أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - جهاد علاونه - المدينة الفاضلة















المزيد.....

المدينة الفاضلة


جهاد علاونه

الحوار المتمدن-العدد: 3487 - 2011 / 9 / 15 - 09:15
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


في النهاية ستكتشفون بأن المدن والعواصم العربية هي أكثر المدن فضيلة ومعرفة فالمدن الفاضلة هي فقط في عواصم الدول العربية.

مثلي مثل أي مثقفٍ صغيراً كانَ أم كبيراً أو معتوها دخلت عالم الثقافة من أبوابها التي تطل على طلوع الشمس من المشرق ومن الأبواب التي تطلُ على غروب الشمس من الغرب برجلي اليسار وليس برجلي اليمين وخلعت حذائي إكراما لأسماء المثقفين الذين سبقوني والذين سأرتمي في أحضانهم وقلوبهم عندما أشعرُ بنوبة الثقافة وهي تأتيني على شكل غيبوبة أكتبُ من خلالها قصيدة أو مقالاً وكنت أظن بأن عالم الثقافة هو نفسه عالم المدينة الفاضلة فالمثقفون يضربُ الناس فيهم المثل بمحاربة الفساد والمفسدون وهم عليهم آمال كل الأمة بأن يخلصوا المتعبين من تعبهم وليريحوا المكافحين من أجل رغيف الخبز ويضرب بهم المثل في الأخلاق التي لا أحد يستطيع أن يصل إلى سقفها اللامحدود فهربت بأحزاني وأوهامي وآمالي وتطلعاتي إلى عالم الثقافة اللامحدود ...عالم المدينة الفاضلة لأتخلص من همومي اليومية وظنوني وشكوكي وأوجاعي وكنت على اعتقاد بأنني دخلت مدينة ليس فيها لا أنذال ولا أوباش ولا حقراء ولا كذابين ولا نصابين ولا ملاعين حرسي و(عكاريت) وقرأت كتاب المدينة الفاضلة وأنا مبتسمٌ لحظي الجميل وقلت فعلا الثقافة عبارة عن مدينة فاضلة لأن (العلم نور) تلك المدينة الخالية من المجانين والمعاتيه والسوكرجية والمخيخة واللصوص وقطاع الطرق والدركولات مصاصو الدماء, وكنت أفتح صفحات المدينة الفاضلة لأمشي في أزقتها ولأدخل بيوتها الخالية من السفاحين والمجرمين والفاسدين والمرابين والكذابين, هكذا يتصور المدينة الفاضلة أي مثقف حتى بدون أن يقرأ كتاب المدينة الفاضلة فبمجرد سماع اسم المدينة الفاضلة فورا تتكون في الرأس صورة عن مدينة كل سكانها من ملائكة السماء, وأنا شخصيا حين سمعت لأول مرة بكتاب اسمه(المدينة الفاضلة) تخيلت نفسي فيها رجلا ليس بالضروري أن أكون غنيا لأعيش سعيدا وليس ضروريا أن يكون فقري سبب تعاستي لأن الذي يسعد الإنسان ويتعسه هو ممارسته للحب وللإحساس بالحب وبعمق المسؤولية لذلك كنتُ وما زلتُ أبحثُ عن امرأة يكفيني منها كلمة حب وأن تعشقني امرأة لثقافتي وليس لفلوسي كما قال برنارد دشو(لقد أحبته من النظرة الثانية لأنها من النظرة الأولى لم تلحظ خاتم الألماس في إحدى أصابع يديه) وكنت أظن وظني لم يكن بمحله بأن المثقفين أو سكان المدينة الفاضلة كلهم من الشرفاء وبما أنني صادقٌ وبريء فيجب أن أجد أناساً من حولي مثلي بل أكثر مني براءة ونقاء وكان شعاري(الثقافة من أجل الثقافة والنقاء من أجل النقاء والصفاء من أجل الصفاء والإبداع من أجل الإبداع والفن من أجل الفن), وكنت أنام وأصحو وأنا أحلم على أصوات ناعمة وهادئة بلا صخب ولا ضجيج ولكن تبين لي بأنني لم أدخل عالم الطهر والبراءة من خلال عالم الثقافة والسياسة ولم أسكن في عالم المدينة الفاضلة وتأكدت أخير ا بأنني أعيش في عالم الوساخة, واعذروني لكلمة الوساخة لأنها هي الوحيدة القادرة على إيصال ما أريد أن أقوله فنحن فعلا في عالم الوساخة حتى عمال الحفر في الطرقات وعمال النفايات نجد عندهم نبل وأخلاق عالية جدا لا يستطيع أحيانا أكبر مثقف أو أعنى أستاذ جامعي أكاديمي الوصول إلى مستواها, وهنالك أناس عاديون جدا ليسوا كتابا ولا فلاسفة لديهم تصورات عن الكون والحياة أفضل من تصورات واقتراحات الحكومات الدستورية والغريب في الموضوع أن أفلاطون كان مخطئا ولم يكن على صواب حين بنا مدينته الفاضلة وكان فعلا يستحق أن يباع كعبد لأحد النبلاء أو الإقطاعيين ليجد العمل المناسب له بدل بحثه عن المدينة الفاضلة ورسم حدودها فكل تصوراته تدل على رجلٍ أو فيلسوفٍ مفصوماً عقليا ولديه (ولع خفي) في الحكمة والفضيلة التي عرفها من معلمه الذي زرع في ذهنه بأن المعرفة فضيلة والجهل رذيلة ...والمدينة الفاضلة التي توّجَهُ فيها الناسُ ملكا هي فقط في عالم أحلام اليقظة وليس لها حدودٌ ولا دستورٌ على أرض الواقع وأن عالم الوساخة ضروري ومطلوب ولا يمكن أن نستغني عن وساختنا ولا يمكن أن نعاقب الأغنياء بالقتل أو الفقراء بالقتل لنحل مشكلة الفقر الفاحش والغنى الفاحش فهؤلاء وجودهم حتمي وضروري لكي تستمر أيدينا وهي تدفع بعجلة التقدم إلى عالم الوساخة والنذالة وقلة الحياء, فهذه هي حياتنا ليس فيها عالم واقعي يسوده الحب بل نحن في عالم تسوده الكراهية وتسيطر عليه الأوباش وأبناء الأبالسة.

وحين دخلت عالم الثقافة لم أكن أعلم بأنني بهذا التصرف قد فرضت على نفسي العزلة أكثر من رواية(مائة عام من العزلة), كانت أسماء الأعلام الثقافية توحي لي بأنهم أكثر الناس سعادة وشرفا وإذا بغالبيتهم أوسخ من الحذاء الذي أمتطيه في رجلي والغريب في الموضوع أن هؤلاء الأوباش هم صناع القرارات الصعبة في حياتنا وهم من يحدد لنا أين نمشي ومتى نسير وإلى أين ستكون النهاية والأغرب من ذلك هو أن وجودهم ضروري في الحياة أكثر من وجود الشرفاء وأصحاب القلوب الطيبة لذلك تجد في أي مجتمع من المجتمعات قلةً من الشرفاء والمخلصين والأوفياء ولو كان المجتمع كله شرفاء ومخلصين لتهدمت كل الأبنية الاجتماعية وانتهى الكون بلمح البصر, ومن الملاحظ جيدا بأن أصحاب القلوب الكبيرة قليلون جدا والعشاق الحقيقيون قليلون أيضا جدا وأينما ذهبنا نجد العظماء والمحترمين والمهذبين قلة قليلة وهي سنة الحياة حيث يسيطرُ فيها الأوغاد والأوباش والحقراء, ويموت فيها الضعفاء ويعيش فيها المحتالون والدجالون على حساب أصحاب العقول الساذجة, ودعوني أتخيل وإياكم مدينة ليس فيها مجرمين وسفاحين ولصوص ومفسدين وحرامية يسرقون الكحل من العين, ودعوني أتخيل أناساً كلهم صدق ولا يكذبون!! فكيف ستكون حياتنا بدون كذب!!لو أصبحت الناس صادقة وكلهم من طبقة واحدة هي الشرفاء والنبلاءُ صادقون فيما يقولونه لحدثت عدة جرائم أخلاقية وكذلك لتفتت الأسر لكثرة ما سنكتشف من حالات زنا وسفاح محارم وكم سيبلغ عدد جرائم القتل لو أصبحنا كلنا صادقون؟؟إن عالم المدينة الفاضلة هي هذه المدينة التي ينموا فيها المجرمون ويتطاولون على الناس بقوة السلاح,... كنت أظن وأنا جاهل أو أغرار مغتر بالثقافة بأن عالم الثقافة هو نفسه عالم المدينة الفاضلة مدينة الفيلسوف أفلاطون وكم تخيلت نفسي في محاورة المأدبة بأنني سقراط بعد أن قرأت الكتاب من الجلدة إلى الجلدة مرتين أو ثلاث مرات على مدى تاريخي الطويل وكنت أظن بأن المثقفين أنبياء وملائكة تمشي على رؤوس أصابع أقدامها لكي لا يتسببوا لي بالإزعاج إن كنتُ نائماً وأنا أغط في سابع أو عاشر حلم , وكنت أظن بأن المثقفين والمثقفات هم أكثر الناس أدبا وخلقا وإذ بغالبيتهم لا يمكن أن نقارنهم إلا بحذاء مُقطع .. إن عالم الثقافة عالم مجنون وعالم مشبوه أكثر من ثلثيه أخلاقيا وعالم يكاد الصرع النفسي أن يسيطر عليه, فهذا المثقف متولع بالوجودية وذاك بالواقعية الجديدة, لم يكن بالحسبان بأنني سأكون واقعيا أو وجوديا أو اشتراكيا أو ليبراليا أو يمينيا أو يساريا, لقد كنت أمارس الثقافة كما أمارس الطعام والشراب وهنالك جوع شديد وقاتل في رأسي يدفعني للقراءة ولحب المعرفة ولم أكن أعلم بأن الثقافة ستأكل 90% من جسدي أو لم أكن أحسب أنني في يوم من الأيام لا محالة من وقوعي فريسة في أحضان أحد الفلاسفة , وبعد سنوات قليلة كان سقراط يشدني من يدي إلى السفسطة والمجادلة(الديالكتيك) وسارتر يشدني من يدي للوجودية, وكان أفلاطون يقف في طريقي وهو يعرض عليّ مدينته الفاضلة جدا الخالية من المجرمين وقطاع الطرق والفقراء وفيها الحكومة التي تأخذ الأبناء من الآباء ليعيشوا في أحضان مربيات وبعد ذلك لا أحد يعرف هذا ابن من أو ذاك ابن من!!, كانت مدينته مدينة عالمية يخالطها الجنون أو الهوس أو الولع بالسعادة وكلها ألعاب مثل (عالم والدزني)...ولا توجد فيها لا عاهرات ولا فقراء ولا أغنياء على الآخر ولا فقراء على الآخر وأحببتها جدا لأنني أكره الفقر الذي أعيش به وتبين لي بعد عدة سنوات بأن الفقراء وجودهم في هذا الكون أمرا ضروريا جدا فالحياة بدون فقراء لا تطاق وبدون أغنياء لا تُطاق وبدون حب وبدون كراهية أيضا لا تطاق لذلك يصنع لنا السياسيون فقراء بسعر الجملة وكذلك الأنذال بسعر الجملة والمُفرق,ولكن المشكلة هي أن الطبقة الغنية تزداد على حساب الطبقة الوسطى, والطبقة الفقيرة الكادحة تزداد أيضاً عددا على حساب الطبقة الوسطى وهنا نجد مجتمعات خالية من الطبقة الوسطى فينهار النظام الاجتماعي والسياسي والديني في لحظة واحدة عندها تيقنت بأن مدينة أفلاطون مدينة فاشلة فأي مدينة في العالم يجب عليها أن تتكون من الفلاسفة والعشاق والكتاب والزعران والبلطجية والشبيحة فهؤلاء وجودهم في حياتنا ضروري لتستمر الحياة, ويجب أن يكون في المدينة الفاضلة شعراء وكرماء وبخلاء ومعاتيه فبدون المعاتيه كيف سيكون شكل المدينة الفاضلة؟ إن المدينة الفاضلة هي تلك المدينة التي يولد فيها شعراء بفمهم ملعقة من ذهب وآخرون يأكلون الحصى والجيف من كثرة الجوع, والمدينة الفاضلة هي تلك المدينة التي يجب أن يوجد فيها نساء ملمس أكتافهن مثل ملمس جلود الأفاعي ويجب أن يكون بيننا أناس بلا ذمة ولا ضمير ولا مبدأ يثبتون عليه, إن المدينة الفاضلة هي تلك التي تفتح سجونها كما تفتح المستشفيات والمصحات العقلية وبدون كل ما ذكرت من أصناف الناس لا يمكن أبدا أن نبني مدينة فاضلة.

وعندنا مثل يقول(قومٌ بلا جهال راحوا قطايع..وقوم بلا عقال ضاعت حقوقهم).



#جهاد_علاونه (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لكي لا ننسى
- خيانة زوجية أم زواج بالسر!
- كلب متشرد وكلب بوليسي
- اقرأ واستمتع
- كلمات عربية أصلها رومانية ولاتينية
- نظام الشورى الاسلامي
- آخر الصرعات الفلسفية
- أول 500 جامعة في العالم
- ضاع الأمل
- ليس ذنبي
- تحيه كاريوكا
- ايحاء الكلمة
- مهارات لغوية
- مي زياده2
- مي زياده 1
- حبر على ورق وكلام أفلام ومسلسلات
- الاسلام والأمراض العقلية
- الكلمة الأخيرة
- دنيا الوهم والخيال
- المرأة الضاحكة


المزيد.....




- هارفارد تنضم للجامعات الأميركية وطلابها ينصبون مخيما احتجاجي ...
- خليل الحية: بحر غزة وبرها فلسطيني خالص ونتنياهو سيلاقي في رف ...
- خبراء: سوريا قد تصبح ساحة مواجهة مباشرة بين إسرائيل وإيران
- الحرب في قطاع غزة عبأت الجهاديين في الغرب
- قصة انكسار -مخلب النسر- الأمريكي في إيران!
- بلينكن يخوض سباق حواجز في الصين
- خبيرة تغذية تحدد الطعام المثالي لإنقاص الوزن
- أكثر هروب منحوس على الإطلاق.. مفاجأة بانتظار سجناء فروا عبر ...
- وسائل إعلام: تركيا ستستخدم الذكاء الاصطناعي في مكافحة التجسس ...
- قتلى وجرحى بقصف إسرائيلي على مناطق متفرقة في غزة (فيديو)


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - جهاد علاونه - المدينة الفاضلة