أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - يوسف قبلان سلامة - حكمة و نجاة















المزيد.....

حكمة و نجاة


يوسف قبلان سلامة

الحوار المتمدن-العدد: 3472 - 2011 / 8 / 30 - 22:26
المحور: الادب والفن
    


كان ماجد صبيًّا فقيرًا، تمتلك عائلتهُ قطعة صغيرة من الأرض بجوار منزلها في قرية الشويفات اللبنانيَّة. كان ماجد يُساعد والده في حراثة الأرض، وريّ الأشجار والأزهار، وتقطيع الأخشاب لبيعها. وكثيرًا ما كان يُرافق والده على ظهر البغل إلى القُرى والمدن المجاورة. كان ماجد يحبّ التّعرُّف إلى النّاس، وقد اكتسب خبرة لا بأس بها في التّعامل معهم. وقد جاراهُم في رياضات فكريّة وبدنيّة كثيرة، وقد كان له قصب السّبق في العَدْو ولُعبة الشطرنج. وقد فاز برهانات كثيرة. كان والده مصدر تشجيع عظيم له. وكثيرًا ما كافأه بالذّهاب معه في رحلات عبر ممرّات سريّة يُقال: إن قدمًا لم تطأها منذُ أيّام الرّومان.
وحدث في أحد الأيّام أن قرّر الذّهاب بمفرده إلى الغابة، وذلك بعد أن استأذن والده؛ إذ أحبّ أن يفاجئه بباقة أزهار نادرة هذا إن تمكّن من ذلك. وبينما كان يسير في طريقه لاحظ صبيًّا صغيرًا يبلُغ من العمر عشر سنوات يقطف باقة من الأزهار لا يوجد نظير لها على الإطلاق، إذ كانت وحدها المتبقيّة. وبسرعة، عدا ماجد نحو الصّبيّ علّه يتمكّن من سرقة هذه الأزهار الغريبة منه، أو يتحايل على ذويّ الصبيّ فيسرق الباقة منهم إمّا بالتّسلّل إلى منزلهم، أو بمُغافلتهم بطريقة ما. وفيما كان يعدو، انزلقت قدمه إذ داس على قشرة موز كان شخص ما قد رماها على الأرض. فارتطم رأسه بصخرة إثر سقوط عنيف، فسال الدم من رأسه بغزارة مُلطِّخًا ثيابهُ، وفي الحال دخل في غيبوبة، وشاهد حلمًا عجيبًا؛ لقد شاهد بقرة سمينة هولنديّة تَرعى في أحد الحقول بجانب طاحونة هواء، وفيما كانت تَرعى في ذلك الحقل فوجئت بمجيئ قرد راح يتشقلب أمامها، ويقفز على ظهرها ساخرًا منها، وفجأة قال لها متباهيًا: نحن معشر القردة نفضُل عليكُم بمراحل كثيرة، فباستطاعتنا السّير لمسافات طويلة مختصرين الوقت، وحدّثي ولا حرج عن القوّة البدنيّة الهائلة التي يمتلكها ملك الأدغال "الغوريلّا"، ولنا من الذّكاء حصّة وافرة قلّ نظيرها، فقالت البقرة: ليس للذّكاء ولا للقوّة أي فضل على أي مخلوق على وجه الأرض، بل الإيمان والأعمال القلبيّة الصّالحة والسّعي في إثرِها. وما الذّكاء والقوّة سوى أدوات نُسخّرها لمجد الله عزّ وجلّ، فقال لها القرد: إذَن أثبتي لي ذلك، ولأسهّل عليك الأمر، أترَين تلك الثّمرة العالقة في أحد أغصان تلك الشجرة اليابسة الضخمة التي تعلو عن الأرض سبعة أمتار؟ فأجابت البقرة أراها بكل وضوح.
قال القرد: لنرى من سيسبق الآخر للحصول عليها، ولنرى ماذا سيفعل إيمانك وأعمالك في الموضوع.
أجابت البقرة: مهلًا يا صاح، لنحدّد موعدًا لذلك، وليكن غدًا عند السّاعة الخامسة فجرًا. فقال القرد: حسنًا، ليكُن ساعة تشائين.
قالت البقرة: تأكّد بأنّك ستخسر مُقدّمًا لي الثّمرة بيدك، مُعترفًا بفَشلِك التّام أمامي. فضحك القرد قائلًا: وكيف ذلك؟ فأجابت سأحصُل عليها مُنتصرة بإذن الله تعالى. وحدث عند السّاعة الرّابعة والربع أن أقبلت البقرة إلى الميدان. وإذ كانت الشّجرة الضّخمة ذات القُطر الواسع يابِسة ومُجوّفة، قامت تلك البقرة بحشر نفسها في داخلها سادّة الفتحة بواسطة الأخشاب وأوراق الشّجر اليابسة التي كانت هناك، وقد أغلقتها مستعينة بفمها وقرونها، وحدث عند السّاعة الخامسة إلّا الربع أن جاء القرد، لكنّه لاحظ بدهائه أن فتحة الشّجرة كانت مسدودة، فاستنتج أن البقرة نائمة بداخلها، فقام في الحال بإحراق الحطب والأوراق اليابسة الموجودة حول الشّجرة؛ ليُثبت أنّه المُنتصر. وفي الحال جعل يتسلّق الشجرة، وعندها بدأت البقرة بتنفيذ خطّتها. فراحت تهز الشّجر وبكل ما أوتيت من قوّة، وقد ساعد الاحتراق على إضعاف الجذور الواهية للشجرة. وفي الحال نجحت في غُضون رُبع دقيقة بإسقاط الشجرة؛ لكي تسقط الثّمرة،لكن القرد كان قد سقط في مياه النّر الجارفة. وجعلت تنظُر إلى القرد الذي غمرته المياه.كان يُجاهد في سبيل البقاء على قيد الحياة مُتَمَسّكًا بساق الشّجرة. لكن السّيل الجارف كان أقوى منه. فدَنَت البقرة قدر استطاعتها من الضّفة مادّة إحدى قوائمها الأماميّة مُعرضة حياتها للخطر. وبعد جهاد مُستميت ضدّ التيّار استطاع القرد الإمساك بكلتا يديه بساق البقرة، وبعد ذلك قام بإلقاء الثّمرة من فمه إلى الضّفة، فنجا. لقد شكّلت البقرة جسرًا بين النّهر والضّفة. وهكذا، تمدّد القرد على الشّاطئ، مُثنيًا على عمل البقرة البطوليّ الجبّار مُعترفًا بانتصارها، مقدّمًا الثّمرة إليها رغمًا عنهُ. فتحقّق قول البقرة الحكيم بحذافيره. فأهدته الثّمرة قائلة: إنها يمكن أن تعود على جسده بالصّحة لما فيها من فوائد غذائيّة شافية. فجعل يبكي نادمًا ومتضرّعًا إلى الله عزّ وجلّ؛ لكي يغفر له ذَنْبَه، وكان مُنذ ذلك الوقت يأتي إلى تلك البقرة بأفضل الطّعام.
استيقظ ماجد من نومه ليجد نفسه في سرير ذلك الصبيّ، وفي منزل والديه القائم فوق تلّة عالية في تلك الغابة. فحمد الله عز وجل على نجاته من الموت. كان والد الصبيّ يُضمّد لماجد جراحه، وقد دُهش ماجد لدى رؤيته لثوبٍ فاخر كان والد الصّبيّ قد ألبَسَهُ إيّاه عندما كان غائبًا عن الوعي. أمّا الأعظم من ذلك فهو أن تلك الثياب كانت لذلك الرّجل، وقد أهداها لماجد. وحدث في اليوم الثّالث أن شفي ماجد. وفيما كان يتأمل الغرفة التي كان مستلقيًا فيها على السرير، استرعى انتباهه زهريّة كانت الزهور النّادرة قد وضعت فيها. وفكّر إذ ذاك بالتمارُض؛ لكي لا يُلقي والد الصبيّ اللوم على ماجد إن سُرِقَت. لكنّه تذكّر ذلك الحُلم الذي يحكي عن الإيمان والإخلاص والمحبّة، فقرّر العُدول عن فكرتِه. وشكر ماجد ذلك الرّجل، وزوجته، وابنهما الذي قام بنفسه عند سقوط ماجد بتضميد جروحه بواسطة قميصه إذ خلعه على الفور، ولفّ رأس ماجد به.
وعاد ماجد إلى منزله مُنتصرًا على ميوله السّفليّة مُفاجِئًا أهله بتلك الثياب الفاخرة المُهداة له، والتي لولاها لعاد عاريًا، إذ كانت مُلطّخة بالدّماء. وقد اعترف لأهله بكل صراحة عن زلّاته طالبًا الغفران من الله وحده علّه يمنحه القوّة للانتصار على التّجارب الشرّيرة، والعدول عن كُلّ شِبه شرّ بعون الله تعالى وبإذنه. آمين.



#يوسف_قبلان_سلامة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قصّتان قصيران
- قصّة قصيرة


المزيد.....




- -خاتم سُليمى-: رواية حب واقعية تحكمها الأحلام والأمكنة
- موعد امتحانات البكالوريا 2024 الجزائر القسمين العلمي والأدبي ...
- التمثيل الضوئي للنبات يلهم باحثين لتصنيع بطارية ورقية
- 1.8 مليار دولار، قيمة صادرات الخدمات الفنية والهندسية الايرا ...
- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - يوسف قبلان سلامة - حكمة و نجاة