أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ريمون نجيب شكُّوري - ضرورة إعتماد الموضوعية عند الإنتقادات الدينية















المزيد.....

ضرورة إعتماد الموضوعية عند الإنتقادات الدينية


ريمون نجيب شكُّوري

الحوار المتمدن-العدد: 3487 - 2011 / 9 / 15 - 13:53
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


آراءٌ وأفكـارٌ
1

ضـرورةُ إعـتـمادِ الـمـوضوعـيةِ عند الإنـتـقـادا تِ الديـنـيـةِ

بعد أحداث الحادي عشـر مـن سبتمبـرظهـرتْ على شاشات ٍ تلفـزيونية وعبـر الإنتـرنت إنتقاداتٌ هجومية على الإسلام قام بها بعض المسلميـن وبعض المسيحيـيـن*1*. تناولتْ تلك الإنتقاداتُ النصوصَ القـرآنية والسلوك الشخصي لِمحمد نبي الإسلام والأحاديث النبوية وتعاليمَ الديـن الإسلامي الداعية لِلعنف والتصـرفاتِ الإرهابية الـراهنة وإنحطاطَ منـزلةِ المـرأةِ في النصوصِ القـرآنية والمجتمعات الإسلامية. والجديـر بِـالإنتباه الى أن تلك الإنتقادات مقصورةٌ على الديـن الإسلامي فقط وكأنها حُكـرٌعليه دون التنويه ولو بِعبارةٍ مختصـرة على مواقف َ مماثلةٍ أو شبه مماثلة تمسُّ الأديان الأُخـرى.
مـن الواضح أن أمثالَ تلك الإنتقادات الأُحادية الجانب تدغدغُ مشاعـرَ معظمِ المؤمنيـن مـن الأديان الأخـرى فيُـطــربون اليها وقد يطالبون الإستـزادةَ منها.
أما بِالنسبة اليَّ شخصياً فأجدُها ناقصةً في الموضوعية الأكاديمية. وبِناءً عليه فهي لا تطـربُـني ولا تدغدغ مشاعـري.
مـن هواياتي ــ كأُستاذٍ جامعي في اختصاص الـرياضيات والمنطق وذي إهتمام في الفلسفة ــ دراسةُ عقائدَ وقناعاتِ الأديانِ جميعها خاصةً تلك المسماة التوحيدية *2* وسلوكاتِ معتنقيها ووضْعُها على مِحكِّ المنطق وأستنباطَ تناقضاتٍ عشعشتْ ولا تـزالُ تعشعشُ فيها. صحيح أني قد نشأتُ نشأةً مسيحيةً وتـرعـرتُ في بيئةٍ مسيحيةٍ. لكني اليوم ــ بعد أن نفضتُ غبارَ الديـن عـن عقلي ــ غدوتُ غيـرَ مؤمـنٍ بِأيِ ديـنٍ مـن الأديان. وأصبحتُ لا أُمارس شعائـرَها. لكـن في بعض الظـروف النادرة أجدُ نفسي مضطـراً ــ كي أكونَ مقبولاً إجتماعياً ــ الى إحضار جسمي الى الكنيسة. غيـر أني أشعـرُ وأنا أدخـلُ فيها وكأني أُعلِّـقُ عقلي على المشاجب عند مدخلِـها حيث توضعُ القبعاتُ والمعاطفُ وأتـركُه مؤقتاً جانباً.
دعنا نعود الى مناقشة بعض الجوانب المـرتبطة مع تلك الإنـتـقـادات على الإسلام.
أود ــ لئلا يُساءُ فهمُ موقفي ــ التصـريحَ منذُ البدايةِ بِأني أكـادُ أتفـقُ مع أغلب ما جاءت بِه تلك الأنتقادات. أمّا خلافي الـرئيسي مع أولئك المنتقديـن فَيكمـنُ في أنهم ينأون بِأنفسهم عـن الموضوعية الأكاديمية بإقتصار هجماتِهم على تصـرفاتِ نبيِ القـرآن ومواقفَ وتعاليمَ الديـنِ الإسلامي فقط وعدم تطـرقهم الى الأ ديان الأُخـرى المصابة بِما يماثل السلبيات نفسها التي ينتقدونها.
إني أرى أن كثيـراً مـن جوانبَ الإنتقاداتِ للأسلام ينطبقُ على كـلٍ مـنَ الأديانِ (التي ليَ إلمامٌ بها) بِـطـريقةٍ أو بـِأُخـرى وبِـشكـلٍ أو بِآخـر وبِـدرجةٍ أقـلَ أو أكثـرَ وحدوثها في حقبةٍ زمنيةٍ قـريبةٍ أوبعيدة. وأن عدمَ تطـرقِ أولئك الناقديـن لا مـن قـريبٍ ولا مـن بعيد الى أيٍ مـن مآخذَ الأديانِ الأخـرى سوف يؤولُ ــ حسب رأيي ــ بِمساعيهم الى إحباطٍ ذاتيٍ والى هجوم مضاد مـن قِبـلِ مسلميـن متشدديــن.
إن هدفَ مـن هذه المقالة هو لفتُ الإنتباه الى أن الديـنَ (أيَ ديـنٍ كان) هو آفةٌ إجتماعية.
مشاكـلُ عصـرنا المرتبطة بالديـن متعددةٌ وهي ليستْ نتائجَ تعاليم ديـن محدد إنما نتائج كل الأديانِ الإسلاميِ والمسيحي واليهودي والبوذي والهندوسي وغيـرها. هي نتائجُ الديـنِ نفسِه في نهجِه وفي الإطارِ الفكـريِ الذي يكوِّنُهُ في عقلياتِ البشـر فيُفقدُهم عقلانيتَهم ويصيبُهم بِفيـروسات الغيبيات. يقولُ ريتشارد دَوْصـن المختصُ في علومِ الأحياء مـن جامعة أوكسفورد : "عندما يُصابُ إنسانٌ بِالهلوسةِ يُـقال إنه الجنون أما إذا أُصيبَ مجتمعٌ بِالهلوسةِ فهو ديــنٌ".
الديـنُ ظاهـرةٌ إجتماعيةٌ ذات سيـرورةٍ ديناميةٍ متعددةِ الأبعاد. بُعداها الأولان تمازجٌ م-ن مبادئ أخلاقية وإجتماعية وغيبيات مُـكَّوناًً وحدةً واحدةً لا ينفصـل أحدُهما عـن الآخـر. لِنحاولَ أن نتـتبعَ بِـشيءٍمـن التبسيط سيـرورةَ تطورِها.
في إحدى الحقبِ الـزمنيةِ القديمةِ أو الحديثة يكون مجتمعٌ ما في إحدى بِقاع الأرض بِحاجةٍ الى تغييـرٍ في ما يسودُه مـن مبادئ أو آراء أو أحكام كي يتواءمَ مع متطلباتِ تلك الحقبة. وفي الغالبِ تُبْـرِزُ تلك الحاجةُ شخصاً ما X يشعـرُ بِها شعوراً قوياً ومُلِّـحاً، فيأخذُ على عاتقِه أمـرَ المناداةِ بِها فيتبناها ويبلورُها ويعمـلُ على نشـرِها بِكـلِ همةٍ وعـزيمةٍ ونشاط.
لعـل هنالك سؤال يطـرحُ نفسَه أو بِالأصح يطـرحُه القاريء: "لماذا لا يُكتفى بِـتطبيـقِ المبادئ مباشرةً دون اللجوءِ الى الغيـبـياتٍ ؟"
الجواب : يمكـنُ أن تكونَ المبادئُ لوحدِها أهدافَ حـزبٍ أو تجـمعٍ سـياسيٍ أو شبه سياسي. إذ أنها قـابلةٌ لتُخْضَعَ الى نـقاشاتٍ وتـساؤلاتٍ وهـي لـوحدِها قـد تتعارضُ مع مصالحَ طبقةٍ إجتماعيةٍ فيُـرفضُ بشدةٍ القبولُ بها، وقد تتماشى مع مصالحَ طبقةٍ أُخـرى فَتنالُ المبادئُ تأييدها. إضافة الى الأمورِ الطبقيةِ فمـن المـرجَّحِ أن يثيـرَ الناسُ التساؤلَ مَـنْ هو هذا الإنسانُ X الذي أتى بآرائه الخاصةِ ليفـرضَها على مجتمعِنا. أليس هو واحداً منا ؟ كيف نسمحُ لأنفسِنا بأن يعلوَ فوقنا ويغيـرَ تقاليدَنا الموروثة ؟
إذن سـرعانَ ما يتضحُ لِلشخص X ولِمؤيديه ــ بوعيٍ أو دون وعيٍ ــ أن اللجوءَ الى الغيبياتِ والتقديساتِ هو أسهـلُ أسلوبٍ لِقطعِ الطـريـقِ على النقاشاتِ والتساؤلاتٍ . إذا شعـرَ الشخصُ X بِضـرورةِ وبِحتميةِ التغييـرِ فغالباً ما يلجأُ ــِ كي تُقْبَلَ المبادئُ وتُطَبَّقُ على المجتمعِ ــ الى قطعِ كـل الـدروبِ أمامَ المعارضةِ وذلك بِالإدعاءِ مثلًا أن اللهَ نفسَه أمـرَ بها أو أنه تكلمَ معه حولَها أو أن اللهَ أرسلَه لِتطبيقِها أو أنـزلَها عليه وربما يدَّعي X أنه هو الله.
على كـل حال تكون الحصيلةُ النهائية عـَـرْضَ المبادئ التي يحتاجُها المجتمعُ مغلفةً بِغلافٍ مـن الغيـبـيات بِحيث لا يمكـن فصل الواحدة عـن الأُخـرى.
وما أن يحصـلَ هذانِ البُعدانِ على موطئِ قدمٍ لهما في المجتمعِ سـرعانَ ما تتفتحُ الغيـبياتُ على البُعْدِ الثالثِ وهو بُعْدٌ أسميه بُعْدُ النشأةِ والتعميةِ والتعتيمِ. كي يُضمـنَ استدامةُ الإستعانةِ بالغيبيات وعدمُ اندثارِها مع مـرورِ الـزمـنِ يتوجبُ أن تُرَبّى الأجيالُ المقبِلةُ في ذلك المجتمعِ على تقبلِها وتقديسِها. وعليه يُـرَبّى إنسانُ الأجيالِ المقبلةِ بدءاً مـن أيامِ رضاعتِه وهـو في أحضانِ أمِه تـربيةَ تقديسٍ وتبجيـلٍ للغيبياتِ التي يؤمـنُ بها والداه فَيُلَقـَّـنُ بِأن تلك المبادئَ والأحكامَ مقدسةٌ والأشخاصَ المعنييـن عظماءٌ ذوي قدسيةٍ ويتوجبُ تبجيلُهم أعظمَ تبجيـلٍ وأن كـلَ هذه الأمور ليست فقط هي حقائقٌ إنما هي حقائقٌ مطلقةٌ لا يأتيَها الباطـلُ لا مـن قـريبٍ ولا مـن بعيدٍ. كما يُعَتَّمُ على كـلِ ما هو ضعيفٌ تاريخياً أو إيمانياً في تلك الغيبياتِ و يُبـرمجُ على الـردِّ المناسبِ على مواطـنَ نقاطٍ قد يثيـرُها خصومٌ لعقيدتِه. كما تُنْعَتُ كـلُ العقائد المناوِئةِ بِكلماتٍ تـثيـرُ حقدَه عليها. هذا الإنسانُ سوف لـن يعيَ ــ عند نشأتِه ــ إلا المطلقَ ولا شيءَ سوى المطلقَ وسوف يقـرأُ ولا يعي ما يقـرأ وسوف يسمعُ ولا يعي ما يسمع وسيـرى أن معتقداتِه واضحةً
وضوحَ الشمسِ وأن مَـنْ يخالفُه الـرأيَ لابد أن يكون مصاباً بِالعمى لِعجـزِه عـن رؤيةِ تلك الشمسِ الساطعةِ لكـنه يـشاهد أن المـرءَ الذي يخالفُه ليس بأعمى العيونِ فلا بد إذن أن يكونَ أعمى القلبِ فاقدَ الضميـر. وربما تختمـرُ في ذهنِه تساؤلا تٌ: مثـل: ألا يستحقُ عميانُ القلوبِ وفاقدو الضمائـرِ التصفيةَ الجسديةَ؟. ونتيجةٍ لذلك فهو لا يحتاج إلا الى شـرارةٍ بسيطةٍ ليستجييبَ الى مـَنْ ينادي الى التصفية. وهنا يدخـلُ بُعْدٌ آخـر أُسميه بُعْدَ الإستقطاب. ليس غـريباً أن يتـزامـنَ عند نشأةِ ذلك الإنسان وجودُ جموعٍ بشـريةٍ مـن منغسلي الأدمغةِ وفاقدي العقلانية المصابيـن بفيـروس الغـيـبياتِ مـن النوعِ نفسِه المصابُ هو به. لا بد أن تستقطبَ تلك الجموعُ ذلك الإنسانَ. وهكذا يسهـلُ على رجالِ الديـنِ المُسيسيـن ورجالِ السياسةِ الذيـن يستغلون الديـن لأغـراضِهم مناورةَ وتحـريكَ واستغلالَ إندفاعِ تلك المجموعاتِ البشـرية لتحويلِها الى رعاعٍ متوحشةٍ تُقادُ كقطعانٍ إما الى حـروبِ مَـْن يخالفونهم الـرأيَ وإما الى إرهابِ مـَنْ يتصورونَهم عميانَ قلوبٍ يفتكون بهم ويغتصبون نساءَهم ويدمـرونَ معابدَهم ومنازلَهم.
**
أسـردُ فيما يأتي قليلاً جداً مـن كثيـرٍ لأعمالٍ إجـرامية وأقوالٍ شـريـرةٍ تُسندُ الى جميعِ الأديانِ خصوصاً التوحيدية منها وقعتْ في عصورٍ متفـرقةٍ منها عصـرُنا الـراهـن. أسـردُها بطـريقةٍ عشـوائية كما تتواردُ الى ذهني أثناء الكتابة.
أقولُ لولا الإُطـرُ الفكـريةُ للديـن :
لَـما تقاتـلَ الكاثوليك والپـروتستانت في إيـرلندا .
لَـما تذابحَ وتهاتـرَ السنةُ والشيعةُ في عـراق الأمسِ وعـراق الـيـوم وفي بلادٍ أُخـرى.
لَـما أُضْطُهِـدَ اليهودُ المعاصـرونَ باعـتبارِ أن أجدادَهم قــتـلةُ المسيح.
لَـما تحاربَ الهنودُ الهندوسيون والپاكستانـيون المسلمون.
لَـما أحتـَلتْ الجيوشُ الإسلآميةَ أقطاراً ونعـتوا إحتلالَهم فتحاً وإستعملوا السيوفَ وكـلَ الوسائـلِ المتاحةِ في إكـراهِ المواطنيـن على إعتناقِ الإسلام ( ومـدَّعيـن في الوقت نفسه أن لا إكـراهَ في الديـن).
لَـما وضَـعَ دانـتي في روايتِه ” الكوميديا الإلاهية “ محمداً في أسفـلَ دركٍ من دركاتِ جهنمَ ووصفَه بِأبشعَ العبارات.
لَـما وُجِـدتْ المشكلةُ الفلسطينيةُ الإسرائيليةُ .
لَـما دَعى ويدعو مُوذِّنو وخطباءُ مساجدٍ الى قـتـلِ الكفارِ اليهود والنصارى.
لَـما هاجمَ ويهاجمُ بعضُ رجالِ ديـنٍ أمـريكييـن مـن الطائفةِ الإنجيليةِ الإسلامَ على القنواتِ التلفـزيونيةِ.
لَـما وُجِـدَتْ محاكمُ التـفـتـيش التي بطشتّ بِالناس.
لَـما حوكِـمَ غالـيـلو بسببِ آرائِهِ العلميةِ.
لَـما قامَ رعاعٌ بمظاهـراتٍ صاخبةٍ في كثيـرٍ مـن أنحاءَ العالَـمِ الإسلاميِ حـرقوا أثناءَها سفاراتٍ وهاجموا كنائسَ وقتـلوا راهباتٍ إما لعبارةٍ لم يسمعوها وإما لصوَرٍ لم يـروَنها وإما لـروايةٍ لم يقرؤها.
لَـما قام إنتحاريون مسلمون بِتفجيـر أنفسهم في كثيـرٍ مـن أنحاء العالم وقَتْلِهم لِلأبـرياء
لَـما حُـرِقَ الفيلسوفُ برونو حياً بسببِ آرائِه الفلسفية.
لَـما حُـرِقـتْ جان دارك.
لَـما وُجدتْ قضيةُ البوسنا في البلقان.
لَـما احتـَـلَّ العبـرانيون قبـلَ آلافِ السنيـن بعد خـروجِهم مـن مصـرَــ احتلوا ــ الأراضي الفلسطينيةَ وقتلوا سكانَها بحجةِ أن اللَه (وكأنه مديـرُ طابو) وهبَـها لهم ــ كما يدَّعـون ــ فخُـلِـقتْ القضيةُ الفلسطينيةُ الـراهنة.
لَـما حُـوِّلتْ مساجدُ الأندلس الى كنائسَ بعد تحريـرِإسپانيا مـن المسلميـن.
لَـما حُـوِّلتْ كنائسٌ في إسطنبولَ الى مساجد.
لَـما فُـجِّـرَ تمثالُ بوذا في أفغانستان من قِـبَـلِ الطلبان.
لَـما حدثتْ ثورةٌ في التبت.
لَـما وقعـتْ الحربُ الطائفيةُ الأهليةُ اللبنانية.
لَـما حدثَتْ الحملاتُ الصلـيـبـيةُ بقيا دةِ البابا ــ وهو الممثـلُ على الأرض لِلمسيحِ النابذ لِلعنفِ كما يدَّعي البابا وأتباعُه ــ فعـرَّجتْ ْْ جيوشُه ــ وهي في طـريقِها لِتحـريـرِ القدس مـن المسلميـن ــ الى اليونانَ وأوكـرانيا والقسطنطينيةَ كَـثيـرانٍ هائجةٍ حامليـنَ شاراتِ الصليبِ على صدورِهم وفاتكيـن بِإخوانٍ لهم في الديـن المسيحي الأرثدوكسي (غيـر الكاثوليكي) وعاثوا فساداً لم يُـنس الى الآن .
لَـما صدرتْ فتوىً بِـهـدرِ دمِ الروائيِ سلمان رشدي.
لَـما وقعـتْ أحداثُ الحادي عشـرَ من سپـتـمبـر.
لَـما ذَبَـحَ الأتراكُ المسلمون الأرمـنَ المسيحييـن عند بدايةِ القـرنِ الماضي.

**
رُبَّ معتـرضٍ أسمعُه يساؤلُني: ” كتبتَ كثيـراً عـن مآسٍ ناتجةٍ مـن أديانَ مختلفةٍ. حسناً، أليس للأديانِ بعضُ الجوانبِ الإيجابيةِ كاستنباتِها لقيِّمٍ أخلاقية مثلاً ؟“ جوابي: نعم توجد لكـن ليستْ القيَّمَ الأخلآقية ( لا أودُ التطـرقَ اليها في هذه المقالة وربما سأتنولُ موضوعَ الأخلاقِ والديـن في مقالةٍ لاحقة) !! إنما هي الكاتدرائياتُ الـرائعةُ البناءِ لكبارِ المِعمارييـن والتماثيـلُ لِمايكـل آنجيلو السالبةُ لِلعقولِ لِكمالِها ولِجمالِها واللوحاتُ الفنيةُ لِرافائَيْـل وليوناردو دافنسي المحـرِّكةِّ للعواطفَ ولأنغامَ الموسيقى للموسيقار باخ ولغيـرِهِ المشنفةُ للأسماعِ كلُها جاءتْ مـن وحيٍ ديـنيٍ وأثـْـرَتْ الحضارةَ البشـريةَ بِثـراءٍ عظيم. لكـن ينبغي الإقـرارَ أنه لم يكـنْ يتوافـرُ في تلك العصورِ لأولئك الفنانيـنَ العظماءِ ولـزملائِهم متسعٌ مـن خياراتٍ لِكسبِ عيشِهم إذ كانت الكنيسةُ آنذاك الـراعيةَ الـرئيسيةَ للفنونِ وكانت ذات هيمنةٍ واسعةٍ، فليس مـن بُدٍ والحالةُ هذه أن تجذبَهم الكنيسةُ وينجذبونَ هم نحوها للعمـلِ لها وهم سعداءٌ لإتاحةِ فـرصٍ لهم للتعبيـرِ عـن قدراتِهم. الخلَّاقةِ الـرائعةِ، شأنُ أولئك الفنانيـن كشأنِ كبارِ شعـراءِ العـربِ إذ لم يكـنْ لديهم خياراتٌ واسعةٌ ومثمـرةٌ ومُـثـريةٌ سوى مدحِ الملوكِ والسلاطيـن والمتـنـفـذيـن بـروائعَ قصائدِهم الخالدات.
ولـعـل أفـضـلَ إيـجازِ لـهذه الـمقالة قـصيدةُ الـشاعـر إيـلـيا أبـو مـاضي التي عنوانها ” كـتـابــي “ يصف فيها الديـنَ بـأنه أغلالٌ في الأعناقِ وسلاسـلٌ مُكَّـبِـلةٌ للعقـل إذ يقول:
وسائـلةٍ: أيَّ المذاهـبِ مذهــبي
وهل كان فرعاً في الدياناتِ أمْ أصلا
وأيَّ نبيٍّ مُـرْسَـلٍ أقـتدي بــه
وأيَّ كتابٍ مُـنـزلٍ عنديَّ الأغلى ؟
فقلتُ لها: لا يقتني المرءُ مذهبـاً
وإنْ جـلَّ، إلَّا كان في عـنقِهِ غــُلا
ويُضيف مبيناً الــرياء في الديـن فيقول:
فما مذهبُ الإنسانِ إلَّا زجاجــة
تُـقــيِّـدُه خـمــراً وتـضـبـطـه خـلـَّا
تتلمذتُ للإنسانِ في الدهرِ حِقبة
فـلقـَّنـني غـيَّـاً وعـلـَّـمـني جـهــــلا
نهانيَ عن قتـلِ النفوسِ وعندما
رأى غُـرةً منيَّ تـعـلَّـم بيَ الـقـتـلاَ
ثم يصفُ بعد تحـررِه مـن قيودِه المكَّبِلةِ إنطلاقَ عقلِه لِفهم الكون ونَبْـذِ الغيبيات التي تـُتـلى مـن الكتبِ الدينيةِ فيقول:
وصارَ نبيِّ كلُ ما يُطلِقُ العقلا
وصارَكتابيَ الكونُ لا صحفٌ تُـتـلى.

**
وأخيـراً أعودُ مكـرراً رأيي أنه إذا رغبَ منتقدو الإسلامِ أن يُجانبوا الموضوعيةً *3* في إنتقاداتِهم فيتوجبُ عليهم عـرضَها بِأُسلوبٍ يُـبيـنُ أنها نتيجةُ العقليات التي يُـولًّدُها الديـنُ أيُ ديـن وليس فقط الإسلامي وألَّا يظهـرونها وكأن الأديانَ الأُخـرى بَــراءٌ مِـمّا يُـشابهُـها.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحواشي
*1* لا يعني بالضـرورة في هذه المقالة بِان المـرءَ الموصوف بصفات أمثال "مسـﯿحي " أو "مسلم" أو "يهودي " الخ، أنه مؤمـن باِلدين المقصود إنما يعني أنه قد أنشئِ نشأة منسجمة مع معتقدات أولياء أمُوره. أ
*2*يحتاج معنى كلمة " توحيدية" أن يُـمطَّ مطاً كبيراً كي يشمل الديـن المسيحي !!!
*3*لكني أشعر وكأن بعضهم يسعى الى الشهرة على حساب الموضوعـية.



#ريمون_نجيب_شكُّوري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295


المزيد.....




- أغلق باب بعد تحويل القبلة.. هكذا تطورت أبواب المسجد النبوي م ...
- -كان سهران عندي-.. نجوى كرم تثير الجدل بـ-رؤيتها- المسيح 13 ...
- موعد وقيمة زكاة الفطر لعام 2024 وفقًا لتصريحات دار الإفتاء ا ...
- أسئلة عن الدين اليهودي ودعم إسرائيل في اختبار الجنسية الألما ...
- الأحزاب الدينية تهدد بالانسحاب من ائتلاف نتنياهو بسبب قانون ...
- 45 ألف فلسطيني يؤدون صلاتي العشاء والتراويح في المسجد الأقصى ...
- استعدادا لذبحها أمام الأقصى.. ما هي قصة ظهور البقرة الحمراء ...
- -ارجعوا إلى المسيحية-! بعد تراكم الغرامات.. ترامب يدعو أنصار ...
- 45 ألفا يؤدون صلاتي العشاء والتراويح في المسجد الأقصى
- الأتراك يشدون الرحال إلى المسجد الأقصى في رمضان


المزيد.....

- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود
- فصول من فصلات التاريخ : الدول العلمانية والدين والإرهاب. / يوسف هشام محمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ريمون نجيب شكُّوري - ضرورة إعتماد الموضوعية عند الإنتقادات الدينية