أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - عبد الهادي نصري - قراءة في المادة الثامنة من الدستور السوري وجبريّة القرار















المزيد.....

قراءة في المادة الثامنة من الدستور السوري وجبريّة القرار


عبد الهادي نصري

الحوار المتمدن-العدد: 3472 - 2011 / 8 / 30 - 14:36
المحور: اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
    


في لقاء ودّي جمعني مع لفيف من الرفاق البعثيين بالدكتور وهيب الغانم، أحد الروّاد الأوائل لمؤسسي حزب البعث العربي الاشتراكي، بتاريخ 18-9-1985 في الشاليه الخاص به بالشاطئ الأزرق بمدينة اللاذقيّة. والدكتور الغانم أبرز الوجوه الفكريّة التي أسهمت في المؤتمر التأسيسي الأول لحزب البعث. وقد أسهم في وضع دستوره الذي يعدّ أول وثيقة فكرية لمشروع نهضوي في تاريخ العرب، دار الحديث حول عدم بروز شخصيّة قيادية وتنظيم حراكي يسعى الحزب من خلالهما للوصول إلى السلطة وقيادة الدولة.

بيّن الدكتور وهيب أن الحزب منذ البدايات كان يؤمن بقوّة فكره أكثر من دور قياداته، فالأفكار تملك قدرة التغيير والتحولات عندما تتملّك الجماهير أكثر من دور الأشخاص أو القرارات، لأن الحزب يستمد شرعيته أساساً من الشعب. ولو عدنا إلى أدبيّات البعث ومقررات مؤتمراته على امتداد نحو ربع قرن، حتى إقرار المادة الثامنة من الدستور السوري عام ،1973 لا نجد أيّ توجّه ليكون له قيادة الدولة والمجتمع بقدر ما كان يؤكده من حراك وتفاعل مع الجماهير لتعزيز إيمانها بمبادئه. وكان شعاره الدائم (سنبتعد عن السلطة كثيراً وفي صفّ الجماهير سنبقى طويلاً).
وعندما قام العقيد أديب الشيشكلي بحركته ضد الحكومات البرجوازيّة الفاسدة، أيّده حزب البعث العربي في بداية حركته، وعندما عرض الشيشكلي على حزب البعث تسلّم السلطة، رفضها لأنه لا يريدها من خلال انقلاب عسكري.
ومنذ عام 1957 أصبح البعثيّون القوة السياسية والجماهيريّة الضاربة في سورية، وهم قاب قوسين أو أدنى لاستلام السلطة من خلال صندوق الاقتراع وعبر قبة البرلمان. وقد عرض آنذاك مشروع الوحدة بين مصر وسورية بقيادة الرئيس جمال عبد الناصر. فبادر الحزب لتأييد الوحدة وحلّ تنظيمه الحزبي داخل أراضي الجمهوريّة العربيّة المتحدة بإقليميها السوري والمصري معاً، زاهداً بالسلطة لأجل الوحدة، لأن السلطة لم تكن في نظره غاية بل وسيلة لقيام المجتمع العربي الاشتراكي الموحّد.
وعندما نجحت ثورة البعث في الثامن من آذار فإنه لم يعلن عن نفسه قائداً للدولة والمجتمع، والعودة إلى مجموع بلاغات المجلس الوطني لقيادة الثورة تؤكد ذلك، حتى إن البيان التفصيلي عن سياسة الدولة الذي صدر عن مجلس الوزراء بتاريخ 1431963 جاء فيه
(لقد قامت هذه الثورة على وحدة وطنيّة تضم جميع القوى الوحدويّة الاشتراكيّة) وعلى مدى عشر سنوات تابع الحزب توجهاته النضاليّة الجماهيريّة وروحيّة مبادئه سواء في دستوره أم في منطلقاته النظريّة التي تؤكد دور الشعب في السيّادة، وأنه مصدر السلطات وقائدها دون وصاية أي قيادة أو حزب فقد جاء في المادة الخامسة من مبادئ دستور الحزب أن حزب البعث العربي الاشتراكي شعبي يؤمن بأن السيادة هي ملك الشعب، وأنه وحده مصدر كل سلطة وقيادة، وأن قيمة الدولة ناجمة عن انبثاقها عن إرادة الجماهير، كما أن قدسيتها متوقفة على مدى حريّتهم في اختيارها.
وبالتالي فالحزب أكّد أن الوصول إلى السلطة وقيادة المجتمع لا يتم عن طريق أي مادة أو قرار، بل استناداً إلى إرادة الجماهير التي تتمثّل أساساً في صندوق الاقتراع، وتؤكّد ذلك بعض المنطلقات النظريّة الوثيقة الفكريّة الثانية بعد دستور الحزب التي أقرها المؤتمر القومي السادس في تشرين الأول لعام 1963 وبعد قيام ثورة آذار إذ ورد فيها أن سياسة الحزب قائمة على الثقة بقوة الجماهير العربية، وهي وحدها التي تُمكّن الشعب العربي من الالتقاء مع حلفاء ثابتين لقضيّة النضال العربي).
وتضيف أن مبدأ ثوريّة الاقتراع الشعبي وحريّته في انتخاب الهيئات التمثيلية والمجالس الشعبيّة.. لا يمكن أن تتحقق إلا عن طريق اعتبار الجماهير قاعدة الثورة وحاميتها، وبالتالي رفض مبدأ الوصاية نيابة عن الشعب).
تشترط المنطلقات أن أي حزب لا يكون حزباً قائداً إلا بشرطين
الشرط الأول هو قدرة الحزب على قيادة الأغلبية الساحقة من الجماهير الشعبية، وأن يؤمن التفافها الطوعي الواعي حوله.
والشرط الثاني هو ممارسة الديمقراطية الداخلية في الحزب القائد. و(أن كل محاولة لحجب الحقيقة هي انحدار علني من الثورية إلى الانتهازية).
وبالتالي فإن المادة الثامنة من الدستور التي أقرت عام 1973 والتي سأتحدث عنها لاحقاً لم تأت في نسق مبادئ دستور الحزب ومنطلقاته، وجاءت بعيدة عن روحيتهما وجاءت في نسق الدساتير للدول التي قادتها أحزاب ثورية واشتراكية وقومية، بهدف قطع الطريق على الأحزاب الرجعية والبرجوازية إلى السلطة في دول العالم الثالث. ومن المفيد الإشارة إلى أن المقدمة التي وضعت للدستور السوري المذكور والتي عُدَّت جزءاً لا يتجزأ منه قد أكدت موضوع حرية الاختيار وليس جبرية الاقتراع والانتخاب. فقد ورد في الفقرة الرابعة منها الحرية حق مقدس، والديمقراطية الشعبية هي الصيغة التي تكفل للمواطن ممارسة حريته. ورغم ذلك فقد جاء نص المادة الثامنة من الدستور وفق ما يلي حزب البعث هو الحزب القائد في المجتمع والدولة، ويقود جبهة وطنية تقدمية تعمل على توحيد طاقات الجماهير ووضعها في خدمة أهداف الأمة العربية، التي تم إقرارها في الدستور خلال جلستي مجلس الشعب بتاريخ 301 و202 لعام 1973. ومهما صدرت من تأويلات وتعليلات لاحقة ومتأخرة حول عبارة (الحزب القائد في المجتمع والدولة) وتباينها عن عبارة قيادته للمجتمع والدولة، علماً بأن دلالة حرف الجر (في) تفيد الظرفية والمصاحبة والمقايسة، فإنها تفيد الاستعلاء والعلو، أي بعبارة على المجتمع والدولة، نحو قوله تعالى في القرآن الكريم (قل سيروا في الأرض)، أي على الأرض وليس داخل الأرض. وقوله تعالى على لسان فرعون مخاطباً السحرة الذين آمنوا بموسى (لأصلبنّكم في جذوع النخل) أي على النخل وليس داخله. وليس ذلك التأويل إلا حالة هروب من دلالة معنى القيادة، فالقيادة قيادة في أو على الدولة والمجتمع.. إنه هروب من القراءة والرؤية النقديّة العلميّة الديمقراطية لتلك المادة.
إن الخطورة على أي حزب ثوري التي تمثلها تلك المادة جنوحها نحو السلطة، واعتبار تلك المادة قدراً وحقّاً تاريخياً ومنحة إلهية يهجع في صولجانها.. والتي تؤدي إلى ضعف فاعليته مع جماهيره وفك ارتباطاته بها تدريجياً، وهي التي أعطته بيعتها وثقتها.
و الخطورة الأكبر استقطاب السلطة لعمل القيادات الحزبية وقواعدها، وتحول معظم نشاطاتها نحو آلية عمل الدولة والحكومة ومصالحها ومكاسبها. ويصبح نضال البعث عملاً ديوانياً ملحقاً بالدولة. أما جهازه الحزبي فيتحول إلى سدنة لفكره وأهدافه يحمونه برماحهم.. بدلاً من التفاعل مع غاياته وأهدافه تطويراً وتفعيلاً مع الجماهير بفكرهم وأقلامهم، فيفقد الحزب والحالة تلك قوة بنيته التنظيمية ودوره الريادي وحراكه الاجتماعي.
لقد سقطت نظرية الحق الإلهي المقدس في النيابة عن الإله في حكم البشر، التي برزت في العصور الوسطى مع قيام قسطنطين الأكبر الذي حكم الإمبراطورية الرومانية بين عامي (306-337)، إذ اعترف بدور المسيحية ووظفها أداة ليعطيه آباؤها الحق الإمبراطوري الإلهي المقدس.
يعقب المؤرخ البريطاني الشهير هـ. ا. ل. فيشر في كتابه عن (أوربا في العصور الوسطى) أن الإمبراطور قسطنطين شعر في قرارة نفسه أنه الابن الحبيب المختار من الله القادر على كل شيء. ووظف الدين الجديد في سلطانه، وأنه حلم برؤيا تمثّلت بصليب في السماء يبشّره بالنصر، رغم أنه لم يعتنق المسيحية رسميّاً وتم تعميده سنة 337 وهو على فراش الموت.
بينما نجد الخليفة الراشدي أبا بكر الصدّيق عندما بايعه المسلمون بالخلافة قد حدد شرعية خلافته في تولي أمور الناس بحسن ولايته وسقوط تلك الولاية بحال عدم تحققها وأن تلك الولاية ليست قدراً مفروضاً على جمهور المسلمين وإنما هي نيابة وولاية مشروطة. فقد خاطب الناس يوم بيعته قائلاً يا أيها الناس إني ولّيت عليكم ولست بخيركم، فإن أحسنتُ فأعينوني وإن أسأت فقوّموني.... أطيعوني ما أطعت الله ورسوله فإن عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم.
من ذلك نستنتج أن تولي أمور الناس وقيادة الدولة والمجتمع هو في جوهره عقد اجتماعي له اشتراطاته التي تحدد العلاقة بين الطرفين الشعب من جهة، والمتولي للقيادة من جهة أخرى. وتلك الاشتراطات هي جوهر وأساس تلك العلاقة. فقيادة أي زعيم أو حزب لأمور الدولة والمجتمع أو الشعب ليست حقاً مطلقاً وإلا فستكون استنساخاً لنظرية الحق الإلهي المقدّس. وبالتالي فإن تلك القيادة حتى تكون تحت سقف الحريّة والديمقراطية لا بد أن تكون محددة باشتراطات واضحة حتى تستوفي شرعيّة عقدها الاجتماعي. وفي طليعة تلك الاشتراطات الاختيار الشعبي الوطني لتلك القيادة عبر صناديق الاقتراع، وبالتالي فإن المادة الثامنة من الدستور لم تستوفِ عقدها الاجتماعي، وهي بالتالي ليست قدراً ووصاية على مواطنيها.
لذلك فإن السيد الرئيس بشار الأسد قد وجّه لإعادة النظر في تلك المادة، وأنه بعد ذلك التوجيه لا يحق لأحد مهما كان التمسّك بها.
آن للبعث العربي أن ينزع عنه تلك المادة وجبرية قرارها... أن يُفعل حضوره الجماهيري وأن يعود إلى قواعده الشعبيّة التي كانت رفيقة نضاله ودربه وكانت الرافعة الوطنيّة له ولكن عبر صناديق الاقتراع.
الدكتور عبد الهادي نصري



#عبد_الهادي_نصري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- لافروف يتحدث عن المقترحات الدولية حول المساعدة في التحقيق به ...
- لتجنب الخرف.. احذر 3 عوامل تؤثر على -نقطة ضعف- الدماغ
- ماذا نعرف عن المشتبه بهم في هجوم موسكو؟
- البابا فرنسيس يغسل ويقبل أقدام 12 سجينة في طقس -خميس العهد- ...
- لجنة التحقيق الروسية: تلقينا أدلة على وجود صلات بين إرهابيي ...
- لجنة التحقيق الروسية.. ثبوت التورط الأوكراني بهجوم كروكوس
- الجزائر تعين قنصلين جديدين في وجدة والدار البيضاء المغربيتين ...
- استمرار غارات الاحتلال والاشتباكات بمحيط مجمع الشفاء لليوم ا ...
- حماس تطالب بآلية تنفيذية دولية لضمان إدخال المساعدات لغزة
- لم يتمالك دموعه.. غزي مصاب يناشد لإخراج والده المحاصر قرب -ا ...


المزيد.....

- يسار 2023 .. مواجهة اليمين المتطرف والتضامن مع نضال الشعب ال ... / رشيد غويلب
- من الأوروشيوعية إلى المشاركة في الحكومات البرجوازية / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- عَمَّا يسمى -المنصة العالمية المناهضة للإمبريالية- و تموضعها ... / الحزب الشيوعي اليوناني
- الازمة المتعددة والتحديات التي تواجه اليسار * / رشيد غويلب
- سلافوي جيجيك، مهرج بلاط الرأسمالية / دلير زنكنة
- أبناء -ناصر- يلقنون البروفيسور الصهيوني درسا في جامعة ادنبره / سمير الأمير
- فريدريك إنجلس والعلوم الحديثة / دلير زنكنة
- فريدريك إنجلس . باحثا وثوريا / دلير زنكنة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - عبد الهادي نصري - قراءة في المادة الثامنة من الدستور السوري وجبريّة القرار