الجلاد في آخر أيامه

بن جبار محمد

الحوار المتمدن-العدد: 3480 - 2011 / 9 / 8 - 20:08
المحور: المجتمع المدني
    

لا أحد أنتظر تلك اللحظة بشغف و تلهف مثلما انتظرتها أنا ..ربما الذين انتظروه مثلي إما ابتلعتهم القبور أو قتلهم الصبر و الضجر أو أن النسيان عمــم على رؤوسهم. أما أنا لم أنس ذلك الشخص البغيض ليس بدافع الانتقام لم يعد الانتقام طريقا نسلكه. نترك ذلك للزمن..الدهــر وحده يواجه الأشخاص ما اقترفوه من ظلم و إيقاع الآلام بالأفراد

أكثر من عشرين سنة..إلى أن جاءت تلك اللحظة عندما أحيل على التقاعد , تخلص منه النظام و لفظته أجهزة القمع من أروقتهــا ليتـلقــفه الشــارع الطويل. كان يسير منكس الرأس بوجه منكسف , يسير متضايقا , مموهــا بأن يهرب وجهه و عينيه من النظر المباشر للناس , يريد أن يختفي , يريد أن يختبيء في مكان مــا
الحياة الجديدة المدنية.. .الاختيار الأول لهذا الشخص بعد ان ودع سراديب مراكز الشرطة ودروبها المظلمة و السرية حيث عهد اليه باستقبال الأشخاص من كل التيارات لينتزع منهم الاعترافات انتزاعا يعذبهم بفارغ الصبر و بقلب لا يعرف الملل و بإصرار شديد الى آخــر رمق ..كان يتفنن في تعذيب ضحاياه بكل أنواع العذاب و قــد تراكمت لديه تجربة كبيرة في سلخ ضحاياه و التمثيل بهم و قد يدفعهم للجنــون دفــعا و يستأنس الى أنينهم أيام و ليال ..قضى خمسة و عشرين سنة كحيوان يرعب ضحاياه بدون شفقة و لا رحمة , لا يعرف عنه سوى الولاء الشديد لمرؤوسيه و للنظــام .. فهو لا يتوانى في إفتراس ضحاياه كأن يقطع أعضائهم الجنسية أو يغرقهم في القاذورات أو يتبول عليهم ببساطة أو يلجأ الى وسائل أكثر إيلاما و لا يتردد لحظة في حياته أن يفعل ما يؤمــر به .
اليوم ..أحيل على التقاعد و خرج الى عالم العراء ..الى الأضواء .. حيث يجد في إنتظاره ضحاياه , موجودون في كل مكان ..سيصادفهم في طريقه الى البيت أو السوق أو المقبرة أو مكان ما .

لا أظن أن أحد ما يعترضه أو يكلمه أو يسأله أو يلومه ..لكن كل العالم يرشقه بنظرات السخط و الغضب و اللعنات تلاحقه من مكان الى مكان ..لن يجد شخصا واحدا على وجه الأرض يبادله التحية أو يبسط له روحه أو يكلمه . الجميع ينبذه ..حتى النظام نفسه تخلى عنه أن تخلص منه .. يسير ككلب متشرد تلاحقه الشتيمة من كل زاوية من زوايا المدينة .
لا أحد يتعرض له ..لكن ذكــرى ضحاياه تتابعه و تلاحقه أينما حل و في أحلام يقظته , ستطوق عنقه و تشــد الخناق عليه بقوة ..

ستنقلب إستراحته الى رحلة عذاب جديدة , سيصبح أكثر يقظة و أشد إحساسا بوقع العذاب , بعقدة الذنب , بالآثام ..ستصبح ذاكرته أكثر حضورا و إسترجاعا لشرائط الماضي البغيضة .

أنا الآن متفرغ إليه ..ألاحظ أنفاسه , ألاحظ كيف يعيش هذا الحيوان الشرس خارج بيئته ؟ كيف سيقضي هذا الجلاد آخر أيامه ؟ كيف يتصرف وجهــا لوجه مع ضحاياه و مع ذاكرته ؟ الجميع مشدود الى شخصه و الى حركاته و سلوكاته و حتى نبرات صوته ..أصبح مادة الجميع ,...
الآن.. الدهـــر سيتولى أمره .

#بن_جبار_محمد (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات