أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - علاء اللامي - التضامن النقدي مع -الربيع العربي-: قراءة في مثال نظري وعملي معاكس !















المزيد.....


التضامن النقدي مع -الربيع العربي-: قراءة في مثال نظري وعملي معاكس !


علاء اللامي

الحوار المتمدن-العدد: 3473 - 2011 / 8 / 31 - 20:47
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


المتابع للنثر الغزير و المواقف المتباينة بعمق من الانتفاضات العربية المستمرة ضد أنظمة التخلف والقمع الشمولية في ما سمي بالربيع العربي والذي بدأ مع ثورة الياسمين التونسية، يلحظ نوعا من الاستقطاب الثنائي يشطر تلك المواقف في الأغلب الأعم، فإما أن يكون الموقف، وبالتالي صاحبه مؤيدا ومتضامنا مع تلك الانتفاضات دون قيد أو شرط وصولا إلى تأييد – أو أقلها السكوت عن - التدخلات العسكرية الأجنبية وبخاصة من جانب الدول الإمبريالية الغربية المعادية تقليديا لشعوبنا العربية وللشرق عموما، وإما أن يكون مناوئا للانتفاضات الشعبية أو مشككا فيها بدعوى العداء للتدخلات الغربية و وجود مؤامرة سرية ما خلفها وبالتالي يقف صاحب هذا الموقف في خندق الأنظمة الشمولية شاء أم أبى. يخرج عن هذا الاستقطاب الثنائي التبسيطي أصحابُ موقف مركب لا يسلم يقينا من الاتهام بالتناقض من قبل أصحاب الموقفين التبسيطيين السابقين. خلاصة هذا الموقف الذي أسميناه بالمركب تكمن في شعار التضامن النقدي مع الانتفاضات الشعبية ضد أنظمة القمع الشمولية. بمعنى أن يكون المرء مع تلك الانتفاضات الشعبية حتى إسقاط تلك الأنظمة أو إجبارها على الشروع في عملية إصلاح حقيقية وذات مغزى و في الوقت نفسه ضد أي تدخلات غربية عسكرية أو غير عسكرية تحاول سرقتها أو الهيمنة عليها بما يؤدي لا حقا إلى ضياع الاستقلال الوطني للبلد المعني وسقوطه في شرك التبعية السياسية والاقتصادية للغرب الإمبريالي. هنا محاولة تحليلية لرصد هذا الموضوع من خلال مثال عملي طازج :
نشر الكاتب العراقي فالح عبد الجبار قبل أيام مقالة بعنوان "روسيا الجبانة" في جريدة "الحياة" السعودية و في "العالم" البغدادية. الأخيرة نشرتها تحت عنوان آخر أقل "شتائمية " من العنوان أعلاه فاحتج الكاتب الذي يحب أن يعرف نفسه بعبارة "سوسيولوجي عراقي مقيم في بيروت" كما يبدو، وطالب بإعادة نشر المقالة بعنوانها الأصلي وعدم الاكتفاء بالاعتذار أو التصحيح فكان له ما أراد وأعيد نشر المقالة بعنوانها الأصلي في اليوم التالي مع الاعتذار عن نشرها بعنوان آخر .. سنتعرض بالنقد والتحليل لبعض ما ورد في مقالة فالح عبد الجبار من فكرات ، متجاهلين عمدا - ولأسباب تتعلق بطبيعة التعقيب ليس إلا - كل ما قيل بخصوص شخص هذا الكاتب و ارتباطاته بالمؤسسات التي أنشأها الاحتلال الأمريكي في العراق وعمله فيها سواء ضمن ما سمي "مجلس الإعمار" أو غيره، وعن اتهامات وجهت له علنا باختلاس أموال بلغت 359 ألف دولار خصصت لمؤسسة يديرها وتدعى "مركز الدراسات العراقية ومقره بيروت" وهو معهد بريطاني مغمور ومشبوه أصلا تأسس سنة 1993 باسم " المنتدى الثقافي/ فوريم كلتشر" ثم غير فالح عبد الجبار اسمه ونقل مقره إلى لبنان، وقد نشرت تلك الاتهامات في صحف "هولاتي" و "ليفين" الكرديتين و "الأهالي" البغدادية بتاريخ 25 / كانون الثاني 2010 ، حسبنا إذاً أن نذَّكر فقط بهذه المعلومة والتي قد تضيء ولو جزئيا الخلفية العامة لما نحن بصدده، وننتقل الآن لتفحص ما ورد في نص مقالته عن روسيا وموقفها من الانتفاضات العربية ضد أنظمة القمع والتخلف الشمولية في سوريا وليبيا وغيرهما:
يأخذ الكاتب على "روسيا" أنها (تواصل الحماسة السوفيتية القديمة ضد الغرب ) ساخرا من قناعة تتبناها تلك "الروسيا" ومفادها (كل ما يأتي من الغرب شرٌ وإثم) ليس مقصودنا هنا أن ندافع عن روسيا المافيات والفساد والعنصرية الصاعدة التي أنشِئَت على ركام الاتحاد السوفيتي وإنجازاته العظيمة والتي لا يقلل من ألقها الإنساني والتقدمي إلا النمط السياسي الشمولي في حكم الحزب الواحد الموروث من الحقبة الستالينية، إنما أردنا أن نتفحص السياقات المحددة التي أورد الكاتب فيها أفكاره. نسجل أولا، أن هذا "الباحث السوسيولوجي" يضلل قارئه بشكل واسع ومسبق، دع عنك أنه يهين أمة بكاملها ويصفها بالجبن، مع أنه من المصفقين لأمريكا " غير الجبانة" ربما لأنها هي التي دمرت بلده وأذلت وقتلت مئات الآلاف من شعبه، انه يضلل قارئه حين يقول ( فإزاء المذابح في ليبيا وسورية، مثلاً، لم تكتف – روسيا- بالتزام الصمت إزاء الدم المسفوح، بل تعارض أدنى نقد، وضد أدنى عطف على مطلب الحرية السياسية. لكأن الشعب السوري أو الليبي قطيع خراف لا قيمة له بالروبل!) إنه بصريح القول يكذب هنا، فقد أذيعت انتقادات الرئيس الروسي ورئيس وزرائه بوتين للدكتاتور السوري بشار الأسد، وكانت انتقادات حادة بلغت درجة التهديد والوعيد بأنه (سيواجه مصيرا مأساويا، إنْ هو استمر بقمع حركة الاحتجاج السلمية وتأخر في إطلاق الإصلاح الشامل) كما اجتمع مسؤولون من الخارجية الروسية عدة مرات وعلى أعلى المستويات مع قيادات سورية معارضة للنظام. ومرة أخرى نكرر أن الدفاع عن بوتين وميدفيديف ليس مهمتنا، بل هو لا يشرفنا البتة، ولكنه السياق المفترض لاحترام الوقائع والمعلومات وعدم تضليل الناس. و لأن السياسيين الروس وغير الروس لا يتقيدون بأخلاقيات معينة حين يتخذون مواقفهم السياسية ويمكن ، وهذا وارد جدا وقد حدث مرارا، لبوتين أن يغير مواقفه جذريا ويقلب الأمور بتصريح معاكس واحد كالتصريح الذي ذكرناه قبل قليل وتجاهله فالح عبد الجبار عن عمد، ولكن هذا الانقلاب لا يجعل من بوتين ملاكا بعد أن كان شيطانا فتلك هي وظيفته . بكلمات أخرى، فإن رصد مواقف قادة الدول الأوروبية غربا وشرقا لا يؤدي إلى شيء ذي بال على مستوى التحليل العلمي إن هو اكتفى بما هو سطحي وعابر. فإذا كان الكاتب يهاجم المسؤولين الروس لأنهم لم يروجوا للتدخل العسكري في ليبيا وسوريا وغيرهما أو أنهم وقفوا ضده و حاولوا عرقلته ، ولم يتضامنوا بما فيه الكفاية مع الشعوب المنتفضة ضد الدكتاتوريات، وآثروا اتخاذ موقف مختلف عن موقف الرؤساء في الدول الغربية الإمبريالية والتي "يستحلي" الكاتب تسميتها بالديموقراطية فإن هذا ليس مدعاة لتبرئة القيادات الإمبريالية الغربية مما ارتكبته بحق الشعوب المنتفضة في ساحات أخرى كالبحرين واليمن بل وحتى في سوريا ذاتها أو مما ارتكبته بحق الشعب الليبي باسم حماية المدنيين التي أسفرت عن حملة إبادة حقيقية لهم، ولا هو مدعاة للتوقف عن التضامن مع الانتفاضات الشعبية العربية عامة والحرص على تحصينها ضد الانحرافات والتدخلات ورفدها بكل ماهو سليم وبناء يسرع من حركتها نحو النصر وإقامة الدولة المدنية الديموقراطية. ولكنه تضامن مختلف هذا الذي ندعو إليه من حيث محتواه وأهدافه عن التضامن السطحي التصفيقي. إنه تضامن نقدي قائم على الشعار المركب التالي: معكم ضد أنظمة الحكم الشمولية حتى إصلاحها إن أمكن وإلا فحتى إسقاطها، وضدكم في دعوات التدخل الأجنبي وزج شعوبكم في الحروب الأهلية الطائفية.
هل من الصعب أو المستحيل أن يتخذ المرء موقفا كهذا ؟ لما يستسهل البعض اتخاذ المواقف المبسطة والخطية ذات الروح المانوي "إما أسود أو أبيض"، والتي خلاصتها إما أن تكون مع الانتفاضات الشعبية ضد الدكتاتوريات وبالتالي مع التدخلات الأجنبية وإما أن تكون مع الدكتاتوريات ضد الشعوب وضد محاولات الغرب الإمبريالي ركوبها واستثمارها؟
لقد جربنا نحن العراقيين هذه الخيارات المرة، والتي روج لها فالح وزملائه من سياسيين وكتاب في معسكر تغيير النظام من خلال الحرب والاحتلال، حين اختصروا التاريخ العراقي بماضيه وحاضره ومستقبله إلى معادلة حمقاء مفادها: إما أن تكون مع صدام أو مع أمريكا! وها هو العراق اليوم يغوص عميقا في لجة الدم والخراب والتخلف فلا أمريكا نجحت في انتشاله مما هو فيه من شمولية وإرهاب حكومي جعل البلاد مقبرة جماعية شاسعة في عهد النظام السابق بل إنها زادته دمارا على دمار، ولا الذين جاءت بهم أمريكا إلى الحكم أنتجوا ما هو أفضل من دموية وبشاعة النظام المتخلف الذي أطاح به الغزو .
بالعودة إلى حملة فالح عبد الجبار الجديدة سنلاحظ أن حماسته في الهجوم على "روسيا الجبانة" ليس دفاعا عن دماء الأشقاء المنتفضين في سوريا وليبيا، ونضيف نحن: و في اليمن والبحرين والأردن والمغرب والجزائر وعُمان، بل هي دفاع صريح عما يأتي من الغرب وحلف الأطلسي تحديدا.كما أنها أيضا هجوم ثأري وبعبارات صريحة على الثورة الروسية الاشتراكية والاتحاد السوفيتي السابق وكأن له ثارات متراكمة ضدهما. إن الكاتب وسواه من اللبراليين الجدد و"المتمركسين السابقين" يتصرفون بهذه الطريقة وكأن التضامن مع الانتفاضات العربية لا تستقيم دون الدفاع عن الغرب والهجوم على روسيا الصين. فهل يتعلق الأمر بنوع من التنظيف الأيديولوجي لشعارات جذرية مناوئة للغرب موجودة أو قد يجري استنباتها في الانتفاضات العربية، أم هو نوع من الترويض الفكري الذي يقوم به ضرب من الكتبة المرتزقة لصالح أفكار وشعارات يمينية معينة ؟ أم أنه العجز عن بناء موقف مركب يقوم على التضامن النقدي مع جماهير المنتفضين المشاركين في الربيع العربي ونقد أية توجهات للتحالف أو طلب تدخل الغرب الإمبريالي كما سبق وقلنا قبل قليل؟ سيتبين لها بعد قليل أنه ليس عجزا إن شئنا الدقة بل انحياز مسبق للغرب ومشاريعه.
وحتى روسيا والصين الحاليتين فهما ليسا المقصودتين والمستهدفتين بهذا الهجوم الضاري الذي يشنه فالح عبد الجبار وغيره من المنسلتين من حزب يحمل اسم "الشيوعي" إلى المقاهي اللبرالية ومعاهد الدراسات الإستراتيجية المشبوهة، بل المقصود كما يكشف لنا فالح ذاته هو النهج المعادي للامبريالية وديموقراطيتها الناقصة الذي جاءت به ثورة أكتوبر الروسية. بعبارة أخرى إن فالح يعيد جريمة روسيا بوتين وميدفيديف إلى خطيئة أصلية ارتكبها البلاشفة وهي "احتقار الديموقراطية".. لنقرأ ما كتب بهذا الخصوص (والحقل هذا هو الاحتقار المديد للديموقراطية الذي أسفرت عنه روسيا منذ زمن تأسيسها أيام لينين، وهو احتقار فكري وبنيوي، أعني انه يقف في صلب الخطاب الفكري الروسي، مثلما انه ماثل في صلب النظام السياسي، قبل أو بعد تفكك الاتحاد السوفياتي. فالثورة الروسية، منذ بدئها، اعتمدت صيغة الحزب الحديدي، المركزي، شبه العسكري، وهي صيغة مناقضة تماماً لحياة أو عمل أحزاب الاشتراكية الديموقراطية عهد ذاك المتميزة بحرية النقاش والانتخابات الداخلية... الخ.) لنغض الطرف عن أخطاء تاريخية لا يمكن أن يقع فيها تلميذ الابتدائية كقوله أن لينين هو الذي أسس روسيا، قافزا هكذا وبخفة على تاريخ قياصرة آل رومانوف في روسيا وملوكهم المؤسسين الكبار وبخاصة كاترين الثانية الملقبة بكاترين العظيمة وإيفان الرابع الباني الحقيقي لدولة روسيا القائمة اليوم بكيانيتها الجغراسياسية... الخ ! ولنطرح السؤال التالي: عن أية ديموقراطية يجري الحديث وتتهم روسيا باحتقارها؟ أهي ديموقراطية الثورات البرجوازية في طورها التقدمي كما نظَّرَ لها منتسيكو وفولتير وروسو وغيرهم أم ديموقراطية قصف الشعوب بالقنابل الذرية "هيروشيما" والأسلحة الذكية الحديثة "العراق وأفغانستان وغيرهما" ، عنينا ديموقراطية بوش وتاتشر وميتران ؟ أهي ديموقراطية المشاركة الشعبية الواسعة أم ديموقراطية إخراج الجمهور من ساحة الفعل الاجتماعي والسياسي وإناطته بالمهرجين والساسة المحترفين ؟ أهي ديموقراطية الانتخاب المشفوع بحق الخلع واسترجاع الصوت التي نادى بها ماركس بعد الكومونة الباريسية أم ديموقراطية وثنائية "الحزبين الأوحدين" في الولايات المحتدة "الديموقراطي والجمهوري" وفي فرنسا " اليسار الميتراني واليمين الديغولي" و ثنائية "العمال والمحافضين" في بريطانيا ؟ ترى ما الفرق بين دكتاورية الحزب الواحد الستالينية ونسخها العربية والعالم ثالثية الشتى وبين دكتاتورية الحزبين الأوحدين في الأمثلة المتقدمة في أوروبا الغربية وأمريكا؟ ثمة فرق فعلا ، علينا أن نعترف بذلك ، ولكن لنتساءل : أ هو فرق في النوع أم في الدرجة ؟ بين حزب واحد يحتكر كل شيء حتى سقوطه وحزبين "أوحدين" يتناوبان على كراسي الحكم كل بضعة أعوام دون أن يكون هناك أي أفق حقيقي للتغيير الاجتماسي ؟
يصور الكاتب نفسه وكأنه اكتشف العجلة مجددا حين يكرر مفاهيم ونقود بدائية وقديمة وسطحية من قبيل ( فالثورة الروسية، منذ بدئها، اعتمدت صيغة الحزب الحديدي، المركزي، شبه العسكري، وهي صيغة مناقضة تماماً لحياة أو عمل أحزاب الاشتراكية الديموقراطية عهد ذاك المتميزة بحرية النقاش والانتخابات الداخلية... الخ. (أواخر القرن 19 وبداية القرن 20). وقد اعترضت معظم العقول الماركسية عهد ذاك، من روزا لوكسمبورغ إلى بليخانوف، إلى غرامشي، على فكرة «الحزب الممركز» وواقعه ) و هذا الكلام لا يعدو كونه خلط وأخطاء مركبة .. فالثورة الروسية لم تعتمد صيغة الحزب الحديدي بل أن حزب العمل الاشتراكي الديموقراطي الروسي / جناح الأغلبية "البلاشفة" هو الذي اعتمد تلك الصيغة ضمن سيرورة تاريخية معقدة. معروف تاريخيا أن هذا الحزب لم يكن حزبا "حديديا شبه عسكري" منذ بداياته وحتى قيادته الثورة وانتصارها، بل كان حزبا اشتراكيا كسائر الأحزاب الاشتراكية ذات الإرث الديموقراطي الأصيل، فقد كان يسمح بوجود تكتلات وأجنحة مختلفة في داخله – لم تمُنَع إلا بعد الثورة وفي مؤتمر الحزب سنة 1921 - ويعتمد الانتخابات الداخلية لقياداته حيثما كان ذلك ممكنا، ولكنه كان يفترق عن سائر الأحزاب الاشتراكية المثيلة له بشرطه الثالث الشهير وهو وجوب أن ينسلك العضو الحزبي داخل كيان الحزب وينشط في أحد هيئاته أو مكوناته التنظيمية لا أن يكتفي بدفع الاشتراك المالي والاقتناع ببرنامجه السياسي.
ترى، ألا يعتبر وجود معارضة داخل الحزب البلشفي من مظاهر الديموقراطية الأكثر عمقا وجرأة. أكثر من هذا أنَّ تلك المعارضة كان لها حق الاحتكام إلى الأممية الثالثة ومقاضاة قيادة الحزب البلشفي ذاته أمامها و قد ظل هذا التقليد معمولا به بعد الثورة كما حدث حين تقدمت المعارضة اليسارية بزعامة القائدة إلكساندرا كولونتاي و القائد شليابنكوف في ربيع 1922 بشكوى إلى الأممية الثالثة ضد حزب لينين متهمة إياه ( بدوس حقوق العمال الروس بالأقدام وبخيانة الثورة بفظاظة / 42 النبي الأعزل / دويتشر) ومن الطريف أن مهمة الدفاع عن الحزب في تلك المحكمة الأممية أنيطت بالرجل الثاني في الحزب والدولة السوفيتية ليون تروتسكي الذي سيكرر بشكل شبه حرفي تلك الاتهامات بعد سنين ضد خصمه ستالين ولكنه لن يجد محكمة أممية تصغي لشكواه!
وفي مناسبة سابقة خلال أيام ثورة أكتوبر ذاتها، وحين طالب لينين بطرد أو تجميد عضوية اثنين من رفاقه في اللجنة المركزية للحزب لأنهم كشفوا خطة الانتفاضة المسلحة للصحافة بنية عرقلتها رفضت القيادة اقتراح لينين بالإجماع مع توبيخ غير مباشر لصاحبه يقول ( ليس من حق أحد طرد أو تجميد عضوية أيا كان من اللجنة المركزية ) ..أما في عهد ستالين فقد تحول الحزب فعلا إلى عصابة دموية لا تختلف في شيء عن الأحزاب العالمثالثية المعروفة عندنا.
مرة أخرى يكتشف فالح عبد الجبار العَجَلة حين يكتب( روسيا الثورة كانت فلاحية، حرفية، تفتقر إلى أهم معلمين من معالم العصر الحديث: الصناعة، والديموقراطية، الشرطين الأساسيين لأي تطور مجتمعي يريد أو يتخيل، أو يتمنى ان يتجاوز المجتمع الرأسمالي الحديث. لم تكتف روسيا بإيهام نفسها، وهي تباشر التصنيع تحت الكرباج، وترسي دعائم نظام توتاليتاري باسم الوعد اليوتوبي، بأنها هي النموذج الأوحد والوحيد لأي تقدم، بل فرضته فرضاً على الجميع حيثما أمكن: أوروبا الشرقية، الصين، جنوب شرقي آسيا، كوبا.) بتقشير الغضب العصبي الذي يلف هذه العبارات نفهم أن كاتبها يربط بين تخلف روسيا وبين توليتارية " شمولية أو كليانية" النظام الحاكم.وهنا فهو على صواب بخصوص تخلف الأساس المادي للحياة في روسيا وانعدام صناعتها الكبرى وطبقاتها المكتملة التكوين والسمات، أما ربط التخلف بالديموقراطية ونشوء النظام الدكتاتوري الشمولي فهو مجرد حذلقات وشعوذات كلامية لا طائل منها. وبالمناسبة، فليس فالح عبد الجبار هو الذي اكتشف قضية تخلف وروسيا وطابع مجتمعها الفلاحي غير البروليتاري، بل هو لينين ذاته فهو الذي سخر بمرارة وقسوة من مقولة "البروليتاريا الروسية" بعد انتصار الثورة. لنقرأ ما قاله في مؤتمر السوفيتيات في كانون الأول 1921 مهاجما أولئك الذين كانوا يقدمون أنفسهم في الغالب كممثلين للبروليتاريا ( اعذروني ، لكن ما الذي تعنون بكلمة بروليتاريا؟ هل تعنون طبقة الفلاحين هذه التي تعمل في الصناعة الكبرى ؟ ولكن أين صناعتـ" كم" الكبرى ؟ بأي نوع من البروليتاريا يتعلق الأمر ؟ أين صناعتكم ؟ لماذا تسترخي وتنعس ؟/ ص 27 م س)
من جهة أخرى فلم يكن نظام الحزب الواحد والحكم الشمولي هدفا مرسوما مسبقا هرول إليه البلاشفة، بمقدار ما كان خيارا اضطراريا ومفروضا شأنه شأن الحزب فائق المركزية الذي أملته ظروف الثورة المضادة والحرب الأهلية والعدوان الخارجي الذي قامت به 14 دولة أوربية بقيادة تشرشل للقضاء على الحكم الشيوعي ضمن ما سمي وقتها " حملة الأربعة عشرة أمة للقضاء على الشيوعية الروسية". فبعد خمس سنوات على ثورة أكتوبر يخطب أحد قادة البلاشفة هو زينوفييف في المؤتمر الثاني عشر للحزب و يعتبر حكمهم ضمن نظام "الحزب الواحد" صادما لوطنيتهم كحزب، لنستمع إليه وهو يقول الكلمات المذهلة التالية ( نحن الحزب الوحيد الموجود بشكل شرعي ..إننا نملك هكذا احتكارا وهذا يسلخ آذاننا ويصدم وطنيتنا كحزب .. لقد حرمنا خصومنا من أية حرية سياسية ولكن لا يسعنا أن نفعل شيئا آخر .. ص28 م س ) لسنا في معرض تبرير وجود الحزب الواحد والذي لا علاقة له البتة بكل تراث ماركس و رواد الماركسية الأوائل بل هو نقيضها التام، بل في معرض توضيح الظروف الاجتماسية والتاريخية التي أحاطت بقيامه والتي يقفز عليها الكتبة اللبراليون من عشاق ديموقراطية والذين لا يفرقون، وربما لا يريدون التفريق، بين الديموقراطية اللبرالية التي جاءت بها البرجوازيات الأوروبية في طور صعودها وتقدميتها والتي تركت تأثيراتها الحاسمة على مفكري وثوار ذلك العصر ومن بينهم أغلب البلاشفة والمناشفة الروس وبين الاستراتيجيات السياسية النفاقية الرجعية التي يعتمدها حكام القلاع الرأسمالية التقليدية و أعداء الشعوب من أمثال بوش وتاتشر وميتران.
واخيرا فلا يذهبن بنا الظن إلى أن كاتبنا يسكت تماما عن "سلبيات" الغرب والحكام الغربيين لأن الفضيحة سيكون "بجلاجل" فعلا، فها هو يكتب مستدركا (ولم يكن الغرب الليبرالي بلا ذنوب. ففي حقبة الحرب الباردة (أواخر الأربعينات) كان الصراع الأساس في نظر القـــوة الأميركية العظمى، هو منع اليسار من الاتساع، وتطويقه بأي ثمن، مثلما ان روسيا السوفياتية، كانت تسير في اتجاه مماثل. وهكذا جرى التسابق على كسب «الحلفاء»، بأي ثمن، بانقلاب أو من دونه، بمؤامرة أو بمؤامرة مضادة.) غير أن صاحبنا ينسى استدراكه ذا الرائحة المتشككة أو العاتبة على الغرب ليعود إلى أغنيته القديمة المعادية لروسيا "الجبانة المعادية للديموقراطية" سريعا فينتقل من هذا الاستدراك إلى الاستنتاج الخارق التالي (الخلاصة، بقدر ما يتعلق الأمر بروسيا، فإن أنظمة الحزب الواحد، هي صورتها الخاصة، نموذجها المحبب، وحياتها ما بعد الموت. وعلى رغم تفكيك الحزب الواحد في روسيا، إلا أن مفككيه هم أصلاً حماته وصانعوه. وهم يواصلون الشكل القديم برداء ديموقراطي مهلهل. لقد أدمنوا القيصرية.) قد يشعر المرء وهو يقرأ هذه الكلمات بأنه لا يقرأ نصا لسوسيولوجي رصين بل يستمع لكلمات مشعوذ يريد للآخرين أن يعتبروه ساحرا حقيقيا!
نختم بالقول إن التضامن الحقيقي والنقدي مع الشعوب العربية وانتفاضاتها السلمية العارمة ضد أنظمة الحكم الشمولية المتخلفة والدموية هو خيار إستراتيجي و واجب إنساني لكل ديموقراطي حقيقي، أما اشتراط وربط هذا التضامن بالترويج لسياسات الغرب الإمبريالي وتدخلاته ومعاداة أمم شرقية فهو خيانة لهذه الشعوب المنتفضة ولتضحياتها!



#علاء_اللامي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رمضانيات عراقية: أزمة دينية أم سياسية؟
- الحضور المندائي في اللهجة العراقية و العربية الفصحى
- نماذج طريفة من الكلمات الأكدية والآرامية في اللهجة العراقية
- قراءة جديدة في-محاكمة- كافكا: تشريح شعري ساخر لعبث الوجود
- العراق: الصراع الطائفي بلغ المراقد المقدسة!
- المزيد من الكلمات الآرامية والأكدية في اللهجة العراقية /ج3
- كلمات أكدية وآرامية أخرى في اللهجة العراقية
- إيران في العراق: من التدخل إلى الهيمنة إلى الافتراس
- الحضور الأكدي والآرامي في اللهجة العراقية المعاصرة
- إشكالات التصنيف المنهجي والسِيَّري: هادي العلوي نموذجا!
- تصريحات النجيفي : الانفصال الطائفي وخلفياته
- النضال الأيديولوجي والعلاقة المباشرة مع الناس
- العراق ومجازر من الأرشيف .. مجزرة -زفاف التاجي- نموذجا!
- مرة أخرى عن القديس فالنتاين.. وهل هو مالطي أو روماني أو خراف ...
- مَن هذا الفالنتاين الذي يعلم سمنون البغدادي الحب؟
- كمين أميركي اسمه الجنرال-عمر سليمان-
- خطر التصارع الحزبي على الانتفاضة العراقية ومقترحات لتفاديه / ...
- خطر الاستقطاب الطائفي والعرقي على الانتفاضة العراقية ومقترحا ...
- رفض الاجتثاث وتجريم تمجيد الجلادين
- ثلاثة أخطار تحدق بالانتفاضة العراقية ومقترحات لتفاديها


المزيد.....




- رصدته كاميرا بث مباشر.. مراهق يهاجم أسقفًا وكاهنًا ويطعنهما ...
- زلة لسان جديدة.. بايدن يشيد بدعم دولة لأوكرانيا رغم تفككها م ...
- كيف تتوقع أمريكا حجم رد إسرائيل على الهجوم الإيراني؟.. مصدرا ...
- أمطار غزيرة في دبي تغرق شوارعها وتعطل حركة المرور (فيديو)
- شاهد: انقلاب قارب في الهند يتسبب بمقتل 9 أشخاص
- بوليتيكو: المستشار الألماني شولتس وبخ بوريل لانتقاده إسرائيل ...
- بريجيت ماكرون تلجأ للقضاء لملاحقة مروجي شائعات ولادتها ذكرا ...
- مليار دولار وأكثر... تكلفة صد إسرائيل للهجوم الإيراني
- ألمانيا تسعى لتشديد العقوبات الأوروبية على طهران
- اكتشاف أضخم ثقب أسود في مجرة درب التبانة


المزيد.....

- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل
- شئ ما عن ألأخلاق / علي عبد الواحد محمد


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - علاء اللامي - التضامن النقدي مع -الربيع العربي-: قراءة في مثال نظري وعملي معاكس !