أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعد الله مزرعاني - الحمل والولادة الطبيعيان















المزيد.....

الحمل والولادة الطبيعيان


سعد الله مزرعاني

الحوار المتمدن-العدد: 3470 - 2011 / 8 / 28 - 01:13
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



تشير التطوّرات الدراماتيكية في ليبيا، في جزء أساسي منها، إلى تنامي الدور الأجنبي في تحديد نتائج الاحتجاجات والانتفاضات والثورات العربية. تملك الدول الغربية، ذات التاريخ الاستعماري التقليدي القديم، والولايات المتحدة الأميركية (التي أضافت إلى الوسائل الاستعمارية القديمة وسائل جديدة)، تملك فائض قوة يمكّنها من التأثير في تطوّرات الكوكب، على كلّ صعيد. لقد فاجأت الأحداث في كلّ من تونس ومصر، الولايات المتحدة والغرب، لكنّ هذين سرعان ما صاغا خطة للتعامل مع التحرّك الشعبي، تقضي في مرحلتها الراهنة، بالانتقال من احتوائه إلى محاولة توظيفه. في المشهد الليبي الآن، تكاد المبادرة تصبح في متناول التحالف الأطلسي على نحو يتزايد باستمرار: يحصل ذلك على نحو «طبيعي»، فقوى الاستعمار والهيمنة الغربية أدت دوراً فاعلاً في إسقاط حكم «القائد» العقيد معمّر، الذي يواظب حتى لحظاته الأخيرة على أن يملي دروسه على التاريخ، عوض أن يتعلّم شيئاً من بعض عِبَرِه وخلاصاته. ورغم أنّ المعارضة الليبية، في ظلّ رعاية غربية وأميركية واضحة، قد تمكّنت من التشكّل في إطار قيادي وتعبوي وتنظيمي موحّد، إلا أنّ ما يُطرح عليها الآن من مهمات جديدة ومعقّدة، سياسية وأمنية واقتصادية وإدارية... سوف يجعلها بحاجة أكبر إلى المرجعية الغربية والأميركية، على نحو متزايد، وكما لم يقصّر الحلف الأطلسي منذ اندلاع الأزمة في خلق وقائع تفرض دوره المرجعي في أثناء النزاع، فهو يضاعف الآن، من امتلاك عوامل القوّة لكي يصبح المقرّر الأساسي في الشأن الليبي، في مرحلة ما بعد انهيار سلطة العقيد معمّر القذافي. في تتبّع مسار الوضع الليبي ومسار أوضاع مشابهة، يمكن ملاحظة أنّ عملية الاحتجاج لم تنشأ ولم تتطوّر، على نحو طبيعي، في الرحم الليبي. أما السبب، فهو المنع والقمع والاستئثار وغياب الحياة السياسية التي حُصرت، كالعادة، في جهة واحدة، أو في فرد قائد، أو حزب، أو عائلة، أو أجهزة أو مافيات. وهذا أو تلك، يقرّر وينفّذ، دون حسيب ورقيب ورادع، من الأرض أو من السماء! لقد نشأت المعاناة في الداخل. لكنّها لم تتفاعل فيه على نحو طبيعي: فكانت الهجرة الطوعية أو القسرية، وكان الكبت، وكان الخضوع والصمت والخوف والرفض.... وقد تبلور في امتداد تلك المعاناة الطويلة، التطلّع إلى الخارج سبيلاً للدعم أو للإنقاذ: على مستوى الأفراد، في مرحلة، وعلى مستوى الجماعات في مرحلة لاحقة. لقد بلغت الأزمة مستوى متقدّماً من التفاقم، واستنفد ضحاياها كلّ قدراتهم على الصبر والتحمّل. وحين، نشأت حوافز ومشجّعات قريبة أو بعيدة، وحين تبلورت لدى القوى الخارجية خطة محكمة للتحريض والتحريك والتدخل والتأثر، اندلعت الانتفاضة وتوسّعت، لكنّ الولادة، لم تكن طبيعية ولا حتى قيصرية، ذلك أنّ الحمل قد حصل تقريباً، خارج بيت الرحم. تلك هي المشكلة الكبيرة التي تضفي على معظم الواقع العربي، بعداً بالغ التشوّه والتعقيد والغرابة. لقد مضى الرئيس الراحل صدّام حسين بتجربته إلى حيث وضع معظم شعبه وكلّ معارضيه، أمام معادلة شديدة الخطورة: الاختيار بين الدكتاتورية والاحتلال، ووُظّفت الموارد والقدرات الأساسية للدولة في خدمة استمرار النظام، وفي قمع مفرط القسوة ضدّ كلّ تململ أو احتجاج حتى في الصدور. نجمت عن ذلك أضرار هائلة على الوحدة الوطنية وعلى حقوق المواطن والجماعات حتى في مجرّد البقاء في وطنهم. لقد هاجر الملايين وأصبح العراق، تلك الأرض الشاسعة والكريمة والعريقة، ضيّقاً أمام معظم العراقيين، من بقي ومن هاجر وما بدّلوا تبديلاً...
من هنا نشأ الأساس «الداخلي» لـ«الدور الخارجي». أما ما يتصل بتبرير ذلك بمقاومة الهيمنة الاستعمارية والمشروع الصهيوني، فلم يكن غالباً، يقع في موقعه الصحيح إطلاقاً: فمواجهة العدوّ الخارجي، الطامع والمتربّص بالثروة والدور والوجود، تتطلّب تحصين الداخل لا شرذمته وتفتيته، وتتطلّب المشاركة في السلطة، لا الجنوح بها نحو التسلّط والتفرّد والاستبداد...
وسط هذه المعادلة الأليمة واللئيمة، التي لا ينبغي أبداً إضفاء المشروعية من ضمنها، على أحد طرفيها، تتجه الآن الأنظار إلى الوضع السوري. ما بعد انهيار نظام العقيد القذافي سيكون ذاك الوضع أصعب وأكثر توتراً. ذهنية الحذر من تكرار النموذج العراقي في سوريا، ستتراجع لمصلحة نقل النموذج الليبي إليها. القوى الغربية الأطلسية نفسها، بدأت تعدّ العدّة لهذا الأمر، فضلاً عن الأنظمة التي جمعت على نحو «حكيم» ما بين التبعية والاحتلال من جهة، والتفرّد والاستبداد، من جهة ثانية. لأسباب عديدة، ورغم المشتركات الكثيرة، لكلّ بلد ظروفه الخاصة. سوريا ذات دور حقيقي في صراعات المنطقة. ورغم الكثير من الملاحظات الجوهرية على السياسات السورية، فهذا الدور مزعج للأميركيين والغرب الاستعماري.
لكنّ الشعب السوري الذي احتضن أو ابتكر أو تبنّى كلّ أشكال الممانعة والمقاومة، كما أشار الرئيس السوري عن حق في خطابه الأخير، يحتاج أيضاً، إلى مساحة كافية وحقيقية من العمل بحرية وفي مناخ مشاركة وديموقراطية. وإنّه لمّا يبعث بالفعل على الارتياح، بل على الفخر القومي، ما تتسم به مواقف الأكثرية الساحقة من المعارضين (إلا بعض اليائسين والمرتزقة) من رفض للتدخل الأجنبي بكلّ صوره وأشكاله. لكن للأسف، حتى الآن، لا يزال الفارق كبيراً، بين ما يطالب به المعارضون، وما يستطيع النظام السوري القبول به.
ومن هذه الفجوة، وهذا الفارق، يحاول المتربصون أصحاب مشاريع السيطرة والهيمنة الأجنبية، النفاذ إلى الداخل السوري، متسلّحين هذه المرة بما حصل في ليبيا لإزالة الكابوس العراقي من العقول والأذهان. إنّها فترة مفصلية تلك التي تمرّ بها سوريا ويمرّ بها الوضع العربيّ عموماً. لقد أدّت الأزمة في سوريا إلى تعطيل دورها الإقليمي. وسلطاتها مطالبة من جانب الولايات المتحدة خصوصاً، بالتخلي عن كلّ السياسات التي جعلتها في موقع التناقض مع المشروع الأميركي أو الاعتراض عليه، مقابل تخفيف الضغط عليها! وللردّ على هذا الاستهداف، لم يعد جائزاً ولا مقبولاً ولا حتى ممكناً، دون المبادرة إلى تبني ما هو مطلوب شعبياً من إقرار الإصلاحات التي أساسها إقامة دولة قانون ومؤسسات تتيح للشعب السوري حق الاختيار وتحفظ له وحدته الوطنية وتعزّز موقعه الوطني والقومي والتحرّري.
إنّ بناء استنتاجات صحيحة استناداً إلى الوقائع المتحرّكة الراهنة، هو ما يجب أن يوجّه سلوك القيادة السورية اليوم قبل الغد. إنّ استنزاف سوريا وقدراتها ومقوّمات عافيتها، يحصل اليوم على نحو مقلق. وهذا الاستنزاف هو هدف قائم بذاته حتى لو لم يكن يمهّد لهدف أكبر هو إسقاط النظام، وبطريقة يجري التخطيط لها كي تصبح تكراراً سريعاً أو مؤجّلاً لما حدث في ليبيا.
إنّ النظام السوري على نحو عام، والرئيس بشار الأسد على نحو خاص، يستطيعان فعلاً أن يقدّما أنموذجاً إيجابياً، إذا جرى إطلاق عملية إصلاحية سريعة وحقيقية تقطع الطريق على التدخل والاستغلال الأجنبيين وتفتح الوضع السوري، عبر الحوار الجدي، على تحوّل نوعي يعيد الأمور إلى الطرفين الطبيعيين في المعادلة السورية: السلطة من جهة، والمعارضة من جهة ثانية. ومسؤوليات القيادة السورية، تتخطى الوضع السوري إلى الوضع العربي عموماً، وإلى الوضع في لبنان وفلسطين والعراق على نحو خاص. ومن هنا أهمية الحلّ السياسي الذي هو الأساس في كلّ معالجة، وبالذات لأنّ أساس الأزمة في الداخل سياسي، ولأنّ النتائج ستكون أيضاً ذات أبعاد سياسية استراتيجية على المستوى العربي، وحتى الدولي، وصولاً إلى فنزويلا!
يجاهر قادة أميركيون الآن بأنّهم قد انتقلوا إلى مرحلة جديدة من التفتيت والشرذمة على مستوى المنطقة العربية ككل، لكن بمقدور القيادة السورية أن تعيد الأزمة إلى نطاقها الداخلي، وأن تضع الحلول وفقاً لذلك، لكي تكون الولادة طبيعية، ولكي تجري محاصرة كلّ المؤمرات المشبوهة التي لن تتردّد في مجرى أهوائها ومصالحها، أن تجعل تدخلها «إنقاذياً» حتى لو أدّى إلى قتل الوالدة والمولود معاً!



#سعد_الله_مزرعاني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سهيل عبود يثير التحدّي مجدّداً
- العراق في دروس ومهمات
- مراجعة خيار المفاوضات: فلسطين أوّلاً
- الطائفية... عنصرية ؟
- مؤتمر الحزب الشيوعي اللبناني: رهان الأمل وتحدّي المشروع والآ ...
- تشافيز يصنع «اشتراكيته»
- الحفاظ على سلاح وتعطيل آخر!
- نحو تعاقد جديد لإنقاذ لبنان
- ببساطة
- الأزمة اللبنانية: مقاربة للحلّ ذات أساس وأفق ديموقراطي
- الشيوعيون والمقاومة: بعض من ...
- مرة جديدة مع تشافيز: ثائر متجدد ومثلٌ على التجاوز والابداع
- تشافيز يزداد إحمراراً
- الخلاف مع المعارضة اليمينية استنزف الحزب الشيوعي اللبناني
- نقاش ودي مع السيد هاني فحص المعارضة الحزبية مسؤولة عن فشل ال ...


المزيد.....




- -إسرائيل تنتهك قوانينا.. وإدارة بايدن لديها حسابات-.. مسؤولة ...
- الجيش الإسرائيلي يواصل عملياته في محيط مستشفى الشفاء بغزة لل ...
- موسكو تدمر عددا من الدبابات الأوكرانية وكييف تؤكد صدّ عشرات ...
- مفتي روسيا يمنح وسام الاستحقاق لفتى أنقذ 100 شخص أثناء هجوم ...
- مصر.. السفيرة الأمريكية تثير حفيظة مصريين في الصعيد
- بايدن يسمي دولا عربية -مستعدة للاعتراف بإسرائيل-
- مسؤول تركي يكشف موعد لقاء أردوغان وبايدن
- الجيش الاسرائيلي ينشر فيديو استهدافه -قائد وحدة الصواريخ- في ...
- مشاهد خراب ودمار بمسجد سعد بن أبي وقاص بمخيم جباليا جراء قصف ...
- قتيل بغارة إسرائيلية على جنوب لبنان والمقاومة تقصف شبعا


المزيد.....

- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل
- شئ ما عن ألأخلاق / علي عبد الواحد محمد
- تحرير المرأة من منظور علم الثورة البروليتاريّة العالميّة : ا ... / شادي الشماوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعد الله مزرعاني - الحمل والولادة الطبيعيان