أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة - خالص جلبي - لماذا يجب أن يهاجر الإنسان؟















المزيد.....

لماذا يجب أن يهاجر الإنسان؟


خالص جلبي

الحوار المتمدن-العدد: 233 - 2002 / 8 / 29 - 03:50
المحور: الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة
    



 
الأربعاء 28 أغسطس 2002 11:46

 
اجتمعت برجل أصولي أعرفه منذ أيام الطفولة وفوجئت بأنه على وشك الفرار إلى كندا بعائلة كبيرة مكونة من 15 نفراً. بما يكفل له راتباً كريماً مما تقدمه الحكومة الكندية للأطفال يزيد عن راتب ثلاثة وزراء في جمهوريات الخوف والبطالة. لم يكن الرجل يشكو من ضيق ذات اليد ولم يكن ملاحقاً سياسياً بل منغمساً في بيئة منغلقة أشد من انغلاق عقله بمرات. ولا يزيد فهمه في السياسة عن فهم فلاح في رياضيات التفاضل والتكامل، أو نجار في علوم الذرة والفضاء. ويعتقد جازماً أنه يعيش في بيئة أقرب لمجتمع الصحابة. مع كل هذا فقد فر من رغد العيش ومجتمع الفضيلة إلى بيئة يعتبرها (جاهلية) تشمر نساءها عن فخذ ولا يسمح فيها بأذان. ولا يدرس في مدارسها واعظ أية ديانة. اتصل الرجل بي بعد فترة وقال لي: تصور أن ابنتي تفرش لها معلمتها سجادة الصلاة وأنها تمشي في الشارع العام وهي مغطاة الوجه. قلت له: إن كندا بلد متسامح مع كل القادمين سواء غطى وجهه أو كشف عورته، سواء صلى أو كفر. وعناية الدولة بالمجانين لا تقل عن عنايتها بالعقلاء. ولكن سؤالي إليك: لماذا هربت إلى دار الكفر ولم تلجأ إلى دار الإسلام مثل السودان مثلاً؟ اضطرب الرجل ولم تسعفه الكلمات. قلت له سأريحك أنا بالإجابة. إنها (الضمانات) يا صاحبي خاصة وأنت تفر بثروتك حيث يبحث رأس المال عن الأمان أكثر من الديانة.
وروى أحدهم لزوجتي وهو يؤدي القسم لنيل الجنسية الكندية أنه كان في حيرة من أمره بين (ديموقراطية كافرة) يؤدي قسم الطاعة لحكومتها. وبين مجتمع ينعم فيه بالضمانات من كل لون ضد المرض والشيخوخة والبطالة وينام قرير العين بدون خوف من رجال المخابرات. قال لقد دمعت عيناي وأنا أسمع ما تقوله القاضية لأنها ذكرتني بقيم تمنيتها لوطني الذي هربت منه.
إن مشكلة (الدوغمائي) أنه يقع في التناقض بدون أن يشعر به، كمن يمشي على رأسه بدون أن يحس بالدوار.
واليوم يفر (المتشددون) إلى بلاد مثل بريطانيا والسويد وكندا وألمانيا، هي في نظرهم قمة التحلل والإباحية ووطن الكفر. ويرفضون أن يعيشوا في بلاد الإسلام.
إنهم يرفضون كل العالم الإسلامي ويوجهون وجوههم شطر الغرب فلماذا؟
إن الهجرة تخضع لقانون ساحق ماحق يعمل تحت أبصارنا كل يوم سواء في الفيزياء أو منطق الطير أو ولادة الحضارات. سواء أدركناه أو خفي علينا.
في الفيزياء ينزح الماء بين وسطين مختلفي التركيز يفصل بينهما غشاء نصف نفوذي باتجاه الوسط الأكثر تركيزا بالأيونات. وفي قوانين المياه المستطرقة إذا اتصلت أوساط مختلفة الحجوم، فإن الماء يتحرك حتى يحدث السواء في الارتفاع. وبرادة الحديد تنجذب حول القطب المغناطيسي تحت قانون الاستقطاب. وطيور السنونو تغادر بحثاً عن الحب والدفء. وشلالات نياجارا تتدفق من عل فتولد الكهرباء في مولدات التشغيل. والعقول تفر حيث كرامة العلماء ومراكز البحث. والمال يطير بجناحين من يورو ودولار حيث الأمان والنمو. فهذه قوانين وجودية لا علاقة لها باختيار وتفكير، بل هي تشفط العقول والأموال والكفاءات بأشد من تيار النينو الأطلسي، فتنهض أمم وتزول أخرى.
وعندما يمتنع على الناس إمكانية ممارسة العيش المشترك يتشظى المجتمع ويبدأ الفرار في ثلاثة اتجاهات: من أسعفه الحظ فقفز إلى الخارج ونجا. ومن انسحب (اجتماعياً) إلى الداخل فمارس هجرة داخلية كما تفعل القطة بإخفاء صغارها. أو من انتحر بمسبحة المتصوفة أو كهوف تورا بورا.
والسؤال الكبير لماذا يفر الإنسان من وطنه؟ لماذا نزح موسى بشعب كامل؟ لماذا فر أصحاب الكهف فاستبدلوا الفراش اللين ببرودة الكهف؟ وفضلوا أن يهرب الكلب معهم فلا يعيش في مجتمع لا أمان فيه للكلاب.
إنه كلام ليس للتسويق ففي أيام الحاكم بأمر الله الفاطمي تم تدشين مذبحة جماعية للكلاب فقتل في يوم واحد ثلاثون ألف كلب. ونام أهل القاهرة بدون نباح كلب واحد يزعجهم.
وفي عهد ماوتسي تونغ جاءت التعليمات بالتخلص من العصافير والأعشاب والشجر. فهرع الناس ضربا بالصنج والطناجر يفزعون الطيور فلم تستطع الحط على غصن حتى ماتت إعياءً. وتم تسخير كل المعارضين السياسيين لينكبوا على الأرض فينتزعوا بأظافرهم كل أعشاب الأرض. وتم قطع ملايين الشجر من اجل إيقاد أفران لا تنطفئ لإنتاج الفولاذ بدعوى اللحاق بأميركا في خمس سنوات. فأهملت الزراعة إكراما لتعليمات الطاغية ومات في ثلاث سنوات ثلاثون مليون من الأنام.
لماذا هاجر إبراهيم لوحده وموسى بشعب كامل ومجموعة من أصحاب الكهف وهرب لوط فقال له الله ولا يلتفت منكم أحد وامضوا حيث تؤمرون. لماذا دشن نوح لأهل بيته سفينة تقلهم إلى الأرض الجديدة فلم يبق على الأرض من الكافرين ديارا.
إن القرآن يضع فلسفة محددة لقانون الهجرة وهي إما إلى مجتمع لا استضعاف فيه وإما بناء مجتمع لا أثر للاستضعاف فيه. وأهمية هذه النقلة أنها مضاعفة التأثير. فهي حركة تحرر للجنس البشري بدون توقف كما فهم ذلك الفيلسوف (كانت) أن استعمار الأرض تم من خلال هجرة الناس المضطهدين (المستضعفين)، وبالمقابل فإن هذه المجتمعات أطلقت قوة لا مثيل لها من طاقة تحرير الشعوب التي فارقتها كما انفجرت الثورة الفرنسية تأثرا بالثورة الأمريكية. وفي آية الهجرة بعدان (سعة) بالتحرر من ضيق الأرض والرزق والعقيدة إلى رحابة الأرض وسعة الرزق والتسامح الديني. وهي (مراغماً) أي قوة تجبر المجرمين وترغم أنوفهم بتغيير مسلكهم تجاه شعوبهم من المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا. فحركة الهجرة تعتبر بذلك نواة التغيير غير المباشرة والمعكوسة ضد أماكن اضطهاد الناس فهي ضرورية سواء طلبها الناس أو فروا إليها.
نحن نواجه نية أمريكا في ضرب العراق. ونفكر لماذا تنصب على رؤوسنا المصائب؟ ولكن المشكلة تشبه قصة جحا فلو ناقش العرب جميعاً ما سيحدث فإننا مثل من لا يملك في جيبه دولارا ويريد دخول أسواق الأسهم للمضاربة بأسهم شركة نورتيل أو نوكيا.
نحن نشبه تلك الغنائم التي وضعت الألوية الرومانية يدها عليها في العالم القديم وكانت جاهزة لأي نهاب خارجي أو مافيا داخلية، وهي تتفق مع الرؤية الكونية لابن خلدون عن عمر الدول وكيف أنها تستمر في البقاء، ليس لقوة ذاتية فيها بل لانتفاء الطالب.
وأمريكا اليوم هي روما الجديدة ونحن لا نزيد عن أشياء مسخرة تلعب بنا ما تشاء فقد تنصب (قرضاي) جديد في العراق فيحكم كاتبغا المغولي بدلا من هولاكو. وقد تستبدل جنرالا جديدا في أرض أخرى . أو أن تمد يدها إلى بلاد التركمان فترفع تركمان باشي الذي غير التاريخ فوضع اسمه واسم أمه بدل ابريل وحزيران وصفق مجلس القرود له خشعا على ركبهم نصف ساعة يستعطفونه أن يبقى على رقابهم إلى يوم القيامة، كما خرجت الملايين في استقالة عبد الناصر تطلب منه أن يتابع القيادة بعد أن رسب في الامتحان.
إنها أمور لا تحدث إلا عندنا. ولكن من يمشي على رأسه يخسر رأسه ورجليه معاً.
إن الوثنية مرض عجيب حلله منذ عام 1562 اتيين دي لابواسييه فاعتبره مرضا إنسانيا مثل القراد الذي يضرب قبائل النحل فلا يبقى قفيرا ولا عسلا.
وقف جحا يوما بين أصحابه وقال: أنا جاهز بكل الشروط للزواج من ابنة السلطان، قالوا حسنا يا جحا وما الذي يمنعك من الزواج؟ قال بقي شرط واحد لم يكتمل قالوا: وما هو؟ قال أن ترضى ابنة السلطان الزواج بي.
الشرق الأوسط اللندنية


#خالص_جلبي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لماذا يجب أن نختلف؟
- متى بدأت رحلة الإنسان على الأرض؟
- أسطورة بن لادن
- جدلية الشيعي والسني


المزيد.....




- شاهد.. فلسطينيون يتوجهون إلى شمال غزة.. والجيش الإسرائيلي مح ...
- الإمارات.. أمطار غزيرة وسيول والداخلية تحذر المواطنين (فيديو ...
- شاهد: توثيق الوصفات الشعبية في المطبخ الإيطالي لمدينة سانسيب ...
- هل الهجوم الإيراني على إسرائيل كان مجرد عرض عضلات؟
- عبر خمسة طرق بسيطة - باحث يدعي أنه استطاع تجديد شبابه
- حماس تؤكد نوايا إسرائيل في استئناف الحرب على غزة بعد اتفاق ت ...
- أردوغان يبحث مع الحكومة التصعيد الأخير بين إسرائيل وإيران
- واشنطن وسعّت التحالفات المناهضة للصين في آسيا
- -إن بي سي-: بايدن يحذر نتنياهو من مهاجمة إيران ويؤكد عدم مشا ...
- رحيل أسطورة الطيران السوفيتي والروسي أناتولي كوفتشور


المزيد.....

- العلاقة البنيوية بين الرأسمالية والهجرة الدولية / هاشم نعمة
- من -المؤامرة اليهودية- إلى -المؤامرة الصهيونية / مرزوق الحلالي
- الحملة العنصرية ضد الأفارقة جنوب الصحراويين في تونس:خلفياتها ... / علي الجلولي
- السكان والسياسات الطبقية نظرية الهيمنة لغرامشي.. اقتراب من ق ... / رشيد غويلب
- المخاطر الجدية لقطعان اليمين المتطرف والنازية الجديدة في أور ... / كاظم حبيب
- الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر / أيمن زهري
- المرأة المسلمة في بلاد اللجوء؛ بين ثقافتي الشرق والغرب؟ / هوازن خداج
- حتما ستشرق الشمس / عيد الماجد
- تقدير أعداد المصريين في الخارج في تعداد 2017 / الجمعية المصرية لدراسات الهجرة
- كارل ماركس: حول الهجرة / ديفد إل. ويلسون


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة - خالص جلبي - لماذا يجب أن يهاجر الإنسان؟