أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - بلقيس حميد حسن - مسلسل الدهانة, وملك الشاشة العراقية















المزيد.....

مسلسل الدهانة, وملك الشاشة العراقية


بلقيس حميد حسن

الحوار المتمدن-العدد: 3481 - 2011 / 9 / 9 - 16:35
المحور: المجتمع المدني
    


قد أكون في الكثير من المقالات متشائمة بشأن مستقبل العراق كمجتمع وتنمية بشرية, ولأنني مؤمنة بأن التفاؤل لابد وأن يستند على أساس- ولو بسيط - من الايجابيات الحقيقية, لتـُغرس في الرؤوس رؤية مفرحة ندعوها تفاؤلا, فصرت أبحث عن أمل في الحياة العراقية يدعوني للتفاؤل.
الأمل الذي اسعدني, كان بعض المسلسلات العراقية التي قفزت بالدراما العراقية نحو الأفضل وبشكل لافت للنظر. وكعادتي لا أكتب عن الأعمال إلا من خلال ارتباطها بحقوق الانسان, وهو مايعنيني بالدرجة الاولى.
من هذه المسلسلات أتناول هنا مسلسل "الدهانة" الذي تابعته قبل رمضان على قناة البغدادية, لقد استطاع المسلسل نقل الواقع العراقي بشكل موضوعي وبلا انحياز وتعصب, وهذا دليل صحي في الثقافة العراقية عامة, يدعونا لان نبارك ذلك التوجه الذي كان أحد أسباب نجاح المسلسل الحاوي على أغلب شروط النجاح. فمسلسل الدهانة الذي سحرنا كمشاهدين, سرد حقبة زمنية مسكوتا عنها, كانت مليئة بمعاناة المعارضين لسلطة البعث, كما طرح واقعا معاشيا مؤلما للطبقات الفقيرة والمهمشة بمقابل حياة المترفين الذين يستطيعون شراء ما لا يـُشترى عن طريق السلطة والمال الذي يملكون. لقد لعبت الفنانة المبدعة "زهور علاء دور"وصال" الفتاة الجميلة, الصادقة, الفقيرة, والمغلوب على أمرها بحكم المجتمع الذكوري القاسي. وكانت شخصية "وجيه" التي جسدها النجم الفذ "كاظم القريشي", من أجمل الشخصيات التي عرفتها الدراما العراقية على الاطلاق, وليسامحني بقية الفنانين الذين ابدعوا في المسلسل, حيث أحتفي هنا بالفنان القريشي, الذي اصبح اليوم ظاهرة فنية عراقية كنا بحاجة لها منذ زمن, فنحن - مع الاسف - لا نحتفي بالقدرات الخلاقة, كألاخوة المصريين مثلا الذين أطلقوا على رشدي اباضة "دون جوان الشاشة العربية", بسبب من كونه شخصية ساحرة, وعلى كمال الشناوي"فتى الشاشة المصرية", وغيرها من الألقاب التي تـُفرح أي فنان, فهل كان ذلك عيبا؟
وان أردنا للمجتمع العراقي أن يهتم بالقيم الجمالية ليكون أحلى, فلنحتفي بمبدع في هذا الزمن الصعب, هو"الفنان القريشي" وندعوه ملك الشاشة العراقية, ولنضعه أمام مسؤولية كبيرة ليتألق أكثر, خاصة انه يمتلك حضورا طاغيا, بوجه جمع الحزن بالفرح, فبرغم مسحة الحزن الواضحة عليه, نجده حين يبتسم تشرق النجوم بين عينيه وتتطاير الفراشات البيضاء.
عجبا! وكأن ذلك الوجه الحزين ليس له.
تقاطيع وجه الفنان "القريشي" هبة طبيعية, تمنحه قدرة هائلة على التعبير عن كل دور يلعبه, وكأنه ملامح العراق وتناقضاته, بنخيله وصحاريه, بتضاريسه وانهاره, بشموسه ومناخاته وشموخ الحضارات الاولى. نلمس في حزنه كل بكائيات العراق. فيه الوفاء والغياب, الحنين والحزم, وفيه التوحد والتشظي. انه نجم بألق لا يضاهى, بصوت عميق, هاديء ورخيم, قادر على تغيير نبراته بطريقة تؤثر بالمتلقي وتخترق دواخله بسرعة البرق. لقد جسد هذا الفنان بتلقائية وجدارة منقطعة النظير دور"وجيه", تلك الشخصية المثقفة, الطيبة, النبيلة, المنفتحة, حاملة هموم الناس, الرافضة للظلم, تلك الشخصية التي تربينا على ان نتحلى بمواصفاتها ونسعى لنكونها, كما سعى لها وحاول تمثلها أشراف الناس, وأبرز الشخصيات الاجتماعية والوطنية, وحاملو المباديء الخيـّرة في ما قبل الخراب البعثي. انها شخصية الكثير ممن استشهدوا في السجون تحت التعذيب, أو في كواتم الصوت كما استشهد وجيه وضاعت حياته ودمه بين فكرة المعارضة للنظام, والثأر, أو صعود الطفيليين الجدد انذاك والذين استعملتهم السلطة كسلاح من اسلحتها المسلطة على رقاب من يخالفها. حقيقة تاريخية لا ينكرها أي انسان يعتد بضميره ووقوفه مع الحق, فوجيه هو الشخصية العراقية المتألمة التي واجهت الجور قبل كل الناس, هي المذبوحة في كل المناسبات السياسية, وهي المهمشة, والمهاجرة, والمنتحرة خارج الوطن يأسا وحبا للعراق وأهله. انها تمثل آلاف الأسماء التي نعرفها والتي رحلت بصمت بأحد أسباب الموت المتنوعة زمن البعث وجلاوزته, انها كل الشخصيات التي طوردت, وحوربت بمحاولة افراغ العراق منها, كي يبقى العراق للمجرمين والقتلة من الانتهازيين والمتلونين والمنتفعين اللاهثين وراء الكراسي والشهادات المزورة, والضاحكين على الذقون بمسبحة وخاتم وعمامة, ولينتهي العراق حينما ينتهي انسانه ُ الأفضل, والأهم بقدرته على العطاء.
"وجيه" واحد من الشخصيات التي يحق للعراقيين البكاء عليهم دماً لا دمعاً فقط, فهو من العراقيين الاصلاء الذين لم يأخذوا أي شيء, والذين ضحوا بكل شيء. انهم حاملو لواء النزاهة والأخلاق في كل زمن, اليساريون, والمستقلون, واصحاب المباديء الانسانية النبيلة والأبرياء المؤمنون بالحق, هؤلاء هم المقتولون أمام أعين الناس جهارا نهارا, انهم المدفونون بلا ذنب, وهم المتهمون بلا جريمة حيث امتلأت بهم السجون والمعتقلات, وهم الثور الأبيض الذي أُُ ُكـِل َ أولا, حيث صمت َ الجميع على سرقته وذبحه, فتطاول سيف القتلة على سواه, حتى اتسعت المقابر الجماعية, وقـُضي َ الأمر, فاذا بالعراق بلد الأيتام, والثكالى, والمعوقين, والمهجرين, والشحادين, وأطفال الشوارع, والداعرات ,والفاسدين من الحرامية, والمزورين, والمتاجرين بالأعضاء البشرية الحيـّة.
وفي هذه الوقفة القصيرة لي مع أول مسلسل عراقي كشف حقائق بقيت مدفونة مع ضحاياها زمنا, أحيـّي كاتب المسلسل المبدع حامد المالكي, والمخرج المميز علي أبو سيف وجميع الفنانين الرائعين الذين ساهموا بانجاح المسلسل.
أخيرا, فرحي بوجود نجم عراقي بمواصفات الفنان القريشي يجعلني اخاف عليه كقيمة جميلة في العراق, أحييه وأهمس في أذنه ليحذر الحساد والمتصيدين بالماء العكر, فبعد التركة الثقيلة من المصائب التي مرت على الشعب العراقي, آسفة اقول:
لقد اصبح التميـّز في العراق جريمة عند الكثيرين, والجمال عندهم جريمة تدعو للتهميش, والابداع صفة مدعاة للتآمر عليها, وحتى التضحية والزهد في العراق يـُحسد المرء عليهما... اتمنى أن أكون مخطئة فيما أقول, كي أستطيع شطب بعض تجارب الحياة من ذاكرتي, وأغيـّر اقوالي.
قد تكون لي وقفة لاحقة مع مسلسل "أبو طبر" الذي سمـّرنا على الشاشة الصغيرة, مع تمنياتي لجميع الفنانين العراقيين بالمزيد من التألق والنجاح..



#بلقيس_حميد_حسن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الدراما العراقية تتحدى الظروف وتنهض
- نصرُ ليبيا, فرح ٌ بحجم ِ سنواتِ القهر
- ألا يحق للمغدور ان يستغيث؟
- الثورات, تخطفُ جمهور الدراما العربية
- الشعب السوري يسمو الى المجد ِ أعزلا ً ووحيدا
- مي سكاف, حقا انها زرقاء اليمامة
- أفضل خيار للعرب, يعرفونه ويحرفون عنه
- الأم, الوطن الأول لكل انسان
- أمة ٌ تسترُ أمراضها ولا تعالجها
- لا صدى لصرخات السودانيين
- هل يستحق القتلة- كالقذافي- خروجا مشرفا؟
- ياسر العظمة.. مبدعٌ زاهدٌ إلا بالحقيقة
- لا للدكتاتوريين, قالتها الشعوب العربية بالدماء
- ثورة اليمن العملاقة
- الازدواجية وحق الكرد في تقرير مصيرهم .. في ذكرى مجزرة الانفا ...
- عسل الشعوب العربية المرّ
- المرأة والطغاة..ايمان العبيدي انموذجا
- ملوك وأمراء الأميّة يذبحون الثوار واللؤلؤة
- من يوقف الطغاة؟ وهل يبقى أطباء اليمن في حيرتهم؟
- ماذا للمرأة ِ في الجنة ؟


المزيد.....




- الأمم المتحدة تطالب بإيصال المساعدات برّاً لأكثر من مليون شخ ...
- -الأونروا- تعلن عن استشهاد 13750 طفلا في العدوان الصهيوني عل ...
- اليابان تعلن اعتزامها استئناف تمويل وكالة غوث وتشغيل اللاجئي ...
- الأمم المتحدة: أكثر من 1.1 مليون شخص في غزة يواجهون انعدام ا ...
- -الأونروا-: الحرب الإسرائيلية على غزة تسببت بمقتل 13750 طفلا ...
- آلاف الأردنيين يتظاهرون بمحيط السفارة الإسرائيلية تنديدا بال ...
- مشاهد لإعدام الاحتلال مدنيين فلسطينيين أثناء محاولتهم العودة ...
- محكمة العدل الدولية تصدر-إجراءات إضافية- ضد إسرائيل جراء الم ...
- انتقاد أممي لتقييد إسرائيل عمل الأونروا ودول تدفع مساهماتها ...
- محكمة العدل تأمر إسرائيل بإدخال المساعدات لغزة دون معوقات


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - بلقيس حميد حسن - مسلسل الدهانة, وملك الشاشة العراقية