أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبد القادر أنيس - مقالة وُلِدَت على شاطئ البحر















المزيد.....

مقالة وُلِدَت على شاطئ البحر


عبد القادر أنيس

الحوار المتمدن-العدد: 3490 - 2011 / 9 / 18 - 02:14
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


توجهت مع صديق لي وابنه إلى شاطئ البحر الأسبوع الماضي صباحا. وصلنا إلى الشاطئ فحملنا زادنا من السيارة واقتربنا من البحر ثم نصبنا مظلاتنا وجلسنا تحت ظلالها. الصيف هذا العام اعتدى أكثر مما يجب على حق الخريف رغم أنه أخذ حقه وزيادة من الحرارة طوال أشهره الثلاثة. مازالت الشمس حارقة حتى أن الرمال كانت تكوي أرجلنا الحافية على الساعة العاشرة صباحا، فنسرع الخطى نحو البحر الذي كان يرفض دخولنا إليه مزمجرا بأمواجه الغاضبة ونكتفي بالوقوف أمامها وتركها تقترب منا لتداعب أقدامنا في كر وفر لا يتوقفان. كان الناس قليلين جدا ومتباعدين في مضاربهم على هذا الشاطئ الذي يمتد حوالي عشرة كيلومترات.
عاد صديقي ليحتمي من الشمس تحت المظلة، حاملا صفحات من جريدة عثر عليها وراح يقرأها لتزجية الوقت، هي صفحات أربع يرجع تاريخها إلى 9/9/2011، العدد 6470.
http://www.elkhabar.com/ar/islamiyat/264446.html
لقد مر عليها يومان مرمية في العراء على رمال الشاطئ ومازالت نظيفة وجافة وقابلة للقراءة. راح يتلهى بقراءتها بينما استلقيت أنا في الظل على الرمل مشغولا بطيور النورس التي كانت تطير على ارتفاع بضعة سنتيمترات فوق الماء جيئة وذهابا بحثا عن أسماك تقترب من السطح فتنقض عليها. وعندما انتهى منها رماها جانبا فتناولتها على سبيل الفضول فقط، لأنني قاطعت شراء الجرائد الجزائرية العربية منذ مدة طويلة رغم أنها متاحة مجانا عبر النت بسبب عدم رضاي عن مضامينها.
رحت أقرأ العناوين كيفما أتفق وانتبهت إلى أنني في الصفحة الأسبوعية المخصصة للدين، لفت نظري عنوان (إصلاح القلوب) فقرأت: ((اصرف عنايتك إلى أمر القلب والباطن، فقد قال عليه السّلام: إنّ الله لا ينظر إلى صوركم وأعمالكم وإنّما ينظر إلى قلوبكم ونياتكم"، أخرجه مسلم)) ووو.. و((في الحديث: ألاَ إن في الجسد مُضغَة إذا صلُحَت صلح سائر الجسد، وإذا فسدت فسد الجسد، ألاَ وهي القلب متفق عليه، فوجب الاهتمام به وصرف العناية إلى إصلاحه وتقويمه، وهو (القلب) سريع التّقلُّب، كثير الاضطراب، حتّى قال عليه الصّلاة والسّلام فيه: إنّه أسرع تقلُّبًا من القِدر إذا استجمعت غليانها أخرجه أحمد والحاكم من حديث المقداد رضي الله عنه، وهو حديث حسن... الخ)).
أعدت قرأت ما سبق على مرافقيّ، وضحكنا: هكذا إذن، مازال عقل المسلم في قلبه لم يبرح مكانه منذ أربعة عشر قرنا. عقول رجال الدين، إذن، تستقر في قلوبهم وليس في أدمغتهم، دون سائر الناس، بمن فيهم صغار التلاميذ الذين صاروا يعرفون وظيفة القلب كعضلة تضخ الدم وتستجيب لما تقتضيه الانفعالات والأحاسيس التي مصدرها القلب. المؤسف أن هذه الجريدة الوطنية الكبيرة (تسحب أكثر من خمسمائة ألف نسخة) وعانت ما عانت من الإرهاب في تسعينات القرن الماضي وتعرض بعض صحافييها للاغتيال، تسمح لهؤلاء الجهلة عبر صفحاتها، ببث الفكر التجهيلي والإرهابي والإشراف على الجانب الروحي والأخلاقي والتربوي للناس. قراءة هذه البلادات من طرف الناس لا بد أن تؤدي في نظري إلى نشر الجهل بينهم ومحاربة ما تعلموه في المدارس من علوم عصرية تنويرية.
نقرأ تحت عنوان: (النّاس بعد رمضان)، بقلم ع. ق.؛ صنف الناس تجاه رمضان إلى ثلاثة أصناف، يعنينا هنا: ((الصنف الثالث: قوم دخل رمضان وخرج رمضان وحالهم كحالهم، لم يتغيّر منهم شيء، ولم يتبدّل منهم أمر، بل ربّما زادت آثامهم، وعظمت ذنوبهم، واسودّت صحائفهم، وزادت رقابهم إلى النّار غلا. هؤلاء هم الخاسرون حقًا. عاشوا عيشة البهائم، لم يعرفوا لماذا خلقوا عوض أن يعرفوا قدر رمضان وحرمته، ولقد سمعت والله أحدهم يتبجّح ويجاهر بالفطر في نهار رمضان. فهؤلاء ليس من حيلة معهم إلاّ أن ندعوهم إلى التوبة النصوح، التوبة الصادقة، ومن تاب، تاب الله عليه)).
وعليه، فمن لم يصم رمضان مثلي ((عاش عيشة البهائم، لم يعرف لماذا خلق..)). ومع ذلك فهذا الكاتب يعتبر متسامحا إذ لم يدعُ في مقاله، كما يفعل أغلب رجال الدين والعامة إلى البطش بنا، واكتفى بالتأسف لافتقاره إلى أية حيلة تقوم اعجاجنا.
وتحت عنوان آخر: (عبادات: الصّلاة- - صلاة الجمعة)، نقرأ: أنها (.. فرض عين..) وأن (.. شروط وجوبها أربعة: 1 ـ الذكورة، فلا تجب على المرأة. 2 ـ الحرية، فلا تجب على العبد. 3 ـ السّلامة من الأعذار المسقطة لها، فلا تجب على المريض وعلى الشيخ المسن اللّذين لا يقدران على الذهاب إليها. 4 ـ الإقامة في بلد الجمعة أو في قرية أو خيم قريبة من بلدها بثلاثة أميال وثلث الميل (مجموع ثلاثة أميال هو الفرسخ وهو خمسة آلاف وخمسمائة وخمسة وستون متراً، فيكون الميل ألفاً وثمانمائة وخمسة وخمسين متراً)، فأقل من منار البلد..)).
معنى "فرض عين" أن على كل مسلم تتوفر فيه الشروط أداؤها بنفسه خلافا لما يسمى "فرض كفاية" ومن حق الحاكم إجباره على تأديتها إذا امتنع. ثم يحدثوننا عن (لا إكراه في الدين) عندما يحلو لهم فيرفعون النسخ عنها إذا اقتضت الظروف السياسية والاجتماعية والأمنية، أما أن يتحدث الكاتب عن شرط (2 ـ الحرية، فلا تجب على العبد)، فهذا دليل قاطع على جمود الفكر الإسلامي وعدم استعداد رجاله لإصلاحه كما تمنى بعضنا وكما كتبوا عن حسن نية. مازالوا مثلا يحدثوننا عن الفرسخ وعن هذه المسافة التي كان يقطعها المرء في نصف نهار وصار اليوم يقطعها في دقائق.. مازالوا، وبدون حياء، يذكّروننا بعار العبودية الذي مارسته البشرية طوال قرون وأباحه الإسلام ويتحدثون عنه هنا كشرط من شروط حضور صلاة الجمعة غير المفروضة على العبد غير المعني بحسناتها لأنه مشغول بخدمة سيده، وبلا تأنيب ضمير.
وتحت عنوان ((رجال حول الرّسول ...البراء بن مالك))، نقرأ عن هذا الصحابي الذي يُقَدَّم لنا اليوم كمثل أعلى للمسلم الكامل: ((الصحابي الجليل البراء بن مالك بن النضر، رضي الله عنه، أخو أنس بن مالك خادم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وأحد الأبطال الأقوياء، بايع تحت الشّجرة، وشهد أحُداً وما بعدها من الغزوات مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، عاش حياته مجاهداً في سبيل الله. كانت كلّ أمانيه أن يموت شهيداً، وقتَل بمفرده مائة رجل في المعارك الّتي شارك فيها، وشارك في حروب الردة، وها هو ذا يوم اليمامة يقف منتظراً أن يصدر القائد خالد بن الوليد أمره بالزحف لملاقاة المرتدين، ونادى خالد: الله أكبر. فانطلقت جيوش المسلمين مكبّرة، وانطلق معها عاشق الموت البراء بن مالك. ورجع، رضي الله عنه، وبه بضعة وثمانون جرحاً ما بين ضربة بسيف أو رمية بسهم، وحُمل إلى خيمته ليداوى، وقام خالد بن الوليد على علاجه بنفسه شهراً كاملاً. وعندما شُفي، انطلق مع جيوش المسلمين الّتي ذهبت لقتال الفرس. وظلّ البراء رضي الله عنه يُقاتل في سبيل الله معركة بعد أخرى، متمنياً أن يحقّق الله له غايته، وها هي ذي موقعة تُسْتُر تأتي ليلاقي المسلمون فيها جيوش الفرس، وتتحقّق فيها أمنيته واستشهد، وكانت وفاته في خلافة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه سنة 20هـ)).
لو لم نقرأ هذا التاريخ في الصفحة الدينية حيث يقدم ما يكتب فيها في ثوب ديني مقدس، لهان الأمر. فتاريخ البشرية مليء بالعنف أما أن تتم الإشادة هنا بهذا العنف على أنه المثل الأعلى في علاقة المسلم بغيره من المختلفين معه دينا فهو دعاية مجانية للإرهاب وترويج لتاريخ همجي دموي ظالم أحرى بمن يتبنون الانتماء إليه أن يستحوا ويعتذروا. ثم يقولون لنا إن الإسلام دين سلام انتشر بالحكمة والموعظة الحسنة، ويقولون لنا إن الإسلام ضد العنف والإرهاب بينما تاريخ الإسلام نفسه يروي لنا أن المواقع الحربية التي شارك فيها هذا الصحابي كانت كلها غزوات إرهابية عدوانية عنيفة جدا تنتهي دائما بآلاف القتلى وسبي النساء والأطفال واسترقاقهم وكل ما يترتب على ذلك من احتلال واغتصاب وجزية وخراج وخراب. خالد بن الوليد نفسه الذي يُصَوَّر لنا هنا في منتهى الإنسانية قتل مالك بن نويرة من أجل الاستيلاء على زوجته الجميلة، وقد وبخه عمر بن الخطاب على ذلك وطالب بعزله لكن أبا بكر لم يكن يأبه لتجاوزاته الفضيعة مادام ذلك في صالح الدولة ومواردها من الزكاة.
ماذا نتوقع من شباب يقرأون هذه السيرة المثالية العاشقة للموت. من نلوم لو أن بعضهم اقتدوا بها لينالوا شرف الشهادة وصحبة نبيهم في الجنة ونعمها كما يقال لهم هنا بدل أوضاعهم المزرية؟ ومن المؤكد أن الشباب الذين يقبلون التضحية بأنفسهم في عمليات انتحارية وهم في ريعان الشباب لا بد أنهم تعرضوا إلى غسيل الدماغ بهذه الأفكار.
وتحت عنوان: ((إنّما تُنصَرون بضُعفائكم)) بقلم الشيخ إ. آ. س. ع. (قدم على أنه إمام مسجد) نقرأ: (( إنّ المتأمّل في كتاب الله من خلال القصص الّتي حكاها القرآن عن الأقوام الّتي سبقت أمّة سيّدنا محمّد صلّى الله عليه وسلّم، والمتصفّح لسُنّة سيّدنا محمّد صلّى الله عليه وسلّم ليلتمس جليًّا أنّ الشّريعة الإسلامية علّمتنا أنّ سبب النّصر وسبب الرزق هم الضعفاء)). ونقرأ ((جاء في الحديث الصحيح الّذي يرويه أبو داود وأحمد من طريق سيّدنا أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أبغوني الضعفاء، فإنّما تُنصرون وتُرزقون بضعفائكم)) ونقرأ أيضا : ((قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: اللّهمّ إنّي أُحْرج حق الضعيفين: اليتيم والمرأة ، بل إنّ بعض الأعمال العظيمة المتعلّقة بالأيتام قد تكون سبباً لعلاج قسوة القلب، كما جاء في الحديث الّذي يرويه الطبراني: أنّ رجلاً جاء إلى حضرة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يشكو قسوة قلبه، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أتحبُّ أن يلين قلبك وتنل حاجتك، امسح رأس يتيم .))
دموع التماسيح هذه ذكرتني بما كنت قد كتبته في مقال سابق حول موقف الغزالي من طائفة من الأيتام تعيش ذلا أبديا في مجتمعاتنا بسبب موقف الإسلام الرافض للتبني فقط لارتباطه بحادثة شاذة في حياة نبيه ولهذا أرى من المفيد، لدحض هذا الموقف الكاذب أو الساذج على الأقل، بموقف أقوى آخر للإسلام يتعارض تماما مع هذا الموقف:
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=207344
يقول الغزالي في هذا الكتاب (حقوق الإنسان بين تعاليم الإسلام وإعلان الأمم المتحدة): ((ولقد فحشت نسبة اللقطاء في عواصم الغرب واهتمت الحكومات هناك ببناء الملاجئ لاستقبالهم وارتفعت الأصوات تطلب التسوية بينهم وبين الأبناء لشرعيين!! ( (علامتا التعجب من عند الشيخ) ومستقبل الأسرة تتهدده أمواج من الآثام الطاغية حتى ليوشك أن يغرق فيها..))
ويقول: ((ونحن مصابون بالقردة التي تقلد الشر، وتزوّق صوره للأمة الإسلامية، فهي تطلب بقاء التبرج الذي تسرب إلى مجتمعنا... وهي تستدر الشفقة على اللقطاء وتريد أن يعترف القانون بهم اعترافه بالأبناء الشرعيين)).
ومن المؤكد، في نظري، أن صاحب المقال هنا، شأنه شأن الغزالي، لا يَعُدُّ هذه الكائنات البريئة المولودة خارج الزواج الشرعي أطفالا ويتامى يستحقون العطف والتضامن والمساواة في الحقوق والواجبات مع غيرهم، شأنه شأن الغزالي أستاذه. فأية قسوة قلب أكثر من هذه خاصة إذا علمنا أنهم يقيمون الدنيا كلما أثير موضوع الإجهاض.
أنا لا أتردد في توجيه هذه التهمة لهم لأنني تابعت المحاولات التي قام بها رجال الدين في بلادي لعرقلة إصدار قانون يسهل للناس إجراءات التبني بما يحفظ كرامة هؤلاء الأطفال الذين لبم يخل منهم أي تاريخ أي مجتمع، وصدر القانون ناقصا، بسبب التنازل لرجال الدين، مثل حرمان المتبنَّى من الميراث، لكنه أباح للمتبنِي إعطاء اسمه العائلي له خلافا لما ينص عليه الإسلام.
أية حقوق لليتيم عند هؤلاء يمكن مفاضلتها بحقوقه في الميثاق العالمي لحقوق الإنسان: ((يولد جميع الناس أحراراً متساوين في الكرامة والحقوق، وقد وُهبوا عقلاً وضميراً وعليهم أن يعامل بعضهم بعضاً بروح الإخاء)).
((لكل إنسان حق التمتع بكافة الحقوق والحريات الواردة في هذا الإعلان، دون أي تمييز، كالتمييز بسبب العنصر أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي السياسي أو أي رأي آخر، أو الأصل الوطني أو الاجتماعي أو الثروة أو الميلاد أو أي وضع آخر، دون أية تفرقة بين الرجال والنساء...)).
نحن إذن في حاجة إلى دساتير وقوانين تحدد الحقوق والواجبات وتحفظ بقوة القانون كرامة المواطنين مهما كان سنهم ولونهم ودينهم وعرقهم ووضعهم الاجتماعي مثل العناية الصحية والضمان الاجتماعي والتقاعد. أما أن نواصل التمسك بتعاليم عنصرية جائرة ضد المرأة والطفل ثم نطالب الناس بالإحسان إليهما ليدخلوا الجنة أو ليعالجوا قلوبهم المريضة، فهذا من المضحكات المبكيات.
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=207344
وتحت عنوان آخر (قصص الأنبياء: يونس عليه السّلام) ، نقرأ: ((وإنّ يونُس لمِن المُرسلين، إذ أبق إلى الفُلك المشحون فساهم فكان من المدحضين..)). (( ... أرسله الله تعالى إلى أهل نينوى من أرض الموصل بالعراق، وكان أهل نينوى قد دخلت إليهم الوثنية، وانتشرت فيهم عبادة الأصنام، ولهم صنم يسمّونه عشتار .. فذهب يونس عليه السّلام من بلاد الشام إلى نينوى فدعاهم إلى الله عزّ وجلّ، فكذّبوه ولم يستجيبوا لدعوته، شأن أكثر أهل القُرى. فبقي معهم يذكّرهم ويعظهم ويدعوهم إلى الله، ولكنّه لم يلق منهم إلاّ آذاناً صُمّاً وقلوباً غُلفاً، فضاق بهم ذرعاً، ثمّ أوعدهم بالعذاب إن لم يؤمنوا.
فلمّا طال ذلك عليه من أمرهم، خرج من بين أظهرهم غاضباً عليهم، متوعّداً لهم بالعذاب بعد ثلاث. ويظهر أنّ قومه توعّدوه أيضاً وغضبوا منه ولاحقوه، فأبق فاراً منهم، فخرج من بينهم قبل أن يأمره الله تعالى بالخروج، وظنّ أن الله تعالى لن يؤاخذه على هذا الخروج ولن يضيّق عليه بسبب تركه للقرية وهجره لأهلها قبل أن يُؤمر بالخروج)).
مازال هذا الفكر الديني يتعامل مع الناس كالأطفال في الإعلام والمساجد والمناهج التربوية. فالله الذي (إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون)، يقدم لنا في صورة أخرى يحتاج فيها إلى من يرسله أعزل ضعيفا من الشام إلى العراق لأن أرضا من أراضيه تمردت على طاعته ويجب إعادتها إلى أحضان العرش!!. ثم يقرر الله معاقبة نبيه لأنه فشل في إعادة الخارجين عن القانون وتخلى عن منصبه بدون إذن مسبق منه، مثلما تعاقب إداراتنا اليوم موظفيها. لكنها عقوبة عجيبة غريبة لا تقبلها قوانين الطبيعة بل تدخل في عالم المعجزات التي يزود بها الله أصفياءه متى أراد ويمنعها عنهم متى شاء حتى في الظروف التي يكونون في أمس الحاجة إليها. يقولون للناس كل هذا ثم يختمون بأن الله يهدي من يشاء ويضل من يشاء.
وتحت عنوان ((تزامنا مع الذكرى العاشرة لهجمات 11 سبتمبر: تهديد بتفجير مسجد بولاية تينسي الأمريكية))، نقرأ: (( تلقّى مسجد في ولاية تينسي الأمريكية تهديداً من متصل مجهول، يُحذّر فيه من أنّ المسجد سيفجّر في الذكرى العاشرة لهجمات 11 سبتمبر... وقد بدأت الشرطة وعملاء من قوات الأمن الداخلي الفيدرالي التّحقيق في الحادث... يُشار إلى أنَّ الولايات المتحدة ستحيي يوم الأحد المقبل ذكرى هجمات 11 سبتمبر 2001 الّتي استهدفت برجيّ التجارة العالمية ومبنى وزارة الدفاع (البنتاغون)).
هذه خلاصة الخبر. ورغم اعتراف المقال بدور الشرط هناك في حماية المواطنين الأمريكيين بغض النظر عن أديانهم أو أعراقهم، فقد التزم المقال صمتا مجرما حول حيثيات أحداث 11 سبتمبر. لا شيء عن إراهبيي القاعدة، لاشيء عن الضحايا، لا كلمة تضامن أو تنديد بما حدث. كل شيء مبني للمجهول حتى لا يقترن في ذهن القارئ أي دور للإسلام والإسلاميين فيه.

وأخيرا وتحت عنوان ((هكذا كانوا في الليل.. ليلة بينهم.. دعني أريك ليلهم، بل دعني وإيّاك نقضي ليلة معهم..)). نقرأ: (( هذا أبو هريرة رضي الله عنه كان هو وامرأته وخادمه يقسّمون اللّيل ثلاثاً، يصلّي هذا ثمّ يوقظ هذا . فاللّيل كلّه صلاة ومُناجاة، ودموع وخشوع، وذِكْر وشُكر، والشِّعار لا للفرش الوثيرة، والنّوم اللّذيذ. إنّهم الموصوفون بأبلغ قول وأعظم صورة في قوله الله تعالى: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً} السجدة:16، يرسم القرآن لهم صورة المضاجع في اللّيل تدعو الجنوب إلى الرقاد والرّاحة والتذاذ المنام، ولكن هذه الجنوب لا تستجيب؛ لأنّ لها شُغلاً عن المضاجع اللّيِّنَة والرقاد اللّذيذ شغلاً بِربِّها، شغلاً بالوقوف في حضرته، والتّوجُّه إليه في خشية وفي طمع يتنازعها الخوف والرجاء)).
ولست أدري لماذا كل هذه الدموع والخشوع وهذا الخوف وهذا التعبد المرهق بينما الله غني عن كل ذلك؟ الراجح عندي أن المسلمين الأوائل لم يكونوا هكذا. بل كانوا قوما يحبون الحياة وجمع الثروات بما فيها أبو هريرة الذي استولى على مال المسلمين عندما عين واليا في البحرين وحاسبه عمر على ذلك وانهال عليه بدرته حتى أسال دمه. أما ما لفت انتباهي هو كلمة (خادمه)، أي عبده الذي لم يعتقه لينال رضا ربه كما يزعمون.
وحتى لو صدقنا هذه الحكاية فيجب أن نعرف أن أبا هريرة وصحبه ما كان لهم التفرغ للعبادة بهذا الإفراط لولا أن هناك غنائم في شكل فيء وخراج وجزية ونهب من عرق شعوب أخرى تغنيهم شقاء العمل اليومي.



#عبد_القادر_أنيس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أيهما سقط: الجزيرة أم نظرية دارون؟
- الجزيرة تسخّر العلم والتقدم لخدمة الخرافة والتجهيل 4
- الجزيرة تسخر العلم والتقدم لخدمة الخرافة والتخلف 3
- الجزيرة تسخر العلم والتقدم لخدمة الخرافة والتخلف 2
- الجزيرة تسخّر العلم والتقدم لخدمة الخرافة والتجهيل
- عن المؤامرة مرة ومرة ومرة
- دينهم سياسة وسياستهم دين
- هل نتعرض فعلا لمؤامرة غربية؟
- القرضاوي ومكيافللي
- السياسة في الإسلام: ساس الدابة يسوسها
- لماذا نقد الدين؟
- تمخض الجبل فولد فأرا
- ما حقيقة الدولة الإسلامية (المدنية)؟
- هل العلمانية مسيحية متنكرة؟
- هل في الإسلام مواطنة: قراءة في فكر راشد الغنوشي 5
- هل في الإسلام مواطنة؟ قراءة في فكر راشد الغنوشي
- راشد الغنوشي هل في الإسلام مواطنة؟ 3
- راشد الغنوشي: هل في الإسلام مواطنة 2
- قراءة في فكر راشد الغنوشي: هل في الإسلام مواطنة
- العلمانية مفهوم للترك أم للتبني؟ 2


المزيد.....




- معرض روسي مصري في دار الإفتاء المصرية
- -مستمرون في عملياتنا-.. -المقاومة الإسلامية في العراق- تعلن ...
- تونس: إلغاء الاحتفال السنوي لليهود في جربة بسبب الحرب في غزة ...
- اليهود الإيرانيون في إسرائيل.. مشاعر مختلطة وسط التوتر
- تونس تلغي الاحتفال السنوي لليهود لهذا العام
- تونس: إلغاء الاحتفالات اليهودية بجزيرة جربة بسبب الحرب على غ ...
- المسلمون.. الغائب الأكبر في الانتخابات الهندية
- نزل قناة mbc3 الجديدة 2024 على النايل سات وعرب سات واستمتع ب ...
- “محتوى إسلامي هادف لأطفالك” إليكم تردد قنوات الأطفال الإسلام ...
- سلي طفلك مع قناة طيور الجنة إليك تردد القناة الجديد على الأق ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبد القادر أنيس - مقالة وُلِدَت على شاطئ البحر