أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - مدحت صفوت محفوظ - على مرمى حجر.. أحداث أيلول والطريق إلى المثاقفة















المزيد.....


على مرمى حجر.. أحداث أيلول والطريق إلى المثاقفة


مدحت صفوت محفوظ

الحوار المتمدن-العدد: 3483 - 2011 / 9 / 11 - 21:04
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


احتل موضوع العلاقة بالغرب، ولا يزال، مساحة كبيرة في الأوساط الثقافية والفكرية، لما للموضوع من أهميه كبرى، خاصة في ظل تصاعد المواجهة مع الولايات المتحدة باعتبارها تمثل الثقافة الغربية. وبدأ تصاعد هذه المواجهات عقب أحداث الحادي عشر من أيلول, فبدأت أولى حلقات المواجهة باحتلال أفغانستان, ثم تلي ذلك احتلال العراق.
وتنبع أهمية الموضوع من وجهة نظرنا من المبررات التالية: تبنى الإدارة الأمريكية لنظرية صدام الحضارات لصموئيل هنتجتون، حيث تبنت إدارة بوش الجمهورية هذه النظرية، وبدأت تضعها على أرض الواقع من خلال رؤيتها للعلاقة بين الإسلام والغرب في إطار الصدام.
- تصاعد التيارات الأصولية المتشددة على المستوى الثلاثي (اليهودية, المسيحية, الإسلام) وتبني هذه التيارات الصدام، والرفض التام المتبادل على كافة المستويات، أبرزهم السياسي والثقافي.
- شعور العالم العربي بالظلم والقهر الذي يمارس عليه من الغرب ممثلا في الولايات المتحدة، مما حدا بأن تتبنى الغالبية العظمى من الناس بأن الصدام حتمي ولا نهائي.
- في المقابل شعور العالم الغربي بالخطر الذي يمثله تنامي الحركات الإسلامية، والتي يراها حركات أصولية متشددة، معادية لمنجزات الحضارة الغربية، مما أدى به إلى القول بالصدام, وخاصة بعد انهيار العدو التقليدي "الاتحاد السوفيتي".
- تبني الإدارة السابقة الجمهورية في الولايات المتحدة لإستراتيجية "الحرب الإستباقية" المغلفة بخطاب عقائدي، ديني، متطرف، أعاد للأذهان عصر الحروب الصليبية، وأجواء العصور الوسطى.
والجدير بالذكر، أن العلاقة بالغرب علاقة جدلية تتسم بالتعقيد الشديد؛ حيث تتداخل عناصر مادية وأخرى قيمية (حضارية) ضاربة بجذورها في عمق التاريخ مكونة لرواسب من العداء المتبادل في أغلب الأحيان، أو الانبهار المتبادل في أحايين أخرى. لذلك تظل العلاقة ملتبسة ما بين صراع وحوار. وتعد هذه الإشكالية في نظر د.هالة مصطفى أخطر وأهم إشكالية عرفتها علاقتنا بالغرب، وهي "حب وكراهية الغرب" في وقت واحد، القرب والبعد عنه في مسافة واحدة، فالغرب كما كان عنوانا للحضارة في عيون العرب والمسلمين، كان أيضا رمزا للغزو والاحتلال وقهر الكبرياء الوطني". ومن وجهة نظرنا أن العلاقة بيننا وبين الغرب سواء كانت في إطار الصراع أو الحوار، يحكمها عاملان هما: المصالح في الإطار المادي، والقيم في الإطار الحضاري.
لذلك سنفترض أن العلاقة مع الغرب تأخذ طابعا حواريا صراعيا من خلال المصالح والقيم الدينية التي تحدد طبيعة المواقف للطرفين، ومن خلال تتبع الجذور التاريخية للعلاقة يتضح مدى صحة أو خطأ هذه الفرضية، ذلك عبر طرح سؤال هل علاقتنا بالغرب في الأساس تقوم على الحوار أو الصراع؟ لكننا من الواجب أن نعيد طرحه بهذه الصيغة: متى يكون الصراع بيننا وبين الغرب؟ ومتى يكون الحوار؟ متسائلين عن منطلقات الحوار وحدوده وآلياته ودوافعه ومداه، كذلك منطلقات الصراع وحدوده ومداه، وهل يأخذ طابع الاستمرارية والتواصل أم الانقطاع والعودة؟ بجانب تساؤلنا عن المصدر لكل طرف والذي يستمد فكرته عن الآخر.
وفى سبيل الإجابة عن هذه التساؤلات يمكن رد موقفنا من الغرب، وموقف الغرب منا في هذه المرحلة تحديدا إلى بنيتين تاريخيتين أساسيتين في تاريخ العلاقات الإسلامية الغربية وتتمثل البينة الأولى، البينة الكبرى، في المراحل التاريخية التي مر بها الطرفان، سواء شهدت هذه المراحل حالات من الحوار، أو ضروبا من الصراعات من أجل التوسع والسيطرة المادية والاقتصادية، أو من أجل بسط النفوذ الروحي والديني والثقافي في إطار مفهوم القيم. أما البنية الأخرى، البينة الصغرى، فتتمثل في حدث الحادي عشر من "أيلول" سبتمبر 2001 وما تلاه من أحداث وتغيرات دولية على المستويات السياسية والاقتصادية والثقافية.
لقد كان لأحداث 11 سبتمبر (أيلول)2001 أثرا عنيفا في إخراج الهيمنة الأمريكية من مرقدها، وتحول العولمة إلى أقصى درجات توحشها وعسكرتها من زاوية محاربة الإرهاب والتطرف الإسلامي!! فكان احتلال أفغانستان ثم العراق، بداية لمشروع الهيمنة والاستعمار الأمريكي، والذي أخذ طابع الحروب الصليبية الجديدة وفقا لدورية اليمين المحافظ في الولايات المتحدة، وهذه الحروب التي بدأت مع مطلع القرن الحالي ليست في جوهرها سوى حروب تخفي المطامع في ثروات وخيرات المنطقة والشرق الأوسط، من ناحية، ومن ناحية أخرى الاقتراب من الصين الصاعدة، وروسيا التي تحاول أن تتمرد على الوضع الدولي، لن يتم ذلك إلا بالاستيلاء والهيمنة على بترول منطقة الشرق الأوسط.
ونضيف إلى ذلك حماية أمن إسرائيل، خاصة في ميلاد الانتفاضة الفلسطينية الجديدة، 28 أيلول2000، وتحالف المقاومة بين إيران، سوريا، حزب الله، فصائل المقاومة الفلسطينية. والذي بدأ يهدد وبالفعل المصالح الأمريكية، تزامنا مع التورط الأمريكي في العراق، وزيادة أعمال المقاومة العراقية الموجهة للاحتلال الأمريكي، وهو نفس الحال في أفغانستان.
ويرى البعض أن أهم تداعيات أحداث هجوم الطائرات على برجي مركز التجارة 11 أيلول 2001، هو ما نادى به كثير من مفكري الغرب من ضرورة عولمة العولمة، فعقب هذه الأحداث طالبت الولايات المتحدة العالم كله بالوقوف معها في معركتها السياسية، الاقتصادية، والعسكرية ضد الإرهاب وما أسمته الدول المارقة. أو محور الشر.
وللتغطية على ما سبق، تم اللجوء إلى نظرية "صدام الحضارات "التي صممها أستاذ العلوم السياسية الأمريكي "صامويل هنتجون" على مقاس العالم الثالث، فضلا عن كتابات أخرى لتوماس فريدمان، وبي جيه فاتيوكيوتيس، وبرنارد لويس، هذا بجانب نظرية نهاية التاريخ أو الإنسان الأخير التي صاغها فرانسيس فوكايما التي تشيد بالقيم الليبرالية الرأسمالية وتراجع وانهزام أي قيم أخرى.
ثم بعد ذلك، الانطلاق من إستراتيجية الفوضى البناءة التي تبناها المحافظون الجدد، وهي خلق حالة من الخلخلة وزعزعة الاستقرار في العالم الإسلامي، وذلك بهدف تفسيخه عرقيا، ومذهبيا، وطائفيا، عبر غرس الفتنة بين أبناء الدين الواحد، والثقافات الواحدة "العراق، لبنان، أندونيسيا" مناخات تحت الاختبار, وهذا يمهد لما تمت تسميته بمشروع الشرق الأوسط الكبير بزعامة إسرائيل، وأيضا فرض أجندة إصلاح داخلي على الأنظمة العربية والإسلامية بحجة القضاء على الإرهاب الذي اعتبرته الإدارة الأمريكية نتاج ممارسات واستبداد هذه النظم.
وبعد 11أيلول، وكما أشارت صحيفة الهيرالدتريبيون أن الغرب لم يتعلم كيف يسوي خلافاته مع المسلمين، مع تنوع الماضي، وهو بهذا لا يسير نحو الذروة التعددية، في إشارة إلى الحملات الإعلامية وخطابات "جوزيف راتزنجر" الملقب بالبابا بوركت السادس عشر بابا الفاتيكان، وتشير الصحيفة أن استخفاف البابا لم يفعل شيئا لمساندة ذلك الإجراء "الحفاظ على مستقبل التعددية"، والوضع الحرج الحالي علينا إلا نتوقع خلاله أن يقدم اعتذارا، لكن علينا ببساطة أن نكشف له أنه قد أخطأ من الناحية التاريخية والعلمية والدينية.
إذن فرضت أحداث 11 أيول نوعا من الصراع ونوعا آخرا من الحوار "نحاول أن نصل إلى صيغ خاصة به"، وتقوم به بعض الأطراف هنا أو هناك من أجل فهم أوسع وأعمق وبلورة رؤية نضع في حسبانها، مصالح كل طرف، واحترام وثقافات كل طرف.
بعد مرور عشر سنوات من الحادث، نستدعي حوارات كان قد أجراها الإعلامي المصري محمود الورواري، مع نخبة من المفكريين الغربين، عام 2003، من خلال البرنامج الحواري "الآخر" الذي بثته قناة الشارقة. وضمن هذه الحوارات، حوار الورواري مع تيري ميسان، رئيس تحرير مجلة المخابرات السياسية، ومؤلف كتابي "الخديعة الكبرى"، و"فضيحة البنتاجون" وقد حاول ميسان سواء في كتبه أو في الحلقة الحوارية "الآخر" والتي طبع حوارها في كتاب لمحمود الوراوري حمل نفس عنوان البرنامج، إثبات وبشكل عملي وتقني وشهود العيان الأمريكيين والوثائق والتصريحات والخبراء العسكريين، أن عملية قصف البنتاجون تمت بصاروخ أمريكي وليس بطائرة، وإثبات ذلك يعني انهبار كامل للرواية الرسمية الأمريكية، التي تتهم به جهات إسلامية في تفجيرات سبتمبر، وتبدو فكرة المؤامرة العسكرية الأمريكية والتي طرحها في الكتاب "الخديعة الكبرى" قد تعززت بفضل الكتاب الثاني "البنتاجيت" وشواهدها الميدانية عالميا واضحة "في كتابه الأخير تبدو بحجة أكثر رسوخا" كما علق مذيع "فرانس أنتير".
وقبل أن نتعرض لأراء ميسان المهمة، نتوقف أمام وجهات نظر بقية الضيوف في أحداث 11 أيلول ونتائجها، حيث يرى جون اسبوزتيو، مؤسس مركز دراسات التفاهم الإسلامي والمسيحي، أن أحداث أيلول أنتجت، ما أسماه، بالحلف غير القدس بين اليمين المسيحي وأشخاص ك "بات رونسن "و"فرنكلين جرهام "و"جاري فاردال "وغيرهم والمحافظين الجدد والرجعيين، فثلاثتهم اجتمعوا، وغالبا ما تكون دوافعهم مختلفة، ولكن برنامجهم السياسي واحد، وهذا البرنامج السياسي له مضمون ديني، وقد لاحظنا كيف يتكلمون عن متابعة هذه الحرب الشاملة والضغوط التي يمارسونها على حكومة الرئيس بوش وهذا من وجهة نظر اسبوزتيو يعتبر دعوة إلى تبني موقفا أكثر عنفا، ومحاولة إلى تأكيد الربط بين الإسلام وما تقوم به مجموعة صغيرة من الإرهابيين، وهو تيار بصدد التنامي من أكثر لأكثر. ويرى روجيه جارودي أن الولايات المتحدة حاولت الاستفادة من كيفية تبلور هذا الشكل المتطرف من السياسة الإرهابية الأمريكية من الناحية التاريخية. كما يؤكد بول إيمونتس أن سبتمبر وأحداثه أدى بالشعب الهولندي، مثلا، إلى الشعور ببعض الخوف أو الكره لكل ما هو غريب أو أجنبي ولكن هناك إشكالية وهي كره الأجانب، وفي نفس الوقت لا نرغب في فقدان أي شيء من ثرواتنا لصالح الآخرين.
أما دوني بريان فيرى أن الأحداث التي وقعت في الحادي عشر من سبتمبر 2001 أبرزت وطرحت تساؤلات حقيقية فهم لم يفهموا حتى خطاب بن لادن، حيث يقدمون دائما بن لادن على أنه مجرم دولي وإرهابي كبير، و لكنهم لا ينتبهون أبدا إلى الكلام الذي يقوله بن لادن في بعض النصوص، والتي تظهر بوضوح القضايا الحقيقية بين الغرب في علاقته مع الدول العربية وبقية دول العالم التي يقوم بسحقها.
ونعود إلى ميسان، وإن لم يكن وحده الذي أتهم الولايات المتحدة بتدبير أحداث 11سبتمبر، حيث ذهب جارودي إلى أنه لم يكن هناك أحد في قمرة القيادة عند ارتطام الطائرات ببرجي المركز العالمي للتجارة ومبنى البنتاجون، أي أنه قد تم توجيه الطائرات بالتحكم فيها عن بعد. إلى أن حديث ميسان الأجدر بالتأمل والمحاورة، حيث يرى ميسان أن أحداث 11 سبتمبر بشقيها "ضرب برج التجارة العالمي، وضرب البنتاجون" كان حادثا بتدبيرات أمريكية تورطت فيها الأجهزة السرية، ووكالة المخابرات الأمريكية خاصة. وقد اعتمد على وثائق خاصة بالبيت الأبيض ووزارة الدفاع الأمريكية، وتحليل التصريحات الرسمية للقادة، والصور الفوتوغرافية للبنتاجون عقب الحادث، والرصد الدقيق لما نشرته الصحافة الأمريكية والعالمية.
ويؤكد ميسان أن البنتاجون تم ضربه بصاروخ وليس بطائرة، ويقوم بتفنيد ما نشرته الصحف مثل صحيفة ليبراسيون التي نشرت أنه تم تحديد هوية إحدى المسافرات على متن الطائرة من خلال بصمات أصابعها، فيتساءل تيري هل عثر العسكريون والإعلاميون على 100 طن من الألمونيوم المذاب ؟
فإذا صدقنا أن الطائرة احترقت في حرارة 3000 درجة داخل مبنى البنتاجون فكيف إذن بقيت طابق البناية قائمة؟ كيف يمكن الاعتقاد بأن حديدا مذابا أو متحولا إلى غاز سيترك مجالا للتعرف على أجسام الركاب أو بصماتهم؟
ونخلص إلى أن أحداث الحادي عشر من أيلول 2001 وما تلاه، على المستوى الفكري خاصة، لابد أن يؤدي إلى نتائج بالغة الخطورة على مستقبل العالم ومستقبلنا، نحن العرب والمسلمين، فإعلان الحرب علينا باعتبارنا همجا متخلفين يريدون القضاء على الحضارة الغربية وممارسة هذه الحرب فعليا في أكثر من موقع من العالم، يفرض علينا الإفاقة من أوهامنا التي تزعم أننا نعيش في ظل حضارة إنسانية واحدة، وهو القول الذي أسس طوال قرنين من الزمان لتبعيتنا للنموذج الحضاري الرأسمالي الغربي، والذي يعلن نفسه، الآن، نموذجا حضاريا وحيدا على الجميع أن يقبلوا به مرغمين وألا يناقشوا أيا من عناصره، وإلا فالبديل هو فرضه بقوة السلاح أو تدمير المعترض.
نظرا لما سبق من ملاحظات في حوار الغربيين المعتدلين، وفي سياق البحث عن الحقائق، يتكشف لنا أن الحوار في حده فعل إنساني، ونشاط حضاري، والجانب الأكبر لتأثير الثقافة في حياة الأفراد أو الجماعات أو الشعوب، وهو أحد أنواع الاتصال بين الأفراد، يقوم على تبادل الحجج والمعاني دون عنف أو قوة؛ بل حتى تبادل وجهات النظر مع شخص آخر هو نوع أو شكل من الاتصال ولكنه ليس حوارا، حيث يبدأ الحوار فقط مع المتأمل والتفكير وتبادل الحجج والأفكار والمعاني، بعبارة أخرى، وهو التجربة المعيشية بالكلمات، وإذا كان الاتصال قائما بين جميع المخلوقات، فالحوار هو الشكل الوحيد للاتصال الذي يقتصر على الجنس البشري والقائم بين البشر فقط، وأي حوار يبدأ بالسؤال التالي :هل تفهمت جيدا وجهة نظري؟ حد راي أميمة عبود.
بلا شك، أن هذه المرحلة بكل تجليات أحداثها على كافة الصعد، تكسب الحوار قدرا، باحتياج العالمين الإسلامي والغربي إلى تلمس طريقه وتحديد آلياته وأهدافه، وإن كان أعظمها هو التعايش الإنساني القائم على احترام الإنسانية وإنتاجها الإبداعي، والثقافي، ومن ثم باتت عملية رصد الإشكالية التي تعوق حركية الحوار وجديته أمرا في غاية الأهمية، ومن وجهة، ثمة إشكاليتان تعوقان الحوار بين العالم الإسلامي والعالم الغربي وهما: النظرة الاستعلائية من قبل الغرب تجاه الثقافات الأخرى، والثقافة الإسلامية خاصة. والنظرة النمطية من المسلمين تجاه الغرب، حيث لا يزال المسلمون يرون في الغرب صورة المستعمر القديم.
ينظر الغرب إلى ذاته على أنها الثقافة الأحادية، الناسخة للثقافات الأخرى، ومنها الثقافة الإسلامية، فنجد، مثلا، في معالجة برنتون لتاريخ الفكر في الغرب، يتجاهل ذكر، إلا عرضا، شيئا عن أية ثقافة أخرى لأن الغرب على وجه الإجمال لم يتأثر كثيرا بالثقافات الأخرى. كما نجد سيادة أفكار، مثل أفكار النظرية التطويرية، والتي هي أحد السبل التي اتبعت لتحقيق هذا الهدف، وتفترض النظرية التطويرية أن الحضارات كلها بمختلف أشكالها يمكن وضعها على سلم متدرج بداية بالحضارات البدائية الوحشية وانتهاءً بالحضارة الأوروبية التي تستقر على قمة السلم. بالمقابل تستقر حضارات الصين، والهند، والإسلام، في منتصف السلم، أو بمعنى آخر في منتصف الطريق بين الحداثة والتقدم.
من هذا المنطلق، يصبح طريق التقدم هو الاقتراب من النموذج الأوروبي، وهو لن يتحقق إلا بالتخلص من السمات الثقافية المميزة للحضارات المختلفة نسبيا، ويترافق هذا التخلص من الخصوصيات الثقافية مع اكتساب خصوصيات ثقافية أوروبية تدريجيا. وهي ذات النظرية التي بررت الاستعمار تحت زعم أيديولوجي يقوم على أساس فكرة تصدير قيم الحرية والتقدم.
وهي رؤية محاضرة بلفور التي ألقاها على مجلس العموم البريطاني يوم الثالث عشر من حزيران 1910، والتي جاء في ثناياها أن الأمم الغربية فور انبثاقها في التاريخ تظهر تباشير القدرة على حكم الذات إلا إنها تمتلك مزايا خاصة بها، حرم منها الشرقيون جميعا.
يرى جارودي أن الاعتقاد المقدس بتفوق الغرب علميا وتقنيا على كل أنماط الحياة الأخرى الموسومة بارتباط تأخري بالعادات، وبالتعصب الثيولوجي، كما أن التقدم لا يعد معيارا وحيدا على تقدم وتأخر البشر.
ثمة أفكار نمطية موازية لرؤية الغرب، تترسب بفعل جدلية العلاقة التاريخية، داخل المخيلة العربية والإسلامية، ونتخذ مثالا على ذلك كتابات د.مصطفى عبد الغني، الذي وسم كتابه "حقيقة الغرب" أنه تعبير عن أفكار الجماعة، والوعي الجمعي بالشعوب العربية. متهكما من أية وجهة نظر أخرى، تحاول أن ترى للغرب وجها مختلفة ومتجاورة، إلى أنه وصف من يقوم بذلك "بالمسيخ الدجال ". ومن وجهة نظر عبد الغني "الذي وقف في المعسكر الجمعي "أن للغرب وجوها كثيرة، بشعة وقبيحة نلتقي بها منذ عرفنا هذا الغرب حين جاء على مدافع بونابرت "وليس مطبعته كما يزعم البعض", وأكثرهم، حد قول عبد الغني "في نهاية القرن الثامن عشر، وتوالت في صور شوهاء حادة جافة بدلت في ذروة اكتمالها مع نهاية القرن العشرين؛ حيث نعيش جميعا محاولة الغرب لإعادة رسم خارطة الكرة الأرضية بطريقته الخاصة، بطريقة اقتصاد السوق، ليس بطريقة الحضارة أو الديمقراطية أو حقوق الإنسان.. الخ.
وفي الواقع، تعد كتابات د.مصطفى عبد الغني، في هذا الخطاب خصيصا، نموذجا لتنميط الغرب، ورؤيته من منظور، أو موقع المركزية المعكوسة، التي لا ترى في الغرب إلا صورة المجتمعات الملحدة المنحلة، أخلاقيا، المتفسخة اجتماعيا، المستغل، والطامع في ثرواتنا، والمتآمر علينا وعلى حضارتنا وقيمنا. وبتعبير برهان غليون يرى هذا الفريق في الغرب السبب للحالة العربية والإسلامية المتخلفة؛ حيث نجاح الفكر الأجنبي والغربي بشكل عام بالتغلغل إلى عقول الناشئة، سواء نتيجة لجهل هؤلاء,أو لسوء نواياهم ونوايا الجماعات السياسية أو القومية، أو الدينية التي تعمل من ورائهم وتتلاعب بهم.
وبين الرؤيتين ثمة أرض يمكن أن يتلاقى عليها الغرب والعالم الإسلامي، وهي نظرة ليست بمثالية أو رومانسية، وإنما هي رؤية مبنية على أسس منهجة، ونتيجة لاستقراء جدلية العلاقة، التي يتلازم فيها الحوار والصراع جنبا إلى جنب في إطار المصالح أو إطار القيم، وهما إطاران متداخلان غير منفصلين.
ونرى، مع د.صلاح السروي، أن البديل للمفاهيم والخطابات المذكورة، والذي يمكن أن يتعداها ليشمل أخرى من التفاعل، والتبادل، هو"المثاقفة"، ويفترض هذا المفهوم "في بعض تعريفاته "المساواة في الفاعلية والتفاعل بين جميع الثقافات والآداب، على اختلاف سياقاتها التاريخية، الاجتماعية، كما يتأسس على أن اختلاف سامتها الثقافية، ومظاهر إسهامها الفكري والجمالي، لا يبرر بأي حال القول بأن أحداها سابق بينما الأخرى مجرد لاحق، ومن هنا نستطيع أن نرتب على ذلك أن ما يمكن أن يدور بينها من تبادل ثقافي أدبي، إنما هو من قبيل التفاعل الثقافي، أو المثاقفة.
ويتراءى لنا أن اتساع مدى المثاقفة، وزحزحة حدودها إلى أقصى المساحات الممكنة، مرتبط بوعي النخب العالمي والإسلامي والغربي وإيمانهم بضرورة التفاعل، وتذويب الرواسب، وهو ما لن يتم إلا بنضال حقيقي من قبل العالم الشرقي، وبناء قوته الاقتصادية الثقافية، العسكرية، التقنية. وهو ما يمكن الوصول إليه عبر ثورات الربيع العربي، ومن ثم المساهمة في ركب التطور الحضاري والإنساني.



#مدحت_صفوت_محفوظ (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الطريق إلى الثورة.. رؤية في كيفية بناء الثورة في رواية -السا ...
- الطوطمية وصينية التحرير
- حركات المقاومة الوطنية في مصر البطلمية
- تفكيك الاستبداد في -الحارس- لعزت القمحاوي


المزيد.....




- دبي بأحدث صور للفيضانات مع استمرار الجهود لليوم الرابع بعد ا ...
- الكويت.. فيديو مداهمة مزرعة ماريغوانا بعملية أمنية لمكافحة ا ...
- عفو عام في عيد استقلال زيمبابوي بإطلاق سراح آلاف السجناء بين ...
- -هآرتس-: الجيش الإسرائيلي يبني موقعين استيطانيين عند ممر نتس ...
- الدفاع الصينية تؤكد أهمية الدعم المعلوماتي للجيش لتحقيق الان ...
- آخر تطورات العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا /20.04.2024/ ...
- ??مباشر: إيران تتوعد بالرد على -أقصى مستوى- إذا تصرفت إسرائي ...
- صحيفة: سياسيو حماس يفكرون في الخروج من قطر
- السعودية.. أحدث صور -الأمير النائم- بعد غيبوبة 20 عاما
- الإمارات.. فيديو أسلوب استماع محمد بن زايد لفتاة تونسية خلال ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - مدحت صفوت محفوظ - على مرمى حجر.. أحداث أيلول والطريق إلى المثاقفة