أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - ياسين الحاج صالح - عن الحرب العادلة والإرهاب والدولة















المزيد.....

عن الحرب العادلة والإرهاب والدولة


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 1039 - 2004 / 12 / 6 - 09:16
المحور: الارهاب, الحرب والسلام
    


تكون الحرب عادلة إذا التزم الطرف الذي يشنها بشرطين أثناء المعركة: التمييز بين المدنيين والعسكريين مع تجنيب الأخيرين "ويلاتها" قدر الإمكان، ثم تناسب العنف المستخدم اثناء الحرب مع الغاية المستهدفة منها. هذا ما يقوله غاري ويلز في مقال بعنوان "ما هي الحرب العادلة؟" (نيويورك رفيو اف بوكس، 18/11/2004)، يعلق فيه على كتاب مايكل والزر "الحروب العادلة وغير العادلة"، وعلى كتاب جديد للمفكر الليبرالي الأميركي بعنوان: "نقاش حول الحرب"، كما يستعيد التراث الغربي حول مفهوم الحرب العادلة.
وإنما عن استبطان هذين الشرطين تصدر الإدانات الغربية المتكررة لأعمال إرهابية تستهدف مدنيين، والتذكير المتكرر بوجوب تناسب العنف المستخدم من قبل المحاربين مع الخطر الذي يتعرضون له أو الهدف المشروع الذي يبغي تحقيقه (من شروط الحرب العادلة قبل المعركة: سلطة كفية تعلن الحرب، قضية عادلة، قصد مقبول للحرب، أن تكون الحرب الخيار الأخير، وان يكون النجاح فيها متوقعا).
يفترض نقاش ويلز ونظرية والزر ان الحرب تقع بين طرفين (دولتين قوميتين) تؤولان الوقائع بطريقة متقاربة. هل ينطبق هذا على "الحرب ضد الإرهاب"؟
هذه بالتعريف ليست مواجهة بين دولتين. وهي تاليا ليست حربا اصلا. إنها صراع عنيف بين دول وبين أطراف حديثة دون الدولة. ولا يزال فهم هذا الصراع بدائيا بسبب استغناء الدول والحداثة وإيديولوجييهما بإدانته عن فهمه وتقصي جذوره (الدولة هي الوكيل السياسي للحداثة). وهذا منطق من يريد ان يثبت ان نظامه لا يحتاج إلى مراجعة أو إصلاح، وان الإرهاب مجرد عنف شرير وغير عقلاني، لا يمس في شيء اسس النظام وقواعده وقيمه. هكذا كان موقف دول عربية مثل سوريا ومصر والجزائر من العنف السياسي الذي يرفض التمييز بين المدنيين والعسكريين (الأنسب أن نقول هنا، اي بصدد الأنظمة غير الديمقراطية: بين السلطويين وغير السلطويين، أو بين نخبة السلطة من حزبيين وأمنيين وعسكريين وعامة ناسها)؛ وهو موقف إسرائيل من المقاومة الفلسطينية، وموقف الولايات المتحدة من منظمة القاعدة ومن مقاومين عراقيين حاليا، وموقف روسيا من المقاتلين الشيشان.
لا يتساءل أي من هذه الأطراف القوية عما إذا كان الامتناع عن التمييز بين المدنيين والعسكريين متولدا عن حالة اللاتوازن بين الطرفين. اي عن احتمال أن الطرف الضعيف يرفض قاعدة التمييز لأنها تناسب إبقاء الأقوى مهيمنا والضعيف ضعيفا، وبالتالي تحفظ اللاتوازن. لا تتساءل ما غذا كان الإرهاب الذي يصيب المدنيين احتجاج الضعفاء على افتقارهم إلى جيوش وعسكر يقفون في وجه من يملك الجيوش والعسكر.
تستطيع الولايات المتحدة أن تضع قواعد للحرب ما دامت تضمن انها ستكسب الحرب في أي حال. لكن لنتصور للحظة ان اميركا مهددة جديا بخسارة الحرب أو باحتمال التعادل فيها: هل هناك من يعتقد بانها ستلتزم بقواعد الحرب العادلة؟ العكس مرجح لسبب أساسي: التعصب ورفض الندية. فالتعادل أو الخسارة يعنيان ان الحرب سجال وان طرفيها ندان، وهذا ممنوع من وجهة نظر دولة تريد القرن الحالي قرنا جديدا لسيطرتها (الولايات المتحدة)، وكذلك من وجهة نظر دولة ترى في المساوة مع الغير خطرا وجوديا وتجد امنها في الخروج على القانون لا في الالتزام به(إسرائيل)، ومن قبل ثقافة متعصبة لا تتسامح إلا ما بقدر ما تكون مسيطرة وغير مهددة بخطر الندية والمساواة (الثقافة الغربية).
بل خطر السياسة أولا. فحين نكون اندادا فلا محيص عن التفاوض والتنازلات المتبادلة والتسويات والحلول الوسط والمساومات الحقيقية، لا محيص عن السياسة.
إن طرح المسالة الإرهابية على هذه الصورة يساعد على كشف المحتوى المحافظ وغير العادل وغير المتوازن لعقيدة التناسب. فهذه العقيدة تطالب إسرائيل في فلسطين والولايات المتحدة في العراق وروسيا في الشيشان ... برد متناسب مع ما تتعرض له هذه الدول القادرة من أخطار. ومن الواضح انها (عقيدة التناسب) ترفض التفكير في ميزان القوى، بل إنها تسلم باختلاله كشرط لطلب تناسب العنف الحربي مع الخطر الأمني، اي كشرط للعدالة. فالتناسب هو بند في "النظام الداخلي" للحرب وليس مادة في "دستور" السياسة. وهو فعل تفضل وضبط نفس من قبل الأقوى لا يمس موقعه المتفوق. إنه بالأحرى ضريبة على امتياز موقعه وعلى الاعتراف بهذا الامتياز وحمايته. باختصار، عقيدة التناسب متمركزة حول الأقوى.
قد يناسب ان نقلب الأدوار الضمنية في عقيدة التناسب، ونتساءل: هل قتل المدنيين الإسرائيليين متناسب مع احتلال إسرائيل للأرض الفلسطينية؟ أم هو "استخدام مفرط للقوة" من قبل الفلسطينيين؟ هل الإرهاب رد متناسب مع خطر الاحتلال؟ وبالخصوص حين يقوم المحتل بتوطين سكان مدنيين في أراضي الطرف الواقع تحت الاحتلال؟ وبالأخص حين يفتقر الطرف الذي يتوسل الإرهاب إلى جيش مدرب وطائرات ف16 وأباتشي وقنابل تزن طنا وأسلحة نووية وراء الظهر؟
ليس في هذه الأسئلة ما هو شنيع اخلاقيا، الشنيع موجود في الواقع إن حاكينا تعليقا لكارل ماركس.
تفترض نظرية الحرب العادلة المسلمات الليبرالية: نظام دولي تنافسي يشبه السوق الحرة، يتكون حصرا من دول متقاربة القوة ولها نفاذ متكافئ إلى المعلومات حول حال "السوق"، وتؤول المعلومات بطرق متقاربة أيضا. ورغم ان نظرية الحرب العادلة تشمل اشتراطات قبل المعركة وبعدها وليس اثنائها فقط فإنها تتجنب النقاش في قضايا السياسة الكبرى او القضايا "الميتاحربية": النظام الدولي والتوازن الدولي والعقلانية السياسية واحتمال وجود أطراف دون الدولة أو فوق الدولة. ومن البديهي انها لن تنجح إذن في تطوير مفاهيم ومعايير اخلاقية لمقاربة الإرهاب. إنها نظرية حول اخلاقيات الحرب بين الدول أو أخلاقيات الدول المحاربة بصفتها هذه. ولذلك يقع الإرهاب خارج مداها. ولعل نظرية الدول الفاشلة، والإصرار الأميركي على أن الإرهاب ينجم عن تحريض دول ورعاية دول وتمويل دول... يلبي الحاجة الأميركية إلى خوض حرب ضد طرف قابل للضرب، ويعكس المسلمات الكامنة في التراث الغربي منذ قرابة قرنين على الأقل، او ربما منذ معاهدة وستفاليا. بعبارة اخرى تقول نظرية الإرهاب كشأن متصل بالدول شيئا عن نظام الدولة الأميركي وعن نظام إنتاج النظريات الأميركي وليس عن المسألة الإرهابية ذاتها.
والحال إن الدول هي بالفعل الفاعل الأكثر عقلانية أو الأقل لاعقلانية في النظام الدولي. لكن مشهد انهيار الدول وفشلها يقع داخل النظام الدولي لا خارجه. وتنهار الدول بسبب قلة عقل العالم، اعني بسبب تشدد معايير النظام المتمركز حول الدولة (التنمية والسيادة والتراكم والكفاءة السياسية) او عدم ملاءمتها. إن مشكلات العالم اليوم لا ترتد إلى تقدم وتخلف الدول، ولا إلى قوتها وضعفها، ولا إلى الدول التي تكسب الحرب وتلك التي تخسرها، بل إلى وجود الدول أو انعدامها، وهو ما لا نتصور له حلا على ارضية الدولة التنموية السيدة التي "استعمرت" العالم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
وما يغفل الفكر السياسي لدينا ولدى عن رؤيته هو أن نهاية الحرب الباردة قلصت بصورة مذهلة عدد الدول القادرة على شن الحرب، وأن هذا التقلص توافق على الفور تقريبا مع طفرة في الإرهاب. فالإرهاب هو حرب من لا يستطيعون حربا.
لقد اضحى كسب الحرب وشنها شيئا واحدا، وخسارة الحرب هي العجز عن شنها، والفارق الأهم ليس بين حرب عادلة وحرب غير عادلة، بل بين الحرب والعجز عن الحرب. من يحارب هو العادل والعاقل معا وحكما، هو الدولة. ومن لا يستطيع الحرب يحقق غريزة الدولة لديه بالإرهاب: رفض التمييز بين مدنيين وعسكريين وعدم الاعتراف بالتناسب. واللاتمييز واللاتناسب هو اللاعقل.
إن تنامي الإرهاب يعكس فشل عملية تكون نظام عالمي يحل مشكلاته عبر السياسة والحوار والعقل. ورفض التفكير في الإرهاب كعرض أساسي لنظام دولي غير عادل وغير ديمقراطي هو، وليس التفكير فيه، الذي يمثل تواطؤا مع الإرهاب. بالمقابل، إن نظرية حول الإرهاب، ما يعني الاعتراف به و"التعاطف" معه، شرط لا بديل عنه للسيطرة على المسالة الإرهابية.



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سوريا ممكنة دون معتقلين سياسيين!
- قانون الأحزاب وتحرير الحياة السياسية في سوريا
- المستحيلات الثلاث في -الشرق الأوسط-
- سوريا غير المتطابقة مع ذاتها
- حلفاء ضد التحليل: التبريريون والتشريريون في معركة الإرهاب
- أجهزة أمن اكثر = أمن اقل؛ والعكس بالعكس
- موت آخر المحاربين
- مشاركة في انتخاب الرئيس الأميركي!
- اي مستقبل لبلادنا دون الخط الثالث؟ 2 من 2
- أي مستقبل لبلادنا دون الخط الثالث؟ 1 من 2
- إصلاح حزب البعث والإصلاح السياسي في سوريا
- حول الطريق الثالث ... مرة ثالثة
- اسحقوهم بتناسب، وحطموهم برفق، واقتلوهم بلطف!
- الاستقطاب والاختيار: حول مفهوم السياسة 2 من 2
- الاستقطاب والضعف : حول الخط الثالث مجددا 1 من 2
- ماضي الخط الثالث ومستقبله في سوريا
- مذهب الضربات الوقائية والعقلانية في النظام العالمي
- فليستقل مدير عام مؤسسة الاتصالات!
- الجامعات الأسيرة صورة عامة للحال الجامعية السورية
- على أثر العاديين ...في شاتيلا


المزيد.....




- من أجل صورة -سيلفي-.. فيديو يظهر تصرفا خطيرا لأشخاص قرب مجمو ...
- من بينها الإمارات ومصر والأردن.. بيانات من 4 دول عربية وتركي ...
- لافروف: روسيا والصين تعملان على إنشاء طائرات حديثة
- بيسكوف حول هجوم إسرائيل على إيران: ندعو الجميع إلى ضبط النفس ...
- بوتين يمنح يلينا غاغارينا وسام الاستحقاق من الدرجة الثالثة
- ماذا نعرف عن هجوم أصفهان المنسوب لإسرائيل؟
- إزالة الحواجز.. الاتحاد الأوروبي يقترح اتفاقية لتنقل الشباب ...
- الرد والرد المضاد ـ كيف تلعب إيران وإسرائيل بأعصاب العالم؟
- -بيلد-: إسرائيل نسقت هجومها على إيران مع الولايات المتحدة
- لحظة تحطم طائرة -تو-22- الحربية في إقليم ستافروبول الروسي


المزيد.....

- كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين) ... / عبدالرؤوف بطيخ
- علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل / رشيد غويلب
- الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه ... / عباس عبود سالم
- البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت ... / عبد الحسين شعبان
- المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية / خالد الخالدي
- إشكالية العلاقة بين الدين والعنف / محمد عمارة تقي الدين
- سيناء حيث أنا . سنوات التيه / أشرف العناني
- الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل ... / محمد عبد الشفيع عيسى
- الأمر بالمعروف و النهي عن المنكرأوالمقولة التي تأدلجت لتصير ... / محمد الحنفي
- عالم داعش خفايا واسرار / ياسر جاسم قاسم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - ياسين الحاج صالح - عن الحرب العادلة والإرهاب والدولة