أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - طلال نصر الدين - الذاهب عن فرح الحياة بجرّة قلم .. النقابات المائعة















المزيد.....

الذاهب عن فرح الحياة بجرّة قلم .. النقابات المائعة


طلال نصر الدين

الحوار المتمدن-العدد: 3494 - 2011 / 9 / 22 - 08:25
المحور: حقوق الانسان
    


القصة ببساطة

لغط و ضجيج إعلامي وصل أحياناً إلى درجة سوء الفهم والملاسنات البائسة رافق قصتنا، وبعيداً عن كل هذا إليكم القصة ببساطة .
تخيل نفسك شخصاً آخر يدعى طلال نصر الدين الذي هو أنا، وتخيل أنك تجد نفسك فجأة أمام محنة حقيقية، بالطبع لا أتمنى لأحد أن يقع بمثل محنتي ولا حتى بما هو قريب منها ، ففي حالتي وجدت نفسي وجهاً لوجه أمام "اللوكيميا" أي سرطان الدم .. قلقت و اضطربت وتساءلت الأسئلة التي لا إجابات لها مثل : لماذا أنا ؟... وهل هذا المصاب عقوبة فوق أرضية ؟... وماذا أفعل ؟... وما شابه من الأسئلة ، لكنني في النهاية تقبلت الأمر على أنني لست أول من يصاب بهذا وتمنيت من قلبي لو أنني أكون آخر من يصاب به ، لكن الحياة ليست أمانينا مع الأسف .
لو كنت مكاني كنت ستطرق كل الأبواب الملائمة والممكنة لتحيا وتعمل، وشخصياً لا طموحات كبيرة لي، إذ إن سقف طموحاتي الشخصية هو أن أنجز مشاريعي الفنية والكتابية في ظل حياة معقولة فحسب، ولا شيء آخر .
طرقت باب نقابة الفنانين بداية ، ووقفت معي النقابة موقفاً رائعاً أحسد عليه ، فامتلأت غبطة وزملائي يقفون معي كما لو أنهم يخوضون معركتهم الشخصية ضد المرض ، لكن فاتني أننا كنا في معمعة انتخابات نقابية وأن الأمور ستتغير ، وبالفعل ما إن انتهت الانتخابات حتى اختلفت المعاملة ، بدأ الحديث عن مصاريف عالية وسقوف مالية ، ووجوب التوفير و ما شابه ، وتمخض كل هذا عن اتخاذ المجلس لقرار إحالتي إلى مشفى البيروني بحرستا ، بدلاً من متابعة علاجي في مجمع الشام الطبي الذي يعالج به زملاؤنا في مثل حالتي .
بحثت في القوانين والأنظمة لأكتشف أنه لا توجد سقوف في قوانين الضمان الصحي ، بل توجد قرارات جانبية ارتجالية لمجلس إدارة قديم ، سيصبح لها الآن وبحالتي أنا فقط ـ تمييزاً واصطفاءً ـ قوة القانون .
لو كنت مكاني ستحزن لأن زملائك يضعون حياتك في كفة المساومة ، وستذكّرهم بأنك نقابي ومخرج وكاتب منذ عام 1981 أي منذ كان بعضهم لم يقرر أن يصبح فناناً وأن بعضهم بمثابة طلاب لديك ، أنك وفّيت بكل التزماتك وواجباتك تجاههم وتجاه النقابة والآن صار وقت قيامهم بواجبهم ، وبفضل السلطة الممنوحة لهم ، والتي تبدو من جهات فوق أرضية سيظنون أنهم يمتلكون أموال النقابة وليسوا أمناء عليها وسيفوتهم أن مالية النقابة هي ماليتنا نحن وأن وظيفة هذا المال أولاً تحسين شروط حياتنا والدفاع عنها فما بالك إن كان تأمينها فحسب ، في حال كهذا ستتذكر قصص الهدر والاستثمارات الكثيرة الفاشلة وغير الفاشلة بدءاً من استثمار حديقة السبيل في حلب إلى الإصلاحات والترميمات .. إلى شراء مبنى النقابة فشراء إحدى عشرة سيارة ، فترسيمات مكاتب وتوظيف سكريتاريا ، فتجاوزات ضريبية مع شركات الإنتاج ومصالحات مالية ، وأذونات عمل مشبوهة والكثير من القصص والإشاعات التي ينحدر بعضها إلى مستوى كيدي وكاذب وربما يلامس الكثير منها الحقيقة لكن يمكن تصنيفها كلها في خانة نافل القول من الأحاديث عن سلاسل الفساد التي تكتظ به صفحات جرائدنا وشاشات تلفزيوننا حتى .
ستحزن لأن نافل المال يُفَضّل على حياتك بغض النظر عن سيرتك المهنية وأهميتها ونتائجها ، ذلك لأننا لو وضعنا مال العالم كله أمام جثة ميتة لن يحييها ، ولو وضعنا القليل منه في زمنه ووقته لأنقذنا حياة كنا نظنها آفلة ، خصوصاً لو أننا قارنا ما يلزم لمعالجتي بالأرقام الهدرية المختلفة لبدا الأمر مضحكاً ، لكن من قبيل شر البلية ما يضحك !!
في مثل حالتي ستقاوم بكل قوتك كي تحيا فحسب ، ستواجه نقلك التعسفي لأن حالتك الصحية لا تسمح به وستجلب تقريراً من طبيب معتمد يؤكد هذا ، لكن مجلس نقابة الفنانين سيحيلك إلى البيروني بما يشبه الإلزام ذلك أنه لا خيار آخر لديك ، وسيعدونك بتأمين غرفة خاصة ومعاملة خاصة ، دون منح التوجيهات الطبية والتحفظات أي معنى .
مرغماً ذهبت للمشفى حاملاً إحالتي الرسمية الموقعة من نقيبة الفنانين لاكتشف هناك وأمام إدارة المشفى أنهم كانوا يسخرون مني فحسب ، وأن هذه الإحالة لا معنى لها على الإطلاق ، ذلك لأن المشفى عام ومفتوح لكل المواطنين وليس به غرفة خاصة ولا جناح خاص ، الأمر ببساطة أنهم طردوني من المكان الذي كنت أعالج به على نحو كيدي وصبياني وغير مسؤول ، ولو كنتَ مكاني ستغضب بالطبع !!
حادثت السيد وزير الثقافة وأعلمني الوزير بدوره في اليوم التالي أن النقابة رفضت مطالبي بحجة وجود أنظمة وقوانين . السيد الوزير لم يكن يعرف أن هذه ليست سوى كلمات كلمات كلمات .
قررت أن أقاتل من أجل حقي حتى آخر نفس ، فمن لا يحارب من أجل حقه في العيش لن يحارب من أجل أي شيء آخر مهم ، وقررت أن أرفع سقف مطالبي لأنهي مشكلتي جذرياً ، وأطالب بعملية زرع نقي عظم لي .
ومتجاوزاً أوامر الأطباء لي بالراحة وتجنب حرارة الشمس كتبت بياني الأول ، ومضيت به لأوزعه على زملائي ومعارفي في المقاهي ومديرية المسارح وأروقة النقابة متمنياً لأولئك الذين يعذبونني أن يواجهوا ذات محنتي وذات كوابيسي ، وبعدها أصدرت بياني الثاني مؤمناً أن هذا كل ما أقدر أن أفعله دفاعاً عن حياتي مادام الأمر ممكناً فقد سبق أن عُولجت حالات أسوأ من حالتي وأكثر تكلفة منها بكثير .
وصلت إلى حافة اليأس وتراجعت فأصدرت بياني الثالث وندمت على ما تمنيته من شر لأولئك الذين يتفرجون عليّ بتهكّم ، وأيام حياتي تتلاشى على الطرقات ما بين توزيع البيانات والغضب والكوابيس المتعرّقة .
في البيان أعلنت إضرابي الأول عن تناول أدويتي الكيماوية مقرراً الجلوس في شرفة بيتي ومتابعة مشاريعي الكتابية تاركاً للوقت أن يفعل بي وبضمائر أولئك الذين ................. ما يشاء .
بطيئاً ومجنوناً ومسكوناً يمر الوقت ، صارت قصتي على صفحات الإنترنت والصحافة ، ثم بدأت عرائض التواقيع المساندة من زملائنا تدق البوابات المختلفة ، أسعدني الأمر وأطلق لي آلاف الأجنحة لأن أصوات أولئك المدافعين عن الحق كانت أقوى من كل ما تخيلت ، شعرت أن لدى من ساندوني بتلك الروعة والقوة من الشرف ما لو وزع على العالم كله لكفاه ، ذلك لأن الأصوات التي بدأت ها هنا امتدت إلى أوروبا وأميركا واستراليا بحيث جعلتني أؤمن بأن الشرفاء موجودون على امتداد عالمنا الكبير الصغير هذا .
أتت ردود أفعال النقابة متأخرة ، لكن أن يستيقظ الوجدان متأخراً خير من أن لا يستيقظ أبداً ، وأتتني الوعود بحل كافة مشاكلي .
مرت أيام فأسابيع فشهر ثم آخر ، ذكرت زملاءنا بوعودهم فأعلموني أن قصة عملية الزرع لم تكن واردة مع أنها كانت من الشروط المكتوبة التي وضعتها للتوقف عن الإضراب ، فماذا كنتَ ستفعل لو كنت مكاني لا سمح الله ؟؟؟؟؟
لا أعرف حقاً ، لكن ما فعلته ببساطة أني رفعت طلباً نظامياً بانتظار ردٍّ نظامي وأن أفكر بتلك الطريقة المخاتلة التي حاولوا بها إيقاف إضرابي دون نجاح لأني لم أوقفه وأصبح غضبي يضارب حدود السماوات . استجمعت كل قواي لأصعّد مقاومتي ضد ما يحيط بي من قبح إداري ، لكني وجدت نفسي أمام معضلة أخلاقية غريبة ، فالأحداث التي تمر بها البلاد محزنة حقاً والاهتمام بوضعي لهذه الدرجة يبدو أنانية مطلقة ، وبذات الوقت فإن تجاهل وضعي يبدو تخلياً غير مشرّف عن قضية الدفاع عن حق أساسي هو حق العيش بكرامة ، وإذا أضفنا لهذا قضية الولاء لأولئك الذين ساندوني لصارت القضية أصعب وبدا الأمر إهمالاً لحق عام لا لحق شخصي ، ذلك لأن الحقّين الفردي والعام لا يتجزآن ، وإهمال أحدهما يعني إغفال الآخر
هكذا هو الأمر بالنسبة لي ، لهذا مضيت للنقابة وأعلمتهم رسمياً أنني سأعلن إضراباً عن تناول الطعام هذه المرة إضافة لإضرابي عن تناول كيماوياتي مستعجلاً الأمر على نفسي وعليهم وليكن ما يكون .
لم يردوا بالطبع، وبالطبع أعلنت الإضراب وبدأته ، واستنهضت وسائط الإعلام بكل ما أوتيت من قوة ، وهذا ما كنت ستفعله لو كنت مكاني .
مرة أخرى تحرك الزملاء والأصحاب والمدافعون عن الحق ، حقي وحقهم أيضاً .. مقالات .. تواقيع زملاء وأصدقاء و محبّين .. صفحات على الإنترنت ، فيما اندفع الكثير من المتحمسين لطرح أفكار عن تبرعات وحتى تشكيل جماعات للتبرعات ، الأمر الذي آلمني أكثر من أي شيء آخر على امتداد حياتي هذه ....
أشعر بالعرفان لكل أولئك وأشكرهم من القلب لكني لم أستطع قبول الأمر إذ إنه يحولني وببساطة من شخص يدافع عن حقه بالحياة إلى شخص يتسولها ، وحياة يتسولها المرء هي حياة لا تليق بالبشر ولا تستحق أن تعاش .
في اليوم الخامس من إضرابي شعرت بخفة طائر ، ومع ارتفاع أصوات أولئك الذين يمتلكون كل ذلك النبل لمشاركتي محنتي أجد أن ما فعلته أقل بكثير مما يفعلونه إنهم الأبطال الحقيقيون للقصة ، إنهم أولئك الذين يحولون حق الفرد في العيش إلى جزء من منظومة الحق الجمعي ، هذه هي الفضيلة المذهلة التي تميز الإنسان عن غيره من أشكال الحياة فضيلة الاستجمال وبأرقى أشكاله .
في اليوم السادس أتاني هاتف أعلن عن نفسه كرقم خاص ، وبعد السلام المتوقع والتعارف البسيط أعلمني محدثي أن قضيتي أثيرت " على أعلى المستويات " و " أن هناك توصيات لحل مشكلتي حيثما أرغب وكما يليق وينبغي " وأن " عليَّ أن أوقف إضرابي وأهتم بصحتي كي أمضي للعلاج بشكل جيد " ولأنني أصدّق ما يقال ـ إذ إن الرجال هم ألسنتهم بالنسبة لي ، أو لأنني رجل بسيط يرغب بتصديق ما يحب سماعه ـ وعدتُ بتعليق إضرابي عندما أرى شيئاً محسوساً ، وأفعل وأتناول الطعام لكني في اليوم التالي أُسعفتُ للمشفى وأمضيت يومين بمقاومة الجفاف ، ثم شرعت بتناول كورسي الكيماوي الذي تأخر بحيث ازدادت نسبة الخلايا المرشحة للتسرطن في دمي . في هذه الأثناء لم يكفّ الطيبون عن مساندتي أبداً. الاتصالات المساندة تغرقني في محيط من التفاؤل الكبير الذي يتجاوز كونه تفاؤلاً يتعلق بإنقاذ حياة فرد إلى ما هو أوسع وأعمق دلالة ، ووسط كل هذا تنتابني تساؤلات أخرى أهم : أين دور وزارة الثقافة التي أعمل لديها منذ ثلاثين عاماً ؟... أين مديريتي وأين وأين ؟.... وبالطبع تعبر ذاكرتي قصص الإنتاجات وإصلاحات المسارح والتمريرات وكل ما يمكن إدراجه تحت عبارة "من نافل القول" .
الآن أنتظر نهاية كورسي الكيماوي مفكراً أولاً في موقف وزارتي المتفرّج على ما يلمّ بي والذي لن يختلف حيال الكثير من زملائي إذ أصابهم ذات المصاب ، ومفكراً ثانياً في موقف نقابتي وحكومتي وكل من لديه مسؤولية حيال الأمر ، ومفكراً بالتسويفات ورائحة التراجعات من جهة الرقم الخاص ، بأمل أو دون أمل لا يهم لكن بكامل حقي، فماذا ستفعل ببساطة لو كنت مكاني!!؟



#طلال_نصر_الدين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- الخارجية الروسية: واشنطن ترفض منح تأشيرات دخول لمقر الأمم ال ...
- إسرائيل.. الأسرى وفشل القضاء على حماس
- الحكم على مغني إيراني بالإعدام على خلفية احتجاجات مهسا
- -نقاش سري في تل أبيب-.. تخوف إسرائيلي من صدور أوامر اعتقال ب ...
- العفو الدولية: إسرائيل ترتكب جرائم حرب في غزة بذخائر أمريكية ...
- إسرائيل: قرار إلمانيا باستئناف تمويل أونروا مؤسف ومخيب للآما ...
- انتشال 14 جثة لمهاجرين غرقى جنوب تونس
- خفر السواحل التونسي ينتشل 19 جثة تعود لمهاجرين حاولوا العبور ...
- العراق.. إعدام 11 مدانا بالإرهاب في -سجن الحوت-
- السعودية ترحب بالتقرير الأممي حول الاتهامات الإسرائيلية بحق ...


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - طلال نصر الدين - الذاهب عن فرح الحياة بجرّة قلم .. النقابات المائعة