الولاء للوطن أم الولاء للأسرة ؟

بن جبار محمد

الحوار المتمدن-العدد: 3470 - 2011 / 8 / 28 - 01:11
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
    

تبادر الى ذهني سؤال مهم في خضم البحث عن العلاقات بين الثنائيات التي تصادفنا في كل مكان أو نرتطم بها , قد نستعملها كمقاربة لشيء ما أو نقارنهما لبعضهما أو ندمج الثنائية لنستخرج تصور ثالث .. سؤالي هو : الولاء للوطن أم الولاء للأسرة ؟ هل هناك تعارض أم تنافر؟ هل هناك هرمية و خضوع الأعلى للمستوى الأدنى ؟ أم أن الأمر لا يطرح بهذا الشكل إطلاقــا أو ربما الإشكال مغلوط من أساسه ؟ لا ندخل في متاهات و نستحضر ما تراكم حول الموضوع ..
الولاء للوطن مثلما كان قديما, الولاء للعشيرة و الولاء للقبيلة و الولاء للطائفة -و للأسف أن هذا النوع من الولاء لا يزال موجودا على أرض الواقع بل ومتوغلة في التعصب الشديد و الأحزاب التي تسمي نفسهــا تقدمية تلعب على هذا الوتر في زمن الاستحقاقات الانتخابية مهما كان نوعهــا –الولاء للوطن هو الخضوع الكامل و التسليم التام دون غيره و التضحية من أجله أو كما يقال في الدارجة عندنا : امسلمين و امكتفين أي أن هذا الأمــر لا يناقش و لا جدال فيه . و بالمقابل أن هذا الوطن أعطانا كل شيء : الفضاء الذي نعيش فيه و الهوية الثقافية- الدينية و الحضارية و أيضا الحماية و تقلد المناصب العامة و التمتع بالجنسية: تلك الرابطة التي تنشأ عن طريق حق الدم أو حق الإقليم أو الاثنين معــا. نحن الجزائريون نصرح بولائنا بمناسبة و غير مناسبة لبلدنا تماما مثل أنصــار كرة القدم رغم الشتائم التي نكيلهــا للوطــن عندما تنتابنا موجة غضب أو شعور بالظلم أو سلوك نستهجنه يأتيه موظف يمارس وظيفته باسم الدولة . نقدم الولاء ونستشف من الوطن الشعور بالقوة , نختلق قصص و أكاذيب و نوثقها في كتب و أشرطة و نلقنها لأطفالنا : أن حضارتنا و تاريخنـا و سلسلة الجبال الشاهقة و الصحاري الممتدة و الإنسان الذي عندنا قل ما يوجد مثله في العالم و السلطة التي تشرف على هذا الوطن سلطة حكيمة و شريفة ومتزنة و تتصــرف ما يمليه عليهم الرب . بنو جلدتنا من المهاجرين في أروبا يعلنون ولاءهم للوطن عندما يستشعرون بخطر يداهم الوطن فيبدون تضامنا من نوع ما أو تأييد قضية ما رغم أنهم من الجيل الثالث أي الذين هاجروا في الستينيات من القرن الماضي أو قبلها قليلا و لكن لا يزالون يشعرون بالانتماء للوطن وهي ظاهرة تستحق الدراسة .. و لكن الشيء الوحيد الذي لا نكذب فيه على أولادنا أن الثورة الجزائرية أعظم ثورة و أشرف ثورة بدأت في ساعة الصفــر و الثوار لا يملكون سوى وسائل بدائية في الدفاع عن النفس أمام جحافل مدربة من الجيوش النظامية و الأسلحة المتطورة و الطائرات و إمداد عسكري حلف أطلسي و وسائل حربية تدميرية و إستعمار دمر البنية العقلية و الروحية لكل الجزائريين ..تخيلوا معنا 132 سنة من الإعلام الإستعماري الموجه و القوانين و المناشير و السلوكات التي تقتل يوميا جزائريتنا فينا و تتحول إنسانية الإنسان فيها بالتدريج الى الشعور بالدونية - يمكنكم قراءة الرواية الإستعمارية حتى تكتشفوا هذا الأمــر و الكثير منا لا يزال يمارس مازوخيته باعتبارها إرث نفسي . حقيقة أن الإستعمار كان فظيعا لدرجة لا يحتمل . هب الثوار لدفع الظلم التاريخي و الإستدمار و فك براثين هذا الوطن من الإستعمار الغاشم فقدموا أعظم التضحيات بالنفس و الجهد و المال و الدم و الشباب وهذا هو مقابل الولاء للوطن و توالت مواكب الشهداء ...
أما الولاء للأسرة هو الشعور بالإنتماء الى تلك الخلية البسيطة فيعمل المرء كل ما في وسعه للحفاظ على تنشئة أبنائه و رعايتهم و الذوذ عن المخاطر الإجتاعية و الإقتصادية التي قد تصيب الأسرة و الدفاع عن المثل العليا التي تعتنقها الأسرة كالشرف و الحقوق الشخصية و حقوق شخصية ..الخ . يبدو أن شعوب العالم كله تولي أهمية قصوى لهذه الأخيرة و لا شك في ذلك ..و قد تبدو المسألة مسألة أولويات في بعض الأمم و البعض الآخــر عندمنا يتحلل من الولاء للوطن أو ضعف الوازع الوطني فانه يعوضهــا بالولاء للأسرة . و ما نراه في بلداننا أن الفرد يعمــل فيقوم بإختلاس أموال العامة و يسرق الوطن جهارا نهارا ليقدمها لأسرته إيمانا بولائه للأسرة ..سبق أن قلنا أن الشهداء يقدمون أرواحهم فداء الوطن غير مبالين بأسرهم من التشتت و أبنائهم الصغار من نكبات الدهــر و لا كل النتائج التي تنجـر عن غيابهم,
أعتقد إعتقادا جازما أن هنالك خلل ما على مستوى الأولويات ..فالأولى هو الوطن و بعدهــا تأتي سلسلة الولاءات أقل أهمية و هي كلها من الواجب أن تخدم الوطن و ليس العكس .
لماذا لا نكون مثالا للشهداء الذين أورثونا هذا الوطن .

#بن_جبار_محمد (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات