أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سامى لبيب - فلسطين ذبيحة على مذبح يهوه والمسيح والله الإسلامى - تديين السياسة أم تسييس الدين (10)













المزيد.....

فلسطين ذبيحة على مذبح يهوه والمسيح والله الإسلامى - تديين السياسة أم تسييس الدين (10)


سامى لبيب

الحوار المتمدن-العدد: 3490 - 2011 / 9 / 18 - 20:24
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


القضية الفلسطينية هى القضية الوحيدة التى إمتدت على مدار أكثر من ستين عاما تعلن عن نفسها بأنها ليس لديها أى آمال حقيقية فى الحل والخلاص فقد إختلطت الأوراق وتشوهت الحقائق جراء أوهام أسطورة وجدت حضورا ً فى الذهنية الإنسانية عبر التاريخ .
إشكالية القضية الفلسطينية أن أوهام المقدس والرغبات الإلهية المزعومة قد تغلغلت فى ثنايا القضية أو قل أن الرغبة فى الإستئثار والإغتصاب أفلح فى أن يكون للناهبين كتابا ً مقدسا ً يسوقوا من خلاله إغتصاب أرض وشعب ولا يتوانوا فى سبيل ذلك من خلق فكرة إله يمنحهم مشروعية الإغتصاب والنهب .
لقد أفلحت أوهام المقدس فى أن تنسج أسطورة تتغلغل فى عقول المؤمنين وتجد صداها فى تمرير مشروعية نهب أرض كنعان وفلسطين لتصبح حق عبرانى لتُهدر حقوق وتضيع حقائق وتتخلق إدعاءات زائفة تحصنت بأثواب المقدس .

* الإغتصاب الكبير .
أى دارس للتراث العبرانى التوراتى لن يرهق نفسه كثيرا ً فى تلمس المشروع الإستيطانى للقبائل العبرانية فسيلمس من أول وهلة أن النص تم نسجه وحياكته من أجل تأسيس مشروع الأرض الموعودة والوعد الإلهى بمنح أرض فلسطين وكنعان لابراهيم ونسله .
فكرة الأرض الموعودة هى الوحدة البنائية الأساسية للنهج التوراتى بل تُعتبر حجر الزاوية للتراث العبراني وبدونها لن نجد إلا مجموعة من القصص الساذجة وبعض الأساطير والتشريعات تم إقتباسها من أرض بابل ومصر ... الأرض الموعودة تعتبر المشروع السياسى لقبائل عبرانية مُرتحلة راودها أن يكون لها أرض ومكان فى فلسطين وكنعان فأسست الميثولوجيا والقصص وخلقت فكرة الإله يهوه لتمرر مشروعها وتمنح التأثير والحلم والأمل فى نفوس أتباعها .
البناء الهيكلى للنص التوراتى هو المشروع الإستيطانى فى أرض كنعان وفلسطين لتتسطر أولى حروفه منذ البدء , فهناك وعد إلهى لإبراهيم ان تكون ارض كنعان وفلسطين له ولنسله ..ويستقوفنا هنا لماذا هذا الوعد بهذه الأرض البائسة بينما العالم يحتوى حينها على أماكن كثيرة تتمثل فى ثلاث قارات بكامل خيراتها وعنفوانها لم يستوطنها أحد ولكنها أطماع وطموحات وبئس وعى قبائل مهمشة أرادت أن تستولى على أراضى قريبة أمامها فى مملكة كنعان وفلسطين لضعفها وسهولة النيل منها وتواجدها وسط ممالك قوية كمصر وبابل صعبة المنال والحلم .. بالطبع لا تدرك هذه القبائل الرعوية هى أو إلهها الذى أبدعته أن العالم به ثلاث قارات تطلب البشر.

النص التوارتى يلح دائما بالتذكير بالوعد الإلهى لإبراهيم ونسله بالأرض الموعودة .. سنحاول أن نرفق بعض النصوص التى تلح وتكرر بشكل ممل للمنحة الإلهية لليهود بأرض فلسطين وكنعان .
" وقالَ الرّبُّ لأبرامَ: "إرحَلْ مِنْ أرضِكَ وعَشيرَتِكَ وبَيتِ أبيكَ إلى الأرضِ التي أُريكَ، 2. فأجعَلَكَ أُمَّةً عظيمةً وأُبارِكَكَ وأُعَظِّمَ اَسمَكَ وتكونَ بَركَةً، 3. وأُبارِكُ مُبارِكيكَ وأَلعنُ لاعنيكَ، ويتَبارَكُ بِكَ جميعُ عَشائِرِ الأرضِ"
-هنا بداية العهد ونلاحظ أن النص قد يعطى إنطباع بأن الرب يمنح إبراهيم أرض غير معروفة وغير آهلة كما يمكن التصور ولكن هى أرض عامرة بأهلها من شعوب وقبائل كنعانية وفلسطينية وأرامية .!
"وأقيم عهدي الأبدي بيني وبينك، وبين نسلك من بعدك جيلا بعد جيل، فأكون إلها لك ولنسلك من بعدك . وأهبك أنت وذريتك من بعدك جميع أرض كنعان التي نزلت فيها غريبا ملكا أبديا وأكون لهم إلها".(سفر التكوين/الإصحاح 12).
- هنا تأكيد للوعد الإلهى المزعوم فى أرض كنعان بالتحديد فهى المشتهى للقبائل العبرانية ومطمعها الحقيقى .

"ولكن عهدي أقيمه مع إسحاق الذي تلده لك سارة في هذا الوقت من السنة الآتية" (سفر التكوين/الإصحاح17)...وفي نص آخر : "يدعو اسمه إسحاق وأقيم معه عهداً وأبدياً لنسله من بعده" (سفر التكوين/الإصحاح17).
-هنا ينحو الوعد الإلهى لمزيد من التفصيل وهو المراد بالنسبة للمشروع السياسى أن يتجه نحو التخصيص والإنفراد بتوجيه العهد إلى نسل إسحاق ...ولكن يبدو أن الحلم بالأرض وجد آفاق أعلى ليرتفع أسقف صاحب الحلم فيزيد من مساحة الأرض الموعود ة لإسرائيل "لنسلك أعطي هذه الأرض من نهر مصر إلى النهر الكبير نهر الفرات" (سفر التكوين/الإصحاح 15).

من السهولة إختراق هذا العبث المسمى بالأرض الموعودة وشعب الله المختار , فالأرض الموعودة لم تكن أرضاً خلاء خالية من البشر حتى يمنحها الإله المُفترض لجماعة بشرية بل كان يسكنها شعوب وقبائل كنعانية وفلسطينية كأصحاب حق أصيل فى الأرض , أما وهم شعب الله المختار فكيف لنا تصور أن هناك شعباً مختاراً لم يتواجد بعد !!..فالشعب سنقول عنه عظيما ًعندما يقدم حضارة وسنصفه متخلفا ً بعد أن يفلس عن تقديم أى شئ على مدار تاريخه , وسيكون مختاراً عندما يقدم تاريخ من الإيمان بالإله وتنفيذ وصاياه ولكن أن يوصف شعب قبل تواجده على خريطة الحياة والوجود ليقوم بالفعل والتفاعل بأنه مُختار فهنا عنصرية الفكرة وغباءها وتعسفها , ولكن هكذا أراد صاحب النص أن يؤسس أوهامه وغطرسته وليتم إكمالها بعملية فرز البشر بطريقة شديدة السذاجة لتخرج شعوب بأكملها من الحضن الإلهى لأن الأب الأكبر إشتهى طبق من العدس فباع على أثرها بكوريته ليضيع إنتساب أحفاده لشعب الله المختار .

لن نغرق بالفعل فى التراث العبرانى المثقل بالسذاجة فنحن أمام مخطط واضح الملامح من رغبات قبائل رعوية مُهمشة تعيش على أطراف ممالك قوية أرادت أن يكون لها موطأ قدم لتجد أطماعها صعبة المنال أمام ممالك وحضارات قوية فى مصر والعراق لتصل إلى غنيمتها فى أرض فلسطين وكنعان لتخطط لإجتياحها وتمارس فى سبيل ذلك مذابح همجية بربرية لم تخلو من عمليات تطهير عرقى لقبائل وعشائر .
المعتاد فى تصفحنا للتوراة أننا سنجد كاتب النص وقد سخر فكرة الإله فى حث أنبياءه على القتل الوحشى الهمجى للشعوب القاطنة , فهكذا تم توظيف فكرة الإله على يد العبرانيين ليكون لهم السبق والإنفراد فى جعل الإله مقاتلا ً وربا ً للجنود يحثهم على القتال والذبح ويطالبهم بإلحاح أن ينصروه ويحققوا وعده ..ولا بأس أن يخلق مُبدع النص مكافأة للمقاتلين بمنحهم الغنائم والسبايا وفى ميثولوجيا أخرى تكون فكرة الإله أكثر سخاءاً يتم منح الجنات والحوريات والنعيم اللانهائى بجوار الغنائم والسبايا .

اليهودية تعتبر مشروع إستيطانى منذ البدء مكونه هوية التراث التوراتى ولو حاولت نزع هذا المشروع لن تجد شيئا ً سوى بعض القصص الساذجة المملة والتى لا تعطى أى قيمة وبعض الاساطير والتشريعات المنقولة .. ويمكن القول بكل ثقة أن المشروع الإستيطانى هو الفكرة المحورية لتجئ القصص والانبياء لرسم الخلفيات والكواليس .
من أحلام هذه القبائل الرعوية تكونت الأسطورة وتم نسجها ولترتدى المقدس فتجد حضور وإستمرارية فى نفوس أتباعها بل تسللت إلى أديان وثقافات أخرى طلبت الإنتساب للجذر الإبراهيمى لنجد أنفسنا أمام مشروع نهب وإغتصاب وجد حضوره فى النسيج الإيمانى والفكرى للمؤمنين به من يهود ومسيحيين ومسلمين ليصبح للإغتصاب والنهب تاريخ وقداسة .

* المسيحية المعتمدة لكل صور الأسطورة .
المسيحية جاءت من رحم اليهودية ولا تزيد عن كونها حركة إصلاحية للنهج العبرانى المُفرط فى القسوة والعنصرية والبشاعة مع تمرير رؤية خاصة للخطيئة .. لذا نجد المسيح لم يتنكر لهذا الإنتساب للأباء الأوائل بل على العكس هناك حرص شديد أن يكون ذو صلة بالنسب العبرانى المتمثل فى دواد والذى جاء من الرعيل الأول ..ويمكن القول بأن المسيح بدون هذا النسب والإنتساب لن تتخلق مشروعية لوجوده ..إذن هو الإمتداد الطبيعى للأباء الأوائل الذين منحهم الرب الوعد بالأرض , لذا لم يشكك المسيح فى الأسطورة العبرانية ومحتواها بل تم إعتمادها كاملةً فهو حسب قوله " لم يأتى لينقض بل ليكمل" ليمر كل النص التوراتى بكل أساطيره وخرافاته وبشاعته ليجحد له مكانا ً فى الكتاب المقدس تحت إسم " العهد القديم " , وتجد قصة الأرض الموعودة حضورها فى الوجدان المسيحى فالإله كما هو لم يتغير وهكذا كانت إرادته .

جوهر المسيحية فى مواضع شتى تعطى إنطباع أنها معنية بكل البشرية كرسالة خلاص للإنسان وتحريره من الخطية وهذا حجر الزاوية فى المنهج المسيحى ..فالمسيح لم يأتى من أجل نشر رسالة دينية بل لمحو خطية العالم من خلال الفداء ولكن علينا ألا نغفل قول المسيح " ما جئت إلا لخراف إسرائيل الضالة " فهذا يعطى إنطباع أن هناك صلة وثيقة مع الموروث العبرانى لا سبيل للتنكر والتنصل منه .
إذا كانت المسيحية إهتمت بقضية المجد السمائى وإستبدلت الأرض الموعودة بالملكوت السمائى المُعد للأبرار والمخلصين بدم المسيح , ولكن ما يعنينا هو موقفها الفكرى والحقوقى من أرض كنعان وفلسطين لنجد أنها لم تستطع أن تنكر أوتتنكر لقصة الأرض الموعودة كحدث تاريخى مادى وجد سبيله على الأرض فهذا وعد إلهى لتمر أسطورة الأرض الموعودة فى الضمير والعقل المسيحى .

ما يهمنا أن قصة الارض الموعودة وجدت حضورها فى ذهنية ووجدان الإيمان المسيحى ليمر إغتصاب فلسطين قديماً وحديثاً ..ولكن للإنصاف والعقلانية معا ً أن الموقف المسيحى من قضية فلسطين شأنه شأن أى موقف إنسانى لا يبنى على نص وأسطورة فالنص جاء من أجل خدمة موقف سياسى وعلينا تذكر هذا دائما ً.. فإعتراف الدول التى تصنف على أنها مسيحية التراث بالكيان الصهيونى لم يجئ من هذه الخلفية الدينية كباعث للإعتراف والتأييد والدعم بل تكون الخلفية الدينية بمثابة الميديا ومنح المشروعية والترويج لمصالح حيوية تطلب الحضور فيتوهم البعض مثلاً أن رؤساء امريكا يمنحون الدعم لإسرائيل من تحت تأثير أوهامهم الدينية , والحقيقة أن الولايات المتحدة كمؤسسات ومصالح رأسمالية ضخمة لا يهمها هذا الهراء بل لها أجندتها الخاصة الرامية للتعاون والتأييد لإسرائيل كحليف إستراتيجى قوى , وكون أن يعتلى سدة الرئاسة الأمريكية من يحمل أوهامه وخرافاته الدينية كريجان أو جورج بوش وتجد توافق مع ما هو مرسوم من خطط ومصالح مطلوبة , فلا بأس فدعه يتحرك ويروج للمصالح ببوق يدغدغ مشاعر الغارقين فى أوهامهم .
إحياء فكرة الأرض الموعودة بعودة اليهود إلى فلسطين وجدت هوى فى الغرب ليس لتحقيق الوعد الإلهى المذكور فى الكتاب المقدس بل لأن الوجود اليهودى فى أوربا أصبح مزعجا ً بحكم تواجدهم الفاعل فى الإقتصاد والسياسة مع تشرنقهم داخل جيتوهات داخلية منعزلة ومتوجسة غير مندمجة فى المجتمع الغربى مع تواجد ميراث طويل من العداوة اليهودية المسيحية فى ثنايا الضمير الدينى الأوربى , فالضمير المسيحي لم يغفر لليهود أنهم من تآمروا لإيذاء وصلب المسيح وأن نظرتهم الدونية للمسيح المخلص كإبن زنا والعذراء كعاهرة معبد تثير حنقهم .. لذا جاء فكرة التخلص من اليهود بترحيلهم لأرض فلسطين ولكن الأمور لا تسير بدون مصالح فالمشاعر الكارهة لليهود لم ولن تخلق فعل سياسى .. فليكن الكيان الإسرائيلى الوليد حليف إسترتيجى قوى وقاعدة متقدمة للإستعمار والإمبريالية العالمية تحقق مصالحها الحيوية وأهدافها الإستراتيجية بأقل درجة من التناقض والجنوح.

لذا يمكن القول بأن الموقف المسيحى من الأرض الموعودة يلقى حضوراً فى الضمير والوجدان لتتشابك المصالح مع المقدس وتتصاعد لتصل بتبنى بعض المذاهب المسيحية المُخترقة التبشير لهذا الحق بشكل فج أملاً فى تحقيق ما يقال عنه نبؤات ... بينما تصيب قصة الأرض الموعودة فريق كبير من المسيحيين بالخجل ما بين الحيرة من إقرار حقيقة توراتية متأصلة فى الكتاب المقدس ومابين مسيحيتهم ونهجهم العازف عن هذه العنصرية الفجة .

* الإسلام وإقرار الله الإسلامى بالأرض الموعودة
النص الإسلامى يحمل فى أحشائه نفس الزعم التوارتى بوجود أرض موعودة لليهود - "يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التى كتب الله لكم و لا ترتدوا على أعقابكم فتنقلبوا خاسرين" .
فى هذه الآية نلحظ دعوة الله لبنى إسرائيل للدخول للأرض المقدسة ولم تكتفى بكونها دعوة كريمة بل ذكر " كتب " وكلمة "كتب" لها دلالات ومعانى قوية عميقة لا يمكن إهمالها فهى تأخذ الشكل القدرى والقرار والمشيئة الإلهية فلا سبيل للتملص منها أوالإرتداد عنها فهذا قدرالله الذى سيكون مدونا ً بالضرورة فى اللوح المحفوظ قبل الخلق لذا سيجد أصحاب العداء للمشروع الإستيطانى الصهيونى صعوبة فى التنصل من وعد الله الذى سجله فى كتابه .

نجد النص الإسلامى يروج للأسطورة العبرانية ويؤكدها كما لم يتورع أن يكمل المشهد التوراتى كاملاً بتمييز الله لبنى إسرائيل بقوله {ولقد آتينا بني إسرائيل الكتاب والحكم والنبوة ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على العالمين} (الجاثية:17) .. إذن هذا إصطفاء واضح لبنى إسرائيل وإنحياز للزعم اليهودى بأنهم شعب الله المختار بإقرار أفضليتهم " وفضلناهم على العالمين ".
ويتطابق النهج التوراتى مع الإسلامى فى الإصطفاء العبرانى لإبراهيم ولكن بصيغة إسلامية {وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماماً قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين } [البقرة124
بغض النظر عن وجود خطأ نحوى فى قوله لا ينال عهدي الظالمين حيث جاء فيه الفاعل { الظالمين } منصوبًا، وكان المتبادر أن يقال: ( لا ينال عهدي الظالمون )
ولكن مثل تلك الأمور لا تعنينا بل يهمنا أننا إزاء تكرار لنفس الزعم العبرانى بكل مشاهده فإبراهيم له الإصطفاء ومن ذريته يأتى بنى إسرائيل المفضلون على العالمين ولكن النص الدينى هنا يبدأ مرحلة تراجع وبدايات إنقلاب بقوله " لا ينال عهدى الظالمين " فهو فتح باباً موارباً لسحب رخصة الشعب المختار بأن الظالمين إستثناء من هذه الأفضلية , ولكن يستحيل أن يكون كل الشعب ظالمين ولو تصورنا جدلاً هذا الأمر فستطعن فى ألوهية الله الذى يمنح شعب أفضلية على العالمين ويكتشف بعدها أنه شعب كله من الظالمين .. وعلى كل الأحوال لم يتم النيل من " ادخلوا الأرض المقدسة التى كتب الله لكم ".

النص الإسلامى كعادته صاحب مواقف إنقلابية فإذا أبدى اللين والتسامح فى آيات مكية مثلا ً فهو واقع تحت وضعية ظرف سياسى حتم ذلك وإذا تجاوز هذا اللين فى آياته المدنية فهناك تغيير واضح إعترى المشهد السياسى .. وفيما يخص ما نحن بصدده فإن إقرار الله الإسلامى بمنح الأرض المقدسة لإبراهيم ونسله لتتطابق مع الرواية العبرانية قد حدث إنقلاب فى المشهد تجاه اليهود ليقذف التراث الإسلامى بكم لا بأس به من الآيات التى تذم اليهود بل تصل للعنهم وسبهم ويرجع هذا للتغير إلى الموقف السياسى والظرف الموضوعى الخالق له وهو ما يُعرف بأسباب التنزيل .
يمكن بالطبع تفهم المواقف السياسية ولكن إقتران هذا الأمر بالموقف الإلهى فهذا سيثير الإرتباك فى الفكرة الألوهية ذاتها .. فإقرار الله " ادخلوا الأرض المقدسة التى كتب الله لكم " لن يلغيها الموقف العدائى من اليهود أو الإدعاء بأن المميزات التى حظوا بها قد تم نزعها وذهبت لأهل الإسلام لأن هذ ينتقص من الله ذاته .
فعندما قال" يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التى كتب الله لكم " والتأكيد بقوله " كتب" فهذا يعنى إرادته ومشيئته وقدره وما هو مُدون ومَكتوب ومَفروض قبل الوجود لذا لن يصح أن يقول أحد بأن هذا الوعد والإقرار إنتهى مفعوله وتراجع عنه الله بعد أن وجد ضلال اليهود .!!..فهنا سينال العبث من فكرة الله فهو لا يدرك ولا يعلم بما هو قادم لتطعن فى قدرته ومعرفته الكلية فهو قد منح اليهود الارض المُقدسة وأقر أنهم مُفضلون على العالمين ثم خدعوه وخذلوه وهو لا يدرى !! وعندما فطن لضلالهم قرر بعدها صرف النظر عنهم !! .. هنا أصبح الله غير مُدرك للغيب والمستقبل فإذا كان يعلم أنهم سيخذلوه لما وهبهم الأرض بمفهوم " كتب " ولما ذكر أنهم مفضلون على العالمين ثم يجدهم أشد ضلالا ً وبالتالى من غير المنطقى أن يمنحهم أرضا ً ويهبهم معنى أو قيمة ثم يتراجع آسفاً عليها ليمارس ردود أفعال بشرية فى لعنهم وسبهم .!! ...ولكن المُلاحظ أن النصوص الإسلامية التى نالت من اليهود لم تتطرق آية منها لنزع الأرض التى كتبها الله لهم ..لقد نسيت هذا الأمر !
تغيير المواقف الإلهية وإدعاء إنتفاء وعد الأرض وأفضل العالمين يعنى النكوص عن تعهداته فإذا تصورنا جدلا أنه ألغى عهده بما هو مكتوب فما أدرانا أن يلغى يوم القيامة وتقديره لهذا اليوم المشهود وهو ما تعرضت له سابقا فى مقال "هل الله حر" .

يمكن تفسير المواقف الإسلامية تجاه اليهود وما إعتراها من مواقف إنقلابية حادة بأن الإسلام فى سعيه الحثيث نحو تكوين هوية فكرية تعتمد على الوحدانية التى تم تطويعها لخدمة مشروع سياسى نحو توحيد جزيرة العرب من خلال فكرة الإله الواحد دفع نبى الإسلام إلى الرغبة فى الإنتساب للجذرالإبراهيمى بإعتباره رافع راية الإله الواحد فإعتمد منتجاته من اليهودية والمسيحية بل تم الإتكاء على أساطيرها وخطها العام مع بعض الحرية فى التصرف ولم تكتفى بالقصص والأساطير بل تسربت بعض التشريعات أيضا وخصوصا من الرافد التوراتى .
من ضمن الأساطير التى نقلها الإسلام الأسطورة العبرانية الأم وهى الأرض الموعودة والتى تهتم المنظومة التوراتية بالتأسيس عليها ليعتمدها نبى الإسلام وقد يكون السبب الرئيسى لإعتمادها هو رغبة محمد فى إستمالة اليهود للرسالة الجديدة ودعمهم له بإعتباره إمتداد للنهج والجذرالإبراهيمى إنتساباً ودعوة كما تصور أو قد يكون إقراره بها بفعل التأثير العالى الحاضر لهذه الأسطورة وهيمنتها فى الفكر اليهودى والمسيحى بحيث صارت أمام محمد كحقيقة واقعة علاوة على عدم وجود أى مصلحة مع الشعب الفلسطينى والكنعانى أصحاب الأرض الحقيقيين .
الإنقلاب الإسلامى على اليهود جاء بعد أن تبددت آمال محمد بالدعم اليهودى لرسالته بالرغم انه أعلن إعترافه باليهودية كتاباً ونبوة وأفضلية على العالمين , فاليهود خذلوه وخيبوا توقعاته فلم يعترفوا برسالته ولا بنسبه لله , لذا تجاهلوا دعوته وإعتبروها زيف بل لم يتوانوا عن إبداء نفورهم وتحديهم - لذا جاءت المواقف الإنقلابية الإنفعالية فى حمولة لا يستهان بها من النصوص التى تلعنهم وتحط من قدرهم ولكن فى ظل هذه الحالة المستنفرة نسى الجميع مقولة" يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التى كتب الله لكم"
تتبلور المواقف الإسلامية المُغايرة مع وضوح الرؤى لنبى الإسلام لتبدأ عملية إحلال وتبديل فنجد النهج الإسلامى ينحو لإستبدال الشعب العبراني الذى حمل صفة الشعب المختار أوالمفضلين على العالمين بالأمة الإسلامية كبديل لها .. وتم إستبدال القبائل العبرانية التى إجتاحت الأرض بدعوة من الإله يهوه إلى قبائل عربية غزت كل الأرض براية الله الإسلامى .

*محور المشكلة .
نحن أمام مشكلة أرض وشعب وقد إختلطت الأوراق وتزيفت فيها الحقائق بتدخل الآلهة الوهمية وإلتبست الأمور بأبعاد خطيرة فتحولت اللصوصية إلى حق ومشروعية ورغبات إلهية .. وتاهت الحقائق وتيبست الضمائر أو تخدرت أو إستباحت لنفسها الزيف , فهناك وعد إلهى بمنح الأرض ولا يهم أن كان هناك بشر آمنون وملاك حقيقيون لهذه الأرض يعيشون عليها أم لا , فالمهم الوعد لهذه الشراذم البدوية الهمجية .
مشكلة فلسطين أخذت بعدها الدرامى التاريخى المأساوى من تأثير وهيمنة الأسطورة على الواقع لتحظى بالحضور والميديا العالية التى وجدت قبولا ً بفعل المقدس لتتمرر مصالح من خلالها .. وتزداد مشكلتها تعقيدا عندما تم محو كامل للهوية الفلسطينية القديمة على يد الغزو العربى فتتغير كل ملامحها الثقافية القديمة ولا تبقى على أى أثر لها لتنال حتى من لسانها بينما إستطاعت الهوية العبرانية أن تحافظ على جذورها وثقافتها .

لن تُحل قضية فلسطين إلا بعد إسقاط كل الخطابات الدينية الوهمية والخطابات القومية المتعجرفة , فلن نحظى على حل لهذه القضية إلا برؤية ومنهج أممى شيوعى عندما تكون الأرض وكل الأرض للإنسان فلا أوهام المقدس المستترة بأطماع ستكون ذات معنى , ولا أحلام لصوصية قديمة يراد إستنهاضها تحت شعار الأرض الموعودة أو كل الأرض للأسلام ستكون ذات جدوى .. ولا نزعات قومية تبدأ شوفينية وتنتهى عنصرية ستكون ذات مفعول .. بل كلها تصب الزيت على النار.
الحل الأممى لن يتحقق بأحلام وأمنيات و هو ليس بحل مثالى متوهم لن يجد طريقه على أرض الواقع بل عندما تتمهد الأرض لإستقباله ستتحقق الأممية .. عندما تتبدد أوهام المقدس وتتحطم كل الأساطير التى خلقها الإنسان سواء دينية أو قومية ليمارس من خلفها أطماعه وجشعه وهيمنته .. وعندما تسقط الملكية القذرة التى خلقت كل الخرافات والأساطير لتتحصن ورائها لترضى جشعها وأطماعها على حساب جراح وآلام البشرية

فلسطين أرض للإنسان .. "وكل الأرض للإنسان وليس الإنسان للأرض" .. وسحقا ً لكل الأيدلوجيات التى تنال من الإنسان كقيمة ومعنى وحياة لتجعله عبدا ً لأطماع النخب واللصوص تحت أوهام الأراضى المقدسة .

دمتم بخير .
- "من كل حسب طاقته لكل حسب حاجته " حلم الإنسانية القادم فى عالم متحرر من الأنانية والظلم والجشع .



#سامى_لبيب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الإسلام وحقوق الإنسان بين الوهم والإدعاء والعداء .
- التاريخ عندما يُكتب ويُدون لحفنة لصوص - تديين السياسة أم تسي ...
- هل الله حر ؟!! - خربشة عقل على جدران الخرافة والوهم ( 8 )
- البحث عن جذور التخلف - تأملات وخواطر فى الله والدين والإنسان ...
- تديين السياسة أم تسييس الدين - حقاً الدين أفيون الشعوب .( 8 ...
- الدين عندما ينتهك إنسانيتنا - لا تلعب معنا ( 29 ) .
- حكمت المحكمة ( 3 ) - القصاص فى الشريعة بين القبول والإدانة .
- الدين عندما ينتهك إنسانيتنا ( 28 ) - رخصة للنكاح .
- لماذا يؤمنون وكيف يعتقدون ( 14 ) - إشكاليات العقل الدينى وطر ...
- تأملات وخواطر فى الله والدين والإنسان ( 14 ) - أفكار مدببة
- خربشة عقل على جدران الخرافة والوهم ( 7 ) - إشكاليات منطقية ف ...
- تأملات فى الإنسان والإله والتراث ( 11 ) - يوم القيامة بين ال ...
- تأملات فى الإنسان والإله والتراث ( 10) -الصلاة فعل تواصل أم ...
- تأملات وخواطر فى الله والدين والإنسان ( 13 ) - البحث عن معنى ...
- الدين عندما ينتهك إنسانيتنا (27) - الحنين لدهاليز وكهوف الما ...
- تأملات فى الإنسان والإله والتراث ( 9 ) - الوجود بين العشوائي ...
- لماذا يؤمنون وكيف يعتقدون ( 13 ) - علاقات الإنتاج كخالقة وحا ...
- تأملات سريعة فى الله والدين والإنسان ( 11 ) - إنهم يصفعوننا ...
- الأديان بشرية الهوى والهوية ( 1 ) - خرافات الأديان . جزء أول
- الدين عندما ينتهك إنسانيتنا ( 26 ) - أطفالنا فى الجنه وأطفال ...


المزيد.....




- “عيد مجيد سعيد” .. موعد عيد القيامة 2024 ومظاهر احتفال المسي ...
- شاهد..المستوطنين يقتحمون الأقصى في ثالث أيام عيد -الفصح اليه ...
- الأردن يدين سماح شرطة الاحتلال الإسرائيلي للمستوطنين باقتحام ...
- طلاب يهود بجامعة كولومبيا: مظاهرات دعم فلسطين ليست معادية لل ...
- مصادر فلسطينية: أكثر من 900 مستعمر اقتحموا المسجد الأقصى في ...
- مئات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى تحت حراسة إسرائيلية مش ...
- سيبدأ تطبيقه اليوم.. الإفتاء المصرية تحسم الجدل حول التوقيت ...
- مئات المستوطنين يقتحمون باحات الأقصى في ثالث أيام عيد الفصح ...
- أوكرانيا: السلطات تتهم رجل دين رفيع المستوى بالتجسس لصالح مو ...
- “خليهم يتعلموا ويغنوا ” نزل تردد قناة طيور الجنة للأطفال وأم ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سامى لبيب - فلسطين ذبيحة على مذبح يهوه والمسيح والله الإسلامى - تديين السياسة أم تسييس الدين (10)