أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - زكرياء الفاضل - Madamme Font Du Picard














المزيد.....

Madamme Font Du Picard


زكرياء الفاضل

الحوار المتمدن-العدد: 3463 - 2011 / 8 / 21 - 00:57
المحور: سيرة ذاتية
    


كانت لي جارة اعبرتها طيلة حياتي فرنسية نظرا لكونها كانت تتحدث الفرنسية بطلاقة ومن دون لكنة ولكونها تحمل الجنسية الفرنسية وإسمها العائلي أيضا كان فرنسيا. وتمر السنون والأعوام وأصبحت شابا في نهاية عقده الثالث لأكتشف بالصدفة أن جارتي التي اعتقدتها فرنسية طيلة عقود لم تكن كذلك. ففي أحد الأيام كنت على أعصابي ولم أشعر إلا ولعنت الشيطان والدنيا بحالها بعبارة روسية، فما كان منها إلا أن سألتني بلغة روسية سليمة: أتتحدث بالروسية؟ كان استغرابي أكبر من ذاك الذي استحوذ عليها واجبتها: بالطبع فقد درست بالاتحاد السوفياتي. دار حديث بيننا ساعتها بالحديقة التي تجمعنا عرفت من خلاله أنها روسية غادرت وطنها مع أهلها في سن العاشرة إلى ألمانيا، ثم منها إلى فرنسا حيث أقامت مع أهلها إلى أكملت دراستها الجامعية. بعد ذلك انتقلت إلى المغرب لتشغل منصب مهندس زراعي إبان الاحتلال الفرنسي، وبعد تحولها على المعاش لم ترد مغادرة المغرب وبقيت تعيش فيه.
كانت علاقتنا طيبة، لكن بعد اكتشافها أني أتحدث بالروسية تعلقت بي أكثر. فكانت تستضيفني كل ليلة بشقتها لنتبادل أطراف الحديث بالروسية، كما كانت تطلب مني أن أفتح لها الراديو على إذاعة موسكو لسماع الموسيقى والأغاني الروسية، لأنها كانت عاجزة عن القيام بذلك بنفسها نظرا لسنها المتقدم (ثلاث وثمانون سنة).
الحقيقة أن جلساتي معها المسائية كانت ممتعة، حيث كانت تحكي لي عن طفولتها بوطنها المفقود وعن حياتها
بالمهجر وعن ما عاناه بنو قومها المهاجرون، إذ أصبحت مهنة سائق سيارة أجرة تعتبر حظا سعيدا لجنرالات في الجيش القيصري السابق. كما لم يكن يفتها الحديث عن المهاجرين الروس الذين استقروا بالمغرب من أمثال حدة الدوق شيريميتيفو وحدة الشاعر الروسي العظيم بوشكين وغرهم. وسردت لي في إحدى الأمسيات الممتعة معها قصة ضابط روسي في الجيش القيصري السابق، أسمه العائلي كوتشين، حصل فيما بعد على الجنسية السوفياتية، لكنه بقي يعيش بالمغرب. وكان كوتشين هذا يرفع علم الاتحاد السوفياتي فوق بيته كلما زاره ديبلوماسيون سوفيات، الذين ربطته معهم صداقة حميمة بعد أن أصبح سوفياتي الجنسية، إشعارا منه لأصدقائه الروس المهاجرين أن اليوم بضيافته سوفيات ولذلك عليهم زيارته في وقت آخر. وبقي على هذه الحال إلى أن وافته المنية.
هذه السيدة الروسية الأصل وفرنسية الجنسية كانت على طيبوبة غير عادية، فهي لم تبخل في يوم من الأيام على أحد بمساعدتها حتى ولو كان محتالا وهي على دراية بذلك. فقد كانت تقول دائما: لست الرب حتى أعلم ما بصدره. عليّ أن أقوم بواجبي نحو الإنسان والرب هو من يتولى نواياه طيبة كانت أم خبيثة. وكانت تكره الكذب والنفاق، لذلك قامت في وجه الروس المهاجرين حينما انتفضوا ضد القس المبعوث من موسكو لتولي أمور الكنيسة الأرثوذكسية الروسية بالمغرب، وهي الوحيدة بإفريقيا كلها. وقد اتهمتهم بالنفاق لكونهم هم من طالبوا كنيسة موسكو بإرسال قس لهم، وعند إرساله رفضوه بتهمة أنه قس بولشوفي. لكن علاقتها بالقساوس الروس لم تخلوا من غيوم بسبب أخلاق بعضهم وتصرفاتهم الصبيانية. فقد واضب أحدهم على دعوتها كل أسبوع للغداء بالمطاعم المغربية الفاخرة دون أن تفهم، في البداية لماذا كان أصحاب المطاعم يعاملونها باحترام زائد، حسب تعبيرها، ويرفضون استلام ثمن وجبة الغداء. إلى أن اكتشفت بالصدفة أن الاحترام الزائد الذي كان يحيطه بها هؤلاء أرباب المطاعم ورفضهم استلام ثمن الغداء منبعه الأسطورة التي نسجها فكر القس، الواسع الخيال، حول شخصها، إذ أوهم أصحاب المطاعم، التي كانا يترددون عليها، بأنها أميرة روسية مطرودة من وطمها. بالطبع هذه القصة الخيالية هزت عواطف هؤلاء وتضامنا مع الأميرة الوهمية كانوا يقدمون لها وجبات مجانا. هكذا طلع القس نصابا ومحتالا ولا يمتثل إلا لشهواته المادية.
في إحدى جلساتنا، ومن دون مقدمات، أخذت تتحدث لي عن الإرهاب الذي مارسه البلاشفة في حق الروس. وذكرت لي حادثة حصلت أمامها بعربة القطار التي غادرت على مثنه وطنها برفقة أهلها:
توقف القطار بإحدى المحطات، واعتقد الجميع أنه سيحمل مهاجرين آخرين منها، لكن ما حصل لم يكن بحسبان أحد. فقد صعد جنود بلاشفة واعتقلوا ضابطا قيصريا برتبة ملازم وأنزلوه الرصيف، ثم أعدموه أمام الجميع.
سألتها ساعتها: هل كان بالعربة ضباط قيصريون آخرون أم كان الوحيد؟ أجابتني بأن الغريب في الأمر أنه كان هناك جنرالات وضباط كبار ولم يختاروا سوى ذاك الملازم. قلت لها حينها أ لم يخطر ببال الجميع أن ذاك الملازم قد يكون ارتكب جرائم حرب وأن النظام البلشفي الجديد كان يبحث عنه إلى أن اهتدى إلى مكان تواجده، فليس من المعقول أن يتركوا الجنرالات ويعدمون ملازما؟
غادرت جارتي المغرب إلى فرنسا، حيث تعيش ابنتها الوحيدة بسبب مرض مزمن أقعدها الفراش وخافت أن تموت بعيدة عن فلذة كبدها. وعدت أنا إلى الاتحاد السوفياتي بسبب ظروف قاسية، وانقطعت الصلة وما أعتقدها في تعداد الأحياء.



#زكرياء_الفاضل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من ذكرياتي مع الاتحاد السوفياتي
- الفيزازي من السلفية إلى الاشتراكية أو ما دمت في المغرب فلا ت ...
- الدولة ليست فكرة مجردة ولا جهازا فوق المجتمع
- رسالة عاشق
- رسالة الشعب للقصر في يوم احتفاله
- الفيزازي والاحتيال السياسي
- البيعة في المغرب المعاصر تزوير لإرادة الشعب
- ليس العيب في أن نخطأ بل العيب في أن نتمادى في خطئنا
- إنما المنتصر من يفوز بالحرب لا من يربح معركة
- النادل
- لماذا نقاطع الاستفتاء أو يوم الجمعة يوم حاسم أم يوم انطلاقة ...
- الشعبوية
- شفق أم غروب؟
- عادة حليمة إلى عادتها القديمة
- اتحاد الملوك ضد الشعوب
- حرية الصحافة بين الكر والفر والبلطجية تنشد ثورية القصر
- قتل بن لادن
- الكلمة المتقاطعة أركان
- الزيارات الليبية للمغرب والسر الدفين
- العفو الملكي


المزيد.....




- استطلاع يظهر معارضة إسرائيليين لتوجيه ضربة انتقامية ضد إيران ...
- اكتشاف سبب غير متوقع وراء رمشنا كثيرا
- -القيثاريات- ترسل وابلا من الكرات النارية إلى سمائنا مع بداي ...
- اكتشاف -مفتاح محتمل- لإيجاد حياة خارج الأرض
- هل يوجد ارتباط بين الدورة الشهرية والقمر؟
- الرئيس الأمريكي يدعو إلى دراسة زيادة الرسوم الجمركية على الص ...
- بتهمة التشهير.. السجن 6 أشهر لصحفي في تونس
- لماذا أعلنت قطر إعادة -تقييم- وساطتها بين إسرائيل وحماس؟
- ماسك: كان من السهل التنبؤ بهزيمة أوكرانيا
- وسائل إعلام: إسرائيل كانت تدرس شن هجوم واسع على إيران يوم ال ...


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - زكرياء الفاضل - Madamme Font Du Picard