أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طلعت رضوان - النص المؤسس ومجتمعه















المزيد.....


النص المؤسس ومجتمعه


طلعت رضوان

الحوار المتمدن-العدد: 3485 - 2011 / 9 / 13 - 16:45
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


عنوان المقال هو عنوان لواحد من الكتب المهمة للراحل الجليل أ . خليل عبدالكريم ، والصادر عن دار المحروسة – عام 2002. فى هذا الكتاب طرح أ. خليل قضية الجماعات الإسلامية والكتّاب المدافعين عن هذه الجماعات ، وأنّ مأساة شعبنا المصرى تكمن فى نظر هذه الجماعات إلى النص المؤسس ( = القرآن) على أنه يُخاطب (كل) البشر، بغض النظر عن الزمان (وقت نزول النص) وعن البيئة (الجزيرة العربية) يتأكد هذا من رفض هذه الجماعات لأهم بابيْن فى الفقه الإسلامى : باب ( الناسخ والمنسوخ) وباب ( أسباب النزول)
عن الباب الأول كتب أ. خليل ((ففى المائة والأربع عشرة سورة ، توجد إحدى وسبعون منها بها نسخ ، أى ما يقرب من ثلثيْها ، منها خمس وعشرون سورة فيها ناسخ ومنسوخ ، وست منها تحتوى على ناسخ ، والأربعون الباقية تضم المنسوخ فقط)) ( ص 38) والدرس المستفاد من حقيقة وجود ظاهرة (الناسخ والمنسوخ) أنّ ( النص المؤسس) كان يُراعى التغيرات الاجتماعية وظروف البيئة إلخ ، وهو ما عبّرتْ عنه الآية الكريمة ((ما ننسخ من آية أو نُنْسها نأتِ بخير منها أو مثلها)) (البقرة / 106) والآية الكريمة (( وإذا بدّلنا آية مكان آية)) ( النحل /101) والآية الكريمة (( وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبى إلاّ إذا تمنى ألقى الشيطان فى أمنيته فينسخ الله ما يلقى الشيطان)) ( الحج /52)
أما عن باب ( أسباب النزول) فالوقائع كثيرة ، لعلّ أشهرها حديث عمر بن الخطاب الذى قال ((وافقنى ربى فى ثلاث – وفى بعض الروايات أربع : عن أنس بن مالك قال : قال عمر وافقنى ربى فى أربع . قلتُ يا رسول الله لو صليتُ خلف المقام ، أليس هذا مقام أبينا إبراهيم ؟ فنزلتْ الآية (( واتخذوا من مقام إبراهيم )) وقلتُ يا رسول الله : لو ضربتَ على نسائك الحجاب ، فإنه يدخل عليهن البر والفاجر ، فأنزل الله (( وإذا سألتموهن متاعًا فاسألوهن من وراء حجاب)) وبعد أنْ نزلت آية ( ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين) قلتُ أنا : تبارك الله أحسن الخالقين ، فنزلتْ (( فتبارك الله أحسن الخالقين)) ودخلتُ على أزواج النبى فقلتُ : لتنتهن أو يُبدّله الله بأزواج خيرًا منكن ، فنزلتْ الآية (( عسى ربه إنْ طلقكن أنْ يُبدّله أزواجًا خيرًا منكن)) وحديث عمر هذا أخرجه البخارى والنسائى وابن ماجه وهم ثلاثة من الصحاب الصحاح ورواه أنس بن مالك وهو خادم محمد (ص) أى أنّ هذا الحديث ناء عن التجريح . وكذلك ما رواه السيوطى أنّ سبب نزول أية (( عسى ربه إنْ طلقكن)) هو أنّ عمر قال ذلك ونزل القرآن بموافقته.
وذكر ( الواحدى) أنّ حفصه بنت عمر بن الخطاب كانتْ خارج بيتها ، فلما عادتْ وجدتْ الرسول ( زوجها) على فراشها ومعه ماريه المصرية. فقالتْ له : لمَ تُدخلها بيتى ؟ ما صنعتَ بى هذا من بين نسائك إلاّ من هوانى عليك . فقال لها الرسول (ص) لا تذكرى هذا لعائشة ، هى علىّ حرام إنْ قربتها . فقالتْ حفصه : وكيف تُحرّم عليك وهى جاريتك ؟ فحلف لها ألاَ يقربها . وقال لها : لا تذكريه لأحد . وهذه الواقعة ذكرها الأمام الطبرى وأمهات كتب التفسير. وكتب الشيخ عبدالحميد كشك ((روى النسائى بسنده عن أنس أنّ رسول الله كانتْ له أمة ( = عبدة أى مارية المصرية) يطؤها ، فلم تزل به عائشة وحفصه حتى حرّمها (على نفسه) فأنزل الله عز وجــــل : يا أيها النبى لمَ تُحرّم ما أحلّ الله لك إلى آخر الآية)) (فى رحاب التفسير للشيخ عبدالحميد كشك – ج 28- المكتب المصرى الحديث) وبعد أنْ طلب محمد (ص) من حفصه ألاّ تُخبر أحدًا بما حدث إذا بها تُخبر عائشة. فلما علم عمر بما حدث ، قال لمحمد (ص) : (والله يا رسول الله لئن أمرتنى بضرب عنق حفصه لضربتُ عنقها)
وهناك آية خامسة نزلتْ على لسان عمر بن الخطاب : (( أخرج ابن جرير وابن المُنذر وابن أبى حاتم عن عبدالرحمن بن أبى ليلى ، أنّ يهوديًا لقى عمر فقال : إنّ جبريل الذى يذكر صاحبكم عدوٌ لنا . فقال عمر(( من كان عدوًا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال فإنّ الله عدوٌ للكافرين)) ( البقرة /98) أما السيوطى فقد أورده مطولا . وأورد الفخر الرازى الخبر ذاته وضمّنه ما قاله عمر لليهود (( ولأنتم أكفر من حمير)) ( المصدر: مفاتيح الغيب – المجلد الثانى – ج 3 ص 267) وكان تعليق أ. خليل (( ولا أدرى بأى سند حكم هذا العدوى ( أى عمر بن الخطاب) على الحمير بالكفر؟ وهل توجد حيوانات كافرة وأخرى مؤمنات ؟ إنّ من مخاريق التاريخ أنّ هذا العدوى الذى مبلغ علمه أنّ الحمير كافرة ، هو الذى أعطى الأمر بغزو واستعمار واستيطان البلد الذى هو بالاجماع أستاذ الدنيا فى الحضارة والمدنية والعلوم والآداب وكافة جوانب الثقافة : مصر)) (ص 227، 228) كذلك وافق الذكر الحكيم العدوى ابن الخطاب فى مسألة الاستئذان قبل الدخول ، فأنزل الله تعالى ((يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكتْ أيمانكم)) (النور/58)
وفى مسألة أسرى غزوة بدر: استشارمحمد أبا بكرالصديق فأشاربالرفق بهم وأخذ الفدية منهم. ولما أخذ رأى عمربن الخطاب ذهب إلى ضرورة ضرب أعناقهم . بيد أنّ الرسول أخذ برأى (أبوبكر) وتسلم الفدية من أهالى الأسرى ثم أطلق سراحهم . ولكن جاءتْ آية تُسجّل الواقعة وتأخذ برأى عمر((ما كان لنبى أنْ يكون له أسرى حتى يثخن فى الأرض)) وذكرالفخرالرازى أنّ عمر قال للرسول (( كذبوك (أى الأسرى) وأخرجوك فاضرب أعناقهم فإنّ هؤلاء أئمة الكفر، وأنّ الله أغناك عن الفداء ، فمكن عليًا من عقيل وحمزة من العباس)) وكان تعليق أ. خليل ((ولا ندرى كيف يواجه الإمام على رضى الله عنه إخوة عقيل وأسرته لو قتله ؟ وكيف يُصبح موقف حمزة من أم الفضل (مرة العباس) وأولادها منه لو نفذ مشورة العدوى وقتل أخاه الذى هو فى ذات الوقت عم (يس) الذى أفزعته تلك المشورة فقال لصاحبها : أتأمرنى أنْ أقتل العباس ؟ فقال عمر: ((ويل لعمرثكلته أمه)) (التفسرالكبير- الفخرالرازى – المجلد السابع ج 14ص 538، 539) وكتب النيسابورى (( كان عمر يقول : كان الاثخان فى القتل أحب إلىّ ))
وهناك آيات نزلتْ موافقة لرأى أو طلب أبوطلحه منها ((يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبى)) (الأحزاب / 53) وراوى الحديث هو أنس بن مالك ( خادم محمد) وأورده السيوطى وكذلك الترمزى . وعن حديث الافك قال أبوأيوب الأنصارى كلامًا فنزلتْ الآية 12من سورة النورمطابقة لكلامه ((لولا إذْ سمعتموه ظنّ المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرًا وقالوا هذا إفكٌ مبين)) وروى البخارى : نزلت آية (( وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود) ولم ينزل (من الفجر) من الآية 187 / البقرة) فكان رجال إذا أرادوا الصوم ربط أحدهم فى رجليه الخيط الأبيض والخيط الأسود ، فلا يزال يأكل ويشرب حتى يتبيّن له رؤيتهما ، فأنزل الله فيما بعد (من الفجر) فعلموا إنما يعنى الليل والنهار)) وذكر الطبرانى عن زيد بن ثابت : كنتُ أكتب الأمر بالقتال ، فجاء رجل أعمى وقال : كيف لى وأنا ذاهب البصر؟ فنزلت الآية (( ليس على الأعمى حرج)) (الفتح / 17) وأخرج البخارى فى صحيحه عن زيد بن ثابت أنّ رسول الله أملى عليه (( لا يستوى القاعدون من المؤمنين)) (النساء / 95) فجاء ابن مكتوم وقال يا رسول الله : لو أستطيع الجهاد لجاهدتُ ولكنى أعمى ، فأنزل الله (غيرأولى الضرر) وذكرأ. خليل الكثير من مصادركتب التفسير وأسباب النزول التى تؤكد أنّ آية (غيرأولى الضرر) أملاها محمد على زيد بن ثابت بعد ملاحظة ابن مكتوم . وأضاف أ. خليل ((ولو أننا لا نُسقط من حسابنا التدنى المعرفى والثقافى الذى جعلهم لا يعون أنّ استحالة عسكرة ذوى الأعذار ترقى لرتبة البديهيات ومن ثم فلا ضرورة للنص عليها)) (ص 255)
نفس الشىء حدث فى أشياء أخرى كثيرة منها أنه بعد أنْ نزلت آية ((والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء)) (البقرة / 228) قال خلاد بن النعمان بن قيس الأنصارى : يا رسول الله ، فما عدة التى لا تحيض (مثل المسنات) وعدة التى لم تحض ( أى الطفلة التى لم تبلغ وهذا دليل على أنّ الرجال كانوا يتزوّجون من أطفال) وعدة الحبلى ؟ فأنزل الله تعالى ((واللائى يئسن من المحيض من نسائكم .. إلى آخر الآية)) وهذا الخبر رواه المقرى وابن عباس وأضاف قام رجل آخر وقال : أرأيتَ يا رسول الله فى اللائى لم يحضن للصغر، ما عدتهن ؟ فنزل واللائى لم يحضن من الصغر فعدتهن أيضًا ثلاثة أشهر. فقام رجل آخر، وقال : أرأيتَ يا رسول الله ما عدة الحوامل ؟ فنزل (وأولات الأحمال) يعنى الحبالى ( أجلهن) يعنى عدتهن ( أنْ يضعن حملهن) (المصدر: تنويرالمقياس من تفسيرابن عباس – الفيروزى أبادى – مكتبة مصطفى البابى الحلبى بمصر- ط 2 ص 358- 359)
وعن أسباب إلحاح العرب فى سؤال محمد عن كل صغيرة وكبيرة كتب أ. خليل (( إنهم لا يُريدون أنْ يعملوا عقولهم ويشغلوا مخهم أو يجتهدوا فى استكشاف الحلول لمشكلاتهم وابتداع مفاتيح لمغاليق معضلاتهم ، بل هم يرفلون إليه لينوب عنهم فى كل ذلك ، وهذا مسلك القاصر ونهج العاجز وطريق البليد)) (ص 261- 262)
كما توجد بعض الآيات نزلتْ بسبب الحوار الذى داربين الرسول و(وحشى) قاتل حمزة . ذكر ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس قال : أتى (وحشى) إلى النبى (ص) فقال : يا محمد أتيتك مستجيرًا فأجرنى حتى أسمع كلام الله. فقال الرسول : قد كنتُ أحب أنْ أراك غير جوار فأما إذْ أتيتنى مستجيرًا فأنت فى جوارى حتى تسمع كلام الله. قال : فإنى أشركتُ بالله وقتلتُ النفس التى حرّم الله تعالى وزنيتُ . هل يقبل الله منى توبة ؟ فصمت رسول الله حتى نزل ((والذين لا يدعون مع الله إلهًا آخرولا يقتلون النفس التى حرّم الله إلاّ بالحق ولا يزنون)) إلى آخرالآية (الفرقان/68) فتلاها عليه فقال : أرى شرطًا ، فلعلى لا أعمل صالحًا . أنا فى جوارك حتى أسمع كلام الله فنزل (( إنّ الله لا يغفرأنْ يُشرك به ويغفرما دون ذلك لمن يشاء)) (النساء /48) فدعا به وتلاها عليه. فقال : ولعلى من لا يشاء وأنا فى جوارك حتى سمع كلام الله فنزلت (( قل يا عبادى الذين أسرفوا على أنفسهم لاتقنطوا من رحمة الله إنّ الله يغفرالذنوب جميعًا)) (الزمر/53) فقال : نعم الآن لا أرى شرطًا فأسلم)) (أسباب النزول للواحدى ص 227، السيوطى ص 118)
هذه الآيات نزلتْ من أجل (وحشى) قاتل حمزة بن عبدالمطلب ( أسد الله ) فى معركة أحد . ومثلتْ هند بنت عتبة أم معاوية وزوجة أبى سفيان بجثته تمثيلا بشعًا مما دفع محمد (ص) أنْ يُقسم أنْ لو واتته الفرصة ليمثلن بسبعين منهم ، بيد أنه راجع نفسه وعدل عنه. وفى رأى أ. خليل أنّ الرسول صلى الله عليه وسلم (( امتاز بفراسة عميقة وبُعد نظر، ومن ثم حدس أنّ وحشيًا بما له من قدرة قتالية عالية ومهارة مشهود لها فى استعمال الحراب (جمع حربة) وهى من أدوات الطعان الهامة لدى العرب ، سوف يغدو شديد النفع فى الغزوات .. وتوسيع رقعة دولة بنى سخينة)) ( ص 264، 265) لقد قتل وحشى حمزة بن عبدالمطلب بعد أنْ وعدته هند بالحرية ثأرًا لمقتل أبيها عتبة فى معركة بدرالكبرى . فانتهزالعبد فرصة انهماك حمزة فى القتال ورماه بحربته من خلف ، ولما تأكد من موته انصرف وتوجه لسيدته. فلما تيقنتْ من حقيقة الأمرطغى عليها السرور، وخلعتْ عليه حليها ثم أقبلتْ على جسد حمزة الطاهر، وبقرتْ بطنه واستخرجتْ كبده ولاكتها . بيْد أنّ هند لم تستسغ طعم كبد حمزة فلفظتها . وكان تفسيرالرسول صلى الله عليه وسلم : أنها لوابتلعتها لدخلتْ الجنة كما أنه من المستحيل أنْ تصطلى كبد حمزة بالنارمع هند ، فى حين أنّ سائر جسده يحظى بالنعيم فى الجنة. هذا الفعل الشنيع من هند يقطع بأنّ القسوة والتوحش مركوزان فى نفوس أولئك العرب مع أنها (أى هند) تعد من ذؤابة بنى سخينة ، فما بالك بنسوان العامة فى مكة والبدويات ساكنات الخيام ؟ وقارن بين سلوك هذه المرة المفترسة وما سطره التاريخ عن السلوك البالغ الرقى والتهذيب للنساء فى مصرالقديمة ، لتُدرك الفرق بين البداوة والحضارة والهمجية والمدنية. ومن ثم فإنّ المقارنة بينهما مستحيلة (ص 263)
الأستاذ خليل عبدالكريم واحد من المفكرين الذين يحترمون المادة التاريخية ، لذلك لم يُخالف ضميره ، إذْ كتب عن الغزوالعربى (( العرب الذين غزوا البلاد التى داسوها بسنابك خيولهم واستعمروها ونهبوا خيراتها)) (ص15) وعن عمربن العاص كتب ((ذلك الذى فعل الأفاعيل فى مصر، عندما عزاها غزوًا استيطانيًا)) (ص75) وعن الفرق الحضارى بين شعبنا المصرى والعرب كتب ((يُشكل الزرع والحصد والرى وجمع المحصول والبناء والتشييد والاعمارعناصر ومقومات شخصية المصرى القديم ، ومن ثم ترك حضارة باذخة لا ضروب لها حتى الآن . فى حين خلف العرب الأجلاف قصصًا أليمة عن شن الغارات ونوازل فواجع عن القتل والاغتيال وروايات دامية عن أسرالرجال وسبى النسوة والفتيات إما لبيعهن فى أسواق العبيد إماءً وجوارى وإما لاتخاذهن محظيات وسرارى)) (ص80) وكتب ((من استقراء المعالم التاريخية والأنساق الاجتماعية نُدرك أنه لدى عرب شبه الجزيرة العربية ، فإنّ الغارات ومداهمة العدو، وغزوه وتصبيحه أى كبسه (= الهجوم عليه) وحياطته فى عماية الصبح وهومستغرق فى نوم عميق ، يُشكل شطرًا وسيعًا من تكوينهم النفسى ومساحة عريضة من بنيتهم الوجدانية ومكانًا رحبًا من سمتهم الشعورية. فضلا عن أنّ ما تُدره هذه الهجمات من عائد يتمثل فى الأسلاب والغنائم هومصدردخل على درجة من الأهمية والاستمرارية ، حتى أنه من المتعذرأوالمستحيل تصور وجود مجتمعهم من الغارات أو خلا من الغزوات أو تجرد من المنهوب ، وهو معلم متوافق تمامًا مع أوديتهم غيرذات زرع وجهالتهم التى تحول دونهم ومعرفة استخراج المعادن التى بدونها لاتقوم صناعة)) (ص91) وأنّ ((العرب كانوا لايعرفون الصناعة بل ويحتقرون من يُزاولها ويسمونه قيْنًا أى عبدًا وبذات القدر سخروا من الزراعة والزراع . وعندما امتهن بنو حنيفة الزراعة تهزّأ هؤلاء العرب بهم . ولما غزوا العراق والشام وداسوا بخيولهم أراضيها واستعمروها ونزحوا خيراتها تعالوا على أهلها ووسموهم ب (العلوج) لأنّ عملهم الأصيل الزراعة. ولم يستحوا إذْ أنّ الأموال الطائلة التى كسحوها من هذه البلاد ونقلوها إلى واديهم القفر، الغير ذى زرع هى نتاج جهود وعرق الفلاحين (ص146) وأنّ العرب واليهود من عادتهم أنّ الرجال لايأكلون مع النساء (ص149) وعن ظاهرة ( الثأر) ذكرأنها عادة عربية وليستْ مصرية (ص93) إذْ أنّ الرعب الذى أصاب (أبوسفيان) سببه سماعه بمصير كل من (كعب بن الأشرف) و(سلام بن أبى الحقيق) و(أسيرابن زام) وهم يهود و(نُبيح) وقيل (سفيان الهذلى) وذلك بعد أنْ اكتشف الخطة التى دبّرها محمد (ص) لتصفيته جسديًا . وكذا ما حدث مع اغتيال أم قرفة الفزارية وسبى ابنتها هند . ذكرابن الجوزى عن سرية زيد بن الحارثة إلى وادى القرى ، فأخذوا أم قرفة واسمها فاطمة بنت ربيعة. وربطها بين بعيريْن حتى ماتت. وفى مسلم : كان أميرالسرية أبوبكر(الصدرالمحبر) وعند المقريزى ((وأم قرفة قتلها قيس بن المجسراليعمرى قتلا عنيفًا وربط بين رجليها حبلا ثم ربط بين بعيريْن ثم زجرهما فقطعاها وهى عجوز كبيرة فأمر رسول الله برأسها فدير بها ليعلم قتلها ويصدق قول الرسول صلى الله عليه وسلم لقريش : أرأيتم إنْ قتلت أم قرفة ؟)) (المصدر: إمتاع الأسماع للمقريزى – ج1 ص210) وأكد الخبر شيخ المؤرخين الطبرى فكتب ((فأمر زيد بن حارثة أنْ يقتل أم قرفة فقتلها قتلا عنيفًا وربط برجليْها حبليْن ثم ربطهما إلى بعيريْن حتى شقاها . أما ابنتها فوهبها ل حَزَن بن أبى قحافة)) (تاريخ الطبرى – ج 2 ص 643) .
وامتلك أ. خليل شجاعة الكتابة بلغة العلم التى تنفرمنها الثقافة السائدة البائسة فكتب (( إنّ البعض يُطلق على الغزو أنه فتح أوالفتوح مثل فتح مصر، مع أنه غزواستعمارى استيطانى استنزافى لم ترالكنانة أبشع منه فى تاريخها الطويل ، فلم يحدث على تعدد غزاتها وتنوع جنسياتهم ، أنْ استعمرها واستنزف خيراتها واستوطن أرضها الطاهرة مثل أولئك العرب ، بل إنهم فرضوا عليها لغتهم بالقوة)) (ص 265) وفى الجزء الثانى كتب عن العاص بن وائل والد عمرو (( أليس من مهازل التاريخ أنّ هذا الديوث الذى عاش على دخل الإماء القحاب هو والد عمروالذى غزا مصر، وفعل هو وجنوده فيها الأفاعيل ؟ كم باحثا وكاتبًا ومؤلفا ، سواء من القدامى أوالمحدثين كتب فى سيرة هذا ال (عمرو) مؤلفا أوبحثا أو دراسة وذكرأنّ والده رباه من عرق فخذ أمه ؟ هل يمكن أنْ نُرجع أعمال ابن الديوث التى ارتكبها فى المحروسة إلى نتيجة لعقدة نفسية ترسّبتْ فى أعماقه منذ الصغر وهو يرى ويحس أنه نشأ وترعرع مما تكسبه الجارية التى دفعها أبوه لاحتراف الدعارة)) (ص 70) وعن العرب كتب فى الجزء الأول أنّ ((مجتمعهم بدائى وبيئتهم متخلفة ووسطهم أمى ، فالحضارة لديهم منعدمة والمدنية غائبة والثقافة مفتقدة)) (ص 143) وكتب (( أليس مستغربًا فى ذياك المجتمع المدهش أنْ تُنكح طفلة ؟ فقد أخبرتنا كتب السيرة أنّ محمدًا صلى الله عليه وسلم وهو فى الخامسة والخمسين أو قريبًا منها دخل على التيمية عائشة ولم تبلغ الثامنة)) (ص257) وعن التغيرالذى حدث لبعض الصحابة (( أصبح الزبيربن العوام (زوج أسماء بنت أبى بكر) بعد الغزو الذى تم فى عهود التميمى إبى بكر والعدوى عمر، والأموى عثمان يمتلك ثروة أسطورية نتاج عرق الفلاحين الذين أطلقوا عليهم لقب العلوج فى الدول التى وطئوها بسنابك أحصنتهم مثل مصر وفارس والشام وشمال أفريقا)) (ص205) وكذا أنس بن مالك تحوّل بعد الغزوالاستيطانى النهبوى لدول الجوارمن كبارالأثرياء (ص96)
انشغل العرب بالغزو، ولم ينشغلوا بالانتاج وبالتالى لم تكن لديهم حضارة، وأنهم كانوا يكتبون ((على أكتاف البعير، وما شابهها من أدوات ساذجة والزمن منتصف القرن السابع الميلادى ، فى حين أنّ قدماء المصريين ابتدعوا الكتابة وعلموها لسائرالأمم . والذى لامشاحة فيه أنهم على الأقل منذ ثلاثة آلاف عام سابقة على القرن السابع الميلادى ، توصلوا بعبقريتهم الخلاقة إلى صنع أوراق البردى وسجّلوا عليها تاريخهم وكافة أحوالهم . ومازالت هذه الأوراق ، رغم مضى هذا الزمن السحيق محتفظة بمادتها وقوامها وما سُطرعليها . أليس من مخاريق التاريخ أنّ أولئك العرب الرحل الذين شفّ استعمالهم لأكتاف البعير وضروبها كصحائف للكتابة عليها ، وماهم عليه من بداوة وبدائية وبُعد عن المدنية والعلم ، أنْ يحتلوا أرض الكنانة التى علمتْ الدنيا الحضارة والضمير، وأنْ يفرضوا لغتهم وتراثهم وعاداتهم ؟ ويتحوّل المصريون – قادة العالم – إلى أتباع لأولئك العرب العراة من كل ما يمت إلى الثقافة والعلوم بأوهى صلة ؟)) (ص 255، 256)
*****
فى نهاية الجزء الثانى طرح أ. خليل بعض الأسئلة (كنوع من التحدى) على من يرونَ أنّ الشريعة الإسلامية صالحة لكل زمان ومكان :
• الرق ( أى العبودية) وملك اليمين والإماء والعبيد ، هل يستمر تطبيقها ؟
• تقسيم الأسلاب والغنائم على المقاتلين ، ونصيب الراكب ضِعف نصيب الراجل ؟
• صلاة الخوف فى ميدان المعركة بعد اختراع الصواريخ والطائرات إلخ ؟
• معرفة ما فى الأرحام بعد اختراع السونار إلخ ؟
• صلاة الاستسقاء بعد اختراع المطرالصناعى ؟
• الظهار، بعد امكانية معرفة من هو أبوالمولود بعد تحليل عينة من دمه ونسيج جسمه ؟
• ماهى ضرورة عدة المطلقة والمتوفى عنها زوجها والأجهزة الحديثة تحسم الموضوع ؟
• هل من التلازم مرافقة ذى محرم للمرأة فى وسائل النقل الحديثة ؟
• جريمة الزنا ، هل من الحتم وجود أربعة شهود .. إلخ ؟
• الذى يسرق ربع دينار تُقطع يده والذى يُعطى شيكًا بدون رصيد أو يختلس لا يُُقطع له اصبع واحد ؟
• شهادة المرأة نصف شهادة الرجل ؟ وكذا نصيبها فى الميراث ؟
*****
بدأ الراحل الجليل أ. خليل عبدالكريم حياته عضوًا فى جماعة الإخوان المسلمين ، ولكن لأنه كان يمتلك عقلا حرًا وضميرًا حيًا ، سرعان ما حطم سجن الانغلاق وقضبان الأحادية ، لذلك انحازإلى التعددية التى لا تعرف الجمود ، وإلى لغة العلم التى لا تعترف بما أطلقتْ عليه الثقافة السائدة البائسة (ثوابت الأمة) وكان عنوان كتابه (النص المؤسس ومجتمعه) دالا على أنّ هذا (النص) تعبيرعن هذا (المجتمع) وهو ما فعله عميد الثقافة المصرية (طه حسين) فى كتابه (مرآة الإسلام) .
******



#طلعت_رضوان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- طه حسين : الأعمى الذى أنار طريق المبصرين
- الوجه الآخر للمبدع الكبير سليمان فياض
- الأصوليون وحدود الدولة وأمنها القومى
- الترانسفير بين مصر وفلسطين وإسرائيل
- المرجعية الدينية وآليات حكم الشعوب
- الأصولية اليهودية والعداء للسامية
- الترجمة عن العبرى وعقدة التطبيع الثقافى
- الهوية بين الولاء للوطن والولاء للدين
- الأديان لسعادة البشر أم لتعاستهم ؟
- جامعة الاسكندرية والأصولية الإسلامية
- المفكر الكويتى أحمد البغدادى : التنوير بلا تزوير
- فؤاد زكريا والعلاقة بين العلمانية ونقد الأصولية الدينية
- أهمية محاكمة البشير وأعضاء من حكومته كمجرمى حرب
- خليل عبد الكريم ومجابهة اصولية الإسلامية
- لماذا تغطية التماثيل بالشمع وليس تدميرها ؟
- الثورة ومخاطر غياب الحس القومى
- دعوة لقراءة كتاب (من هنا نبدأ) بعد 60 سنة من التراجع
- عبد المتعال الصعيدى : أزهرى خارج السياق
- الإسلاميون فى البرلمان : المقدمات والنتائج
- ضباط يوليو52وثوار يناير2011 بين الحقيقة والوهم


المزيد.....




- قادة الجيش الايراني يجددن العهد والبيعة لمبادىء مفجر الثورة ...
- ” نزليهم كلهم وارتاحي من زن العيال” تردد قنوات الأطفال قناة ...
- الشرطة الأسترالية تعتبر هجوم الكنيسة -عملا إرهابيا-  
- إيهود باراك: وزراء يدفعون نتنياهو لتصعيد الصراع بغية تعجيل ظ ...
- الشرطة الأسترالية: هجوم الكنيسة في سيدني إرهابي
- مصر.. عالم أزهري يعلق على حديث أمين الفتوى عن -وزن الروح-
- شاهد: هكذا بدت كاتدرائية نوتردام في باريس بعد خمس سنوات على ...
- موندويس: الجالية اليهودية الليبرالية بأميركا بدأت في التشقق ...
- إيهود أولمرت: إيران -هُزمت- ولا حاجة للرد عليها
- يهود أفريقيا وإعادة تشكيل المواقف نحو إسرائيل


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طلعت رضوان - النص المؤسس ومجتمعه