أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - هديل عبد الرزاق أحمد - كل الأشياء - قصة قصيرة














المزيد.....

كل الأشياء - قصة قصيرة


هديل عبد الرزاق أحمد

الحوار المتمدن-العدد: 3483 - 2011 / 9 / 11 - 21:05
المحور: الادب والفن
    


كل الأشياء
هديل عبد الرزاق أحمد
تتعالى صيحاتٌ بعيدة تتقاطع مع بعضها لصبية يتقافزون بخفة، ويركلون كرة، أو يركل بعضهم بعضاً. وتهبّ الذكريات المتزاحمة، فتتداخل مع الهواء المثقل ببعض حبات الغبار، فتبدو سماء العصر من أيار مائلة إلى لون رمادي فاتح محيلة الأشجار المتراقصة إلى لون غامق. وهي لازالت تجلس وحيدة في غرفتها تردد مع الأغنية: "شيصير لو تطلع شمس فرحة وعرس، شيصير لو رديت يا طيف الأمس" ... فتحضر أمامها مشاهد كثيرة، وجوه ضاحكة وأخرى حزينة وغيرها تبدو حائرة. أما الأشجار المتراقصة خلف نافذة غرفتها فتبدو كأنها تشترك معها بخبث في شيء ما يبدو خفياً لا تدري ما هو، ربما هو الحزن أو لعله الحنين إلى الماضي، فالمنزل المقابل لنافذة غرفتها لا يزال كما هو ولم يتغير منه شيء سوى أن الغائب الذي كان فيه يوماً لم يعد.
تشتد الريح وتتعالى صيحات الأطفال وتتداخل مع "غريبة الروح لا طيفك يمر بيها ولا ديرة التلفيها..." تحاول أن تنشغل عنها بطائر راح يحلق في السماء وبالناس التي تروح وتجيء، ولا يزال هناك من يناغي أحزانها بغنائه:
"تحن مثل العطش للماي تحن ويلفها المكابر ويطويها"
فتتذكر أنه قال لها هذه العبارة يوماً، فترددها مع نفسها "تحن مثل العطش للماي ...." يصبح الطائر في السماء طائرين، ويبدو أن العدد في ازدياد، فالسماء ملاذ العاشقين ومأواهم، وأحد أسباب نهاياتهم وسقوطهم الأخير، والطيور لا تستغني عن الحب أبداً. الحب..... تذكر أنه قال لها يوماً عنه "إنه الما قبل والما بعد معاً... إنه كل الأشياء... لكنه ليس شيئاً" فتتساءل مع نفسها، هل كان مفهوم الحب لديه مجرد نظريات فلسفية يرددها عن بعد مع وقف التنفيذ؟
تذكر أنه قال لها في إحدى المرات "إذا اختفى الحب يوماً فما الداعي للوجود... وما الذي تنتظره الحبيبة من النوافذ" فتتساءل مع نفسها هل ذهب كل شيء ولم يبق لها غير نافذة غرفتها، تنظر من خلالها فتستعيد ذكريات حب لم يعد صالحاً للاستعمال، ذلك الحب الذي جعلها تنظر إلى الأشياء من خلال الثقوب والنوافذ المطلة على أسطورة الماضي بكل ما فيه من جنون.. وذل.. وطيش... وكبرياء...... ومعاصٍ لا حصر لها ارتكبت في حضرة الإله ورغماً عن وصاياه المقدّسة...
تستذكر اللقاء الأخير بينهما حين طلب منها أن تنسى كل شيء.. كل لحظات الحب التي كانت بينهما، أن تنسى ارتعاشة أول قبلة، وارتجافة أصابعه وهو يمررها فوق شفتيها.. ارتباكهما.. تلعثمهما... ولكن القبل رغم كل ذلك كانت تولد بينهما سليمة... معافاة.. تغري بخطايا كثيرة.. واشتهاءات لا نهاية لها... لم تشعر يوماً بأنها ترتكب خطيئة أو أنها تخالف قانوناً إلهياً مشرّعاً، كانت تدع نفسها تستمتع بكل ما تقترفه من حب....
أما اليوم فهي تنظر كما طلب منها من ثقوب الأشياء... لكنها لم تولد من جديد كما طلب منها آخر مرة وهو يتحذلق أمامها بفلسفته، مؤكداً لها أنه إله ومن حقه سن القوانين على رعيته، وليس للرعية حق في شيء سوى الطاعة العمياء.. وإبداء الإعجاب الأبله بفصاحته وحسن بيانه، حين قال لها:
- يجب أن تلقي ما كان بيننا في خزانة الماضي.. أو في سلة النسيان.. ينبغي أن تولدي من جديد كأي فجر... فالفجر يولد فجرٌ من جديد كل يوم.. إنه لا يعيد نفسه.. يرفض التكرار.. وهذا هو شأن الطبيعة، تولد كل يوم من جديد.. ولا تعيد تكرار نفسها وهكذا يجب أن نكون.. كأي شمس تولد كل صباح وتنضج حتى تصل إلى الانطفاء الأخير.. لكي تولد ثانية..... أتعلمين؟ إن زوربا وحده من كان يعلم السر الحقيقي للوجود، وحده من كان يرى الأشياء كما هي، في كامل هيأتها وحقيقتها، ذلك الأسطورة.. الإله العاشق للطبيعة، كان يعلم أنها ليست تكراراً لما سبق.. لذا كان يقف ذاهلاً أمام جمال الطبيعة، حين يشاهد زهرة أو فجراً أو نهرا،ً فهو حقاً يراها للمرة الأولى، فهي ليست ثابتة كما تتصورين، بل إنها تولد كل يوم....... وما ترينه حولك الآن هو وليد الآن لا الأمس.. ولا ما قبله ولا ما بعده... وإياكِ أن تظني أنك سترينه ثانيةً.. اعتادي دوماً أن تتكيفي مع الطبيعة لأنك جزء منها.. جددي ذاتك كل لحظة لأن ما حولك يجدد ذاته باستمرار.. واعلمي أن ركودك وتوقفك عند نقطة ما لن يصيب أي شيء من حولك بالجمود، لأن كل ما حولك قائم على التحول.. فاحذري أن تكوني الثابت فيه.
تشتد الريح، ويزداد الغبار الذي يبدو أنه الآن فقط نزل بهذه الأعداد الهائلة ... يزداد الغبار وتشتد الريح.. تشتد وتشتد.. وذرات التراب تتزايد لتحجب عنها رؤية المنزل المقابل، وحسين نعمه كأنه يوجه الكلام لها:
يالمامش إلك جية ...



#هديل_عبد_الرزاق_أحمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - هديل عبد الرزاق أحمد - كل الأشياء - قصة قصيرة