أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - فؤاد النمري - دور النقد في انهيار الرأسمالية















المزيد.....


دور النقد في انهيار الرأسمالية


فؤاد النمري

الحوار المتمدن-العدد: 3469 - 2011 / 8 / 27 - 23:28
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


من لم يرَ انهيار الرأسمالية العالمية حتى اليوم فهو قطعاً بلا بصر وبلا بصيرة. ما كان بإمكان مراكز الرأسمالية أن تستمر في نمط إنتاجها الرأسمالي بعد أن فقدت محيطاتها المتمثلة بالبلدان المستعمرة والتابعة بفعل نجاح ثورة التحرر الوطني العالمية (1946 ـ 1972) في حصول كافة الدول المحيطية على استقلالها وفك ارتباطها مع مراكز الرأسمالية، حيث كان المركز يطرح فائض إنتاجه الذي يجسد فائض القيمة والذي كان من شأنه أن يغمر سوق المركز نفسه ويتسبب تلقائياً بتوقف المصانع عن الانتاج فيجري تسريح العمال فلا يعود لديهم الأموال لشراء الانتاج الفائض. مثل هذه الأزمة في نظام الإنتاج الرأسمالي لا حلَّ لها سوى أحد أمرين : إما أن يثور العمال ويستولوا على المصانع ليستأنفوا أعمال الإنتاج لخير ورفاه الشعب (الاشتراكية)، وإما أن يتخلص الرأسماليون من فائض الإنتاج بتصديره إلى ما وراء حدود الوطن (الإمبريالية) فيتم تأجيل الأزمة. لذلك بدأت مراكز الرأسمالية العالمية مع بداية النصف الثاني من القرن التاسع عشر بتجهيز جيوشها لاحتلال أسواق خارجية (مستعمرات) تستوعب فائض الإنتاج في المركز. في العام 1913 كان سطح الكرة الأرضية مقسماً بالكامل تقريباً بين عدة دول رأسمالية، وفي العام التالي اندلعت الحرب العالمية الأولى من أجل إعادة تقسيم المستعمرات بما يتلاءم مع نمو النظام الرأسمالي غير المتكافئ في مراكزه المختلفة. ومرة ثانية اندلعت الحرب العالمية الثانية في العام 39 بسبب أن الرأسمالية الألمانية كانت قد تطورت داخل حدودها دون أن يكون لها مستعمرات تتخلص فيها من فائض الإنتاج. وما يجدر ذكره في هذا السياق هو أن المخابرات الانجليزية تحديداً لعبت أقذر دور في التاريخ إذ حالت دون تطور الثورة الاشتراكية في ألمانيا مما مكن هتلر والنازيين من الاستيلاء على السلطة في العام 1933، بمثل ما كانت قد مكنت الفاشيين بقيادة موسوليني في إيطاليا في العام 1921 لذات السبب. اليمين المتطرف في الامبراطوريتين الاستعماريتين، بريطانيا وفرنسا، حاك مؤامرة كبرى بالاشتراك مع هتلر في ألمانيا وموسوليني في إيطاليا في مؤتمر ميونخ سبتمبر ايلول 1938 تستهدف تصفية الاتحاد السوفياتي كدولة للعمال وإلحاقه مستعمرة بألمانيا. دهاقنة الرأسمالية والفاشية لم يكن لديهم علم بمدى طاقة الدفع الثورية في النظام الاشتراكي، تلك الطاقة التي كان من شأنها ليس فقط القضاء على مؤامرتهم الكبرى بل وبظهور الاتحاد السوفياتي كأقوى قوة في الأرض (بعد كل ما تكبده من خسائر خلال الحرب يهاجم برلين في 20 ابريل 1945 ب 2.5 مليون جندي و 6.25 ألف دبابة و 7.5 ألف طائرة و 42 ألف مدفع) وهو ما سمح لقوى التحرر الوطني في البلدان التابعة والمستعمرة القيام بثورتها الوطنية في القارات الثلاث، آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية، في كنف جبروت الإتحاد السوفياتي. فكان أن أصدرت لجنة تصفية الاستعمار التابعة للأمم التحدة بيانا في العام 1972 يعلن نهاية عصر الاستعمار في كافة أركان العالم. إنتهاء الإمبريالية هو حكماً انتهاء النظام الرأسالي حيث أن الإمبريالية هي أعلى مراحل الرأسمالية. قصيرو النظر فقط هم من يستهجنون دعوانا بانتهاء الرأسمالية حتى فيما قبل العام 1972. على هؤلاء كي يبرروا استهجانهم أن يثبتوا بأن المركز الرأسمالي يمكنه أن يستمر بدون محيطات وبلدان تابعة، أي بدون فائض قيمة!

الحصار الذي فرضه المعسكر الاشتراكي من جهة ومعسكر التحرر الوطني (دول باندونج) من جهة أخرى على مراكز الرأسمالية العالمية وحال دون تخلصها من فائض الإنتاج المتحقق فيها أدى إلى انهيار النظام الرأسمالي. واجه الرئيس الأميركي رتشارد نكسون 1969 ـ 1974 انهياراً اقتصادياً متعاظماً. حاول إيقافه عن طريق الانسحاب من معاهدة بريتونوود 1971 التي تقضي بالغطاء الذهبي للنقد فلم يجدِ، فأعلن تخفيضاً كبيراً لقيمة الدولار (Devaluation) في العام 1972 ولم يجدِ، وكرر التخفيض في العام التالي لكن هذا لم يحل دون تدهور الدولار في أسواق الصرف الدولية وهو الإشارة القاطعة إلى أن نظام الإنتاج الأميركي في تراجع وانحطاط. في العام التالي دعا وزير المالية في إدارة جيرالد فورد، وليام سيمون، وزراء المالية للدول الرأسمالية الكبرى (G5) ، بريطانيا وفرنسا وألمانيا واليابان، إلى محادثات عقدت في نوفبر 1974 في مكتبة وزارة الخارجية الأميركية حيث بدأ الوزير سيمون بكشف الحقيقة الكبرى لزملائه الوزراء بالإعتراف أن النظام الرأسمالي ينهار في الولايات المتحدة وهو ما يعني أن الانهيار سيكون عالمياً وسيلحق بهم في الحال. خلص المؤتمرون إلى جملة مبادئ تعلن في مؤتمر قمة للدول الخمسة (G5). في 16 نوفمبر 1975 عقد الرؤساء، جيرالد فورد ـ أميركا، وهارولد ولسون ـ بريطانيا، وجيسكار ديستان ـ فرنسا، وهيلموت شميدت ـ ألمانيا، وتاكيو ميكي ـ اليابان، عقدوا أول مؤتمر للرأسماليين الخمسة الكبار في قلعة رامبوييه في باريس لينظروا في كيفية الخروج من الأزمة المستفحلة، أزمة النظام الرأسمالي.

في اليوم التالي أصدر الرؤساء الخمسة إعلان رامبوييه وهو أخطر إعلان يقرر مصائر العالم فيما بعد إعلان الحرب العالمية الثانية. قرر المؤتمرون معالجات مختلفة للأزمة، من مثل إغراق الدول المستقلة حديثاً بفيض من الأموال الرخيصة على شكل ديون ــ من الخطأ اعتبار البعض هدف هذه الديون هو تقييد حركة الدول المدينة والتحكم بها بمقدار ما كان فعلاً تدمير البنى الاقتصادية التي أقيمت حديثا لتعزيز الاستقلال ــ ومثل توسيع التبادل التجاري مع الدول الاشتراكية بهدف تخريب بقايا النظام الاشتراكي. أما أخطر القرارات فكان القرار رقم (11) الذي يقول . . " ستبذل السلطات النقدية [في الدول الخمس المشتركة بالإضافة إلى إيطاليا التي انضمت في نهاية المؤتمر] كل جهودها
لمقاومة كل تغيرات غير متوقعة في أسعار الصرف في أسواق العملات ".

على سائر المحللين السياسيين والاقتصاديين أن يتوقفوا طويلاً عند هذا القرار الذي قبض على روح العصر الرأسمالي. لقد برهن دهاقنة الرأسمالية بهذا القرار أنهم لصوص أكثر مما هم شركاء في الانتاج. طعن هؤلاء اللصوص قانون القيمة الرأسمالية في الصميم وهو القانون الذي هو بمثابة الروح للنظام الرأسمالي. لم يعد أمام هؤلاء الدهاقنة انكار موت النظام الرأسمالي لكن روحه، قانون القيمة الرأسمالية، ستبقى في أيديهم يعبثون بها مما يمكنهم من نهب الشعوب بغير انتظام. كانوا في ظل النظام الرأسمالي يسرقون العمال بانتظام بتحصيل فائض القيمة، أما اليوم بعد دفن جثمان الرأسمالية فهم يسرقون الشعوب عن طريق استبقاء روح الرأسمالية في أيديهم والتحكم بها كيف يشاؤون باتجاه النهب غير المنظم للشعوب بأجمعها وليس للعمال فقط كما كان الحال قبلئذٍ.

قرارهم رقم (11) في إعلان رامبوييه يعلن للعالم أن الدولار، ملك النقود وهو موضوع المؤتر الأساسي، لم يعد سلعة تبادلية شأنه شأن سائر النقود بل غدا هو الثابت وسائر السلع والخدمات والنقود غير الدولار هي المتغيّر !! كيف يكون هذا !!؟ هذا ليس نظاماً عالمياً، هذا فوضى عالمية !! كيف يجوز استبقاء روح النظام الرأسمالي في قبضتهم ودفن جثمانه، الاستغناء عن الانتاج والإبقاء على روحه المتوحشة، اللصوصية !!؟ كيف لا يكون الدولار سلعة كسائر السلع تتحدد قيمتها في السوق !؟ وحدة النقد، بغض النظر عن صاحبها، خلقت أصلاً لتكون معياراً للقيمة التبادلية في السوق لذلك يتوجب حضور هذه الوحدة في السوق لتقوم بوظيفتها. من الغريب حقاً ألاّ يتوقف السياسيون والاقتصاديون أمام مثل هذه "البلطجة" في شؤون العالم !! هل كان يخطر ببال كارل ماركس أن تُبتّ علاقة النقد بالبضاعة فتفسد دورة الانتاج الرأسمالي (نقد ـ بضاعة ـ نقد) ؟ ومع ذلك لن تعدم من يرفعون عقيرتهم صائحين .." انتهت الماركسية وسقطت الشيوعية !!! "

التوقف أمام هذه "البلطجة" المثيرة في القرار رقم (11) لا بدّ أن تبدأ بالتساؤل عن النقد ووظيفته في الاقتصاد.
تبادل المنتوجات هو شرط لاستكمال حاجيات الحياة. بدأ التبادل عينياً في فجر التاريخ، أي أن يتبادل شخصان عرضاً ثوباً مع أحدهم بخروف مع الآخر مثلاً. واحتاج الانسان عند مبادلة مواد تحسب بالكميات إلى تعيين وحدة للقيمة فاتخذت بعض المواد المعممة القيمة والمحسوبة بالوحدات مثل الحنطة والبيض ومواد أخرى كوحدة للقيمة، فكان يُشترى ولأمد قريب في بعض البلدان بطيخة مثلا برطل من القمح أو بعشر بيضات. ولدى اتساع التجارة وتعميقها كان لا بد من أن يكون هناك وحدة للقيمة سهلة التداول ومقبولة على العامة (Universal Equivalent value) فاتخذت المعادن الثمينة كوحدة للقيمة كالذهب والفضة. لكن لماذا يتعادل خروف مع ثوب مع كمية من الحنطة مع عدد من البيض مع كمية من الذهب مع كمية من الفضة؟؟ الجواب الوحيد على هذا السؤال هو فقط لأن الجهد البشري (Labour Power) المبذول في إنتاج كل حد من هذه المعادلة على حدة هو متساوٍ في كلفة إعادة إنتاجه. وعليه اتخذ الذهب معياراً عاماً لأن الجهد المبذول في إنتاجه هو الأكبر والأعلى كلفة بالتالي. ظل العالم حتى العام 1875 لا يستعمل إلا العملة المعدنية أو الصعبة (Hard Money) التي تحمل قيمتها بذاتها (Intrinsic Value) ، ولذلك كانت قابلة للمبادلة في كل أنحاء العالم كالنقود الذهبية والفضية دونما أية حاجة لكفيل طالما أنها تكفل نفسها بنفسها. في النصف الثاني من القرن التاسع عشر تعاظم الانتاج في مراكز الرأسمالية واتسعت التجارة كثيراً بشقيها المحلي والدولي مما رتب مضاعفة النقود في أيدي المواطنين وانعكس ذلك على العملات الصعبة بالضياع والتآكل. كما أن إنتاج العالم من الذهب والفضة لم يعد كافياً لتغطية القيمة الكلية لمجمل الإنتاج العالمي. لذلك اقترح أحد الاقتصاديين الإنجليز على إصدار ما سماه نقود الإشارة أو الدلالة (Token Money) وأطلق عليها فيما بعد اسم (Fiat Money) وهي سندات مالية توقعها السلطة النقدية في الدولة المعنية كفالة لقيمتها الإسمية واستبدالها بقيمتها من الذهب الذي تؤمنه الدولة حال الطلب. ويذكر في هذا السياق أن الجنرال ديجول طالب الولايات المتحدة قبل انتهاء ولايته في الستينيات باستبدال الدولارات في الاحتياطي الفرنسي بالذهب.

لكن ماذا غدا حال الدولار بعد أن قررت إدارة نكسون في العام 1971 الخروج من معاهدة بريتونوود وألغت بذلك الغطاء الذهبي؟
تدهور قيمة الدولار في أسواق النقد العالمية حال إلغاء الغطاء الذهبي في عامي 72 و 73 أشار بكل وضوح إلى أن هناك فجوة كبيرة بين قيمة مجمل الإنتاج الأميركي من جهة والكتلة النقدية للدولار الأميركي من جهة أخرى ــ يساء في هذا المقام احتساب قيمة الخدمات. وأن الكفيلين الموقعين على سند الدولار، وزير المالية وأمين الخزانة (بنك الاحتياطي الفدرالي) غير مليئين. لذلك استدعي الخمسة الكبار إلى رامبوييه لمعالجة هذا الخلل البنيوي الخطير وكانت المعالجة هي اعتماد القرار رقم (11) في الإعلان ــ ماذا يقول القرار رقم (11) كما في النص أعلاه؟

يقول أشياء في غاية الخطورة. يعترف دهاقنة الرأسمالية بأن الكفيلين الموقعين على سند الدولار، وزير المالية وأمين الخزانة، ليسا مليئين ــ وهو اعتراف يؤكد انهيار الاقتصاد الأميركي ــ وعليه فإن الدول المشاركة، بريطانيا وفرنسا وألمانيا واليابان، ستضمن صرف الدولار في سوق العملات ضمن هامش محدود من ذبذبة السعر. لكن ما حدود هذه الكفالة وما معناها؟
1 ــ الكفالة أجنبية ولأول مرة في التاريخ تتكفل جهة أجنبية عملة وطنية لدولة أخرى ــ فتغدو عملتها لاوطنية.
2 ــ الكفالة الأجنبية تلغي تماماً تواقيع السلطات النقدية على سندات الدولار إذ تحل محلها، وأن استمرار ثبوت التواقيع إنما هو من باب التدليس، إذ ليس من مفعول لها وكأنها لم تكن.
3 ــ الكفالة صوتية فارغة وليست تعهداً قانونياً يلزم الدول الكفيلة بأن تسارع دائماً إلى شراء مئات الملايين أو مليارات الدولارات من أسواق الصرف كلما تدهورت أسعار صرف الدولار.
4 ــ الكفالة الجديدة لا تكفل قيمة الدولار الفعلية، سواء ببدَلهِ من الذهب أو غيره من السلع كما هو أساس نظام النقد العالمي، بل تكفل صرفه بعملات أخرى هي بالتالي غير ثابتة القيمة، والفرق كبير بين الحالتين.
5 ــ الكفالة وفق منطوقها الأولي تعفي الولايات المتحدة الأميركية من مسؤولياتها تجاه نقدها وهو أمر منكر إدّا وذو تداعيات جد خطيرة على مصير العالم.
6 ــ الكفالة تنفي من الدولار طبيعة السلعة التبادلية كما هي طبيعة النقود وهو بذلك يفقد وظيفته الأساسية ألا وهي تسهيل دورة الإنتاج الرأسمالي (نقد ـ بضاعة ـ نقد).
7 ــ الكفالة غرّبت الدولار عن بيئته، عن دولته، ولم يعد يرمز إلى كمية من العمل البشري الأميركي.
8 ــ الكفالة بكلمة تلغي نظام النقد العالمي المستقرعبر قرون لتأتي بنظام جديد نظام هجين مستهجن لا يخدم أي نمط من أنماط الانتاج المعروفة بما فيها النمط الرأسمالي بل العكس تماماً فهو يضرب النظام الرأسمالي في الصميم طالما أنه يعبث بقانون القيمة الرأسمالية عبثاً لا يبقي منه شيئاً، قانون القيمة الرأسمالية الذي هو روح النظام الرأسمالي وأساسه، ولذلك نراه اليوم خرقة تستخدم فقط لمسح الأوساخ.

قلنا أن كفالة رامبوييه للدولار إنما هي كفالة صوتية لا تقوم مقام كفالة السلطات النقدية للقيمة الإسمية لورقة النقد بما يساويها من الذهب بموجب القانون العام للسندات المالية (Fiat Money) حيث أنها كفلت سعر الصرف وليس القيمة الفعلية وهي ما يرمز إليه السند المالي من قوى عمل. سعر الصرف يتضمن حماية متزعزعة وغير ثابتة طالما أنه لا يحدد القيمة الفعلية. يستمد الدولار قوته اليوم ليس من كفالة رامبوييه لسعر الصرف بل من مصدرين رئيسيين هما الإنتاج الصيني والبترول العربي. تبادل الصين سنوياً بضائعها بالدولار بما يزيد على 2000 مليار دولارا، وتبادل الدول العربية سنوياً نفوطها بحوالي 500 مليار دولاراً. بغير هذين المصدرين سيتهاوى الدولار إلى الحضيض خلال أيام قليلة ولن تجديه كفالة رامبوييه فتيلا .

قرار رامبوييه قرر أن الولايات المتحدة لا تتحمل المسؤوليات التي ترتبها عليها نقودها (!!) والصين والدول النفطية أخذت خلال العقود الثلاثة الأخيرة تقدم الغطاء البضاعي للدولار، وهو الكفالة الحقيقية وليس الصوتية كقرار رامبوييه. لكن هذه الجهات الثلاث اتفقت على تبرئة الولايات المتحدة من أية مسؤولية ترتبها عليها نقودها. بإتاحة مثل هذه الفرصة الشاذة وفق كل المعايير انتهزتها الولايات المتحدة لنهب غنائم لم يحارب جنودها لاغتنامها. مجردة من كل حسّ إنساني استغلت الولايات التحدة حماقة الكفلاء الأجانب لدولاراتها وأخذت تطبع يومياً عشرات المليارات من الدولارات، حسب تقدير العديد من خبراء المال، لتشتري بها البضائع الصينية والنفوط العربية ومختلف البضائع من العالم.

كون أميركا قد غدت اليوم معيناً لا ينضب من الدولارات، والمهيمن الأكبر على التجارة الدولية حيث يجري أكثر من نصفها تحت مظلة الدولار فإن خللاً بنيوياً قد اعترى دورة الانتاج الرأسمالي في عقابيل الاقتصاد الرأسمالي أو ما يسمى مجازاً بالاقتصاد الاستهلاكي. فالدولار مجهول القيمة سواء تبعاً لكفالة رامبويية أو لغطاء البضائع الصينية والنفط العربي، أو الدولار المفرغ من كل قيمة نتيجة الانكشاف الكامل، كلا الدولارين لا يجريان في مجرى دورة الإنتاج الرأسمالي (نقد ـ بضاعة ـ نقد) حيث لا يسيل في هذه القناة إلا سلع من ذات القوام وتحديداً السلع السوقية. لكن الدولار الأميركي لم يعد سلعة سوقية منذ أن حدد قيمته الكبار الخمسة (G5) خارج السوق.
لكن لماذا ما زالت التجارة بشقيها الدولي والمحلي تتوسع دون توقف وبظل الدولار المكشوف ؟
هذا سؤال حاسم في تفكيك الأزمة الماثلة اليوم في العالم والتي من شأنها أن تدفع بالعالم إلى كارثة كونية إن لم يجد أهل العلم حلاً لها قابلاً للتطبيق. التجارة اليوم بظل الدولار المكشوف إنما تمثل بالضبط النهب غير المنظم الذي تقوم به الطبقة الوسطى، طبقة البورجوازية الوضيعة للبروليتاريا. التناقض الرئيس اليوم والذي حل محل التناقض رأسماليين/عمال هو التناقض طبقة وسطى/عمال. قوى العمل في العالم كله تنقسم إلى شطرين؛ الشطر الأكبر ويساوي حوالي 70% من قوى العمل يعمل في صف الطبقة الوسطى بإنتاج الخدمات، والباقي وهو 30% فقط يعمل في صف البروليتاريا بإنتاج السلع. تدعي الطبقة الوسطى أن خدماتها هي إنتاج معرفي يجسد جهداً عقلياً، وهي لذلك ذات قيمة خاصة لا تقارن بالإنتاج العضلي، إنتاج العمال. وتبعاً لهذه الهرطقة البعيدة عن كل ما هو علمي تباع الخدمات خارج السوق بأضعاف قيمتها الحقيقية. لئن كان الرأسماليون سابقاً يسرقون فائض القيمة من العامل وكانت في العادة لا تتعدى في أسوأ الحالات خمس استحقاقه فإن البورجوازية الوضيعة اليوم تستولي على نصف استحقاق العامل. ولئن كان الرأسماليون سابقاً يتكفلون بحد أدنى لمستوى حياة العمال فالبورجوازية الوضيعة اليوم تستنزف الطبقة العاملة حتى الرمق الأخير دون رقيب أو حسيب يساعدها في ذلك انهيار السوق الرأسمالية وقانون القيمة الذي يحكمها والعطل الكلي لدورة الإنتاج الرأسمالي، كما يساعدها أيضاً الدولار المزيف ودولة الطبقة الوسطى أو دولة الرفاه. وكلما علا صراخ البروليتاريا ضد هذا الافتراس الوحشي نظمت البورجوازية الوضيعة وشذاذ الآفاق مظاهرات ضخمة ضد ما يسمى بالعولمة مستهدفين إبقاء البروليتاريا في حظيرتهم وتحت سطوتهم.

لعل هذه المقالة تضيء إضاءة خافتة على دور النقد في انهيار النظام الرأسمالي، لكن الموضوع ونظراً لتشعب تعقيداته وعمق تخصصه يحتاج لإضاءة أقوى وأشمل علّ بعض القراء يساهم في إجلاء أوضح للصورة.
وبالنهاية ثمة حقيقة كبرى تستوجب الاعتبار في كل مناولة للموضوع وهي أن التناقض القديم رأسماليين/عمال أو قوى إنتاج/علاقات إنتاج الذي توقف عنده كارل ماركس، أُستبدل اليوم بتناقض لم يتوقعه ماركس وهو بورجوازية وضيعة/عمال. تكلم ماركس في البيان الشيوعي عن هذا التناقض كتناقض فرعي وليس تناقضاً رئيسيا كما هو اليوم نتيجة لانحراف مؤقت لمسار التاريخ تسببت به البورجوازية الوضيعة السوفياتية. ما يستوجب الانتباه بصورة خاصة هو أن التناقض الجديد يقع خارج علاقات الإنتاج بعكس التناقض القديم في الرأسمالية. يمكن القول أن التناقض الجديد يقع داخل علاقات الاستهلاك. لهذا السبب المفصلي، لغياب الوحدة الجامدة للنقيضين، فإن حل التناقض الجديد سيكون في غاية الصعوبة وربما كارثي.

www.fuadnimri.yolasite.com



#فؤاد_النمري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المثقفون وسقوط التاريخ
- اللغو البغو تلغيه وقائع التاريخ
- نذر الكارثة الإقتصادية تقرع طبولها
- الإفساد بالأدلجة
- نقد فظ لشيوعي ناعم
- ماذا عن وحدة اليسار
- الإشتراكية والديموقراطية
- لن تكون رأسمالية في روسيا
- إنتهت الرأسمالية إلى الإنحلال وليس إلى الثورة !!
- حاجة العالم للينين مرة أخرى
- ماركسيون بلا ماركس
- لماذا الأول من أيار !؟
- المتلفعون باليسار واليسارويّة
- العقبة الكبرى أمام استئناف العمل الشيوعي
- الحرية ليست إلاّ شرطاً ظرفياً يستوجبه فقر أدوات الإنتاج
- فؤاد النمري في حوار مفتوح حول: القراءة اللينينية لماركس المت ...
- ماذا في مصر وفي تونس
- حزب العمال الشيوعي يعادي الشيوعية
- الكارثة الكونية الوشيكة (انهيار نظام النقد العالمي)
- الدكتور علي الأسدي يغطي على المرتدين والمحرفين السوفييت


المزيد.....




- الجامعة الوطنية للقطاع الفلاحي (الإتحاد المغربي للشغل) تدعو ...
- الرفيق جمال براجع يهنئ الرفيق فهد سليمان أميناً عاماً للجبهة ...
- الجبهة الديمقراطية: تثمن الثورة الطلابية في الجامعات الاميرك ...
- شاهد.. الشرطة تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة إيم ...
- الشرطة الإسرائيلية تعتقل متظاهرين خلال احتجاج في القدس للمطا ...
- الفصائل الفلسطينية بغزة تحذر من انفجار المنطقة إذا ما اجتاح ...
- تحت حراسة مشددة.. بن غفير يغادر الكنيس الكبير فى القدس وسط ه ...
- الذكرى الخمسون لثورة القرنفل في البرتغال
- حلم الديمقراطية وحلم الاشتراكية!
- استطلاع: صعود اليمين المتطرف والشعبوية يهددان مستقبل أوروبا ...


المزيد.....

- مساهمة في تقييم التجربة الاشتراكية السوفياتية (حوصلة كتاب صا ... / جيلاني الهمامي
- كراسات شيوعية:الفاشية منذ النشأة إلى تأسيس النظام (الذراع ال ... / عبدالرؤوف بطيخ
- lمواجهة الشيوعيّين الحقيقيّين عالميّا الإنقلاب التحريفي و إع ... / شادي الشماوي
- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - فؤاد النمري - دور النقد في انهيار الرأسمالية