أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - يحيى بوافي - من اليبرالية إلى -الروبلة-















المزيد.....



من اليبرالية إلى -الروبلة-


يحيى بوافي

الحوار المتمدن-العدد: 3484 - 2011 / 9 / 12 - 03:11
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر
    


من الليبرالية إلى "الروبلة":
الحدث الزياني في الفضاء التازي أوأيقونة الانحطاط السياسي.

يحيى بوافي
" النصر الوحيد الذي يدوم و لا يترك وراءه ما يوجب الندم ،هو انتصار المرء على نفسه ."
سقراط
« je puis bien concevoir un politique moral, c est-à-dire un homme d État admettant comme principes de la prudence politique ceux qui peuvent se concilier avec la morale; mais je ne conçois pas un moraliste politique qui se forge une morale à la convenance de l homme d État. » KANT
« Ce qui important dans la révolution, ce n’est pas la révolution elle –même, c’est ce qui se passe dans la tête de ce qui ne la font pas ;c’est le rapport qui ‘ils ont eux-mêmes à cette révolution dont ils ne sont pas les agents actifs » M.FOUCAULT
كثيرة هي الأحداث و الوقائع في المغرب المعاصر ،التي تشي بتردي الواقع السياسي ،خاصة ما تعلق منه ببؤس زعامات الأحزاب السياسية الفاعلة فيه ،و المقال التالي يقف عند واحدة منها ،تفضح الانحطاط الأخلاقي لواحد من زعماء الأحزاب المغربية ،هو السيد محمد زيان ؛ المنسق الوطني للحزب الليبرالي المغربي ،سامحه الله على ما تفوه به من كلمات نابية و بذيئة ،في الشارع العمومي لمدينة تازة.

جالسا جلسته على المنصة ،على منوال تلك التي يجلسها أستاذ متسلط على مكتبه في مواجهة تلاميذه الخانعين ، في انتظار فيضه المعرفي و جوده الوعظي و كرمه الإرشادي ، طمعا من عند نفسه في الإظهار الكامل لجسد تسلطه ، ملوحا بحركات بطيئة ليده كأنها تلتقط نغمات صوته المتثاقل الفاضح لتثاقل لسانه تحت وقع الخمر ،و العهدة على شهادة المجربين و على رواية من عركتهم الدربة و الدراية بالآثار المسكرة للطلا و الراح و ما كان من الحرام متاح. و كما قال المتنبي :و إن تكن تغلب الغلباء عنصرها * فإن في الخمر معنى ليس في العنب.
و لأن السيد محمد زيان كان في مقام انكشاف ،بعدما انجلت روحه وصفت مرآة نفسه و صقلت تحت تأثير المشروب الروحي ،فقد جلا و صفا أفق الخطابة لديه و بلغ منه مبلغ الحلول ، فلم يجد لسانه المتثاقل من تعليل ، و دماغه الذي صهرته سعرات الخمر لم يلف أسلس تحليل لما يقع في الوطن العربي من حراك و ربيع زاحف باخضراره الديمقراطي على أصقاع قتلها خريف الاستبداد العليل ،إلا قدرة الجبار الجليل سبحانه و تعالى ؛ فهي ما دفع الشباب التونسي إلى التضحية لإجتثات مؤخرة بنعلي اللاصقة تكوينيا بالسلطة من على كرسيها ،مرغما إياه على الرحيل ،و القدرة ذاتها كانت كذلك علة لإشهار شباب الثورة المصرية لصدورهم مرحبين بالمنايا في سبيل إبعاد عائلة مبارك و حاشيته الفاسدة التي تفننت في امتصاص دمهم و دفن آمالهم ...، و القدرة عينها هي السر المحرك و الباعث لما يقوم به الليبيون و اليمنيون و السوريون و لا زالوا من بدل لأرواحهم في سبيل التغيير و وضع اللمسات الأولى في سبيل أفق ،بالرغم من أنه سينضح بالدم ، إلا أنه سيضمن غدا أفضل للأجيال القادمة ...
أما نحن و لأننا مغاربة ،بحسب منطوق ما قاله السيد زيان ،فقد كانت الإرادة الإلهية المطلقة معنا كـ"شعب مختار "،بحيث دشنا انتقالات فيها كل محلل يحتار ،و كل مراقب لما حابانا به الله من معجزات سرعان ما يستبد به الدوار ، و سيدنا زيان صادق في ذلك ،على الأقل لأن انتقالنا الديمقراطي هو أشبه بالثبات و السكون ، إنه الحركة الأزلية لشبح الديمقراطية في دائرة مفرغة كرمز للجمود و قد أذن فيها القدر أن تكون فريسة الأبدية ،و هو ما يمكن أن نستشفه إن نحن قارنا فقط بين المدة التي استغرقها ترقبنا في قاعة انتظار الانتقال الديمقراطي الموعود و بين الفترة التي استغرقها الانتقال الديمقراطي غير بعيد عنا في الجارة إسبانيا .و لأن الله اختصنا بهذه النعمة ،بحسب السيد زيان ، فقد اصطفانا العلي القدير الذي وسعت رحمته كل شيء ،كي نكون الشعب الذي يخلق "الانتقالات الجذرية "في مسار تاريخ البشرية ،دون أن نفقد و لو واحدا من أفراد شعبنا ،و لا أن نزهق روحا من أرواح الرعايا العزيزة ،و لا أن نسيل و لو قطرة دم واحدة ،فسبحان الإله الجبار ،الذي طهر من بيننا زمرة الأشرار ،باستثناء حفنة من "الحمقى"- على حد تعبير الزعيم زيان - و الذين لا يستحقون من قائدنا المفدى زيان؛ الخطيب المفوه صاحب البيان ،الذي أوتي منه أكثر من اللازم حتى صار البيان لديه مرادفا لإشعال النزاعات و نشوب الشنآن . فهذا الرهط من الأشرار لن يجود عليه صاحبنا من وقته الثمين و لو بأقل مقدار.
و حين نطق الزعيم المبجل بهذه الكلمة ثارت ثائرة واحد من الحضور ،و استبدت به الغيرة عن الجماعة التي إليها يدين بالانتماء و لمبادئها بالوفاء ،فطلب مناظرة الزعيم ،و لأنه من باب المحال أن يناظر شموخ الجبل انحدار السفح ،كما يعتقد كل زعماء أحزابنا الأبرار ، متيقنين بأن ما ينطقون به هو الوصايا عينها التي تهدي من استبدت به الغواية و الضلال ، و أن كل معارضة لها فيها تقريب للخير من رمس المحال ،و بعد هذا كيف لمن يصنف نفسه من جماعة الناجية و زعيما للأبرار ،أن يناظر واحدا ممن ينعتهم بالأشرار ؟؟ لذلك كان أن تجاهل الزعيم صرخة الناطق بالعبارة غير حافل به و لا مهتم بالمراد منها ، و لأن المعني في وسط حضور ،فقد حز في نفسه أن يتم تجاهله ،و إقصاء رأيه ، فما كان منه ،تأمينا للمزيد من اهتمام المخاطب بما يقول ، إلا أن تفوه بعبارة تختزل السواد في تاريخ الزعيم و تكثفه ، صائحا :"أنت من هجر السرفاتي " .
و ما أن تم النطق بهذه العبارة حتى دلف الحزب الليبرالي إلى نقطة بدء في تاريخ جديد؛هو تاريخ انحسار المسافة و البون بين شعاره و واقعه ،بين رمزه و لسان حاله ،إذ من المعلوم أن المخيال الشعبي الثر في إطلاق الألقاب و التسميات ،و الصادق بالمناسبة في أغلب اللحظات ،لم يرض بأن يحمل الحزب الذي أسسه السيد زيان اسم الحزب الليبرالي ،و لم يرض له من بين الأسماء ،إلا اسما سارت بذكره الركبان ،حتى كاد يغطي على الاسم المرخص له قانونا،و ذاك هو لقب:"حزب السبع ديال الوقيد "أي "حزب سبع علبة الثقاب"،- تماما مثلما تم قلب اسم الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية إلى اتحاد الشركات ،بعد تجربة التناوب تعبيرا عن الخيبة - و هذه العلبة بالمناسبة ،اشتهرت في لحظة كان فيها عود الثقاب سيد مواقف الإشعال ،لدى ربات البيوت ،كما لدى المدخنين الذين قضى منهم من قضى ، ومنهم من لا زال ينتظر سوء المآل . و المؤشر الأكبر على بدء تاريخ انطباق الشعار على الواقع المفصح عن الانهيار، هو أن نطق العبارة أظهر في خاتمة المطاف أن السبع لا يخفي إلا قبضة من عيدان الثقاب التي سرعان ما اشتعلت دفعة واحدة في نفس الزعيم المكلومة المهزومة ،بعد أن تم حكها بالعبارة الخشنة ،فتطايرت الشرارة سبابا و قذفا ، أزبدت له شفاه الزعيم و رغت ،و كي تأتي النار على آخر عود ثقاب في نفسه ،قام بتقريب الميكرفون أكثر من فمه ،حتى يقوى على التقاط وضاعة كلامه بكامل تقيحها صارخا:"قود أنت و هو"، و لأن نطق العبارة مرة واحدة لم تكف لحمل اشتعال ثقاب الغل في نفس الزعيم المفدى كررها أربعا ،و كأني به يؤدي شعيرة أو طقسا في محراب السباب و الشتيمة ،مردفا إياها بعبارة "الله يلعن والدك أنت و هو "ثلاث مرات ،ثم "قود آ الزبل "ثم " أنا أخـ.... على الناس و على الناس مثلك و عليه "، ثم " أنت والسرفاتي و النهج الديمقراطي لا تساوون دقيقة من حياتي ".
تلاحقت العبارات من دون توقف و فعل زيان في معجم السباب ،ما يفعله الزمار بالمزمار ،سب و قذف من دون أن يأخذ نفسه ،ربما كي يلفظ حمم بركان نفسه الوضيعة و هي بكامل حرارتها النشوئية و العياذ بالله .
و من المفارقات أن تكون نفس علبة عود الثقاب التي لها شكل متوازي المستطيلات ،حاملة على الوجه المقابل للوجه الذي رسمت عليه صورة السبع ؛شعار حزب زيان ،عبارة مفادها :"باستهلاكك للمنتوجات الوطنية تسهم في تنمية اقتصاد بلادك " ، فهل باستهلاكنا لما أنتجه و تحرك به لسان زيان في ذاك اليوم البئيس سنساهم في تنمية السوق السياسية ، و سنرفع من وثيرة التبادلات الحزبية و المناظرات الإيديولوجية في هذا البلد الذي ابتلاه الله بأشباه الزعماء . و من عميق المفارقات أيضا ،بل من مكر الصدف أن عرى الزمن الدلالة الحقيقية للسبع شعار الحزب المأسوف على وجوده في هذا البلد ،فالقيم التي يريد الترويج لها لا علاقة لها بالليبرالية ،حتى المتوحشة منها ،إنها تحيل رأسا على الغاب ، و على حالة حرب الكل ضد الكل التي أسهب طوماس هوبس في بيانها.
كان ذاك بإيجاز مجمل الواقعة ،و التي إن هي لم تستغرق إلا دقائق في حدوثها ،فإنها تحوي و تكتنز في حقيقة الأمر الأضعاف المضاعفة من الدلالات ،التي ترشح بها حياتنا السياسية و الأخلاقية ،و بالإجمال نسقنا القيمي الذي غدا من دون ملامح ، بعد أن اعترته الأمراض و الأدواء .فإن أراد أحد ما تشخيص ما يعتمل في أي مجتمع كان من أسقام ،ما عليه إلا أن يولي نظره شطر الرأس و القمة منه ،أي ما ننعته عندنا تجاوزا و تجوزا بـ"النخبة " ،التي يبقى الأجدر و الأصلح لها و لمجتمعها احتلال المؤخرة لا التصدي مكابرة للمقدمة ،لأن ما لا حصر له من المؤشرات ، كلها تأكيد ليقين واحد ووحيد هو أن قيادتها لنا لن تكون إلا في اتجاه الهاوية .
و ما تختزله هذه الواقعة و تؤشر عليه ،و التي ما هي سوى غيض من فيض الوقائع المضحكة المبكية ،و التي ربما كانت نظيرتها في ما مضى من زمننا المغربي تتجاوزها في الحدة .و الفارق فقط ينحصر في الوسائل التي جعلتنا على بينة منها ؛أي الوسائط الجديدة للاتصال تلك التي تحملها أيادي سئمت الغلو المسرحي ،لتظل متأهبة في كل حين لالتقاط غسيلنا و نشره على أوسع نطاق ،فلولاها لما كانت لنا فرصة معرفة الحقيقة الزيانية واضحة فاضحة في درك السقوط الذي بلغته ،و لاستمر الزعيم في أداء مسرحية البطولة الزائفة ،مثله في ذلك مثل الناصري في خرجته أمام البرلمان لتخليص ابنه ، و مثل ابنة الزعيم الراحل المحجوب بن الصديق التي كانت تريد دهس عمالها المحتجين كما تدهس الحشرات أو أنكى ،لمجرد أنهم و أشباههم رمموا لوالدها عرش زعامة من عرقهم و أمنوه له ،بحيث لم يخلصه منه إلا ملاك الموت ...، فبهذه الوسائل أصبحت الجماهير قادرة على ممارسة الرقابة و على تفعيل ثقافة الكشف و الشفافية ،التي لا يرفعها زعماؤنا السياسيون إلا كشعار لتنويمنا و تخديرنا عند كل موسم انتخابي ،ليتفرغوا بعدها لرسم مخططاتهم لدفن ذات الشعارات و ممارسة ما يتناقض معها نكاية فينا ، إلى أن يحين موسم انتخابي آخر لتنطلق دقات العصا على نفس الركح و هكذا دواليك ،و لما لا يمعنون في ذلك و قد أنعم عليهم الله بحبل ذاكرتنا القصير ،و غلبة الحلم علينا في غد شفاف نهار تسييره و سياسته و نزهاء ساسته ، لما لا يمعنون في ذلك و قد سلونا تحت وقع سكرة الحلم الألق عن كون الخفافيش لا يحلوا لها التحليق و الصيد إلا تحت جنح الظلام الدامس. شأنها شأن السلاحف التي لا تؤثر الاصطياد و الاقتيات إلا في الماء العكر .
و إن كان الخطاب الذي ألقاه السيد زيان و الذي في غمرته حصلت الواقعة المضحكة المبكية ،قد اتخذ كفرشاة قاعدية له اعتماد القدر و الإرادة الماورائية في تفسير و تعليل ما يشهده الوطن العربي من ربيع ديمقراطي ، فما الذي يميز إذن خطابه و يمنحه قيمة مضافة كزعيم سياسي ،أليس ذات التعليل يمكن أن يصدر على أي كان ،من بائع النعناع إلى سائق الطاكسي وصولا إلى آخر حلاق ثرثار ؟ فلا شيء يميز خطابه عن هؤلاء اللهم ما كان من خصلات ايجابية تحسب في ميزان حسناتهم ،إن هم قورنوا بالسيد زيان ،أولها أن لا أحد منهم يمكن أن يسارع إلى سب و شتم شخص غريب لمجرد اختلافه معهم ،و ثانيها أنهم لن يكونوا إلا أوفياء للقيم الأصلية للمغاربة و متمسكين بها ،و هي القيم التي يمكن أن تدركها في أعين أي إنسان عاد و أنت تتحدث إليه ،إذ يفصح سنا عينيه عن الرغبة في استيعاب ما يقول الآخر عبر إرهاف السمع له ،و هو ما لم يفعله السيد زيان . و إن كان الزعيم الليبرالي المفدى في مغرب النكات السياسية ، يعتمد هذا المنطق ،فماذا ترك لمن يدعي الاختلاف عنهم ؛ماذا ترك للإسلامويين ، ألا يكون زيان بذلك قاب قوسين أو أدنى من منطق الشيخ عبد السلام ياسين الحالم – مع مراعاة الفارق على الأقل لحفظ الشيخ للسانه عن إلحاق الأذى بالآخرين و مس أعراضهم – فغدا أو بعد غد قد يطلع علينا زيان من جرابه الموصوف بالليبرالي تجاوزا ، بفتاوى يمليها عليه شيخ من شيوخ الليبرالية لم يسمع به أحد من الأنام ،و لا يغرف من وصاياه إلا زيان عند المنام ، أو في جلسة خمرية تصفو فيها نفس زعيمنا السياسي الهمام . و بعد هذا و ذاك ما موقع تعليل كهذا من منطق الليبرالية التي تشكل حرية الإنسان و إرادته الفاعلة حجره الأساس ،حتى أن اسم الليبرالية مشتق إيتيمولوجيا من لفظة الحرية ،فهل باستدعاء القدرية و الجبرية يريد السيد زيان الترويج لليبراليته الممسوخة الشوهاء .
إن كل من له إطلاع و لو بسيط على الأبجديات الليبرالية ، ستتملكه الصدمة ؛من الفارق بينها و بين ما يقدم عليه الزعيم الوهمي لليبرالية المجني عليها في المغرب المعاصر من سلوكات و ما يقرع به الأسماع من خطب. و للتدليل على ذلك ، تكفي المقارنة بين ما جسدته الواقعة السيئة الذكر – موضوع حديثنا – و بين التسامح الذي بشر به أب الليبرالية جون لوك ،الذي ظلت رسالته في التسامح تتحدى انصرام السنون و تلاحق القرون ،أليس هو القائل:" الأخلاق الفاضلة التي لا تشكل جزءا من الدين و لا من التقوى الحقيقية ،ترجع للحياة المدنية" فأي منزلة للسيد زيان ،و قد أقدم على ما أقدم عليه ،من هذه الحياة المدنية و من أخلاقها التي من المفترض أن يكون حزبه من المساهمين في التأسيس لها ، و أن يكون قوله و فعله كزعيم حزبي مرآة لها مثلما يقتضي المنطق السليم ؟؟ و أين يمكن موقعة سلوك زيان تجاه من خالفه الرأي ،إن هو قيس بقول رائد آخر من رواد الليبرالية ، التي يدعي زيان زورا تمثيلها في المغرب المعاصر،ذاك هو جون ستيوارت ميل الذي اشتهر بتنصيصه على الحرية الفردية ،إذ يقول :"لو كانت الإنسانية مجمعة على رأي عدا فرد واحد فلا يحق لها أن تسكت الفرد المخالف لرأيها ،كما لا يحق لذاك الفرد ،لو استطاع ،أن يسكت الإنسانية المعارضة لرأيه" ،لذلك فإن التنوع و الاختلاف كمنطلق ينتج عنه عندنا كما يقول العروي :"نوع من الصمم .هناك خطاب و هناك تواصل ،لكن في مدار ضيق . نسمع من المحاور ما نود أو نستطيع أن نسمع .و قد نختزل ما نسمع إلى ما هو تافه و نافل .مكونات السياسة عندنا هي في نفس الوقت موانع سياسية " ،و من يسهم في تعميق هذا المصير و تجذيره و تكليس الموانع و العوائق هم زعماء من طينة زيان . هذه الطينة التي إن كان من شيء تؤشر عليه ،فهو بكل تأكيد أزمة الزعامة ،وندرة المثال ، بل قل انعدام الأسوة في مشهدنا الحزبي و فضائنا السياسي ،كتعبير عن ذات الندرة في الفضاء الاجتماعي ،و هو ما يمكن أن يفسر ظهور وجوه جديدة في الفضاء الخائلي و الافتراضي ،و استسهالها الكلام في كل شيء حد الإسهال ،حتى عندما يرتبط الأمر بقضايا غاية في الحساسية ،و لمقارن أن يقارن بين الخطبة المستهجنة لزيان و بين ما قاله "مول الشاقور" أو "مول الدلاحة "،ليكشف ألا فرق على مستوى المعنى و المضمون ،اللهم ما كان من جهة الزعامة المنسوبة زورا لزيان ،و من جهة صدق الأولين – ظاهريا على الأقل – و عدم انحدارهما إلى استعمال ألطخ ما في معجم السباب و الذي كان بالمقابل أوثق ترسانة للسيد زيان .
و إن كانت الواقعة المضحكة المبكية ، تغري بمناقشة علاقة الأخلاق بالسياسة ،و التي ظلت على الدوام من الإشكالات المستعصية التي حارت فيها أعظم العقول ،اعتبارا لكون السياسة كفن للممكن ،تقول :"كونوا فطنين مثل الأفاعي"،لكن الأخلاق تضيف شرطا مقيدا :"و بغير مخادعة مثل الحمائم"،إن نحن شئنا استعارة العبارات الخالدة لـ"إيمانويل كانط" الذي أرقه هذا الإشكال ، و لم يجد من إمكانية للتوفيق بين حديه إلا تلك التي تدل عليها قولته التي اتخذناها عتبة من بين عتبات مقالنا و التي يقول فيها كانط :"في وسعي أن أتصور سياسيا أخلاقيا ، أي رجل دولة يقر كمبادئ الفطنة السياسية بمبادئ يمكن أن تتفق مع الأخلاق ،لكنني لا أتصور أخلاقيا سياسيا ،أي أخلاقيا يصنع أخلاقا مناسبة لرجل الدولة ." إن كان ذلك كذلك ،فإن ما قام به زيان يبقى دون مرقاة هذا الإشكال و سموه، كما أنه يظل بضحالته في مستوى يجعل المرء ،يجل من مناقشته ضمن أفق الفكر الأخلاقي الطهراني لكانط . وحتى من باب البراغماتية السياسية الفجة ،كان الأجدر بزيان أن يحرس على احترام مشاعر الناس ،الذين لم يأتوا بغرض الإنصات إليه ،بل جمعهم معه على مضض نفس الفضاء العمومي ، و خدش كلامه مشاعرهم قبل أن يخدش أسماعهم ، كما كان عليه ،و لو في الحد الأدنى، أن يضع ، على عادة كل الممثلين ، ولو القليل من المساحيق الأخلاقية لأداء مشهده الخطابي ،و ليتخلص منه بعد ذلك ،فذاك أنفع له و لغيره ، على الأقل ليتناسب مظهره وأداؤه مع الدور الذي أوكله لنفسه،أما حقيقته فلا أحد يجهلها .و كان حريا به أن يحكم عقله ،بدل أن يغيبه بعب الأقداح ،فـ" لما يفسد العقل يتحول الإنسان إلى حيوان و المجتمع إلى خليط من العجماوات تفترس بعضها البعض ،إلى قردة تحاكم ذئاب و ثعالب "كما قال فولتير ، لكننا قد نلتمس العذر للسيد زيان في أن ما قام به عن سابق إصرار ، لم يكن إلا بغرض التوافق مع الدلالة الحيوانية لشعار حزبه.
و ما يصدم أكثر هو أن ينصب شخص كهذا نفسه محاميا في قضايا أدين فيها صحفيون بتهمة السب و القذف و التشهير ، بينما هو يمارس ،دون أن يرف له جفن، السباب في حق الموتى كأخس ما يمكن يقوم به أوضع جبان .
كل هذا يفضي بنا إلى القول بأن إرادة التغيير ،مثلما يفصح عنها الدستور الجديد، و التطلع إلى القطع مع العزوف السياسي للشباب المغربي ، لن يتأتى إلا بالتخلص من زمرة الزعماء الحاليين ؛لأن قول "نعم "للفجر السياسي الجديد ، تحمل في جوفها ضرورة قول "لا"و "كفى "للنجوم الزائفة للجيل أو بالأحرى الليل القديم ، و بأنه قد دنا أجل أفولها ، ما دام تفعيل أي تغيير ،لا يكون بشعاراته و كلماته و حبره ،بقد رما يكون بإرادة فاعلين يعتنقونه و يؤمنون به و على مزاياه يشهد سلوكهم ،فكم من قواعد لعبة ظلت خرساء ،و كم من تعاليم لبثت بكماء إما لجهل اللاعبين ،أو لتقاعسهم عن تمثلها و الإبداع في ظل الممكن الذي تتيحه. لذلك نقول لأشباه الزعماء بدل علك كلمات وشعارات الدعوة إلى التغيير ،ابدؤوا بأنفسكم ،و كونوا التغيير الذي تنادون به ،كما قال الزعيم الهندي الراحل المهاتما غاندي .
بيد أن ما يخفف من وقع هذه الواقعة المؤسفة ،هو أن الساحة التي انتقيت لتحتضن مهرجانات الزعماء السياسيين في ظل دعايتهم لأجل التصويت بـ"نعم "على الدستور الجديد بمدينة تازة،تحمل اسم "ساحة كوليزي "- على الأقل على مستوى التداول الشعبي – و معلوم لدى الساكنة التازية أن هذا الاسم كان في الأصل اسما لقاعة سينمائية ،كان مبناها في مقابل الساحة المذكورة [لآ أعلم إن كان هذا من مكر الصدف و إنصافها أم هو من ذكاء التازيين ]، و هي القاعة التي غالبا ما كان يلجها المراهقون للالتذاذ بالدغدغات التي تحدثها في وجدانهم اليانع جرعات الوهم العاطفي التي كانت ترويهم بها الأشرطة السينمائية الهندية ، و حينما تكون هذه الجرعات زائدة و فوق اللزوم ،فإن كراسي السينما غالبا ما كانت تتحول إلى متكئ لممارسة الاستمناء بشكل شبه جماعي ، لتبقى الدلالة في النهاية هي ذاتها ،بعد أن حلت عمارة سكنية محل قاعة السنيما ،و تجردت الساحة لحمل اسمها، ليحل بها زعماء حزبيون يتفننون في إنتاج الأوهام ،و يتنافسون في تشخيص المشاهد السينمائية ،و يتبارزون في الاستمناء الخطابي .
و تتويج هذا الاستمناء، و بلوغه درجة الخيبة في القذف كان بما قام به زيان ، إذ تحولت الليبرالية على يديه إلى "روبلة "، و ليس المقصود بها ها هنا مؤنت العملة الروسية "الروبل "،بل المقصود دلالتها باللهجة الشرقية ،و الجزائرية تحديد ا ، أي اللعب المفرط و المزاح و انعدام الجدية ،و ما يرافق كل ذلك من رقص و عربدة ،و فعلا ذاك هو المقصود ،مادام صاحبنا ،قد توسل بتسخين رأسه،قبل يؤم مهرجانه الخطابي ،و قد تكون دلالتها كذلك مطابقة لما يفيده في اللغة العربية حتى فعل "ربل "،خاصة مع زيادة التضعيف و التاء: "تربل " والذي يعني ،مما يعنيه: كثر لحمه ،و ذاك الحاصل للزعيم زيان اللهم لا حسد ، لكن لحمه كثر و أخلاقه للأسف قلت ، و لذلك فهو قد ضمر أخلاقيا ،بعد ربالة لحمية .و ما يفيده فعل "رابل "لغة "أغار على الناس و فعل فعل الأسد " ، و ها هو المعجم أخيرا قد أنصفنا و أنصف الزعيم الليبرالي زورا، فما قام به في تازة هو أنه أغار على الناس سبابا و قذفا ،و هو في ذلك لم يخرج عن المساحة الدلالية التي يحيل عليها رمز حزبه ،بل تمسك بها عاضا عليها بالنواجذ . و لتأكيد أن السيد زيان في ذلك اليوم البئيس بحضوره ،كان سفيرا لـ"الروبلة" و قائما بإعمالها ،لا زعيما لحزب يدعي تمثيل الليبرالية البريئة منه ،نشير إلى أن الربيل تعني لغة :"اللص يغزو القوم وحده" و السيد زيان معروف بشرائه لمن يجود عليه من وقته للجلوس أمامه في المهرجانات ، و يصبر على سماع هديانته .و لذلك فهو لا يغير على المدن إلا وحيدا في المساء، لكن سلطان الحاجة يجعل يخطب في الصباح أمام العشرات . و الريبال و جمعه "ربابيل " هو :الأسد ، و قد يعني الذئب كذلك . و نحن هنا نلتزم بالدلالة اللغوية مثلما هي في المعاجم و القواميس ، و لسنا نضيف و نختلق من عدنياتنا ، مثلما فعل هو في شرحه لكلمة الرهط ،قائلا بأنها تعني الشياطين التي توجد في الدرك الأسفل من جهنم ،ولا أعلم ما الذي جاد عليه بهذه الدلالة ،هل هي السعرات الخمرية المستعرة في دماغه ؟أم تراها دلالة مستقاة من كتب الإسرائليات التي قد يكون هذا المتنور زورا من المدمنين عليها ؟ فالدلالة التي نجدها في عمدة المعاجم العربية ؛أي لسان العرب لابن منظور هي كالتالي :"رهط الرجل قومه و قبيلته ،يقال :هم رهطه دنية،و الرهط عدد يجمع من ثلاثة إلى عشرة ،و بعض يقول من سبعة إلى عشرة ، و ما دون السبعة إلى الثلاثة نفر ، قيل الرهط ما دون العشرة من الرجال لا يكون فيهم امرأة " وبهذا تكون الدلالة غير مجاوزة لمعنى العدد و الكم ، وهي نفس الدلالة التي نجدها في القرآن الكريم في قوله تعالى في سورة النمل: " ( وكان في المدينة تسعة رهط يفسدون في الأرض ولا يصلحون (48) قالوا تقاسموا بالله لنبيتنه وأهله ثم لنقولن لوليه ما شهدنا مهلك أهله وإنا لصادقون( 49 ) ومكروا مكرا ومكرنا مكرا وهم لا يشعرون ( 50 ) فانظر كيف كان عاقبة مكرهم أنا دمرناهم وقومهم أجمعين ( 51 ) فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا إن في ذلك لآية لقوم يعلمون ( 52 ) وأنجينا الذين آمنوا وكانوا يتقون ( 53 ) " صدق الهو العظيم
مخبرا سبحانه و تعالى عن طغاة ثمود ورءوسهم الذين كانوا دعاة قومهم إلى الضلالة والكفر وتكذيب صالح ، وآل بهم الحال إلى أنهم عقروا الناقة . فإن كان من رهط بهذا المعنى فلن يكون إلا الرهط المضل المكون من زيان و أشباهه.
و هناك معنى آخر أورده ابن منظور قائلا :"الرهط جلد يقد سيورا ...تلبسه الجارية الصغيرة قبل أن تدرك ، و تلبسه أيضا و هي حائض " ،و الرهط بهذا المعنى ،كان الأجدر بالسيد زيان أن يلبسه ،لأنه فعلا لم يدرك بعد لا أخلاقيا و لا سياسيا ،كما أنه في ذاك اليوم كان حائضا خطابيا ،فرائحة كلماته و نتانتها أزكمت الأنوف ،و لطخت الأسماع ، و لو فعل ذلك ،لجنبنا إضاعة الوقت في تحبير هذه الكلمات ،على الأقل ،لأننا سنكون على بينة مبدئية بحاله ،ما دام لابسا لما يدل على أنه قد رفع عنه القلم ،و أنه لم يبلغ مبلغ التكليف بعد ، و بالتالي لن نأخذ كلامه على محمل الجد.
هاهي ذي الدلالة الحقيقة قد اكتملت ، و العملة الزائفة التي يراد ترويجها على أنها الليبرالية الحقة قد افتضحت.
و لا يسعنا في الأخير ،نحن الذين نقيم في سجن قضبانه رممت من خطب شوهاء لأشباه الزعماء ،و من نفاقهم الذي لا يكف عن التعاظم صبح مساء، و ترديهم الذي بلغ الدرك الأسفل و أصاب ذاتنا الجماعية بأفتك الأدواء ، إلا أن نردد ما قاله رهين المحبسين صادقا:
يسوسون الأمور بغير عقل*** فينفذ أمرهم ويقال ساسة
فأف من الحياة و أف منى*** ومن زمن رآسته خساسة.



#يحيى_بوافي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نداء شبق
- بروفيل :شاعر ليس كغيره من الشعراء
- رحيل الجابري
- المواطن المغربي و حلم الإشراك الجهض
- تدريس الفلسفة بالثانوي بين لوك فيري و أ.ك.سبونفيل
- فنون الإعراض عن التنمية
- للضرورة أحكام
- بياض ضد فيروس السلطة


المزيد.....




- شاهد.. رجل يشعل النار في نفسه خارج قاعة محاكمة ترامب في نيوي ...
- العراق يُعلق على الهجوم الإسرائيلي على أصفهان في إيران: لا ي ...
- مظاهرة شبابية من أجل المناخ في روما تدعو لوقف إطلاق النار في ...
- استهداف أصفهان - ما دلالة المكان وما الرسائل الموجهة لإيران؟ ...
- سياسي فرنسي: سرقة الأصول الروسية ستكلف الاتحاد الأوروبي غالي ...
- بعد تعليقاته على الهجوم على إيران.. انتقادات واسعة لبن غفير ...
- ليبرمان: نتنياهو مهتم بدولة فلسطينية وبرنامج نووي سعودي للته ...
- لماذا تجنبت إسرائيل تبني الهجوم على مواقع عسكرية إيرانية؟
- خبير بريطاني: الجيش الروسي يقترب من تطويق لواء نخبة أوكراني ...
- لافروف: تسليح النازيين بكييف يهدد أمننا


المزيد.....

- النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف ... / زهير الخويلدي
- قضايا جيوستراتيجية / مرزوق الحلالي
- ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال ... / حسين عجيب
- الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر ) / حسين عجيب
- التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي ... / محمود الصباغ
- هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل / حسين عجيب
- الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر / أيمن زهري
- المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع / عادل عبدالله
- الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية / زهير الخويلدي
- ما المقصود بفلسفة الذهن؟ / زهير الخويلدي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - يحيى بوافي - من اليبرالية إلى -الروبلة-