أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد أيوب - ما وراء النص في ديوان - البدء ... ظل الخاتمة - للشاعر توفيق الحاج















المزيد.....

ما وراء النص في ديوان - البدء ... ظل الخاتمة - للشاعر توفيق الحاج


محمد أيوب

الحوار المتمدن-العدد: 1038 - 2004 / 12 / 5 - 08:43
المحور: الادب والفن
    


ما وراء النص في ديوان
" البدء ... ظل الخاتمة " للشاعر: توفيق الحاج
بقلم : د . محمد أيوب
أطل علينا الشاعر توفيق الحاج بديوانه السادس الذي يحمل عنواناً له دلالة خاصة هو : " البدء ... ظل الخاتمة " ، البدء هنا هو بداية كل شيء وميلاده ، وكل بداية مهما امتدت وطال أجلها فهي إلى زوال ، فهي ظل ، مجرد ظل يزول بزوال مصدر النور الذي يصنع هذا البدء وهذا الظل ، والخاتمة أو النهاية المحتومة هي قدر كل الكائنات الحية ، فالحياة لا تعدو كونها ظلا للحقيقة الوحيدة في هذا الكون .. الموت ، كل نفس ذائقة الموت ، وكل حياة مهما امتدت إلى زوال ، فالحياة مجرد ظل عابر إلى الزوال والموت يظل الشيء الوحيد الذي يؤكد عبثية الحياة وسوء تقدير الإنسان وتعلقه الكاذب بسراب خادع ووهم ساذج .
ولعل هاجس الموت والإحساس باقتراب النهاية هو الذي حدا بالشاعر ودفعه إلى اختيار هذا العنوان ، حتى ولو لم يكن يقصد ذلك فإن هذا الهاجس غالباً ما يكون كامنا في باطن الشعور ، ذلك أن الكثيرين من الكتاب والشعراء يعبرون عما يختزنه العقل الباطن أو اللاشعور من خلال كتاباتهم التي قد تحتاج إلى استخدام المنهج النفسي لقراءة ما وراء النص .
والغريب أن لوحة الغلاف تحمل من الألوان ما يدل على الاستنتاج الذي توصلت إليه ، فاللون الأسود هو اللون الغالب على لوحة الغلاف ، وإن تخللته ألوان أخرى فهي اللون الأصفر الدال على الحذر والانتظار والترقب ، انتظار شيء ما؛ غير مريح في أغلب الأحيان، أما اللون الأبيض ، سيد الألوان وحاملها في ثناياه فهو يدل في عالمنا الإسلامي على لون اللباس الأخير الذي يلبسه الإنسان الظل عندما يغادر عالمنا إلى عالم آخر أرحب وأوسع ، خال من الطمع والجشع والنفاق والتدليس ، عالم يتساوى فيه الجميع وتسقط المناصب والجاه وسلطان المال والعزوة .
ولعل توفيق الحاج في ديوانه أراد أن يقول لنا إنكم تعيشون وهما سرعان ما تستيقظون منه، ظل يزول ليتكرر من جديد بأشكال مختلفة في قصيدته : " الرماد ... لا " يقول :
الموت
ليس أن تموت
الموت ... أن تحيا على الكثبان
ظلا للخرافة
الموت أن تسعى ذليلاً
حيث مأدبة الخلافة
فالموت عند توفيق الحاج أن يعيش الإنسان ظلا دون أن يكون مصدراً للظلال، دون أن يترك بصماته على صفحات الحياة، دون أن يكون فاعلا ومؤثرا أثناء عبوره لبرزخ الحياة ، والموت عنده أن يتنازل الإنسان عن كرامته وأن يسعى ذليلا تحت أقدام السلطان طلباً لمنصب أو منحة يمنحها له السلطان ، فالشاعر ليس من يمتدح الحاكم من أجل أن ينال الحظوة ، الشاعر هو من يدافع عن مصالح العامة ويمتدح أفعال الحاكم إذا كان عادلا دون أن ينتظر منه شيئاً أي شيء، لأن وجوه المنافقين والمدلسين ستتساقط تساقط أوراق الخريف لتكشف عما تحتها من زيف ، لتكشف أنهم أزلام كل مرحلة وأنهم يستطيعون أن يتصرفوا مثل شريط التسجيل ، يغيرون وجوههم كما نبدل الشريط إلى الوجه الآخر لنستمع إلى شيء آخر بعد ما مللنا الوجه الأول، والشاعر في قصيدته هذه يحمل نبوءة ترشدنا إلى زيف حاملي الأقنعة على وجوههم وأنهم سيتنكرون لمن ذهب وسيطبلون لمن سيأتي ، يقول :
غداً
تصبح الصور التي تكسو الجدار
كناسة الشوارع وموطئ القدم ...!
وهو في رفضه للرماد يقول مخاطباً الوطن :
بعد الزنازين ... الحكايا
بعد خصب الزلزلة ... !!!
أصبحت رايات ترفرف
في رماد المرحلة
فالحريق لا يترك إلا الرماد ، والوطن مجرد راية سرعان ما تبهت ألوانها وتهترئ بسبب من فكروا في الوطن باعتباره غنيمة ، يقول عن أريحا :
حملوا المدينة في دفاترهم ...
وعادوا ...
قالوا : نراودها جميعاً
قالوا : نقسمها غنائم ... ننتصر
قالت : من يسلب التاريخ مني
من يسلب الزمن المشبع بالألم ؟
والشاعر في القصيدة نفسها يجعل من أريحا قطبا ومن غزة قطباً آخر ، وكأن اتفاق غزة أريحا أولا كان هاجسه عند كتابة هذه القصيدة :
فالعشق غزة
والشواطئ ... لم تعد عذراء
حمداً لرب الكون
حافظنا على الوطن المبجل في مآقينا
فقد ...
تعرينا قليلاً للضرورة
ثم ... فارقنا الحياء
اتفاق غزة أريحا لم يكن هو الحل الذي يطمح إليه الشاعر أو أي فلسطيني ، وهو حين يقول : حافظنا على الوطن المبجل ، يسخر من نفسه ومنا ، وكأنه يريد أن يقول إننا فرطنا في تراب الوطن كما تفرط المرأة في شرفها ، ودليلنا على ذلك قوله :
تعرينا قليلا للضرورة
ثم ... فارقنا الحياء
ويختتم الشاعر رفضه للرماد بالتفاؤل حين يتساءل :
هل تخنق الأصفاد دورياً...
يغرد للوطن ...؟؟!!
وفي قصيدته : " يراعات الصدى " يؤكد على فكرة الموت حين يقول تحت عنوان : " خاتمة " :
وجود ..
ثم موت .. لا مفر ...
حكمة المولى ...
وساقية البشر ... !!
حتى عندما تولد الأحلام الجميلة ، يأتينا من ينعي الخبر ، وقد جعل الشاعر من الخبر منعياً بدلا من أن يجيئنا الآتي بخبر النعي ، يقول :
طارق بالباب ...
هبت ......
هرولت
داست خوفها ....
صرخت .....
تأوه كلها ...
ربما ........
ربما جاء من ينعي الخبر !!
الأم في هذه القصيدة تقوم مذعورة تدوس خوفها ، وقد تحول الخوف ثوباً تدوس أطرافه كما تدوس أطراف ثوبها حين تتحرك مرتبكة وعلى عجل لتتلقى خبر استشهاد ابنها ، وكأن الشاعر يتمنى أن يموت الخبر قبل أن يصلها فيأتيها نعي الخبر بدلا من خبر نعي ابنها الشهيد .
والشاعر يريد أن يباعد بينه وبين النهاية المحتومة ، فيحن إلى طفولته لينسى اغترابه في مجتمع لم يعد يتطابق مع قناعاته ، يقول :
أتعرى ... من قناعات القبيلة ..
والطقوس المستكينة تحت أطلال الفضيلة ..
لم يعد لي في اغترابي ..
غير طفل كنته وفضاءات بعيدة
ولكن أمله يتبدد حين يقول :
ثم ........
تسقط الأشياء من حولي ..
تنتحر الكتابة ...
فالكتابة غير راضية عن هذا الواقع المرير وهي تنتحر احتجاجا على هذا الواقع المتردي ، حيث لم تعد للكلمة أية قيمة أو دور على الرغم من القول المأثور للمسيح عليه السلام : في البدء كان الكلمة ، ويعبر الشاعر عن ذهوله من وجوه تحمل الضدين وتصفق لرجال كل مرحلة :
الآن ... ينذهل اندحاري
من قناعات الكتابة ..
من وجوه تحمل الضدين في لغة وتمضي
من شوارع ...
من أصابع ...
لم تعد تهوى سوى
لمس الحرير
وكأن الشاعر يريد أن يقول لنا إن الناس في شوارعنا باتت تعشق السهولة والنعومة ، فالأصابع نسيت الزناد وبدأت تهوى لمس الحرير فقط ، ولكن الواقع أثبت عكس ذلك عندما انطلقت انتفاضة الأقصى في الثامن والعشرين من أيلول سنة 2000م .، وقد تطرق الشاعر إلى ذكر أولئك الذين يحملون الضدين، يعارضون مع المعارضين ويوافقون مع الموافقين :
موافق ...
نعم
معارض ...
نعم
لا فرق عند الميتين
الموت البيولوجي لا يخيف إذن، ولكن الموت المعنوي هو الموت الحقيقي .
والشاعر يعبر عن خيبة أمله مما جرى للعراق الشقيق ، يقول :
رجوت زاداً من عراق لا يموت
ندمت ...
إن فكرة الموت تلاحق الشاعر ، ولكن لا مجال للندم هنا ، لأن العراق لن يموت وسيندحر الغزاة إن آجلا أو عاجلا ، وسيبقى الشعب العراقي كالطود الشامخ يتعالى على الجراح والألم .
ولعل التحولات التي طرأت على المجتمع الفلسطيني تقض مضاجع الشاعر ، فقد تحول المجتمع الفلسطيني إلى مجتمع شبه رأسمالي مشوه ، مجتمع يفتقر إلى عناصر الإنتاج الحقيقية التي يمكن أن تجعل منه مجتمعاً سويا بلا تشوهات ، فالمتطفلون على اقتصاد المجتمع كثيرون ، والذين يبحثون عن الربح السريع أكثر ، لقد تحول المجتمع الفلسطيني إلى مجتمع تأكله الاحتكارات البغيضة ، يقول الشاعر :
عدوت في خلاياي الرحيبة
والضلوع ... إلى فراغ
هرولت في صخب الشوارع كي أحب
وجدت بغضاً ....
في ابتسامات الظلال العابرة
في هذا المجتمع المشوه يبحث الشاعر عن الحب فلا يجد إلا البغض في ابتسامات الرأسماليين الجدد الذي نسوا أو تناسوا أنهم مجرد ظلال عابرة لن يتذكرها أحد ؛ لأنها لم تقدم شيئا للصالح العام بل اهتمت بتحقيق مصالحها الذاتية والأنانية ، مما يجعل الشاعر يرتد إلى خلاياه وضلوعه التي وجد أنها أكثر رحابة من المجتمع الذي يحيط به .
والشاعر يغفو على حلمه الأول حين كانت الثورة ثورة وليست ارتزاقاً ، يقول :
غفوت ...
ظننت ...
أن ميراث المنافي لا يزال ....
والرجال كما همو ...
نفس الرجال
ظننت أني أستقر على يقين لا يذوب
صحوت ...
صرخت ...
من فزعي
وهول المعرفة
وحين يحاول أن يثرثر مع نصفه المهادن عله يستطيع التساوق مع المرحلة ، يكتشف الواقع الجديد فيقول :
لم أجد درباً يدل على الوطن !!
ويدرك الشاعر أن الخاتمة تقترب ، وأن الموت بات غير بعيد ، يقول :
الموت ...
يخيرني بين أن ألقى النهايات غريباً
أو حبيساً في سهول تحتضر
مولاي ... يدركني القطار ...
ولكنه يعود فيتمنى أن يمتد به العمر وأن يواصل رحلة الحياة يقول :
مولاي ...
يدركني القطار
لم يعد في قدرتي ...
نسيان أمتعة تعج بما نخاف
دعني أواصل
قد تأتي عصافير الطفولة ....
قد يأتي صهيل الروح ....
يشعل في نخاعي ...
الانكسار ...!!
الشاعر يتمنى أن يحرق صهيل الروح ذلك الانكسار الذي تسلل فيه حتى نخاع العظم، وبين البدء والخاتمة يعدو الشاعر لاهثاً محاولا أن يبعد النهاية المحتومة لأنه يريد أن يتم عملا ما، أن ينال مساحة جديدة من الحياة، يقول:
يا عمري ...
كأنما هذي الموانئ لم تكن ...
كأنني فقاعة ......
قبيل رقصة الخلود تنفقئ
لا مفر إذن ، النهاية محتومة والأمر مقدر ، ستظل الحياة ظلا للنهاية المؤكدة ، والشاعر يتأرجح بين القطبين : البداية والخاتمة آملا في أن يملأ مساحة حياته بما يعطيها قيمتها المعنوية الحقيقية بحيث لا يموت موتا معنويا وهو على قيد الحياة .
3/12/2004م



#محمد_أيوب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الزمن في بعض الروايات المحلية
- الانتخابات الفلسطينية
- لديمقراطية الأمريكية والحرب النظيفة
- حول قضية العملاء
- ما هو المطلوب من القيادة الفلسطينية في المرحلة القادمة
- البنية الروائية عند بعض الروائيين في غزة
- جوم أريحا - دراسة نقدية
- إلى الجحيم أيها الليلك - دراسة نقدية


المزيد.....




- مصر.. الفنان أحمد عبد العزيز يفاجئ شابا بعد فيديو مثير للجدل ...
- الأطفال هتستمتع.. تردد قناة تنة ورنة 2024 على نايل سات وتابع ...
- ثبتها الآن تردد قناة تنة ورنة الفضائية للأطفال وشاهدوا أروع ...
- في شهر الاحتفاء بثقافة الضاد.. الكتاب العربي يزهر في كندا
- -يوم أعطاني غابرييل غارسيا ماركيز قائمة بخط يده لكلاسيكيات ا ...
- “أفلام العرض الأول” عبر تردد قناة Osm cinema 2024 القمر الصن ...
- “أقوى أفلام هوليوود” استقبل الآن تردد قناة mbc2 المجاني على ...
- افتتاح أنشطة عام -ستراسبورغ عاصمة عالمية للكتاب-
- بايدن: العالم سيفقد قائده إذا غادرت الولايات المتحدة المسرح ...
- سامسونج تقدّم معرض -التوازن المستحدث- ضمن فعاليات أسبوع ميلا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد أيوب - ما وراء النص في ديوان - البدء ... ظل الخاتمة - للشاعر توفيق الحاج