أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - نضال بيطاري - الدولة والشعب في الواقع الاجتماعي – السياسي الفلسطيني / الجزء الثاني: القيم الوطنية والواقع الاجتماعي السياسي















المزيد.....

الدولة والشعب في الواقع الاجتماعي – السياسي الفلسطيني / الجزء الثاني: القيم الوطنية والواقع الاجتماعي السياسي


نضال بيطاري

الحوار المتمدن-العدد: 3487 - 2011 / 9 / 15 - 16:31
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


أولاً- القيم الوطنية للشعب العربي الفلسطيني:
تأخذ عملية تشكل القيم الاجتماعية بشكل عام, آلية التنشئة الاجتماعية وفقاً للمعارف الاجتماعية وضوابط السلوك الاجتماعي, والتي تحدد الخيارات السلوكية للافراد والجماعات بشكل عام بين مرغوب فيه ومرغوب عنه.
و يتعزز الالتزام بهذه القيم بتزايد الايمان بها من ناحية, أو بتزايد الضغوط الاجتماعية الدافعة باتجاه تبنيها, وفي الظرف الاجتماعي الفلسطيني, تتعدد المحددات الاجتماعية للقيم, تبعاً للظروف المتباينة للجماعات الفلسطينية, ووفقاً لمحددات تشكل هذه القيم وتكونها.
أدى اللجوء إلى إعادة انتاج البنى الاجتماعية للجماعات الفلسطينية المتشكلة إثر النكبة, وأدى التشتت في أماكن ذات مجالات حيوية جديدة, إلى إعادة صياغة القيم الاجتماعية لهذه الجماعات وفقاً لظروفها الجديدة.
و إذا كانت اللامعيارية (حالة الأنومي الدوركهايمية) هي التي حكمت الجماعات الفلسطينية بعيد النكبة، فإن بناء منظمة التحرير الفلسطينية, بالبنى المفاهيمية التي أنتجت التوافق الفلسطيني قد أسس لقيم فلسطينية مستندة إلى مبدأي الحق والواجب, لذلك فقد شكل النسق السياسي المتشكل مع منظمة التحرير الفلسطينية المنتج الاجتماعي لهذه القيم لدى الجماعات الفلسطينية كافة على طول امتدادها الأفقي.
فقد أخذت مفاهيم الكفاح المسلح, التحرير – العودة مداها الاجتماعي لتتحول إلى قيم ناظمة للحراك الاجتماعي الفلسطيني داخل الجماعات وخارجها.
و هذا ما يفسر ظاهر الانتماء السياسي لأبناء الشعب العربي الفلسطيني, إذ يعتبر الانتماء إلى الفصائل الفلسطينية حاجة لتأكيد الهوية والالتزام بالواجبات والحقوق, والتي ازدادت ترسخا كقيم إجتماعية بعد معركة الكرامة في العام 1968 إذ أصبح التوافد للانتساب إلى الفصائل الفلسطينية بالآلاف ومن كافة أماكن تواجد الفلسطينيين.
و بذلك تحولت الشعارات التي حددها الميثاق الوطني الفلسطيني إلى ناظم للحراك الاجتماعي الفلسطيني وفقاً للقيم السياسية المحددة في البنية المفاهيمية للميثاق, والتي بدأت انتاج نفسها كقيم إجتماعية في إطار الحركة الديناميكية للحركة الوطنية الفلسطينية المتمثلة بمنظمة التحرير الفلسطينية, وربطت هذه القيم بين الحركة الوطنية والحركة الجماهيرية, وأنتجت علاقة جدلية بينهما لينتج أحدهما الآخر.
إذ اكتسبت الحركة الوطنية مصداقيتها من تمسكها بهذه القيم, واكتسبت الحركة الجماهيرية تماسكها من اتباعها هذه القيم كموجهات ومحددات لحراكها الاجتماعي – السياسي.
و قد حافظت هذه القيم على وجودها ووجدت الصيغة العملية لتطبيقها في المجال الاجتماعي الفلسطيني المتعدد الجماعات وفقاً لرؤى ثابتة بثبات النهج السياسي المنتج الحقيقي لهذه القيم.
وقد جعلت هذه القيم من النضال الفلسطيني فعلاً موجهاً نحو تمثيل هذه القيم سلوكا وأهدافا, وتمثل الانتفاضة الأولى نموذجا لهذه القيم حيث احتوت منذ البداية الجمهور الفلسطيني داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة وتغلبت على كثير من الخلافات داخل المجتمع الفلسطيني ومن بينها التمايزات الاقتصادية.(11)
إلا أن هذه القيم بعد أوسلو أخذت تتبلور في مفاهيم أخرى مع بناء بنية مفاهيمية جديدة للنضال الوطني الفلسطيني, انتهج التحول إلى العمل السياسي الصرف الذي أوقف الكفاح المسلح كقيمة اجتماعية وسياسية للحركتين الوطنية والجماهيرية, لكن القيم الفلسطينية كانت راسخة في الممارسة الشعبية الفلسطينية إلى الحد الذي منع انهيارها, فقد تسربت هذه القيم إلى المستوى الثقافي والذي عبر عنه بالأغاني الشعبية والأمثال والأدب الفلسطيني بشكل عام الذي بلور الشخصية الفلسطينية على هيئة الفدائي صاحب الصفة الرمزية المقاربة للواقع التي رافقت الفلسطينيين طيلة فترة الكفاح المسلح.
لذلك فإن أوسلو لم تعمل على هدم هذه القيم بالقدر الذي أدت فيه إلى إعادة إنتاجها بأشكال مختلفة وفي منظومة قيمية مختلفة الترتيب والوظائف, على الرغم من التغيير الكبير في مسار العمل السياسي وأدواته ووسائله, ومجالات فعله الحيوي اجتماعياً وسياسيا.
فتعطيل دور اللاجئين الفلسطينيين كحامل أساس للكفاح المسلح لم يعن إلغاءه من الفعل السياسي الفلسطيني, الذي لا يمتلك القدرة على إلغائه أصلاً, فقد تحول الكفاح المسلح من قيمة عامة إلى صفة لجماعة الفلسطينيين في قطاع غزة والضفة الغربية كون هاتين المنطقتين الجغرافيتين هما المستهدفتان من العملية السياسية الساعية إلى إقامة دولة فلسطينية في حدودهما, فيما يشبه إلى حد بعيد نقل الثورة الفلسطينية من الخارج إلى الداخل بأدوات سياسية فرضتها الضرورة التاريخية ومتغيرات السياسة الدولية التي أثرت بشكل مباشر على توجهات السياسة العربية ومن ضمنها الفلسطينية.
بالتالي لم تكن المقاومة الفلسطينية في الداخل فعلا اجتماعياً ولد من العدم بل له أصوله في التراث القيمي الفلسطيني.
لكن المقاومة كمفهوم تعني في مضمونها السياسي رد الفعل على فعل مقابل, لذلك فإن المقاومة الفلسطينية هي رد فعل على النهج السياسي الصهيوني تجاه أراضي السلطة الوطنية الفلسطينية.
و برزت المقاومة بشكلها العسكري خاصة منذ الانتفاضة الفلسطينية الثانية في العام 2000, وقد عبرت الانتفاضة والمقاومة الفلسطينية عن الحراك الاجتماعي الفلسطيني في أراضي السلطة الوطنية خاصة, وفي جماعات الشعب العربي الفلسطيني عامة مع توزيع لأدوار هذه الجماعات وفقاً لشروطها وظروفها الموضوعية المتباينة.
وحققت الانتفاضة بفعلها الجماهيري وشكلها العسكري حفاظا على القيم الوطنية الفلسطينية في مبدئها العام القائم على الحق والواجب.
إلا أن الانقسام الفلسطيني على مستوى نسقه السياسي أدى إلى تحويل المقاومة من العمل الفلسطيني الكلي الشامل للشعب بأسره وفقاً لظروفه, إلى قيمة متباينة المفهوم في أيديولوجيات وبرامج الفصائل الفلسطينية, ما أدى بشكل مباشر إلى تغيير جذري في مفهومي الحق والواجب.
فالواجب الفلسطيني في التحرير والحق في العودة, تحولا بشكل متدرج نحو التعبير عنهما بالحق الفلسطيني في إقامة الدولة الفلسطينية على أراضي السلطة الوطنية والواجب في مقاومة الاحتلال لهذه المناطق.
و بتكثيف التركيز على هذه الحقوق والواجبات / الأهداف, تراجع حق العودة كقيمة اجتماعية وسياسية, ليتوارى خلف التحولات القيمية داخل جماعتي الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة.
وشهدت هذه القيم تبدلا جذرياً مع الانقسام الفلسطيني في العام 2007 مع سيطرة حركة حماس على قطاع غزة, فيما شكلت المقاومة محور التباين والتمايز حول المقاومة كمفهوم فقد أدى الانقسام إلى تبني الأيديولوجيات الفصائلية لتفسير المقاومة مفاهيميا, مما أدى إلى تراجعها كقيمة اجتماعية نتيجة لعمليات التفسير والاحتكار المرافق له من قبل الفصائل الفلسطينية والذي تحول إلى نزاع حول الحق في المقاومة بين الفصائل الفلسطينية نفسها.
فقد تبنت حركة حماس مفهوم المقاومة من جانبه الجهادي وأعلنت عصيانها ضد السلطة بحجة رفض السلطة الوطنية الفلسطينية للمقاومة العسكرية, وبنت على هذا الرفض موقفها العدائي من السلطة ومنظمة التحرير الفلسطينية, إلا أن هذا الموقف تغير بعد السيطرة العسكرية لحركة حماس على قطاع غزة, إذ أن تحول حركة حماس إلى حركة سلطوية وضعها في تعارض مع نهجها المقاوم, ما جعلها تعارض أشكال المقاومة العسكرية في قطاع غزة ضد الاعتداءات الصهيونية, وظهرت مصطلحات من قبل قيادييها لم تكن مألوفة من قبل الساسة الفلسطينيين حيث تحولت الصواريخ الفلسطينية إلى صواريخ خيانية تهدف إلى زعزعة امن القطاع, أو في تعابير أخرى هي سلاح خارج عن القانون جعل حركة حماس تصطدم عسكرياً مع الفصائل الفلسطينية في كثير من الأحيان لنزع سلاحها أو لمنعها من ممارسة المقاومة العسكرية.
بينما تبلورت في الضفة الغربية محددات جديدة للعمل المقاوم. الذي حددت السلطة نهج ممارسته في إطار المقاومة السلمية, والذي يتم التعبير عنه بالمظاهرات والمسيرات السلمية التي تنظمها هيئات المجتمع المدني الفلسطينية والمنظمات غير الحكومية الأوروبية ومتضامنون أجانب, وقد ترسخت هذه الصيغة في مقاومة الجدار العازل, حيث تشهد قرى فلسطينية في الضفة الغربية كبلعين ونعلين والمعصرة مسيرات أسبوعية منتظمة ضد جدار الفصل العنصري.
و في موازاة هذا النهج من قبل السلطة الوطنية الفلسطينية عملت السلطة على الحد من انتشار السلاح بين الفلسطينيين الواقعين تحت سلطتها في الضفة الغربية, باعتقال المقاومين الفلسطينيين من بين كافة الفصائل الفلسطينية أو تجريدهم من السلاح بمن فيهم مقاومو كتائب شهداء الأقصى الجناح العسكري لحركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح.

ثانياً: الواقع الاجتماعي – السياسي الفلسطيني الراهن:
يقسم الشعب العربي الفلسطيني حالياً إلى جماعات هي:
1- الشعب العربي القلسطيني في الأراضي المحتلة عام 1948
2- الشعب العربي الفلسطيني في الضفة الغربية.
3- الشعب العربي الفلسطيني في قطاع غزة.
4- اللاجئون الفلسطينيون.
يتوزع الشعب العربي الفلسطيني كجماعات بنسب مختلفة ديموغرافياً ووفقاً لبنى سياسية واقتصادية واجتماعية متباينة.
لهذا فإن الحديث عن أنساق سياسية واقتصادية واجتماعية للشعب العربي الفلسطيني يتضمن تحليلياً الحديث عن وحدات مكونة لكل نسق من هذه الأنساق, وتتمايز هذه الوحدات فيما بينها ما يمنع تكامل كل نسق من هذه الأنساق على حدة.
و تمس التغيرات التي تتعرض لها الجماعات الفلسطينية مجموعتين رئيسيتين:
1- الجماعات الفلسطينية في حدود فلسطين الانتدابية.
2- جماعات اللاجئين الفلسطينيين.
و سيتم في هذا الفصل دراسة الظرف الاجتماعي للمجموعتين وفقاً للخيار السياسي المطروح حالياً وهو حل الدولتين: دولة فلسطينية و"دولة إسرائيلية".
جاء حل الدولتين نتيجة لعملية أوسلو والتي تبني إقامة دولة فلسطينية في حدود الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 بجوار دولة اسرائيلية فوق الأراضي المحتلة عام 1948, بينما تم تأجيل قضيتي القدس واللاجئين إلى مفاوضات الحل النهائي.
إن هذا الحل يتضمن تشكيل مجتمع فلسطيني في إطار دولة فلسطينية في حدود الرابع من حزيران عام 1967. وبدأت المفاوضات في أوسلو بناء على هذا الافتراض.
و من المفترض أن إمكانية هذا الحل يجب أن تتوافق مع الممارسة العملية لتطبيقه وفقاً للمراحل المنصوص عليها في اتفاق إعلان المبادئ في اوسلو.
و قد شملت التغيرات السياسية في إطار هذا الحل مستويين رئيسيين:
الأول: خارجي يتعلق بالسياسة الصهيونية.
الثاني: داخلي يتعلق بالنسق السياسي الفلسطيني.
فعلى المستوى الصهيوني تكرس السياسة الصهيونية مبدأ اختزال مساحة الضفة الغربية وعبر إجراءات متعددة أبرزها توسيع مساحة القدس والاستمرار في بناء جدار الفصل العنصري.
فتوسيع مساحة مدينة القدس يشمل بناء مستوطنات يهودية حولها وتوسيع هذه المستوطنات ونقل المستوطنين اليهود للإقامة فيها.
و قد توسعت هذه المستوطنات وضمت إلى مدينة القدس حتى وصلت حالياً إلى 15% من مساحة الضفة الغربية.
أما بالنسبة لجدار الفصل, فإن الخط الذي يسير فيه أدى وسيكرس الفصل الجغرافي والديموغرافي بين الفلسطينيين في الصفة الغربية, وذلك عبر تطويق مدن تابعة للسلطة الوطنية الفلسطينية وفصلها عن بعضها البعض بحيث تصبح عملية التنقل من مدينة لأخرى تحت مراقبة سلطة الاحتلال الصهيوني, وبفعل هذه السياسة نشأت غرب الجدار خمسة جيوب فلسطينية معزولة بالكامل عن محيطها الفلسطيني, ومفصولة كلياً عن الضفة وعن بعضها البعض.(12)
كما يؤدي من ناحية أخرى إلى عزل مئات الآلاف من مواطني السلطة الوطنية الفلسطينية وضمهم إلى سلطة الكيان الصهيوني واعتبارهم غرباء إضافة إلى ضم مئات الآلاف من الدونماًت إلى الكيان الصهيوني.
و بالتالي فإن السياسة الصهيونية تعمل على فرض وقائع ديموغرافية واجتماعية تحول الفلسطينيين في الضفة الغربية إلى تجمعات في جيوب سكانية مغلقة يستحيل معها إقامة دولة في الضفة الغربية, ويعيد تشكيلهم ضمن توزع ديموغرافي ذو طابع اجتماعي – سياسي يوظف في خدمة السياسة الصهيونية ديموغرافياً واقتصادياً وسياسيا.
أما على المستوى الداخلي المتعلق بالنسق السياسي الفلسطيني, فإن الانقسام الذي حصل في هذا النسق بين حركتي فتح وحماس, جعل من قطاع غزة وحدة سياسية – اجتماعية معزولة عن السلطة الوطنية الفلسطينية يخضع لتغيرات اجتماعية تفرضها حكومتي حركة حماس في القطاع والسلطة الوطنية في الضفة الغربية, أدت إلى تشكيل جماعة فلسطينية في القطاع متمايزة عن الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة.
و من جانب آخر,فإن هذا التمايز بين الجماعات الفلسطينية, قد فرض أنماطاً إجتماعية مختلفة لهذه الجماعات, وسنأخذ في هذه النقطة كلاً من الضفة الغربية وقطاع غزة كنوذجين للتحليل.
في الضفة الغربية المحتلة, يتم تخطيط الحياة الاجتماعية من قبل المواطنين الفلسطينيين وفقاً لنظام التصاريح الذي يسمح أو يمنع عبورهم من منطقة إلى أخرى, وبناء على الخط الذي يسير به الجدار العازل, الذي يحد من إمكانيات الاختيار المعيشية للمواطنين الفلسطينيين, ويشكل عاملاً هاماً في تفكيك العلاقات الاجتماعية بين الفلسطينيين في الضفة الغربية, وتحجيمها وتحديدها (14).
إذ أن عملية تجزئة الضفة الغربية إلى كنتونات, فرضت على الفلسطينيين سلسلة من التغيرات الاجتماعية, فبسبب سوء الأوضاع الاقتصادية ارتفع معدل الهجرة الخارجية والتي أدت إلى ارتفاع قيمة النزعة إلى المحافظة الاجتماعية, حيث ترتفع نسبة المهاجرين الذكور, وخاصة من المتزوجين, ما يجعل المرأة مسؤولة في الأسرة ويضعها تحت رقابة الأقرباء, إضافة إلى انتشار ظاهرة الزواج من الأقرباء المهاجرين, للحصول على فرصة أكبر للهجرة إلى الخارج.
و بهذين المحددين الناتجين عن فترة الاحتلال الطويلة انتشرت علاقات القرابة بشكل أكبر, وخاصة بعد الانتفاضة الثانية عام 2000.(15) وتتمدد هذه الظواهر في الضفة الغربية على الرغم من علمانية السلطة الوطنية الفلسطينية, إلا أن محددات إعادة الإنتاج الاجتماعي لا تمتلكها السلطة, التي كبلت منذ اتفاقية أوسلو بمجموعة من الاتفاقيات أفقدتها إمكانية التحكم في سير العملية الاجتماعية في أراضي السلطة الوطنية الفلسطينية.
بينما تتحدد شروط الإنتاج الاجتماعي في قطاع غزة, إضافة إلى هذه المحددات في الضفة الغربية, إلى محدد الحصار الاقتصادي وانعكاساته الاجتماعية, وهو يميز القطاع عن سائر تجمعات الفلسطينيين.
فبالرغم من تعرض القطاع والضفة الغربية إلى سياسة اجتماعية متشابهة نسبياً من قبل السلطة الوطنية وقوات الاحتلال, إلا أن سيطرة حركة حماس عسكرياً على قطاع غزة, أدى إلى ولادة شروط إنتاج اجتماعي جديدة.
إذ أن التزايد في قيمة المحافظة الاجتماعية في قطاع غزة يعود إلى تراجع البرامج الليبرالية والعلمانية,(16) لحساب البرنامج الإسلامي الذي تنتهجه حركة حماس, إلا أن حركة حماس على الرغم من محاولاتها تطويع المجتمع في غزة وفقاً لنظريتها في الإسلام السياسي, فإنها لا تمتلك هي الأخرى كافة محددات إعادة الإنتاج الاجتماعي, إذ تلعب الظروف الاقتصادية دوراً هاما في توجيه حركة البناء الاجتماعي في قطاع غزة, نتيجة للحصار الاقتصادي المفروض عليه, الأمر الذي يجعل الظروف المعيشية لسكان القطاع خارج إرادة وتوجهات حركة حماس, وبالتالي خروج نمط الحياة الاقتصادي من عملية التوجيه الذاتية لحكومة حماس في القطاع, الأمر الذي يفرض على السكان تأقلما معيشياً مخالفاً للتوجه السياسي لحكومة حماس, والمثال الواضح على ذلك هو في امتهان التهريب عبر الأنفاق لتوفير المستلزمات الغذائية لسكان القطاع المحاصر, وما نجم عنه من اقتتال داخلي في القطاع بسبب محاولات حماس منع التهريب عبر الأنفاق, والاقتتال للسيطرة عليها, الأمر الذي دفع بالحكومة المصرية حينها إلى بناء الجدار الفولاذي بين غزة المصرية وغزة الفلسطينية لمنع حفر الأنفاق بينهما.
بالنموذجين السابقين, وبالمحددات الواردة فيها, يمكننا نقد المشروعين السياسيين لكل من السلطة الوطنية, وحركة حماس, ذلك أن كلا البرنامجين يفتقدان إلى أسس الاستناد الاجتماعي الضرورية لتكون حاملة لأي مشروع سياسي, وأي من المشروعين لا يحقق المنفعة الاجتماعية للفلسطينيين.
و بتوسيع دائرة المجال الاجتماعي الفلسطيني العام, وبالاستناد إلى ما سبق, يتبين أن محددات الإنتاج الاجتماعي الفلسطيني وأدواته الاقتصادية والسياسية, هي خارج الإرادة الفلسطينية الراهنة.
بشكل عام لا توجد محددات موحدة للتطور الاجتماعي للشعب العربي الفلسطيني, وإذ يبدو هذا الأمر طبيعياً بسبب تباين الشروط والظروف الموضوعية للجماعات الفلسطينية, إلا أن القيم الوطنية الجامعة تتمايز إلى حد الاختلاف الجذري وفقاً للواقع السياسي- الاجتماعي في أماكن تواجدهم, ما جعل من الشعب العربي الفلسطيني جماعات متمايزة اجتماعياً, أدى إلى تباين الخيارات السياسية المتاحة أمام كل جماعة منهم, وجعل من الظروف الاجتماعية المتمايزة محددات أساسية للفعل الاجتماعي- السياسي الفلسطيني, والذي أدى إلى أن تكون تحالفات الفصائل الفلسطينية - برؤاها السياسية المتباينة - مع الدول المضيفة المحدد الأبرز لتوجهات الفعل السياسي الفلسطيني, بشكل مفارق للخصوصية الاجتماعية للشعب العربي الفلسطيني.


الهوامش:
(1) بيرتز, دون, الفلسطينيون اللاجئون, ترجمة أسامة المصري, دمشق, دار طلاس, 2001, ص41.
(2) قاعود, مصطفى سعد الدين, اغتيال البيئة الفلسطينية, سوريا, دمشق, دار صفحات, 2008, ص86.
(3) تراكي, ليزا, الحياة تحت الاحتلال في الضفة والقطاع, بيروت, مؤسسة الدراسات الفلسطينية, 2008, ص23.
(4) الصدر السابق, ص268
(5) المصدر السابق, 268







#نضال_بيطاري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الدولة والشعب في الواقع الاجتماعي – السياسي الفلسطيني/ الجزء ...


المزيد.....




- تحليل لـCNN: إيران وإسرائيل اختارتا تجنب حربا شاملة.. في الو ...
- ماذا دار في أول اتصال بين وزيري دفاع أمريكا وإسرائيل بعد الض ...
- المقاتلة الأميركية الرائدة غير فعالة في السياسة الخارجية
- هل يوجد كوكب غير مكتشف في حافة نظامنا الشمسي؟
- ماذا يعني ظهور علامات بيضاء على الأظافر؟
- 5 أطعمة غنية بالكولاجين قد تجعلك تبدو أصغر سنا!
- واشنطن تدعو إسرائيل لمنع هجمات المستوطنين بالضفة
- الولايات المتحدة توافق على سحب قواتها من النيجر
- ماذا قال الجيش الأمريكي والتحالف الدولي عن -الانفجار- في قاع ...
- هل يؤيد الإسرائيليون الرد على هجوم إيران الأسبوع الماضي؟


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - نضال بيطاري - الدولة والشعب في الواقع الاجتماعي – السياسي الفلسطيني / الجزء الثاني: القيم الوطنية والواقع الاجتماعي السياسي