أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - يوسف قبلان سلامة - قصّة قصيرة















المزيد.....

قصّة قصيرة


يوسف قبلان سلامة

الحوار المتمدن-العدد: 3472 - 2011 / 8 / 30 - 17:20
المحور: الادب والفن
    


عاصفة الأهوال

كانت الطّائرة تحلّق بنا فوق المحيط الهادئ، وكانت الرياح النّاتجة عن أحد الأعاصير المُدَمّرة تجذبها نحوه شيئاً فشيئاً. أمّا الرّكّاب فكانوا ينظرون إلى ذلك الإعصار وهو يقترب منهم كأنه الأخطبوط الشيطانيّ القويّ، الذي يستحيل أن تُفلت منه أي غواصّة إن قُدّر لها الوقوع بين براثنه المُهلِكة. وقد بذل الطيّار كل ما أوتي من جهد في سبيل الحفاظ على توازن الطائرة والإفلات من سيطرة ذلك الإعصار المُدمّر، لكن من دون جدوى. وكان موج البحر عالياً حتّى يخال المُشاهد أن الطّائرة تحلّق فوق جبال الألب ووديانها. حقّاً إنّه لمنظر جحيميّ.
وجعلت الطّائرة تهبط شيئاً فشيئاً على الرّغم من المُقاومة الشّديدة التي بذلها ذلك الطيّار الخبير لتلافي خطر تحطمها وغرقها. إلا أنه نجح في عدم جعل الطّائرة تهوي فجأة. وما أن دنت من إحدى الأمواج العالية حتى لطمتها كالسّوط الجبّار، فتحطّمت إذ ذاك شذر مَذر. وللحال وجد الركاب المئتان أنفسهم يتخبّطون في لُجج المحيط الجبّارة. وفجأة، ظهر حوتٌ ضخم من بين الأمواج، فتمسّك الكثيرون منهم بذيله، ثم غاص بهم في الماء. وتكرّر المشهد مع سرب آخر من الحيتان، فحذا زملاء أولئك الرّكاب حذوهم.
إلاّ أن راكباً واحداً لم تكتَب له النّجاة. ابتلعه الإعصار قاذفاً إيّاه عدة كيلومترات نحو السّماء، ففقد وعيه بعدما فقد الأمل من الحياة نهائيّاً. و ها إنّه يَخُطّ بيراعِه تفاصيل قصّته العجيبة قائلاً: "وما هي إلاّ لحظات، حتّى وجدت نفسي مُلقى عند شاطئ جزيرة قد زُرع فيها الكثير من أشجار النّرجيل. لكنّي فضّلت الاستراحة بسبب الجهدين النّفسيّ والجسديّ، اللذين كنت قد شربتهُما حتّى الثّمالة. وشعرت بأن الإيمان والرّجاء كانا قد ارتفعا في نفسي إلى درجات عدّة. وبعد نحو ساعتين من التّأمل، رحت أجوب تلك الجزيرة علّني أعثر على بئر ماء لأروي بعض ظمأي. لكن الجوع كان قد استبدّ بي أيما استبداد.
حاولت تسلّق تلك الأشجار، فكان الإنهاك لي بالمرصاد؛ فتسلّق ذلك النّوع من الشّجر يحتاج إلى جهد جبّار. ومضت ثلاثة أيّام وأنا على تلك الحال الصّعبة، من دون أكل أو شرب، حتّى قرّرت أن أسبح في البحر، وليأخذني التيّار المائيّ حيث يشاء.
أجل لقد جاءتني تلك الفكرة، وصادف أن كان القمر بدرا، وهي ساعة انتظار المَدّ. وولجتُ المياه، وجعلت أسير. ولكن، يا للهول، فقد مشيت مسافة تُعد بالكيلومترات والمياه ما زالت دون مستوى رُكبتيّ. فما هو تفسير ذلك الأمر العجيب؟. حاولت الاستدلال بالشّمس علّي أبلُغ الشّاطئ. وهكذا جعلت أسير مستعيناً بخبرتي المحدودة في تحديد الاتّجاهات، لكن من دون جدوى.
ثم نظرتُ خلفي، لأجد مشهداً صاعقاً يستحيل حدوثه. فقد رأيت ناقلة نفط هائلة الحجم تمرّ بجانبي! فقلت في نفسي، كيف لسفينة جبّارة أن تسير في مياه بالغة الضّحولة مُحافظة على توازنها؟ تُرى هل أنا مسحور أم في حُلم؟. وهكذا، جعلتُ أعدو خلفها علّي أظفر بالصّعود على متنها. وكانت شمس المغيب تُشير إلى مجيء جحافل الظّلام الّلجبة. وبعد ربع ساعة من العَدو، تكشّفت أمامي غابة خضراء وسط المياه، كانت السّفينة تعبُر في وسطها. فاقتربت من تلك الغابة قدر استطاعتي. وكانت هناك أشجار مانغو، وجوز الهند، والبرتقال. وكانت المياه تجذب الثمار المتساقطة نحوي. فملأت جوفي منها مرتوياً بعصير جوز الهند اللذيذ، ذي الطّعم الحلو حتى الشبع.
وما أن بلغت مشارف تلك الغابة حتى كادت المياه أن تصل إلى مستوى رقبتي. فاستنتجت أن السّفينة قد دخلت في نهر ذي مياه عذبة. كانت الغابة حافلةً بنباتات بلّوريّة مُضيئة وساطعة سابحة على صفحة المياه. وكانت فراشات تحوم حول ينابيع بلّوريّة، وسناجب تقفز من شجرة شاهقة إلى أخرى، فضلاً عن وجود السّهول والوديان. وفيما كنت أجول بناظري في تلك الغابة العظيمة، لاحظتُ مدخلاً لكهفٍ مكلّل بالورد الجوريّ، ذي ألوان مُتعدّدة. ثمّ رأيت تماثيلَ لحوريّات فاتنات تكلّل رؤوسهنّ أزهار اليوكاليبتوس. وفجأة سمعت أصواتاً عالية، شعرت بأنني قد سمعتها من قبل. كانت آتية من تلّة عاليةٍ، فجعلت أتسلّق أحد الجبال الشّرقيّة، حتّى شاهدت نفسي واقفاً عند ضفّة النّهر أسفل تلك السّفينة. لكنّي لم أرَ أحداً فيها، ولم أستطع بلوغ متنها؛ إذ لم يكن لديّ حِبال. وكانت السّفينة واقفة باتّزان تُبحر عكس التيّار. وما هي إلاّ لحظات حتّى أبحَرَت مُجدّداً، ولكني لم استطع اللّحاق بها على الرّغم من عدوي على الضّفة، فحزنتُ حُزناً شديداً. لكن، ولعين الدّهشة، شعرت بيدٍ حطّت على كتفي، وما إن التفت حتى شاهدت أخي الذي كان معي على متن الطّائرة، فشعرت ببهجة عارِمة بسبب نجاته العجيبة. وقال لي: "لا تقترب من السّفن، ففي أسفلها شفرة حادّة قد تودي بحياتك". كانت دموع الفرح تسيل من أعيننا بغازارة. ثم أضاف: "إن هؤلاء هم ركاب الطائرة، وقد نجوا بأعجوبة بالغة الغرابة والدّهشة.ثمّ قَدّم لي فاكهة شبيهةً بالتّفاح فأكلنا منها.و قال لي:إنّ هذه الثّمرة موجودة فقط في هذا المكان،و قد أكل منها جميع ركّاب السّفينة.و ما هي إلاّ لحظات حتّى شعرت بدُوارٍ عنيف في رأسي .وفجأة غطس أخي في المياه، وتلاشت الغابة. و صارت الأرض قفراء جرداء. ورحت أهيم في تلك الصّحراء أيّاماً. وقمتُ بتدوين مذكّراتي بعدما غمستُها بدمي الذي أفرزتُه في صدفة صغيرة. وفي اليوم الخامس كان الجوّ شديد الحرارة، فاحتضنتي الأرض بنيران شمس الصحراء اللاهبة. وها إنّي أدوّن كلماتي الأخيرة".
تلك كانت رسالته. وفي التّاسع والعشرين من شهر شباط للعام ألفين وأحد عشر، رأى أحد الرّحالة المُسنّين هيكلاً عظميّاً في صحراء عُمان. ومِمّا لفت نظره هو وجود صَدَفة بين أضلاع ذلك الهيكل العظميّ، قد دوّن على ظهرها كتابات. وما أن قرأها حتّى دارت في عقله ذكريات، وقام بنشر تلك المُذكّرات في صحيفة، فقرأها عددٌ كبيرٌ من النّاس. وممّا جاء في خبر الصّحيفة أنه دعا عدداً من الأشخاص لكي يُوافوه في مطار مسقط الدّولي. وهناك حضر مئة وتسعة وتسعون رجلاً و امرأة، وكانوا ينظرون بذهول إلى بعضهم البعض. وساد صمت مدّة خمس دقائق، الجميع في حالة استغراب تامّ. فقد مرّت في أذهانهم حادثة واحدة، وكأن المارد قد استفاق. وراح الجميع يستعرض تلك الأيّام التي قضوها في تلك السّفينة الغامِضة، التي كانت سبب نجاتهم. ثمّ كيف وصلوا إلى مدينة بعدما فقدوا ذاكرتهُم،بسبب تجرّعهم لذلك الشّراب العجيب. وها هُم يلتقون مجدّداً، مُحدّثين بنعمة الله بكلّ وسيلة مُمكنة.



#يوسف_قبلان_سلامة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - يوسف قبلان سلامة - قصّة قصيرة