفع عدد جنود جيشها في الضفة وغزة, بما يزيد عن خمس مرات, مقارنةً بالفترة السابقة على الانتفاضة, وبالمقابل فإن ظاهرة محاكمة الجنود والضباط, الذين يرفضون أو يتهربون من الخدمة هناك, قد طرحت نفسها بقوة على التجمُّع الصهيوني.
وقد أصدرت وزارة الدفاع الإسرائيلية, أوامر ترخص للمستوطنين, إطلاق النار فوراً, على من يُشتبه في شروعه في إلقاء الزجاجات الحارقة، وشاع أن إطلاق النار يجرب حتى إزاء من يحمل زجاجات مياه غازية, ويمكن القول بأن المستوطنين المسلحين, تحولوا إلى احتياطي لجيش الاحتلال, يعاونه في تنفيذ سياسته الإرهابية, ويقوم بأعمال البلطجة الفجة, التي لا تلائم الزي العسكري الرسمي, الذي تطارده عدسات الإعلام العالمي, ولذا فإن الشكل التنظيمي لإرهاب المستوطنين الصهاينة, انتقل من الجماعة شبه السرية, التي تخطط لعمليات مدروسة, من اغتيالات ونسف لأهداف مختارة بعناية, إلى عصابات يَغلب على حركتها المظهر التلقائي, وتندفع هذه العصابات في موجات عنف عشوائي المظهر, لتحرق السيارات والمتاجر الفلسطينية, في الشوارع وتختطف الأطفال الفلسطينيين, وتعتدي عليهم بالضرب المفضي إلى الموت أحياناً.
وتقدر حصيلة الإرهاب الصهيوني الإسرائيلي, أثناء الانتفاضة (من 1987م ـ 1991م), بحوالي ألف شهيد ونحو 90 ألف جريح, ومصاب و15 ألف معتقل, فضلاً عن تدمير ونسف 1228 منزلاً, واقتلاع 140 ألف شجرة, من الحقول والمزارع الفلسطينية.
ولقد ظلت السياسة الأمريكية, تمارس دور الراعي والحامي للإرهاب الصهيوني الإسرائيلي رغم ذلك, ويعكس اتجاه تصويت الولايات المتحدة, في مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة, الإصرار على الوقوف إلى جانب إسرائيل, وإن كان صمود الانتفاضة, في وجه الإرهاب, قد عمَّق انقساماً بين الإدارة الأمريكية, وبين قطاعات من الرأي العام الأمريكي.
ولكن يتعين تأكيد أن أبرز نتائج سنوات الانتفاضة, هي تعميق أزمة الإرهاب الصهيوني الإسرائيلي, بسبب فشله في تحقيق أهدافه الإستراتيجية، إذ جاء الرد بليغاً من أبناء الشعب الفلسطيني, الذين وُلدوا بعد الاحتلال (1967م), وكأنهم رغم كثافة الإرهاب, الذي ظل يطاردهم في مدارسهم وبيوتهم, استجابوا لنبوءة القاص الفلسطيني (يحيى يخلف), عن "تفاح الجنون" الذي أكله "الحمار الوديع" في غزة, فعلَّم أطفالها فضيلة التمرد والثورة, خروجاً عن حسابات العقل البليد, وموازين القوى بين المستوطن المحتل المدجج بالسلاح, وصاحب الأرض والوطن الأعزل.
بتوقيع إعلان المبادئ المعروف بإسم "إتفاقية أوسلو", في 13/9/1993م, تطلع الفلسطينيين لغدهم المشرق, ولكن هل خلعت الصهيونية ثوب الإحتلال الإستيطاني الإحلالي والإرهاب, وشاركت الفلسطينيين تطلعهم نحو غدٍ يحل به السلام؟... هذا ما سنناقشه في المبحث القادم


ملحق

المذابح الصهيونية/الإسرائيلية بعد عام 1967م وحتى توقيع إعلان المباديء " أوسلو "

مذبحة مصنع أبي زعبل (12 فبراير 1970)
بينما كانت حرب الاستنزاف بين مصر وإسـرائيل محصـورة, في حدود المواقع العسـكرية في جبهة القتال وحسب، أغارت الطائرات الإسرائيلية القاذفة, على مصنع أبي زعبل، وهو مصنع تملكه الشركة الأهلية للصناعات المعدنية, وذلك صبيحة يوم 12 من فبراير عام 1970م، حيث كان المصنع يعمل بطاقة 1300 عامل صباحاً, وقد أسفرت هذه الغارة, عن استشهاد سبعين عاملاً وإصابة 69 آخرين، إضافة إلى حرق المصنع.
مذبحة بحر البقر (8 أبريل 1970م)
وقعت هذه المذبحة أيضاً بتأثير وجع حرب الاستنزاف, من قلب إسرائيل, حيث قامت الطائرات الإسرائيلية القاذفة في الثامن من أبريل عام 1970م, بالهجوم على مدرسة صغيرة, لأطفال الفلاحين في قرية بحر البقر، إحدى القرى, التي تقع على أطراف محافظة الشرقية، ودكتها بالقذائف لمدة زادت عن عشر دقائق متواصلة, وراح ضحيتها من الأطفال الأبرياء, تسعة عشر طفلاً وجُرح أكثر من ستين آخرين, وجدير بالذكر أن القرية كانت خاوية من أية أهداف عسكرية.
مذبحة صيدا (16 يونيه 1982م)
وقعت إبان العدوان الإسرائيلي على لبنان, حين أجرت قوات الاحتلال الإسرائيلي في لبنان, عملية قتل جماعي لما لا يقل عن 80 مدنياً, ممن كانوا مختبئين في بعض ملاجئ المدينة.
مذبحة عين الحلوة (16 مايو 1984م)
عشية الانسحاب الإسرائيلي المنتظر, من مدينة صيدا في جنوب لبنان، أوعزت إسرائيل إلى أحد عملائها ويُدعى "حسين عكر" بالتسلل إلى داخل مخيم عين الحلوة الفلسطيني,المجاور لصيدا، واندفعت قوات الجيش الإسرائيلي وراءه, بقوة 1500 جندي و150 آلية, وراح المهاجمون ينشرون الخراب والقتل في المخيم, دون تمييز تحت الأضواء, التي وفرتها القنابل المضيئة في سماء المخيم, واستمر القتل والتدمير من منتصف الليل حتى اليوم التالي, حيث تصدت القوات الإسرائيلية, لمظاهرة احتجاج نظمها أهالي المخيم في الصباح, كما فرضوا حصاراً على المخيم, ومنعوا الدخول إليه أو الخروج منه, حتى بالنسبة لسيارات الإسعاف, وذلك إلى ساعة متأخرة من نهار ذلك اليوم.
وأسفرت المذبحة عن سقوط 15 فلسطينياً, بين قتيل وجريح بينهم شباب وكهول وأطفال ونساء, فضلاً عن تدمير 140 منزلاً, واعتقال 150 بينهم نساء وأطفال وشيوخ.
مذبحة سحمر (20 سبتمبر 1984م)
داهمت قوات الجيش الإسرائيلي, وعميلها "أنطون لحد" (جيش لبنان الجنوبي), قرية "سحمر" الواقعة بجنوب لبنان, وقامت القوات بتجميع سكان القرية, في الساحة الرئيسية لاستجوابهم بشأن مصرع أربعة من عناصر العميل "لحد", على أيدي المقاومة الوطنية اللبنانية بالقرب من القرية, وأطلق الجنود الإسرائيليون, وأتباع "لحد" النار, من رشاشاتهم على سكان القرية العزل, وفق أوامر الضابط الإسرائيلي ولحد شخصياً, فسقط من ساحة القرية, على الفور 13 قتيلاً وأربعون جريحاً.
وقد حاولت إسرائيل التهرب, من تبعة جرمها بالادعاء أن قوات "لحد", هي وحدها المسئولة عن المذبحة، وذلك على غرار محاولتها في صابرا وشاتيلا, إلا أن العديد من الناجين من المذبحة, أكدوا أن عدداً كبيراً ممن نفذوها كانوا يتحدثون العبرية, فيما بينهم، بينما يتحدثون العربية بصعوبة, كما أن ما حدث في "سحمر" يمثل نموذجاً لوقائع يومية شهدها لبنان وجنوبه, أثناء غزو القوات الإسرائيلية في يونيه 1982 واحتلاله.
مذبحة حمامات الشط (11 أكتوبر 1985م)
بعد خروج منظمة التحرير الفلسطينية من بيروت, بنحو ثلاثة سنوات, تعقبت الطائرات الإسرائيلية مكاتبها وقيادتها, التي انتقلت إلى تونس, وشنت هذه الطائرات في 11 أكتوبر 1985م, غارة على ضاحية حمامات الشط جنوبي العاصمة التونسية، وأسفرت عن سقوط 50 شهيداً ومائة جريح, حيث انهمرت القنابل والصواريخ, على هذه الضاحية المكتظة بالسكان المدنيين, التي اختلطت فيها العائلات الفلسطينية بالعائلات التونسية.
واستمراراً في نهج الإرهاب الصهيوني الإسرائيلي, لم تتورَّع تل أبيب عن إعلان مسئوليتها, عن هذه الغارة رسمياً, متفاخرة بقدرة سلاحها الجوي. على ضرب أهداف في المغرب العربي.
مذبحة صابرا وشاتيلا (16-18 سبتمبر 1982م)
وقعت هذه المذبحة بمخيمي صابرا وشاتيلا الفلسطينيين, بعد دخول القوات الإسرائيلية الغازية, إلى العاصمة اللبنانية بيروت, وإحكام سيطرتها على القطاع الغربي منها, وكان دخول القوات الإسرائيلية إلى بيروت, في حد ذاته بمنزلة انتهاك للاتفاق الذي رعته الولايات المتحدة الأمريكية, والذي خرجت بمقتضاه المقاومة الفلسطينية من المدينة.
وقد هيأت القوات الإسرائيلية الأجواء بعناية, لارتكاب مذبحة مروعة, نفَّذها مقاتلو الكتائب اللبنانية اليمينية, انتقاماً من الفلسطينيين وحلفائهم اللبنانيين, وقامت المدفعية والطائرات الإسرائيلية بقصف صابرا وشاتيلا, رغم خلو المخيم من السلاح والمسلحين, وأحكمت حصار مداخل المخيم الذي كان خالياً من الأسلحة تماماً, ولا يشغله سوى اللاجئين الفلسطينيين والمدنيين اللبنانيين العزل, وأدخلت هذه القوات مقاتلي الكتائب المتعطشين لسفك الدماء, بعد اغتيال الرئيس اللبناني بشير الجميل, واستمر تنفيذ المذبحة على مدى أكثر من يوم كامل, تحت سمع وبصر القادة والجنود الإسرائيليين, وكانت القوات الإسرائيلية التي تحيط بالمخيم, تعمل على توفير إمدادات الذخيرة والغذاء لمقاتلي الكتائب, الذين نفَّذوا المذبحة.
وبينما استمرت المذبحة طوال يوم الجمعة وصباح يوم السبت, أيقظ المحرر العسكري الإسرائيلي "رون بن يشاي" "إرييل شارون" وزير الدفاع, في حكومة "مناحم بيجين", ليبلغه بوقوع المذبحة في صابرا وشاتيلا, فأجابه "شارون" ببرود "عام سعيد", وفيما بعد وقف "بيجين" أمام الكنيست, ليعلن باستهانة "جوييم قتلوا جوييم... فماذا نفعل؟" أي "غرباء قتلوا غرباء... فماذا نفعل؟".
ولقد اعترف تقرير لجنة "كاهان" الإسرائيلية, بمسئولية "بيجين", وأعضاء حكومته وقادة جيشه, عن هذه المذبحة, استناداً إلى اتخاذهم قرار دخول قوات الكتائب إلى صابرا وشاتيلا, ومساعدتهم هذه القوات على دخول المخيمين, إلا أن اللجنة اكتفت بتحميل النخبة الصهيونية الإسرائيلية المسئولية غير المباشرة, واكتفت بطلب إقالة "شارون" وعدم التمديد لـ"روفائيل إيتان" رئيس الأركان, بعد انتهاء مدة خدمته في أبريل 1983م.
ولكن مسئولاً بالأسطول الأمريكي, الذي كان راسياً قبالة بيروت, أكد (في تقرير مرفق إلى البنتاجون تسرب إلى خارجها), المسئولية المباشرة للنخبة السياسية والعسكرية الإسرائيلية, وتساءل: "إذا لم تكن هذه هي جرائم الحرب، فما الذي يكون؟", وللأسف فإن هذا التقرير لم يحظ باهتمام, مماثل لتقرير لجنة كاهان، رغم أن الضابط الأمريكي, ويُدعَى "وستون بيرنيت", قد سجل بدقة وساعة بساعة ملابسات وتفاصيل المذبحة, والاجتماعات المكثفة التي دارت بين قادة الكتائب المنفذين المباشرين لها ("إيلي حبيقة" على نحو خاص), وكبار القادة والسياسيين الإسرائيليين للإعداد لها.
ولقد راح ضحية مذبحة صابرا وشاتيلا, 1500 شهيداً من الفلسطينيين واللبنانيين العزل, بينهم الأطفال والنساء, كما تركت قوات الكتائب وراءها مئات من أشباه الأحياء, كما تعرَّضت بعض النساء للاغتصاب المتكرر, وتمت المذبحة في غيبة السلاح والمقاتلين, عن المخيم وفي ظل الالتزامات الأمريكية, المشددة بحماية الفلسطينيين وحلفائهم اللبنانيين, من المدنيين العزل بعد خروج المقاومة من لبنان.
وكانت مذبحة صابرا وشاتيلا, تهدف إلى تحقيق هدفين: الأول الإجهاز على معنويات الفلسطينيين وحلفائهم اللبنانيين، والثاني المساهمة في تأجيج نيران العداوات الطائفية بين اللبنانيين أنفسهم.

ملاحظة : هنالك العديد من المجازر التي أرتكبها الجيش الإسرائيلي أثناء حرب حزيران عام 1967م, والتي للأسف لم تجد من يوثقها, ولكن الكثير ممن شهدوا النكسة يذكرونها شفويا



#خالد_أبو_شرخ (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الصهيونية (25).. الإرهاب الصهيوني حتى عام 1967
- الصهيونية (24).. التطهير العرقي في فلسطين أعوام (49-48-47)19 ...
- الصهيونية (23).. التطهير العرقي في فلسطين أعوام (47-48-49)19 ...
- الصهيونية (22) .. الإستعمار الإستيطاني حتى عام 1948م
- عودة إلى موضوع الهولوكوست
- الصهيونية (21) .. التخطيط للتطهير العرقي
- الصهيونية (20) .. الإرهاب الصهيوني حتى عام 1947م
- الصهيونية (19) .. الدولة اليهودية الوظيفية
- الصهيونية (18).. سمات المشروع الصهيوني
- الصهيونية (17)..موقف الجماعات اليهودية
- الصهيونية (16).. المدارس الصهيونية
- الصهيونية (15).. الشراكة مع النازية
- الصهيونية (14).. وجه آخر للاسامية
- الصهيونية (13).. العلاقة مع الدين اليهودي
- الصهيونية (12).. تغييب العربي عامة والفلسطيني خاصة
- الصهيونية (11).. اليهودي النقي
- الصهيونية (10).. رؤى عنصرية
- تعقيباً على الإبراهامي والحافظ
- الصهيونية (9).. السمات الإستعمارية
- الصهيونية (8) .. أيدولوجية أم حركة تحرر قومي


المزيد.....




- علماء يستخدمون الذكاء الاصطناعي لحل مشكلة اختفاء -غابات بحري ...
- خبيرة توضح لـCNN إن كانت إسرائيل قادرة على دخول حرب واسعة ال ...
- فيضانات دبي الجمعة.. كيف يبدو الأمر بعد 3 أيام على الأمطار ا ...
- السعودية ومصر والأردن تعلق على فشل مجلس الأمن و-الفيتو- الأم ...
- قبل بدء موسم الحج.. تحذير للمصريين المتجهين إلى السعودية
- قائد الجيش الإيراني: الكيان الصهيوني اختبر سابقا ردة فعلنا ع ...
- الولايات المتحدة لا تزال غير مقتنعة بالخطط الإسرائيلية بشأن ...
- مسؤول أوروبي: الاتحاد الأوروبي يحضر الحزمة الرابعة عشرة من ا ...
- إصابة 3 أشخاص في هجوم انتحاري استهدف حافلة تقل عمالًا ياباني ...
- إعلام ونشطاء: هجوم صاروخي إسرائيلي جنوبي سوريا


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - خالد أبو شرخ - الصهيونية (26)..الإرهاب الصهيوني من عام 1967م وحتى إعلان المبادئ -أوسلو-